فصل - مستند الشیعه فی احکام الشریعه جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مستند الشیعه فی احکام الشریعه - جلد 2

احمد بن محمد مهدی النراقی؛ تحقیق: مؤسسة آل البیت (ع) لاحیاء التراث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فصل


(شروط كمال التوبة)


يشترط في تمام التوبة و كمالها بعد تدارك كل معصية بما مر: من طول الندم، و قضاء
العبادات، و الخروج عن مظالم العباد، و طول البكاء و الحزن و الحسرة، و اسكاب
الدموع، و تقليل الاكل، و ارتياض النفس، ليذوب عن بدنه كل لحم نبت من الاغذية
المحرمة و المشتبهة، قال امير المؤمنين (ع) لمن قال بحضرته: استغفر الله: «ثكلتك
امك! اتدري ما الاستغفار؟ ان الاستغفار درجة العليين، و هو اسم واقع على ستة معان:
اولها: الندم على ما مضى، و الثانى: العزم على ترك العود عليه ابدا، و الثالث:
ان تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله امس ليس عليك تبعة، و الرابع: ان تعمد
الى كل فريضة عليك ضيعتها تؤدي حقها، و الخامس: ان تعمد الى اللحم الذي نبت على
السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشا منهما لحم جديد، و السادس:
ان تذيق الجسم الم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول: استغفر الله »
.

فصل


(هل يصح التبعيض في التوبة)


اعلم ان التوبة عن بعض الذنوب دون بعض ممكن و يصح، بشرط الا تكون الذنوب التي
يتوب عنها مخالفة بالنوع للذنوب التي لا يتوب عنها، كان يتوب عن الكبائر دون
الصغائر، او عن القتل و الظلم و مظالم العباد دون بعض حقوق الله، او عن شرب الخمر
دون الزنا او بالعكس، او عن شرب الخمر دون اكل اموال الناس بالباطل خيانة و
تلبيسا او غصبا او قهرا، او عن بعض الصغائر دون بعض الكبائر. كالذي يتوب عن
الغيبة مع اصراره على شرب الخمر، و الدليل على امكان ذلك و صحته: ان العبد اذا
علم ان الكبائر اعظم اثما عند الله و اجلب لسخط الله و مقته و الصغائر اقرب الى
تطرق العفو اليها، فلا يبعد ان يتوب عن الاعظم دون الاصغر، و كذا اذا تصور ان
بعض الكبائر اشد و اغلظ عند الله من بعض، فلا يبعد ان يتوب عن الاغلظ دون الاخف، و قد
تكون ضراوة احد بنوع معصية شديدة، فلا يقدر على الصبر عنها، و تكون ضراوته بنوع آخر
منها اقل، فيمكنه الترك بسهولة، فيتوب عنه دون الاول، و ان كان الاول اغلظ و اشد
اثما، كالذي شهوته بالخمر اشد من شهوته بالغيبة. فيترك الغيبة و يتوب عنها دون
الخمر، فالتوبة عن بعض المعاصي دون بعض مع اختلافهما نوعا باي نحو كان ممكن و
صحيح، و معها يندفع عنه اثم ما تاب عنه، و يكتب عليه اثم ما لم يتب عنه، بل ربما
كان اكثر ما وقع من التوبة من هذا القبيل، اذ كثر التائبون في الاعصار
الخالية و القرون الماضية، و لم يكن احد منهم معصوما، فيكون كل منهم جازما بانه
يصدر عنه معصية البتة. و يدل على الصحة قوله -عليه السلام-: «التائب من الذنب كمن
لا ذنب له » حيث لم يقل: التائب من الذنوب. نعم التوبة عن بعض الذنوب دون بعض مع
تماثلهما غير صحيح و غير معقول، لاستوائهما في حق الشهوة و حق التعرض لسخط الله،
فلا معنى للتوبة عن اخذ الخبز الحرام، او عن اخذ الدرهم الحرام دون الدينار
الحرام او عن ترك صلاة الظهر دون العصر، اذ لو كان ذلك صحيحا لصح ان يتوب عن
اخذ هذا الخبز دون ذلك الخبز، او عن اخذ هذا الدرهم دون ذلك الدرهم. . . و هكذا. و
الحاصل: ان التوبة عن بعض الذنوب دون بعض مع تفاوتهما في العقاب و اقتضاء
الشهوة صحيح، و مع تماثلهما فيهما غير معقول.

و من العلماء من قال: ان التوبة عن البعض دون البعض لا تصح مطلقا، و استدل على
ذلك بان التوبة عبارة عن الندم، و انما يندم على السرقة-مثلا- لكونها معصية لا
لكونها سرقة، و لا يعقل ان يندم عليها دون الزنا ان كان توجعه لاجل المعصية، اذ العلة
شاملة لهما، لان من يتوجع على قتل ولده بالسيف يتوجع على قتله بالسكين، لان
التوجع هو بفوات المحبوب، سواء كان بالسيف او بالسكين، و كذلك توجع التائب
انما هو لفوات المحبوب بالمعصية، سواء عصى بالسرقة او بالزنا، و جوابه قد ظهر
مما ذكرناه.

فصل


(اقسام التائبين)


التائبون بين من سكت نفسه عن الشروع الى الذنوب فلا يحوم حومها، و بين من
بقى في نفسه الشروع اليها و الرغبة فيها و هو يجاهدها و يمنعها:

و الاول بين من سكون النزوع و بطلانه فيه لاجل قوة اليقين و صدق المجاهدة، و من
سكونه و انقطاعه بفتور في نفس الشهوة فقط! و الاول من الاول افضل من الثاني، و
الثاني منه ادون من الثاني، و الوجه ظاهر. و ايضا التائبون بين من نسى
الذنب من دون اشتغال بالتفكر فيه، و بين من جعله نصب عينيه و لا يزال يتفكر فيه
و يحترق ندما عليه. و لا ريب في ان التذكر و الاحتراق بالنظر الى المبتدي و من
يخاف عليه العود افضل، لانه يصده عنه، و النسيان بالنظر الى المنتهى السالك و
الواصل الى مرتبة الحب و الانس الواثق من نفسه انه لا يعود افضل، لانه شغل
مانع عن سلوك الطريق، و حاجب من الحضور بلا فائدة. و لا ينافيه بكاء الانبياء و
تناجيهم من الذنوب، لانهم قد ينزلون في اقوالهم و افعالهم الى الدرجات الائقة
بالامة، فانهم بعثوا لارشادهم، فعليهم التلبس بما ينتفع الامة بمشاهدته، و ان كان
نازلا عن ذروة مقامهم. و لذا قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اما اني لا انى،
و لكن انسى لاشرع » (1) . و لا تعجب من هذا، فان الامم في كنف شفقة الانبياء
كالصبيان في كنف شفقة الآباء، و كالمواشي في كنف الرعاة، و الاب اذا اراد ان
يستنطق ولده الصغير ينزل الى درجة نطق الصبى، و الراعي لشاة او طائر يصوت به رغاء
او صفيرا شبيها بالبهيمة و الطائر، تلطفا في تعليمه.

فصل


(مراتب التوبة)


اعلم ان التائب اما يتوب عن المعاصي كلها و يستقيم على التوبة الى آخر عمره،
فيتدارك ما فرط، و لا يعود الى ذنوبه، و لا يصدر عنه معصية الا الزلات التي لا يخلو
عنها غير المعصومين، و هذه التوبة هي التوبة النصوح، و النفس التي صاحبها هي النفس
المطمئنة التي ترجع الى ربها راضية مرضية، او يتوب عن كبائر المعاصي و الفواحش و
يستقيم على امهات الطاعات، الا انه ليس ينفك عن ذنوب تصدر عنه في مجاري
احواله غفلة و سهوة و هفوة، لا عن محض العمد و تجريد القصد، و اذا اقدم على ذنب لام
نفسه و ندم و تاسف و جدد عزمه على الا يعود الى مثله، و يتشمر للاحتراز عن
اسبابه التي تؤدي اليه، و النفس التي هذه مرتبتها هي النفس اللوامة التي خيرها
يغلب على شرها، و لها حسن الوعد من الله-تعالى-بقوله:

«الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الااللمم ان ربك واسع المغفرة » (2) .

و الى مثلها الاشارة بقوله-صلى الله عليه و آله-: «خياركم كل مفتن تواب » . و في
خبر آخر: «المؤمن كالسنبلة، يفي ء احيانا و يميل احيانا» .

و في خبر آخر: «لا بد للمؤمن من ذنب ياتيه الفينة بعد الفينة » (3) : اي الحين بعد الحين.
و كل ذلك شاهد صدق على ان هذا القدر من الذنوب لا ينقض التوبة و لا يلحق صاحبه بدرجة
المصرين، و من يؤيس مثل هذا عن النجاة و وصوله الى درجة التائبين فهو ناقص، و
مثله مثل الطبيب الذي يؤيس الصحيح من دوام الصحة بما يتناوله من الفواكه مرة
او مرتين، و مثل الفقيه الذي يؤيس المتفقه عن نيل درجة الفقهاء بفتوره عن التكرار
في اوقات نادرة. و لا ريب في نقضانه، فالعالم حق العالم هو الذي لا يؤيس الخلق من
درجات السعادات بما يتفق لهم من الفترات و مقارفة السيئات المختطفات، اذ
امثال الفترات و ما يصدر عن السهو و الغفلات لا يفسد النفس و لا يبطلها بحيث لا
يقبل الاصلاح، او يتوب و يستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب،
فيقدم عليه عمدا و قصدا، لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها، الا انه مع ذلك مواظب على
الطاعات، و تارك لاكثر الذنوب مع القدرة و الشهوة، و انما قهره بعض الشهوات
بحيث يغفل عند هيجانها و يرتكب مقتضاها من دون مجاهدة و ندامة، و عند قضاء هذه
الشهوة و الفراغ عنها يتندم، و يقول ساتوب عنها، لكنه يسول نفسه و يسوف توبته
يوما بعد يوم، و النفس التي هذه درجتها هى التي تسمى النفس المسولة المسؤل
صاحبها، و اليها الاشارة بقوله-تعالى-:

«و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاصالحا و آخر سيئا» (4) .

فنجاتها من حيث مواظبته على الطاعات و كراهته لما يتعاطاه مرجو، فعسى
الله ان يتوب عليها، و لكن يخاف عليها من حيث تسويفها و تاخيرها، فربما
اختطفها الموت قبل التوبة، و يقع امرها في المشيئة، فيدخل في زمرة السعداء، او
يسلك في سلك الاشقياء، او يتوب و يجري مدة على الاستقامة، ثم يعود الى الذنوب
عمدا و قصدا، من غير ان يحدث نفسه بالتوبة، و من غير ان يتاسف و يتندم، بل ينهمك
انهماك الغافل فى الذنوب و اتباع الشهوات و هذا معدود من المصرين، و نفسه
محسوبة من النفوس الامارة بالسوء الفرارة من الخير، و مثله ان مات على التوحيد
و ختم له بالحسنى و غلبت طاعاته على سيئاته كان من اهل الجنة، و ان ختم له
بالسوء كان من اهل النار، و ان مات على التوحيد و لكن ترجحت سيئاته على حسناته
فامره الى الله، و لعله يعذب في النار مدة بقدر زيادة سيئاته على حسناته، ثم يخلص
منها بعميم لطفه.

فصل


(عدم الثقة بالاستقامة لا يمنع من التوبة)


اعلم ان من تاب و لا يثق من نفسه الاستقامة على التوبة فلا ينبغي ان يمنعه ذلك
عن التوبة، علما منه انه لا فائدة فيه. فان ذلك من غرور الشيطان، و من اين له
هذا العلم، فلعله يموت تائبا قبل ان يعود الى الذنب.

و اما الخوف من العود، فليتدار كه بتجريد القصد و صدق العزم، فان و فى به فقد
نال مطلبه، و الا فقد غفرت ذنوبه السابقة كلها و تخلص منها، و ليس عليه الا هذا
الذنب الذي احدثه الآن. و هذا من الفوائد العظيمة و الارباح الجسيمة، فلا يمنعك
خوف العود من التوبة، فانك من التوبة ابدا بين احدى الحسنيين:
-احداهما-العظمى: و هي غفران الذنوب السابقة و عدم العود الى ذنبه في الاستقبال.
-و ثانيهما-و هي الصغرى: غفران الذنوب الماضية، و ان لم يمنع العود الى الذنب في
المستقبل. ثم اذا عاد الى الذنب ينبغي ان يتوب عنه دفعة، و يتبعه بحسنة
لتمحوها، فيكون ممن خلط عملا صالحا و آخر سيئا. و الحسنات المكفرة للذنوب اما
متعلقة بالقلب:

و هي الندم، و التضرع الى الله، و التذلل له، و اضمار الخير للمسلمين، و العزم
على الطاعات، او باللسان: و هي الاعتراف بالظلم و الاساءة، و كثرة الاستغفار،
او بالجوارح: و هي انواع الطاعات و الصدقات. و ينبغي ملاحظة المناسبة بين
السيئة التي صدرت عنه و الحسنة التي يتبعها لتمحوها. و في الخبر:

ان الذنب اذا اتبع بثمانية اعمال كان العفو عنه مرجوا: اربعة من اعمال
القلوب، و هي: التوبة او العزم على التوبة، و حب الاقلاع عن الذنب، و تخوف العقاب
عليه، و رجاء المغفرة، و اربعة من اعمال الجوارح و هي: ان تصلي عقب الذنب ركعتين،
ثم تستغفر الله-تعالى-بعدهما سبعين مرة و تقول سبحان الله العظيم و بحمده مائة
مرة، ثم تتصدق بصدقة، ثم تصوم يوما. و في بعض الاخبار: تسبغ الوضوء و تدخل
المسجد و تصلي ركعتين، و في بعضها: تصلي اربع ركعات. و لا تظنن ان الاستغفار
باللسان بدون حل عقدة الاصرار لا فائدة فيه اصلا، بل هو توبة الكذابين، لما ورد من:
ان المستغفر من الذنب و هو مصر عليه كالمستهزئ بآيات الله، لان الاستغفار
الذي هو توبة الكذابين و لا فائدة فيه اصلا هو الاستغفار بمجرد اللسان و بحكم
العادة و على سبيل الغفلة، اي ما يكون مجرد حركة اللسان من دون مدخلية للقلب، كما
اذا سمع شيئا مخوفا، فيقول على الغفلة.

استغفر الله، او نعوذ بالله، من غير شركة للقلب فيه و تاثره منه، و اما اذا
انضاف اليه تضرع القلب و ابتهاله فى سؤال المغفرة عن صدق ارادة و خلوص رغبة و
ميل قلبي الى انقلاعه عن هذا الذنب فهي حسنة في نفسها، و ان علم ان نفسه الامارة
ستعود الى هذا الذنب فتصلح هذه الحسنة لان يدفع بها السيئة، فالاستغفار بالقلب
و ان خلا عن حل عقدة الاصرار لا يخلو عن الفائدة، و ليس وجوده كعدمه. و قد عرف ارباب
القلوب بنور البصيرة معرفة قطعية يقينية لا يعتريها ريب و شبهة صدق قوله-تعالى-:

«فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره » (5) .

و لذا جزموا و قطعوا بانه لا تخلو ذرة من الخير عن اثر كما لا تخلو شعيرة تطرح في
الميزان عن اثر، و لو كانت كل شعيرة خالية عن اثر لكان لا يرجح الميزان باجتماع
الشعيرات، فميزان الحسنات يترجح بذرات الخيرات الى ان يثقل فتسل كفة
السيئات، فاياك و ان تستصغر ذرات الطاعات فلا تاتيها، و تستحقر ذرات
المعاصي فلا تتقيها، كالمراة الخرفاء تكسل عن الغزل تعللا بانها لا تقدر في كل
ساعة الا على خيط واحد، و اي غنى يحصل منه، و ما وقع ذلك في الثياب، و لا تدري ان ثياب
الدنيا اجتمعت خيطا خيطا، و ان اجسام العالم مع اتساع اقطاره اجتمعت ذرة
ذرة، و ربما ترتب على عمل قليل ثواب جزيل، فلا ينبغي تحقير شي ء من الطاعات. قال
الصادق -عليه السلام-: «ان الله-تعالى-خبا ثلاثا في ثلاث: رضاه في طاعته، فلا
تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه. و غضبه في معاصيه، فلا تحقروا شيئا فلعل غضبه فيه.
و خبا ولايته في عباده، فلا تحقروا منهم احدا فلعله ولي الله » . فاذا الاستغفار
بالقلب حسنة لا يضيع اصلا، بل ربما قيل:

الاستغفار بمجرد اللسان ايضا حسنة، اذ حركة اللسان بها غفلة خير من السكوت عنه،
فيظهر فضله بالنظر الى السكوت عنه، و ان كان نقصا بالاضافة الى عمل القلب،
فينبغى الا تترك حركة اللسان بالاستغفار، و يجتهد في اضافة حركة القلب اليها، و
يتضرع الى الله ان يشرك القلب مع اللسان في اعتياد الخير.

فصل


(علاج الاصرار على الذنوب)


اعلم ان الطريق الى تحصيل التوبة، و العلاج لحل عقدة الاصرار على الذنوب: ان
يتذكر ما ورد في فصلها-كما مر-و يتذكر قبح الذنوب و شدة العقوبة عليها، و ما ورد
في الكتاب و السنة من ذم المذنبين و العاصين، و يتامل في حكايات الانبياء و
اكابر العباد، و ما جرى عليهم من المصائب الدنيوية، بسبب تركهم الاولى و
ارتكابهم بعض صغائر المعاصي، و ان يعلم ان كل ما يصيب العبد فى الدنيا من العقوبة
و المصائب فهو بسبب معصيته-كما دل عليه الاخبار الكثيرة-و يتذكر ما ورد من
العقوبات على احاد الذنوب: كالخمر، و الزنا، و السرقة، و القتل، و الكبر، و الحسد،
و الكذب، و الغيبة، و اخذ المال الحرام. . . و غير ذلك من احاد المعاصي مما لا
يمكن حصره، ثم يتذكر ضعف نفسه و عجزها عن احتمال عذاب الآخرة و عقوبة الدنيا، و
يتذكر خساسة الدنيا و شرف الآخرة، و قرب الموت و لذة المناجاة مع ترك الذنوب، و
لا يغتر بعدم الاخذ الحالي، اذ لعله كان من الاملاء و الاستدراج. فمن تامل في
جميع ذلك و علم ذلك على سبيل التحقيق انبعثت نفسه للتوبة، اذ لو لم ينزعج الى
التوبة بعد ذلك، فهو اما معتوه احمق او غير معتقد بالمعاد، و ينبغي ان يجتهد في قلع
اسباب الاصرار من قلبه! اعني الغرور، و حب الدنيا، و حب الجاه، و طول الامل. . .
و غير ذلك.

فصل


(الانابة)


اعلم ان الانابة هو الرجوع عن كل شي ء مما سوى الله، و الاقبال على
الله-تعالى-بالسر و القول و الفعل، حتى يكون دائما في فكره و ذكره و طاعته، فهو
غاية درجات التوبة و اقصى مراتبها، اذ التوبة هو الرجوع عن الذنب الى الله.
و الانابة هو الرجوع عن المباحات ايضا اليه-سبحانه-، فهو من المقامات
العالية و المنازل السامية. قال الله-سبحانه-:

«و انيبوا الى ربكم و اسلموا له » (6) . و قال -سبحانه-: «و ما يتذكر الا من ينيب » (7) .
و قال:

«و ازلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل اواب حفيظ، من خشي
الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود، لهم ما يشاؤن
فيها و لدينا مزيد» (8) .

و انابة العبد تتم بثلاثة امور:

الاول-ان يتوجه اليه بشراشر باطنه حتى يستغرق قلبه في فكره.

الثاني-الا يكون خاليا عن ذكره و ذكر نعمه و مواهبه و ذكر اهل حبه و تقربه.

الثالث-ان يواظب على طاعاته و عباداته مع خلوص النية.

المحاسبة و المراقبة


[تذنيب]-اعلم ان المحاسبة و المراقبة قريبة من التوبة في ضديتهما من وجه
الاصرار على الذنوب. و مثلها في كونهما من ثمرات الخوف و الحب و تعلقهما بقوتي
الشهوة و الغضب و كونهما من فضائلها، فنحن نشير هنا الى ما يتعلق بهما من
بيان حقيقتهما و فضيلتهما و الاعمال التي يتوقف تماميتها عليهما في فصول.

فصل


(المعنى الظاهر للمحاسبة و المراقبة)


[المحاسبة]: ان يعين في كل يوم و ليلة وقتا يحاسب فيه نفسه بموازنة طاعاته و
معاصيه، ليعاتب نفسه، و يقهرها لو وجدها في هذا اليوم و الليلة مقصرة في طاعة
واجبة، او مرتكبة لمعصية، و يشكر الله -سبحانه-لو اتت بجميع الواجبات و لم يصدر
منها معصية، و يزيد الشكر لو صدر منها شي ء من الخيرات و الطاعات المندوبة.

[و المراقبة]: ان يلاحظ ظاهره و باطنه دائما، حتى لا يقدم على شي ء من المعاصي، و لا
يترك شيئا من الواجبات ليتوجه عليه اللوم و الندامة وقت المحاسبة. هذا هو
المعنى الظاهر للمحاسبة و المراقبة، و ياتي اعتبار امور و اعمال اخر فيه
عرفا.

فصل


(حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا)


اعلم ان الكتاب و السنة و اجماع الامة دالة على ثبوت المحاسبة يوم القيامة، و
حصول التدقيق و المناقشة في الحساب، و المطالبة بمثاقيل الذر من الاعمال و
الخطرات و اللحظات، قال الله-سبحانه-:

«و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من
خردل اتينا بها و كفى بنا حاسبين » (9) . و قال: «يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما
عملوا احصاه الله و نسوه و الله على كل شى ء شهيد» (10) . و قال: «و وضع الكتاب فترى
المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و
لا كبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك احدا» (11) .

و قال: «يومئذ يصدر الناس اشتاتا ليروا اعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره،
و من يعمل مثقال ذرة شرا يره » (12) . و قال: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و
ما عملت من سوء تودلو ان بينها و بينه امدا بعيدا» (13) . و قال: «ثم توفى كل نفس ما
كسبت و هم لا يظلمون » (14) . و قال:

«فوربك لنسئلنهم اجمعين عما كانوا يعملون » (15) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ما منكم من احد الا و يساله رب العالمين،
ليس بينه و بينه حجاب و لا ترجمان » . و ورد بطرق متعددة:

ان كل احد في يوم القيامة لا يرفع قدما عن قدم حتى يسال عن عمره فيما افناه، و
عن جسده فيما ابلاه، و عن ماله من اين اكتسبه و فيا انفقه.

و الآيات و الاخبار الواردة في محاسبة الاعمال و السؤال عن القليل و الكثير
و النقير و القطمير اكثر من ان تحصى، و بازائها اخبار دالة على الامر
بالمحاسبة و المراقبة في الدنيا، و الترغيب عليها، و على كونها سببا للنجاة و
الخلاص عن حساب الاخرة، و خطره و مناقشته. فمن حاسب نفسه قبل ان يحاسب، و
طالبها في الانفاس و الحركات، و حاسبها في الخطرات و اللحظات، و وزن بميزان
الشرع اعماله و اقواله: خف في القيامة حسابه و حضر عند السؤال جوابه، و حسن
منقلبه و مآبه. و من لم يحاسب نفسه:

دامت حسراته، و طالت في عرصات القيامة و قفاته، و قادته الى الخزى سيئاته، قال
الله-سبحانه-:

«و لتنظر نفس ما قدمت لغد» (16) .

و المراد بهذا النظر: المحاسبة على الاعمال. و قال رسول الله-صلى الله عليه و
آله-: «حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا، و زنوها قبل ان توزنوا» .

و قال الصادق (ع) : «اذا اراد احدكم الا يسال ربه شيئا الا اعطاه فليياس من
الناس كلهم، و لا يكون له رجاء الا من عند الله-تعالى-، فاذا علم الله -تعالى-ذلك
من قلبه لم يساله شيئا الا اعطاه، فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا عليها، فان
للقيامة خمسين موقفا، كل موقف مقام الف سنة.

ثم تلا:

«في يوم كان مقداره خمسين الف سنة » (17) .

و تفريع المحاسبة على الامر بالياس عن الناس و الرجاء من الله، يدل على ان
الانسان انما يرجو الناس من دون الله في عامة امره و هو غافل عن ذلك، و ان عامة
المحاسبات انما ترجع الى ذلك، و ذكر الوقوف في مواقف يوم القيامة على
الامر بمحاسبة النفس يدل على ان الوقفات هناك انما تكون للمحاسبات، فمن حاسب
نفسه في الدنيا يوما فيوما لم يحتج الى تلك الوقفات في ذلك اليوم، و قال (ع) :
«لو لم يكن للحساب مهول الا حياء العرض على الله-تعالى-، و فضيحة هتك الستر على
المخفيات، لحق للمرء الا يهبط من رؤوس الجبال، و لا ياوى الى عمران، و لا ياكل، و
لا يشرب، و لا ينام، الا عن اضطرار متصل بالتلف، و مثل ذلك يفعل من يرى القيامة
باهوالها و شدائدها قائمة في كل نفس، و يعاين بالقلب الوقوف بين يدى الجبار، حينئذ
ياخذ نفسه بالمحاسبة، كانه الى عرصاتها مدعو و في غمراتها مسؤل، قال
الله-تعالى-:

«و ان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها و كفى بنا حاسبين » (18) . (19) .

و قال الكاظم-عليه السلام-: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنة
استزاد الله-تعالى-، و ان عمل سيئة استغفر الله منها و تاب اليه » . و في بعض
الاخبار: ينبغي ان يكون للعاقل اربع ساعات: ساعة يحاسب فيها نفسه. . .

فصل


(مقامات مرابطة العقل للنفس)


اعلم ان العقل بمنزلة تاجر في طريق الآخرة، و راس ماله العمر، و قد استعان في
تجارته هذه بالنفس، فهى بمنزلة شريكه او غلامه الذى يتجر في ماله، و ربح هذه
التجارة تحصيل الاخلاق الفاضلة و الاعمال الصالحة الموصلة الى نعيم الابد و
سعادة السرمد. و خسرانها المعاصى و السيئات المؤدية الى العذاب المقيم في
دركات الجحيم، او نقول: راس مال العبد في دينه الفرائض، و ربحه النوافل و
الفضائل، و خسرانه المعاصى، و موسم هذه التجارة مدة العمر، و كما ان التاجر
يشارط شريكه اولا، و يراقبه ثانيا، و يحاسبه ثالثا، و ان قصر في
التجارة-بالخيانة و الخسران و تضييع راس المال-يعاتبه و يعاقبه و ياخذ منه
الغرامة، كذلك العقل يحتاج في مشاركة النفس الى ان يرتكب هذه الاعمال، و مجموع
هذه الاعمال يسمى ب (المحاسبة و المراقبة) تسمية الكل باسم بعض اجزائه، و قد يسمى
(مرابطة) ايضا.

فاول الاعمال في المرابطة (المشارطة) : و هى ان يشارط النفس و ياخذ منها العهد و
الميثاق في كل يوم و ليلة مرة الا يرتكب المعاصى، و لا يصدر منها شي ء يوجب سخط الله.
و لا يقصر في شي ء من الطاعات الواجبة، و لا يترك ما تيسر له من الخيرات و
النوافل. و الاولى ان يكون ذلك بعد الفراغ عن فريضة الصبح و تعقيباتها، فيخاطب
النفس و يقول لها: يا نفس! مالى بضاعة سوى. العمر، و مهما فني فنى راس المال. و وقع
الياس عن التجارة و طلب الربح، و هذا اليوم الجديد، و قد امهلني الله فيه بعظيم
لطفه، و لو توفانى لكنت اتمنى ان يرجعنى الى الدنيا يوما واحدا لاعمل صالحا،
فاحسبى انك توفيت ثم رددت، فاياك ان تضيعي هذا اليوم، فان كل نفس من انفاس
العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها، يمكن ان يشترى بها كنزا من الكنوز لا يتناهى نعيمها
ابد الآباد. و يتذكر ما ورد في بعض الاخبار: من ان كل عبد خلقت له بازاء كل يوم و
ليلة من عمره اربع و عشرون خزانة مصفوفة فاذا مات تفتح له هذه الخزائن، و يشاهد كل
واحد منها و يدخلها، فاذا فتحت له خزانة خلقت بازاء الساعة التي اطاع الله فيها،
يراها مملوة نورا من حسناته التى عملها في تلك الساعة، فيناله من الفرح و
الاستبشار بمشاهدة تلك الانوار التي هى وسائل عند الملك الجبار ما لو وزع على
اهل النار لادهشهم ذلك الفرح عن الاحساس بالم النار، و اذا فتحت له خزانة
لقت بازاء الساعة التي عصى الله فيها، يراها سوداء مظلمة يفوح نتنها ويتغشا
ظلامها، فيناله من الهول و الفزع ما لو قسم على اهل الجنة لينغص عليهم نعيمها،
فاذا فتحت له خزانة بازاء الساعة التي نام فيها او غفل او اشتغل بشى ء من
مباحات الدنيا، لم يشاهد فيها ما يسره و لا ما يسوؤه، و هكذا يعرض عليه بعدد
ساعات عمره الخزائن، و عند ذلك يتحسر العبد على اهماله و تقصيره، و يناله من
الغبن ما لا يمكن وصفه، و بعد هذا التذكر يخاطب نفسه و يقول: اجتهدى اليوم في ان
تعميرى خزائنك، و لا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هى اسباب ملكك و لا تركني الى الكسل
و البطالة فيفوتك من درجات العليين ما يدركه غيرك فتدركك الحسرة و الغبن
يوم القيامة ان دخلت الجنة، اذ الم الغبن و الحسرة و انحطاط الدرجة مع وجود
ما فوقها من الدرجات الغير المتناهية التي نال اليها ابناء نوعك مما لا يطاق،
ثم يستانف لها وصية فى اعضائه السبعة: اعنى العين، و الاذن، و اللسان، و
الفرج، و البطن، و اليد، و الرجل، و يسلمها اليها، لانها رعايا خادمة لها في
التجارة، و لا يتم اعمال هذه التجارة الا بها، فيوصيها بحفظ هذه الاعضاء عن
المعاصى التي تصدر عنها، و باعمال كل منها فيما خلق لاجله، ثم يوصيها
بالاشتغال بوظائف الطاعات التي تتكرر عليه في اليوم و الليلة، بالنوافل و
الخيرات التي تقدر عليها، و هذه شروط يفتقر اليها كل يوم، لكن اذا اعتادت النفس
بتكرر المشارطة و المراقبة بالعمل بها و الوفاء بحقها استغنى عن المشارطة فيها،
و ان اعتادت بالعمل في بعضها لم تكن حاجة الى المشارطة فيه، و بقيت الحاجة
اليها في الباقي، و كل من يشتغل بشى ء من اعمال الدنيا: من ولاية، او تجارة، او
تدريس او امثال ذلك: لا يخلو كل يوم منه من مهم جديد، و واقعة حادثة لها حكم جديد، و
لله فيها حق، فعليه ان يجدد الاشتراط على نفسه بالاستقامة عليها و الانقياد للحق
في مجاريها، و ينبغي ان يوصيها بالتدبر في عاقبة كل امر يرتكبه في هذا اليوم
و الليلة. و هذه الوصية عمدة الوصايا و راسها، و قد روى: «ان رجلا اتى النبي-صلى الله
عليه و آله-و قال: يا رسول الله اوصني، فقال له: فهل انت مستوص ان انا اوصيتك؟
-حتى قال له ذلك ثلاثا، و في كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله! -فقال له رسول
الله (ص) :

اذا هممت بامر فتدبر عاقبته، فان يك راشدا فامضه، و ان يك غيا فانته »

و يظهر من هذا الخبر: ان التامل في عاقبة كل امر اعظم ما يحصل به النجاة فينبغي
ان يؤكد العهد و الميثاق في ذلك على النفس و يحذرها عن الاهمال، و يعظها كما يوعظ
العبد للتمرد الآبق، فان النفس بالطبع متمردة عن الطاعات، مستعصية عن
العبودية، و لكن الوعظ و التاديب يؤثر فيها، (و ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
فهذا و ما يجرى مجراه هو المشارطة، و هو اول مقامات المرابطة.

و ثانيها (المراقبة) : و هو ان يراقب نفسه عند الخوض في الاعمال، فيلاحظها بالعين
الكالئة، فانها ان تركت طغت و فسدت، ثم يراقب الله في كل حركة و سكون، بان يعلم ان
الله-تعالى-مطلع على الضمائر، عالم بالسرائر، رقيب على اعمال العباد، قائم على كل
نفس بما كسبت، و ان سر القلب في حقه مكشوف، كما ان ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل اشد
من ذلك، قال الله-سبحانه-:

«ان الله كان عليكم رقيبا» (20) . و قال: «الم يعلم بان الله يرى؟ » (21) .

و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «الاحسان ان تعبد الله كانك تراه، فان لم
تكن تراه فانه يراك » . و في الحديث القدسي: «انما يسكن جنات عدن، الذين اذا هموا
بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني، و الذين افحنت اصلابهم من خشيتي، و عزتي و جلالى!
اني لاهم بعذاب اهل الارض فاذا نظرت الى اهل الجوع و العطش من مخافتي صرفت
عنهم العذاب » .

و حكى: «ان زليخا لما خلت بيوسف، فقامت و غطت وجه صنمها، فقال يوسف. مالك؟
اتستحيين من مراقبة جماد و لا استحيي من مراقبة الملك الجبار؟ ! » . و هذه
المعرفة-اعني معرفة اطلاع الله على العباد و اعمالهم و سرائرهم و كونه رقيبا
عليهم-اذا صارت يقينا-اى خلت عن الشك-ثم استولت على القلب سخرت القلب و قهرته
على مراعاة جانب الرقيب و صرفت الهمة اليه، و الموقنون بهذه المعرفة مراقبتهم
على درجتين: -احداهما- مراقبة المقربين، و هى مراقبة التعظيم و الاجلال، و هى ان
يصير القلب مستغرقا بملاحظة الجلال، ، و منكسرا تحت الهيبة، فلا يبقى فيه متسع
للالتفات الى الغير، و هذا هو الذى صار همه هما واحدا، و كفاه الله سائر
الهموم، -و اخراهما-مراقبة الورعين من اصحاب اليمين، و هم قوم غلب عليهم
يقين اطلاع الله على ظهورهم و بواطنهم، و لكن لا تدهشهم ملاحظة الجلال و الجمال، بل
بقيت قلوبهم على حد الاعتدال متسعة للالتفات الى الاحوال و الاعمال و المراقبة
فيها، و غلب عليهم الحياء من الله، فلا يقدمون و لا يجمحون الا بعد التثبت و
يمتنعون عن كل ما يفتضحون به في القيامة، فانهم يرون الله مطلعا عليهم، فلا
يحتاجون الى انتظار القيامة. ثم ينبغى للعبد الا يغفل عن مراقبة نفسه و التضييق
عليها في لحظة من حركاتها و سكناتها و خطراتها و افعالها.

و حالاته لا تخلو عن ثلاثة: لانه اما ان تكون في طاعة، او معصية، او مباح.
فمراقبته في الطاعة، بالقربة، و الاخلاص، و الحضور، و الاكمال، و حراستها عن
الآفات، و مراعاة الادب. و مراقبته في المعصية: بالتوبة، و الندم، و الاقلاع، و
الحياء، و الاشتغال بالتكفير. و مراقبته في المباح:

بمراعاة الادب، بان ياكل بعد التسمية، و غسل اليدين، و سائر الآداب المقررة في
الشرع للاكل، و يقعد مستقبل القبلة، و ينام بعد الوضوء على اليد اليمنى مستقبل القبلة،
و بالصبر عند ابتلائه يلية و مصيبة، و بالشكر عند كل نعمة، و يتذكر شهود المنعم و حضوره،
و يكف النفس عن الغضب و سوء الخلق عند حدوث امر تميل النفس عنده الى الغضب و التضجر
و التكلم بما لا يحسن من الاقوال، فان لكل واحد من افعاله و اقواله حدودا لا بد
من مراعاتها بدوام المراقبة، و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، و ينبغى الا يخلو
عند اشتغاله بالمباحات عن عمل هو الافضل، كالذكر و الفكر و تخليص النية، فان
الطعام الذى يتناوله من عجائب صنع الله، فلو تفكر فيه و تدبر في فوائده و حكمه و
ما فيه من غرائب قدرة الله لكان ذلك افضل من كثير من اعمال الجوارح، و الناس
عند الاكل على اقسام: (قسم) ينظرون فيه بعين التبصر و الاعتبار، فينظرون في
عجائب صنعته و كيفية ارتباط قوام الحيوانات به، و كيفية تقدير الله لاسبابها
و خلق الشهوة الباعثة عليها و خلق الآلات المسخرة للشهوة و امثال ذلك، و هؤلاء هم
اولو الالباب. (و قسم)

ينظرون فيه بعين المقت و الكراهة، و يلاحظون وجه الاضطرار اليها، و يتمنون
الاستغناء عنه، و عدم كونهم مقهورين مسخرين بشهوته، و هؤلاءهم الزهاد. (و قسم) يرون
فيه خالته، و يشاهدون في الصنع الصانع، و يترقون منه الى صفات الخالق، من حيث ان
كل معلول اثر من العلة، و رشحة من رشحات ذاته و صفاته، فمشاهدته تذكر العلة، بل
التامل يرشدك الى ان دلالة كل ذرة ترى من ذرات العالم على ربك و خالقك و
ايجابها لحضوره عندك و ظهوره لديك و توجهه اليك و قربه منك اشد و اقوى من دلالة
مشاهدتك بدن زيد و صورته و حركاته و سكناته على وجوده و حضوره عندك، و سر ذلك ظاهر
واضح. و هؤلاء المشاهدون الصانع في كل مصنوع و الخالق في كل مخلوق، هم العرفاء المحبون،
اذ المحب اذا راى صنعة حبيبه و تصنيفه و آثاره و ما ينتسب اليه اشتغل قلبه
بالمحبوب، و كل ما يتردد العبد فيه و ينظر اليه من الموجودات هو صنع
الله-تعالى-، فله في النظر منها الى الصانع مجال ان فتحت له ابواب الملكوت. (و
قسم) ينظرون فيه بعين الحرص و الشهوة، و ليس نظرهم الى الطعام الا من حيث يوافق
شهوتهم و تلتذ به ذائقتهم، و لذلك يذمونه لو لم يوافق هواهم، و هؤلاء اكثر اهل
الدنيا. و ثالثها-اي ثالث مقامات المرابطة و اعمالها-هو (المحاسبة) بعد العمل،
فان العبد كما يختار وقتا في اول كل يوم ليشارط فيه النفس على سبيل التوصية
بالحق، ينبغى له ان يختار وقتا في آخر كل يوم ليطالب النفس فيه بما اوصى به، و
يحاسبها على جميع حركاتها و سكناتها، كما يفعل التجار في آخر كل سنة مع الشركاء.
و هذا امر لازم على كل سالك لطريق الآخرة معتقد للحساب في يوم القيامة. و قد ورد في
الاخبار: ان العاقل ينبغي ان يكون له اربع ساعات: ساعة يناجى فيها ربه، و ساعة
يحاسب فيها نفسه و ساعة يتفكر في صنع الله، و ساعة يخلو فيها للمطعم و المشرب. و
لذلك كان الصدر الاول من الخائفين و من تقدمنا من سلفنا الصالحين في غاية السعى
و الاهتمام في محاسبة النفس، بحيث كانت عندهم من الطاعات الواجبة، و كانوا
اشد محاسبة لنفوسهم من سلطان غاشم، و من شريك شحيح، و يعتقدون ان العبد لا يكون من
اهل التقوى و الورع حتى يحاسب نفسه اتم من محاسبة شريكه، و ان من لا يحاسب نفسه
اما معتوه احمق او لا يعتقد بحساب يوم القيامة، اذ العاقل المعتقد به مع اهواله
و شدائده و ما يوجبه من الخجلة و الحياء و الافتضاح، اذا علم ان محاسبة النفس في
الدنيا تسقطه او توجب خفته، كيف يجوز له ان يتركها؟

ثم كيفية المحاسبة بعد العمل: ان يطالب نفسه اولا بالفرائض التي هى بمنزلة راس
ماله، فان ادتها على وجهها شكر الله عليه و رغبها في مثلها، و ان فوتتها من
اصلها طالبها بالقضاء، و ان ادتها ناقصة كلفها بالجبران بالنوافل، و ان
ارتكب معصية اشتغل بعتابها و تعذيبها و معاقبتها، و استوفى منها ما يتدارك به
ما فرط، كما يصنع التاجر بشريكه. و كما انه يفتش في حساب الدنيا عن الحبة و
القيراط و النقير و القطمير، فيحفظ مداخل الزيادة و النقصان حتى لا يغبن في شى ء
منها، كذلك ينبغى ان يفتش من افعال النفس و يضيق عليها، و ليتق غائلتها و حيلتها،
فانها خداعة مكارة ملبسة. فليطالبها اولا بتصحيح الجواب عن جميع ما تكلم به
طول نهاره، و ليتكفل بنفسه من الحساب قبل ان يتولاه غيره في صعيد القيامة، ثم
بتصحيح الجواب عن جميع افعاله و احواله: من نظره، و قيامه، و قعوده، و نومه، و
اكله، و شربه، حتى عن سكوته لم سكت، و عن سكوته لم سكن، و عن خواطره، و افكاره، و
صفاته النفسية، و اخلاقه القلبية، فان خرجت عن عهدة الجواب عن الجميع، بحيث
ادت الحق في الجميع، و لم يترك شيئا مما يجب عليها و لم ترتكب شيئا من المعاصى:
حصل لها الفراغ من حساب هذا اليوم، و لم يكن شيئا باقيا عليها، و ان ادت الحق
في البعض دون البعض، كان قدر ما ادت الحق فيه محسوبا لها، و يبقى غيره باقيا
عليها فيثبته عليها، و ليكتب على صحيفة قلبه كما يكتب الباقي على شريكه على قلبه و
على جريدته. ثم النفس غريم يمكن ان تستوفى منها الديون، اما بعضها فبالغرامة و
الضمان، و بعضها برد عينه، و بعضها بالعقوبة لها على ذلك، و لا يمكن شي ء من ذلك الا
بعد تحقق الحساب و تمييز الباقي من الحق الواجب عليه، فاذا حصل ذلك اشتغل بعده
بالمطالبة و الاستيفاء.

و رابعها-و هو آخر مقامات المرابطة- (معاتبة النفس) و معاقبتها على تقصيرها، و
المجاهدة بتكليفها الطاعات الشاقة، و الزامها الرياضات الشديدة، فانه اذا
حاسب نفسه، فوجدها خائنة في الاعمال، مرتكبة للمعاصى، مقصرة في حقوق الله، متوانية
بحكم الكسل و البطالة في شى ء من الفضائل، فلا ينبغى ان يهملها، اذ لو اهملها سهل
عليه مقارفة المعاصى، و انس بها بحيث عسر بعد ذلك فطامها عنها. فينبغى للعاقل ان
يعاتبها اولا و يقول: اف لك يا نفس! اهلكتينى و عن قريب تعذبين في النار مع
الشياطين و الاشرار، فيا ايتها النفس الامارة الخبيثة! اما تستحيين و عن
عيبك لا تنتهين؟ ! فما اعظم جهلك و حماقتك! اما تعرفين ان بين يديك الجنة و
النار و انت صائرة الى احداهما عن قريب؟ فمالك تضحكين و تفرحين و باللهو و
العصيان تشتغلين؟ اما علمت ان الموت ياتى بغتة من غير اخبار، و هو اقرب
اليك عن كل قريب؟ فمالك لا تستعدين له؟ اما تخافين من جبار السماوات و
الارض، و لا تستحيين منه؟ تعصين بحضرته و انت عالمة بانه مطلع عليك؟ ! ويحك يا
نفس! جراتك على معصية الله ان كانت لاعتقادك انه لا يراك فما اعظم كفرك، و ان كانت
مع علمك باطلاعه عليك فما اشد و قاحتك و اقل حياؤك، و ما اعجب نفاقك، و كثرة
دعاويك الباطلة! فانك تدعين الايمان بلسانك، و اثر النفاق ظاهر عليك! فتنبهى
عن رقدتك و خذى حذرك! لو ان يهوديا اخبرك في الذ اطعمتك بانه يضرك لصبرت و
تركتيه! و لو اخبرك طفل بعقرب في ثوبك نزعتيه! فقول الله و قول انبيائه المؤيدين
بالمعجزات و قول الاولياء و الحكماء و العلماء اقل تاثيرا عندك من قول يهودى او طفل؟
! . . . فلا يزال يكرر عليها امثال هذه المواعظ و التوبيخات و المعاتبات، ثم
يعاقبها و يلزمها ما يشق عليها من وظائف العبادات و التصدق بما يحبه، جبرا
لما فات منها و تداركا لما فرط فيها، فاذا اكل لقمة مشتبهة ينبغى ان يعاقب
البطن بالجوع، و اذا نظر الى غير محرم يعاقب العين بمنع النظر، و اذا اغتاب
مسلما يعاقب اللسان بالصمت و الذكر مدة كثيرة، و كذلك يعاقب كل عضو من اعضائه
اذا صدرت منه معصية بمنعه من شهواته، و اذا استخف بصلاة الزم نفسه بصلاة كثيرة
بشرائطها و آدابها. و اذا استهان بفقير اعطاه صفو ماله، و هكذا الحال في سائر
المعاصى و التقصيرات.

و طريق العلاج في الزام النفس-بعد تقصيرها في العمل على هذه العقوبات و ربطها على
تلك الطاعات الشاقة و الرياضات-امران:

الاول-تذكر ما ورد في الاخبار من فضيلة رياضة النفس و مخالفتها.

و الاجتهاد في الطاعة و العبادة و وظائف الخيرات، قال الصادق (ع) : «طوبى لعبد
جاهد في الله نفسه و هواه! و من هزم جند هواه ظفر برضاء الله، و من جاوز عقله نفسه
الامارة بالسوء بالجهد و الاستكانة و الخضوع على بساط خدمة الله-تعالى-فقد فاز
فوزا عظيما، و لا حجاب اظلم و اوحش بين العبد و بين الله-تعالى-من النفس و
الهوى، و ليس لقتلهما و قطعهما سلاح و آلة مثل الافتقار الى الله، و الخشوع، و
الجوع و الظماء بالنهار، و السهر بالليل، فان مات صاحبه مات شهيدا، و ان عاش
و استقام اداه عاقبته الى الرضوان الاكبر، قال الله-عز و جل-:

«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين » (22) .

و اذا رايت مجتهدا ابلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك و لمها و عيرها، تحثيثا
على الازدياد عليه، و اجعل لها زماما من الامر، و عنانا من النهى، و سقها
كالرابض للفارة الذى لا يذهب عليه خطوة من خطواته الا و قد صح اولها و آخرها، و
كان رسول الله (ص) يصلى حتى تورمت قدماه، و يقول:

(افلا اكون عبدا شكورا) ، اراد ان يعتبر به امته. فلا تغفلوا عن الاجتهاد و
التعبد و الرياضة بحال. الا و انك لو وجدت حلاوة عبادة الله، و رايت بركاتها، و
استضات بنورها، لم تصبر عنها ساعة واحدة و لو قطعت اربا اربا، فما اعرض عنها
من اعرض الا بحرمان فوائد السلف من العصمة و التوفيق » (23) . قيل لربيع بن خثيم:
مالك لا تنام بالليل؟ قال:

«لانى اخاف البيات » . و الاخبار الواردة في فضل السعى و الاجتهاد و مخالفة
النفس و الهوى اكثر من ان تحصى.

الثانى-مصاحبة اهل السعى، و الاجتهاد في العبادة، و مجالسة المجاهدين
المرتاضين الذين لا ينفكون ساعة من مشاق الطاعات و العبادات و الزام نفوسهم
على ضروب النكال و العقوبات، فملاحظة احوالهم و مشاهدة اعمالهم اقوى باعث
للاقتداء بآثارهم و افعالهم، حتى قال بعضهم: «اذا اعترتني فترة في العبادات،
نظرت الى بعض العباد و اجتهاده في العبادة فكنت بعد ذلك اعمل اسبوعا» . الا ان
ذلك غير مرجو في امثال زماننا، اذ لم يبق في عباد الله من يجتهد في العبادة
اجتهاد الاولين، و ليس فينا من تقرب عبادته عبادة ادنى رجل من سلفنا
الصالحين. فينبغى ان يعدل عن المشاهدة الى سماع احوالهم، و مطالعة حكاياتهم و
اخبارهم، و من لا حظ حكاياتهم و سمع احوالهم و اطلع على كيفية اجتهادهم في طاعة
الله، يعلم انهم عباد الله و احباؤه و انهم ملوك الجنة. قال بعض اصحاب امير
المؤمنين-عليه الصلاة و السلام-:

«صلينا خلفه الفجر، فلما سلم انتقل الى يمينه و عليه كآبة، فمكث حتى طلعت الشمس، ثم
قلب يده و قال: و الله لقد رايت اصحاب محمد (ص) و ما ارى اليوم شيئا شبههم، و كانوا
يصبحون شعثا غبرا صفرا، فقد باتوا لله سجدا و قياما. يتلون كتاب الله-عز و جل-، و
يراوحون بين اقدامهم و جباههم، و كانوا اذا ذكروا الله مادوا كما يميد
الشجر فى يوم الريح، و هملت اعينهم حتى تبل ثيابهم، و كان القوم باتوا
غافلين » او كان اويس القرنى يقول في بعض الليالى: «هذه ليلة الركوع » فيحيى الليل
كله في ركعة، و يقول في بعضها: «هذه ليلة السجود» فيحيى الليل كله في سجدة. و قال
ربيع بن خثيم:

«اتيت اويسا فوجدته جالسا قد صلى الفجر، فجلست موضعا، و قلت:

لا اشغله عن التسبيح. فمكث مكانه حتى صلى الظهر و لم يقم حتى صلى العصر، ثم جلس
موضعه حتى صلى المغرب، ثم ثبت حتى صلى العشاء، ثم ثبت مكانه حتى صلى الصبح، ثم
جلس فغلبته عيناه، فقال: اللهم انى اعوذ بك من عين نوامة و بطن لا تشبع » . و روى:
«ان رجلا من العباد كلم امراة و وضع يده على فخذها. ثم ندم فوضع يده في النار حتى
نشت (24) عقوبة لها.

و بعضهم نظر الى امراة فجعل على نفسه الا يشرب الماء البارد طول حياته، فكان
يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش. و مر بعضهم بغرفة فقال:

متى بنيت هذه الغرفة؟ ثم اقبل على نفسه و قال: تسالين عما لا يعنيك؟ !

لا عاقبنك بصوم سنة، فصامها» . و روى: «ان ابا طلحة الانصارى شغل قلبه في الصلاة
طين في الحائطة، فتصدق بالحائطة جبرا لما فاته من الحضور في الصلاة » . و كان
بعضهم اعتلت احدى قدميه فيصلى على قدم واحدة حتى يصلى الصبح بوضوء العشاء. و كان
بعضهم يقول: «ما اخاف من الموت الا من حيث يحول بيني و بين صلاة الليل » . و حكى رجل:
«انه نزل بعض اهل الله عندنا بالمحصب (25) و كان له اهل و بنات، و في كل ليل يقوم و
يصلى الى السحر، فاذا كان السحر ينادى باعلى صوته: ايها الركب المعرسون! (26)

اكل هذا الليل تنامون فكيف ترحلون؟ فيسمع صوته كل من كان بالمحصب،
فيتواثبون بين باك و داع، و قارئ و متوضئ، و اذا طلع الفجر نادى باعلى صوته: عند
الصباح يحمد القوم السرى » ، و هكذا كان عمل عمال الله، و سلوك سالكي طريق الآخرة، و
حكاياتهم غير محصورة خارجة عن الاحصاء، اشرنا الى انموذج منها ليعلم
الطالبون كيفية سيرة الرجال في مرابطة النفس و مراقبتها، و يعلمون ان عباد
الله ليسوا امثالنا، بل هم قوم آخرون. قال بعض الحكماء: «ان لله عبادا انعم عليهم
فعرفوه، و شرح صدورهم فاطاعوه و توكلوا عليه فسلموا الخلق و الامر اليه،
فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين، و بيوتا للحكمة، و توابيت للعظمة، و خزائن للقدرة،
فهم بين الخلائق مقبلون و مدبرون، و قلوبهم تجول في الملكوت، و تلوز (27) بحجب
العيوب، ثم ترجع و معها طوائف من لطائف الفوائد ما لا يمكن لواصف ان يصفها، فهم
في باطن امورهم كالديباج حسنا، و في الظاهر مناديل مبذولون لمن ارادهم
تواضعا، و طريقهم لا يبلغ اليها بالتكليف، و انما هو فضل الله يؤتيه من يشاء» .
فعليك يا حبيبي بمطالعة احوالهم و حكاياتهم، لينبعث نشاطك و تزيد رغبتك، و اياك
ان تنظر الى اهل عصرك، و لعمري! قل في امثال زماننا من يذكرك الله رؤيته، و يعينك في
طريق الدين صحبته، فان تطع اكثر من في بلدك و عصرك يضلوك عن سبيل الله.

و منها:

الغفلة


و هي فتور النفس عن الالتفات و التوجه الى ما فيه غرضها و مطلبها، اما عاجلا
او آجلا. و ضدها: النية، و ترادفها: الارادة و القصد، و هي انبعاث النفس و ميلها و
توجهها الى ما فيه غرضها و مطلبها حالا او مآلا.

و الموافق لغرض النفس ان كان خيرا لها و سعادة فى الدنيا او الدين، فالغفلة عنه
و عدم انبعاث النفس الى تحصيله رذيلة، و النقصان و النية له و القصد اليه فضيلة و
كمال، و ان كان شرا و شقاوة، فالغفلة عنه و كف النفس منه فضيلة و النية له و ارادته
رذيلة. ثم باعث النفس على النية او الغفلة و الكف، ان كان من القوة الشهوية كانت
النية او الغفلة متعلقة بها فضيلة او رذيلة، و ان كان من قوة الغضب كانت النية او
الغفلة متعلقة بهذه القوة كذلك. فالنية و العزم على التزويج متعلقة بالقوة الشهوية، و
على دفع كافر يؤذي المسلمين متعلقة بقوة الغضب، و النية في العبادات مع انضمام
التقرب اليها تسمى اخلاصا، ثم المتبادر من الموافق المغرض و المطلوب لما
كان ما هو كذلك عند العقلاء و ارباب البصيرة، فيكون المراد منه ما هو مرغوب و
مطلوب في نفس الامر و ما تحصيله خير و سعادة، و بهذا الاعتبار تكون الغفلة
باطلاقها مذمومة و النية ممدوحة، فلو ذمت الغفلة باطلاقها و مدحت النية كذلك، كان
بهذا الاعتبار. و الآيات و الاخبار الواردة في ذم الغفلة خارجة بهذا
الاعتبار كما وصف الله الغافلين و قال:

«ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا» (28) . و قال:

«اولئك هم الغافلون » (29) .

[تنبيه]: الغفلة بالمعنى المذكور اعم من ان يكون فتور النفس و خمودها عن
الانبعاث الى ما يراه موافقا للغرض مع الجهل بالموافق و الملائم، او مع العلم
به و مع النسيان عنه، او مع التذكر له، و ربما خص في عرف اهل النظر بصورة الذهول و
عدم التذكر. ثم الكسالة و البطالة قريب من الغفلة بالمعنى العام، و ربما فرق
بينهما ببعض الاعتبارات.

تتميم


(الغفلة موجبة للحرمان)


الغفلة و الكسالة عما ينبغي تحصيله من امور الدنيا و الدين توجب الحرمان عن
سعادة الدارين، و تؤدى الى شقاوة النشاتين، اذ الاهمال في رعاية امر المعيشة و
مصالحها يؤدى الى هلاكة الشخص و انقطاع النوع، و الغفلة عن اكتساب المعارف و
الاخلاق الفاضلة و عن اداء الفرائض و النوافل تنجر الى ابطال غاية
الايجاد-اعنى بلوغ كل شخص الى كماله المستعد له- و هو مع كونه صريح المضادة و
المنازعة لخالق العباد يوجب الهلاكة و الشقاوة ابد الآباد.

وصل


ضد الغفلة النية-تاثير النية على الاعمال-النية روح الاعمال و الجزاء
بحسبها-عبادة الاحرار و الاجراء و العبيد-نية المؤمن من العمل-النية غير
اختيارية-الطريق في تخليص النية.

قد عرفت ان ضد الغفلة النية، و هي انبعاث النفس و توجهها الى ما يراه موافقا
لغرضها، و قد عرفت ايضا ان النية و الارادة و القصد عبارات متواردة على معنى واحد،
و هي واسطة بين العلم و العمل، اذ ما لم يعلم امر لم يقصد، و ما لم يقصد لم يفعل، فالعلم
مقدم على النية و شرطها، و العمل ثمرتها و فرعها، اذ كل فعل و عمل يصدر عن فاعل
مختار فانه لا يتم الا بعلم و شوق و ارادة و قدرة، اذ كل انسان خلق بحيث يوافقه
بعض الامور و يلائم غرضه، و يخالفه بعض الامور، فاحتاج الى جلب الموافق و دفع
المخالف المنافي، و هو موقوف على ادراك الملائم النافع، و المنافي الضار، اذ ما
لم يعرف الشي ء لم يعقل طلبه او الهرب عنه، و هو العلم، و على الميل و الرغبة و الشهوة
الباعثة عليه، و هو الشوق، اذ من ادرك الغذاء او النار لا يكفيه ذلك للتناول و
الهرب، ما لم يكن شوق الى التناول و الهرب، و على القصد و الشروع و التوجه اليه،
و هو النية، اذ كم مشاهد للطعام راغب فيه شائق اليه لا يريده لكونه مؤذيا او
حراما او لعذر آخر، و على القدرة المحركة للاعضاء اليه -اي الى جلب الملائم او دفع
المضار-و بها يتم الفعل، فهي الجزء الاخير للعلة التامة التي بها يتم فعل
الفاعل المختار، فالاعضاء لا تتحرك الى جانب الفعل و لا توجده الا بالقدرة، و
القدرة تنتظر النية، و النية تنتظر الداعية الباعثة-اعنى الشوق-، و الشوق ينتظر العلم
او الظن بكون ما يفعل موافقا له، فان كان الشوق صادرا عن القوة البهيمية، بان
يكون الفعل مما تقتضيه هذه القوة، كاكل، و شرب، و جماع، و كسب مال، و امثال ذلك
من الالتذاذات الشهوية، كانت النية و القصد ايضا متعلقة بهذه القوة معدودة من
فضائلها او رذائلها، و ان كان مما تقتضيه القوة السبعية: من دفع موذ، او طلب
الاستعلاء، او تفوق، و امثال ذلك، كانت النية ايضا متعلقة بهذه القوة معدودة من
فضائلهما او رذائلهما، و قد ظهر بما ذكر: ان المحرك الاول هو الغرض
المطلوب-اعني المقصود المنوي بعد تعلق العلم به-و هو الباعث الاول، و ينبعث منه
الشوق و هو الباعث الثاني، و يتولد منه القصد و النية و هو الباعث الثالث المحرك
للقدرة الباعث لانتهاضها على تحريك الاعضاء الى جانب العمل.

فصل


(تاثير النية على الاعمال)


العمل غرضه الباعث، اي باعثه الاول، اما واحد: كالقيام للاكرام، او للهرب من
السبع المتهجم عليه، او متعدد مع استقلال كل واحد بالباعثية متساويا او
متفاوتا: كالتصدق للفقر و القرابة بالنظر الى من ينتهض فيه كل واحد بانفراده
سببا للاعطاء، او بدون استقلال واحد لو انفرد، بل المستقل المجموع، كالمثال
المذكور بالنظر الى من يعطى ماله قريبه الفقير و يمتنع عند الانفراد، اى لا يعطيه
قريبه الغني، و لا الاجنبي الفقير، او مع استقلال بعض دون بعض، بان يكون للثاني
تاثير بالاعانة و التسهيل دون البعث و التحصيل، ثم يتعدد الجزاء بتعدد
البواعث، ان خيرا فخير:

كالدخول في المسجد لزيارة الله، و لانتظار الصلاة، و الاعتكاف و الانزواء و
التجرد للذكر، و ترك الذنوب، و ملاقاة الاتقياء و اخوانه المؤمنين، و استماع
المواعظ و احكام الدين، و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ان شرا فشر:
كالقعود فيه للتحدث بالباطل، و ملاحظة النساء، و المناظرة للمباهاة و المرآة، و
ربما كان بعض البواعث خيرا و بعضها شرا: كالتصدق للثواب و الرياء، و دخول
المسجد لبعض البواعث الاول، و بعض البواعث الثانية، و العمل الذي باعثه من
هذا القسم قد ظهر حكمه فى باب الاخلاص. ثم باعث العمل المباح ان كان خيرا بجعله
عبادة، كالتطيب يوم الجمعة لاقامة السنة، و تعظيم المسجد و اليوم، و دفع
الاذى بالنتن، و الاكل لقوة العبادات، و الجماع للولد و تطييب خاطر الزوجة، و
الترفه بنومة او دعابة مباحة لرد نشاط الصلاة، و ان كان شرا بجعله معصية،
كالتطيب للتفاخر باظهار الثروة و التزين للزنا، و لا يؤثر في الحرام، فلا
يباح شرب الخمر لموافقة الاقران و الاخوان، فالمعاصى لا تتغير موضوعاتها
بالنية، بخلاف الطاعات و المباحات، فانها بالنية الصحيحة تصير اقرب القربات،
و بالفاسدة تصير اعظم المهلكات، فما اعظم خسران من يغفل عن النية، و يتعاطى
الاعمال تعاطي البهائم المهملة على قصد حظوظ النفس او على السهو و الغفلة، و قد كانت
غاية سعى السلف ان يكون لهم في كل شي ء نية صحيحة، حتى في اكلهم و شربهم و نومهم و
دخولهم الخلاء.

و لا ريب في امكان تصحيح النية في كل مباح، بحيث يترتب عليه الثواب، بل يمكن
تصحيح النية في كل نقصان مالى و عرضي، فان من تلف له مال، فان قال: هو في سبيل
الله، كان له اجر، و ان سرقه احد او غصبه يمكن ان ينوي كونه من ذخائر الآخرة، و اذا
بلغه اغتياب غيره له فيمكن ان يطيب خاطره بانه سيحمل عليه سيئاته و ينقل الى
ديوانه حسناته، فاياك ان تستحقر شيئا من نياتك و خطرات قلبك، و لا تقدم على
عمل الا بنية صحيحة، فان لم تحضرك النية توقف، اذ النية لا تدخل تحت الاختيار، و قد قيل:
«ان من دعا اخاه الى طعام بدون رغبة باطنة في اجابته، فان اجابه فعليه وزران:
النفاق، و تعريضه اخاه لما يكرهه لو علمه، و ان لم يجبه و لم ياكل فعليه وزر واحد
هو النفاق! » . فلا بد للعبد من خالص النية في كل حركة و سكون، لانه اذا لم يكن كذلك
كان غافلا، و الغافلون قد وصفهم الله-تعالى-فقال:

«ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا» (30) .

و صاحب خالص النية صاحب القلب السليم، قال الصادق (ع) :

«صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم، لانه سلامة القلب من هواجس المحذورات
بتخليص النية لله في الامور كلها، قال الله-عز و جل-:

«يوم لا ينفع مال و لا بنون، الا من اتى الله بقلب سليم » (31) .

ثم النية تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة و تختلف على حسب اختلاف الاوقات في
معنى قوته و ضعفه، و صاحب النية الخالصة نفسه و هواه مقهورتان تحت سلطان تعظيم
الله-تعالى-و الحياء منه، و هو من طبعه و شهوته و منيته نفسه، في تعب، و الناس منه
في راحة » (32) .

فصل


(النية روح الاعمال، و الجزاء بحسبها)


النية روح الاعمال و حقيقتها، و الجزاء يكون حقيقة عليها، فان كانت خالصة لوجه
الله-تعالى-كانت ممدوحة، و كان جزاؤها خيرا و ثوابا، و ان كانت مشوبة بالاغراض
الدنيوية كانت مذمومة، و كان جزاؤها شرا و عقابا، قال الله-سبحانه-:

«و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه » (33) .

و المراد بالارادة: النية، لترادفهما-كما تقدم-. و اوحى الله الى داود:

«يا داود: لا تطاول على المريدين، و لو علم اهل محبتي منزلة المريدين عندي لكانوا
لهم ارضا يمشون عليها، يا داود! لئن تخرج مريدا من كربة هو فيها تستعده، كتبتك
عندي حميدا، و من كتبته حميدا لا يكون عليه وحشة و لا فاقة الى المخلوقين » . و قال رسول
الله (ص) : «انما الاعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله
و رسوله فهجرته الى الله و رسوله، و من كانت هجرته الى دنيا يصيبها او
امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه » ، و انما قال ذلك حين قيل له: ان بعض
المهاجرين الى الجهاد ليست نيته من تلك الهجرة الا اخذ الغنائم من
الاموال و السبايا او نيل الصيت عند الاستيلاء، فبين (ص) : ان كل احد ينال فى
عمله ما يبغيه، و يصل الى ما ينويه، كائنا ما كان. دنيويا كان او اخرويا. و هذا
الخبر مما يعده المحدثون من المتواترات و هو اول ما يعلمونه اولادهم، و كانوا
يقولون: انه نصف العلم. و قال -صلى الله عليه و آله-: «ان الله لا ينظر الى صوركم و
اموالكم، و انما ينظر الى قلوبكم و اعمالكم، و انما ينظر الى القلوب لانها مظنة النية »
. و قال (ص) :

«ان العبد ليعمل اعمالا حسنة فتصعد بها الملائكة في صحف مختتمة، فتلقى بين يدي
الله-تعالى-، فيقول: القوا هذه الصحيفة، فانه لم يرد بما فيها وجهي، ثم ينادي
الملائكة: اكتبوا له كذا و كذا، فيقولون: يا ربنا! انه لم يعمل شيئا من ذلك،
فيقول الله-تعالى-انه نواه » . و قال (ص) :

«الناس اربعة: رجل آتاه الله-عز و جل-علما و مالا فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل:
لو آتاني الله-تعالى-مثل ما آتاه لعملت كما يعمل، فهما في الاجر سواء، و رجل
آتاه الله مالا و لم يؤته علما، فهو يتخبط بجهله في ماله، فيقول رجل: لو آتاني
الله مثل ما آتاه لعملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء، الا ترى كيف شاركه بالنية
في محاسن عمله و مساويه؟ ! » . و لما خرج (ص) الى غزوة تبوك، قال: «ان بالمدينة
اقواما، ما قطعنا واديا، و لا وطانا موطئا يغيظ الكفار، و لا انفقنا نفقة، و لا
اصابتنا مخمصة، الا شاركونا في ذلك و هم في المدينة » ، قالوا: و كيف ذلك يا رسول
الله، و ليسوا معنا؟ !

فقال: «حسبهم العذر، فشاركونا بحسن النية » . و في الخبر: ان رجلا من المسلمين
قتل في سبيل الله بايدي بعض الكفار، و كان يدعى بين المسلمين قتيل الحمار، لانه
قاتل رجلا من الكافرين نية ان ياخذ حماره و سلبه، فقتل على ذلك فاضيف الى نيته.
و هاجر رجل الى الجهاد مع اصحاب النبي (ص) ، كانت نيته من المهاجرة ان ياخذ
امراة كانت في عساكر الكفار و يتزوجها-و تسمى ام قيس-فاشتهر هذا الرجل عند
اصحاب النبي بمهاجر ام قيس » . و فى اخبار كثيرة: «من هم بحسنة و لم يعملها كتبت
له حسنة » كما تقدم، و قد ورد: انه اذا التقى المسلمان بسيفهما. فالقاتل في النار،
و كذا المقتول، لانه اراد قتل صاحبه. و قال (ص) : «اذا التقى الصفان نزلت الملائكة
تكتب الخلق على مراتبهم: فلان يقاتل للدنيا، فلان يقاتل حمية، فلان يقاتل عصبية،
الا فلا تقولوا قتل فلان في سبيل الله الا لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا» . و
قال (ص) : «من تزوج امراة على صداق هو لا ينوى اداءه فهو زان، و من استدان دنيا و
هو لا ينوي قضاءه فهو سارق، و من تطيب لله -تعالى-جاء يوم القيامة و ريحه اطيب
من المسك، و من تطيب لغير الله جاء يوم القيامة و ريحه انتن من الجيفة » (34) ، و
كل ذلك مجازاة على حسب النية.

و قال الصادق (ع) : «ان العبد المؤمن الفقير ليقول: يا رب! ارزقني حتى افعل كذا و
كذا من البر و وجوه الخير، فاذا علم الله-عز و جل-ذلك منه بصدق النية كتب له من
الاجر مثل ما يكتب له لو عمله، ان الله واسع كريم » .

و سئل (ع) عن حد العبادة التي اذا فعلها فاعلها كان مؤديا، فقال: «حسن النية
بالطاعة » . و قال (ع) : «و انما خلد اهل النار في النار لان نياتهم كانت في الدنيا
ان لو خلدوا فيها ان يعصوا الله-تعالى-ابدا، و انما خلد اهل الجنة في الجنة لان
نياتهم كانت في الدنيا ان لو بقوا فيها ان يطيعوا الله ابدا، فبالنيات خلد
قال: على نيته » (36) . و امثال
هذه الاخبار اكثر من ان تحصى. و اي شبهة في ان عماد الاعمال النيات، و العمل
مفتقر الى النية ليصير خيرا، و النية في نفسها خير و ان تعذر العمل، و عون
الله-تعالى-للعبد على قدر النية، فمن تمت نيته تم عون الله له، و ان نقصت نقص بقدره،
فرب عمل صغير تعظمه النية، و رب عمل كبير تصغره النية، و لذلك كان السلف يتعلمون
النية للعمل كما يتعلمون العمل، و نقل: «ان بعض المريدين كان يطوف على العلماء و يقول.
من يدلني على عمل لا ازال فيه عاملا لله-تعالى-، فاني لا احب ان تاتي علي ساعة من
ليل او نهار الا و انا عامل من عمال الله-تعالى-.

فقال له بعض العلماء: انت قد وجدت حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فاذا فترت
او تركته فهم بعمله، اذ من هم بعمل الخير كمن يعمل به » . ثم السر في مجازاة
الاعمال على حسب النية، و كون النية حقيقة العمل و عمادا و روحا له: ان العمل من
حيث هو عمل لا فائدة فيه، و انما فائدته للاثر الذي يصل منه الى النفس من
النورانية و الصفاء، و لا يزال يتكرر وصول هذا الاثر من الاعمال اليها حتى تحصل
لها غاية الضياء و الصفاء، فيحصل لها التجرد التام و ينخرط في سلك الملائكة، و لا
ريب في ان وصول هذا الاثر من الاعمال انما هو مع صحة النية و خلوصها، و كونها
لله-سبحانه-من دون شوب الاغراض، بل التامل يعطي ان هذا الاثر انما هو حقيقة من
محض النية، و ان كانت حادثة لاجل العمل.

1) الحديث نبوي مروي في احياء العلوم: 4 38.

2) النجم، الآية: 32.

3) صححنا النبويات الثلاث على احياء العلوم: 4 39.

4) التوبة، الآية: 103.

5) الزلزلة، الآية: 7-8.

6) الزمر، الآية: 54.

7) المؤمن، الآية: 13.

8) ق، الآية: 31-35.

9) الانبياء، الآية: 47.

10) المجادلة، الآية: 6.

11) الكهف، الآية: 50.

12) الزلزال، الآية: 6-8.

13) آل عمران، الآية: 30.

14) البقرة، الآية: 281، آل عمران، الآية: 161.

15) الحجر، الآية: 92.

16) الحشر، الآية: 18.

17) المعارج، الآية: 4.

18) الانبياء، الآية: 47.

19) صححنا الحديث على مصباح الشريعة: باب 85، ص 186.

20) النساء، الآية: 1.

21) العلق، الآية: 14.

22) العنكبوت، الآية: 69.

23) الحديث بطوله مروى عن (مصباح الشريعة) : باب 81 ص 184، مع اختلاف يسير هنا،
فصححناه عليه كما كان هناك.

24) النشيش: صوت غليان الماء.

25) المحصب-بالمهملتين و ضم الميم و تشديد الصاد-: موضع بمكة على طريق منى، و يسمى
(بطحاء) .

26) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم و الاستراحة، من قولهم: عرس القوم.

27) في القاموس: اللوز-بالزاي-: الملاذ و الملجا.

28) الفرقان، الآية: 44.

29) الاعراف، الآية: 178.

30) الفرقان، الآية: 44.

31) الشعراء، الآية: 88-89.

32) هذا بعض الحديث المذكور في مصباح الشريعة-الباب الرابع ص 135-، و في
البحار-الجزء الثاني من المجلد الخامس عشر، باب النية و شرائطها و مراتبها، ص
77. ط امين الضرب-. لكن المذكور في البحار فيه اختلاف يسير عما في المصباح،
فصححناه على البحار، لكون المذكور في البحار اصح مما في المصباح.

33) الانعام، الآية: 52.

34) صححنا النبويات كلها على احياء العلوم: 4 310، 311، 317، باب فضيلة النية.

35) الاسراء، الآية: 84.

36) صححنا الاخبار كلها على اصول الكافي-الجزء الثاني، باب النية.

/ 32