فصل
وجوب الامر بالمعروف و شروطه
مقتضى الآيات و الاخبار المذكورة، وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. و لا
خلاف فيه ايضا، انما الخلاف في كون وجوبهما كفائيا او عينيا. و الحق الاول،
كما ياتي. ثم الواجب انما هو الامر بالواجب و النهي عن الحرام. و اما الامر بالمندوب
و النهي عن المكروه فمندوب، و انما يجب بشروط اربعة: الاول-العلم بكونهما معروفا و منكرا، ليامن من الغلط، فلا يجبان في المتشابه،
فمن علم بالقطع الوجوب او الحرمة، و عدم جواز الاختلاف فيه من ضرورة الدين او
المذهب او الاجماع القطعي النظرى او الكتاب و السنة او من قول العلماء، فله ان
يامر و ينهى و يحتسب به على كل احد و من لم يعلمها بالقطع، بل علمها بالظن الحاصل
من الاجتهاد او التقليد و جوز الاختلاف فيه، فليس له الامر و النهي و الحسبة،
الا على من كان على هذا الاعتقاد من مجتهد او مقلد، او لزم عليه ان يكون هذا
الاعتقاد و ان لم يكن عليه بالفعل للجهل، كالمقلد المطلق لمجتهد اذا لم يعلم بعض
العقائد الاجتهادية لمجتهده، فيتاتى لغيره ان يحتسب به عليه. و حاصل ما ذكر:
ان القطعيات الوفاقية تاتى لكل احد ان يحتسب بها على كل احد بعد علمها و غير
القطعيات الجائز فيها الاختلاف و المرجح احد طرفيها لاجتهاد لا يتاتي
لمجتهدها و مقلده فيها الاحتساب، اي الامر و النهي، الا على من كان موافقا في
الاعتقاد او يلزم ان يكون موافقا. الثاني-تجويز التاثير. فلو علم او غلب على ظنه انه لا يؤثر فيه، لم يجب، لعدم
الفائدة. الثالث-القدرة و التمكن منه، و عدم تضمنه مفسدة. فلو ظن توجه الضرر
اليه او الى احد من المسلمين بسببه سقط، اذ لا ضرر و لا ضرار في الدين. الرابع-ان يكون المامور او المنهى مصرا على الاستمرار. فلو ظهر منهما امارة
الاقلاع سقط، للزوم العبث. ثم هذه الشروط يختلف اشتراطها بسبب اختلاف درجات الامر بالمعروف و النهي
عن المنكر، كما ياتي. و يدل على اشتراط الثلاثة الاول ما روى: «انه سئل مولانا
الصادق-عليه السلام-: ان الامر بالمعروف و النهى عن المنكر اواجب على الامة
جميعا؟ فقال: لا. فقيل له: و لم؟ قال: انما هو على القوى المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي
لا يهتدى سبيلا الى اى من اى يقول من الحق الى الباطل. و الدليل على ذلك من كتاب الله عز و جل، قوله: «و لتكن منكم امة يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر» (1) . فهذا خاص غير عام، كما قال الله عز و جل: «و من قوم موسى امة يهدون بالحق و به يعدلون » (2) . و لم يقل على امة موسى، و لا على كل قوم، و هم يومئذ امم مختلفة و الامة واحد فصاعدا،
كما قال الله عز و جل: «ان ابراهيم كان امة قانتا لله » يقول مطيعا لله عز و جل. و ليس
على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج، اذا كان لا قوة له و لا عذر و لا طاقة » . قال
مسعدة «سمعت ابا عبد الله-عليه السلام-و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله
عليه و آله: (ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر) ما معناه-قال: هذا على ان يامره بعد معرفته، و هو مع ذلك يقبل منه و الا فلا» . و في
خبر آخر: «انما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ او جاهل فيتعلم.
فاما صاحب سوط او سيف فلا» . و في خبر آخر: «من تعرض لسلطان جائر و اصابته بلية،
لم يؤجر عليها و لم يرزق الصبر عليها» (3) . و من الشرائط ان يظهر المنكر على
المحتسب من غير تجسس، فلا يجب، بل لا يجوز التجسس، كفتح الباب المغلق، و وضع
الاذن و الانف لاحتباس الصوت و الريح، و طلب ارائة ما تحت الثوب و امثال ذلك،
لنص الكتاب و السنة.
فصل
عدم اشتراط العدالة فيه
لا تشترط فيه العدالة و ائتمار الآمر بما يامر به و انتهاء الناهي عما ينهى عنه،
لاطلاق الادلة، و لان الواجب على فاعل الحرام المشاهد فعله من غيره امران:
تركه و انكاره، و لا يسقط بترك احدهما وجوب الآخر، كيف و لو شرط ذلك لا قتضى عدم
وجوب ذلك الا على المعصوم، فينسد باب الحسبة بالكلية. و اما الانكار في قوله تعالى: «اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم » (4) . و قوله تعالى: «لم تقولون ما لا تفعلون؟
كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون » (5) . و ما في حديث الاسرى من قرض مقاريضهم بالنار، فانما هو على عدم العمل بما يامر
به و يقوله، لا على الامر و القول. و كذلك ما روي: «ان الله تعالى اوحى الى عيسى: عظ نفسك، فان اتعظت فعظ الناس و الا فاستحى مني » (6) .
و قس على ذلك جميع ما ورد من هذا القبيل. و ما قيل ان هداية الغير فرع الاهتداء، و تقويم الغير فرع الاستقامة ففيه ان
الامر بالمعروف و النهي عن المنكر تارة يكون بالوعظ و تارة بالقهر و من لم يكن
مهتديا مستقيما، تسقط عنه الحسبة بالوعظ، لعلم الناس بفسقه فلا يتضمن و عظه و
كلامه فائدة، و لا يؤثر في العالم بفسقه، و لا يخرج ذلك وعظه و قوله عن الجواز، كما
لا تخرج حسبته القهرية عن التاثير و الفائدة ايضا. اذ الفاسق اذا منع غيره قهرا
عن الزنا و اللواط و شرب الخمر، و اراق الخمور، و كسر آلات الملاهي، حصل التاثير
و الفائدة بلا شبهة. و الحاصل: ان احد نوعى الاحتساب-اعنى الوعظى-يتوقف تاثيره على العدالة، و اما
نوعه الآخر-اعنى القهرى-فلا يتوقف عليه مطلقا. فان قيل: اذا اتى رجل امراة اكراها، و هي مستورة الوجه، فكشف وجهها
باختيارها، فما اشنع و اقبح ان ينهاها الرجل في اثناء الزنا عن كشف وجهها، و
يقول لها: انت مكرهة في الزنا و مختارة في كشف الوجه لغير المحرم، و ما انا
بمحرم لك، فاسترى وجهك. قلنا: القبح و الاستنكار انما هو لاجل انه ترك الاهم و اشتغل بما هو الاهون، كما
اذا ترك المشتبه و اكل الحرام، او ترك الغيبة و شهد بالزور لا لان هذا النهي هو
حرام في نفسه، او خرج عن الوجوب الى الاباحة او الكراهة. و لان نهيه هذا خرج
بفسقه عن التاثير و الفائدة، فالاستنكار عليه و تقبيح نهيه عن هذا من حيث انه
نزل نفسه مقام من يؤثر قوله، مع انه لا يؤثر، كما تقدم آنفا. ثم ما ذكرناه من عدم اشتراط العدالة في العمل بما يامر به و ينهى عنه انما هو
في آحاد الحسبة الصادرة من افراد الرعية المطلعين على المنكر. و اما من نصب
نفسه لا صلاح الناس و نصحهم، و بيان الاحكام الالهية نيابة عن رسول الله-صلى الله
عليه و آله-و الائمة المعصومين-عليهم السلام- فلا بد فيه من العدالة و التقوى و
العلم بالكتاب و السنة، و غير ذلك من شرائط الاجتهاد. و على هذا يحصل جواب آخر
عن الآيات و الاخبار الواردة في الانكار على الواعظ غير المتعظ بتخصيصها به
دون افراد الرعية. و عليه يحمل قول الصادق-عليه السلام-في (مصباح الشريعة) (7) : «من
لم ينسلخ عن هواجسه، و لم يتخلص من آفات نفسه و شهواتها، و لم يهزم الشيطان، و
لم يدخل في كنف الله و امان عصمته، لا يصلح له الامر بالمعروف و النهي عن المنكر،
لانه اذا لم يكن بهذه الصفة، فكلما اظهر امرا كان حجة عليه، و لا ينتفع الناس به.
قال الله عز و جل: «اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم » (8) . و يقال له: يا خائن! اتطالب خلقى بما خنت به نفسك و ارخيت عنه عنانك! » . و كذا
يحمل عليه قول الصادق-عليه السلام- (9) : «صاحب الامر بالمعروف يحتاج الى ان يكون عالما بالحلال و الحرام، فارغا من
خاصة نفسه مما يامرهم به و ينهاهم عنه، ناصحا للخلق، رحيما لهم، رفيقا بهم، داعيا
لهم باللطف و حسن البيان، عارفا بتفاوت اخلاقهم لينزل كلا منزلته، بصيرا بمكر
النفس و مكائد الشيطان، صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها و لا يشكو منهم، و لا
يستعمل الحمية و لا يغتلظ لنفسه، مجردا نيته لله، مستعينا به و مبتغيا لوجهه،
فان خالفوه و جفوه صبر، و ان وافقوه و قبلوا منه شكر، مفوضا امره الى الله، ناظرا
الى عيبه » . (تنبيه) اعلم ان المحتسب عليه-اعني من يؤمر به او ينهى عنه- و ان اشترط كونه
عاقلا بالغا، الا ان هذا الشرط انما هو في غالب الاوامر و النواهي، و بعضها لا
يشترط فيه ذلك. اذ من راى صبيا او مجنونا يشرب الخمر، وجب عليه ان يمنعه و
يريق خمره. و كذا ان راى مجنونا يزنى بمجنونة او بهيمة، فعليه ان يمنعه منه، و لا
يلزم منه ان يكون منع بهيمة عن افساد زرع انسان حسبة و نهيا عن منكر، اذ لا يصدق
اسم المحتسب عليه و المنهى الا على من كان الفعل الممنوع عنه في حقه منكرا و هو لا
يكون الا الانسان دون سائر الحيوانات.
فصل
مراتب الامر بالمعروف
اعلم ان للامر بالمعروف و النهى عن المنكر مراتب: الاولى-الانكار بالقلب: بان يبغضه على ارتكاب المعصية. و هذا مشروط بعلم الناهي
و اصرار المنهى، و لا يشترط بالشرطين الاخيرين. الثانية-التعريف: بان يعرف المرتكب للمنكر بانه معصية، فان بعض الناس قد يرتكب
بعض المعاصي لجهلهم بانه معصية، و لو عرف كونه معصية تركه. الثالثة-اظهار الكراهة و الاعراض و المهاجرة. الرابعة-الانكار باللسان: بالوعظ، و النصح، و التخويف، و الزجر، مرتبا الايسر
فالايسر، الى ان يصل الى التعنيف بالقول و التغليظ في الكلام، كقوله: يا جاهل!
يا احمق! لا تخالف ربك! و ههنا شبكة عظيمة للشيطان، ربما يصطاد بها اكثر الوعاظ.
فينبغي لكل عالم ناصح ان يراها بنور البصيرة، و هي ان يحضره عند الوعظ و الارشاد، و
يلقى في قلبه تعززه و شرافته بالعلم، و ذلة من يعظه بالجهل و الخسة. فربما يقصد
بالتعريف و الوعظ الاذلال و التجهيل، و اظهار شرف نفسه بالعلم، و هذه آفة عظيمة
تتضمن كبرا و رياء. و ينبغي لكل واعظ دين الا يغفل عن ذلك، و يعرف بنور بصيرته
عيوب نفسه و قبح سريرته. و علامة براءة نفسه من هذه الآفة، ان يكون اتعاظ ذلك
العاصي بوعظ غيره او امتناعه من المعصية بنفسه احب اليه من اتعاظه بوعظه. الخامسة-المنع بالقهر مباشرة، ككسر آلات اللهو، و اراقة الخمر و استلاب الثوب
المغصوب منه و رده الى صاحبه، و امثال ذلك. السادسة-التهديد و التخويف: كقوله:
دع عنك هذا، و الا ضربتك او كسرت راسك! او غير ذلك مما يجوز له ان يفعل لو لم
ينته عن معصيته. و لا يجوز ان يهدده بما لا يجوز فعله، كقوله: دع هذا و الا اضرب
عنقك! او اضرب ولدك، او استبين زوجتك، و امثال ذلك. السابعة-مباشرة الضرب باليد و الرجل و غير ذلك، من دون ان ينتهى الى شهر سلاح و
جراح. الثامنة-الجرح بشهر بعض الاسلحة. و جوزه سيدنا المرتضى -رضي الله عنه-من
اصحابنا و جماعة، و الباقون اشترطوا اذن الامام في ذلك، اذ ربما لا يقدر عليه
بنفسه، و يحتاج فيه الى اعوان و انصار يشهرون السلاح، و ربما يستمد الفاسق
ايضا باعوانه، فيؤدى الى المقاتلة و المحاربة و حدوث فتنة عظيمة.
فصل
معنى وجوبهما كفائيا
اذا اجتمعت الشرائط، و كان المطلع منفردا، تعين عليه. و ان كان ثمة غيره، و شرع
احدهما في الامر و النهى، فان ظن الآخر ان لمشاركته اثرا في تعجيل ترتب
الاثر و رسوخ الانزجار، وجب عليه ايضا، و الا فلا. لان الغرض وقوع المعروف و
ارتفاع المنكر، فمتى حصلا بفعل واحد، كان السعي من الآخر عبثا. و هذا معنى كون
وجوبهما كفائيا.
فصل
ما ينبغي في الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر
ينبغي لكل من الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر ان يكون حسن الخلق، صابرا حليما
قويا في نفسه، لئلا ينزعج، و لا يضطرب اذا قيل في حقه ما لا يليق به. فان اكثر الناس
اتباع الهوى، فاذا نهوا عما يميلون اليه شق ذلك عليهم، فربما اطلقوا
السنتهم في حق الناهي، و يقولون فيه ما لا يليق بشانه، و ربما تجاوزوا الى سوء
الادب قولا و فعلا بالمشافهة. و ان يكون رفيقا بالناس، فان الوعظ بالرفق و الملاءمة اوقع و اشد تاثيرا في قلوب
اكثر الناس. و ان يكون قاطعا للطمع عن الناس، فان الطامع من الناس في اموالهم او اطلاق
السنتهم بالثناء عليه لا يقدر على الحسبة، و لذا نقل: «ان بعض المشايخ كان له سنور، و
كان ياخذ من قصاب في جواره كل يوم شيئا من القد لسنوره، فراى على القصاب منكرا،
فدخل الدار اولا، و اخرج السنور، ثم جاء و وعظ القصاب و شدد عليه القول، فقال
القصاب لا ياكل سنورك شيئا بعد ذلك، فقال: ما احتسبت عليك الا بعد اخراج السنور و
قطع الطمع عنك! » .
تتميم
انواع المنكرات
اعلم ان المنكرات اما محظورة او مكروهة، و المالوفة منها في العادات اكثر من
ان تحصى. فمنها-ما يكون غالبا في المساجد: كاساءة الصلاة، و الاخلال ببعض
افعالها، و التاخير عن اوقاتها، و ادخال النجاسة فيها، و التكلم فيها
بامور الدنيا و البيع و الشراء، و دخول الصبيان و المجانين فيها مع
اشتغالهم باللهو و اللعب، و قراءة القرآن فيها باللحن او الغناء، و دخول
النسوان فيها مع ظن تطرق الريبة، و نظر الاجانب اليهن او نظرهن اليهم، و
دخول الجنب او الحائض فيها، و تغنى المؤذنين بالاذان او غيره مما يقرؤن، و
تقديمهم الاذان على الوقت، و وعظ من لا ينبغي ان يتمكن من الموعظة كمن يكذب في
حديثه او يفتى بالمسائل و ليس اهلا لها، او يظهر من وعظه كونه مرائيا طالبا
للجاه، و امثال ذلك. فان كل ذلك من المنكرات بعضها محظورة و بعضها مكروهة،
ينبغي لكل مطلع ان ينهى عنها. و منها-ما يكون غالبا في الاسواق: من الكذب في المحاولات و المعاملات و اخفاء
العيب، و الايمان الكاذبة، و المنازعة بالضرب و الشتم و الطعن و اللعن و امثال
ذلك، و التبخس في الكيل و الميزان، و المعاملات الفاسدة باقسامها على ما هو مقرر
في الفقهيات. و منها-ما يكون في الشوارع: كوضع الاساطين، و بناء الدكات متصلة بالابنية المملوكة،
و تضيق الطرق على المارة بوضع الاطعمة و الاحطاب و ربط الدواب فيها، و سوق
الدواب فيها و عليها الاشواك و النجاسات- اذا تاذى الناس منها و امكن العدول
بها الى موضع واسع، و ان لم يمكن فلا منع، اذ حاجة اهل البلد ربما تمس الى ذلك-و
تحميل الدواب ما لا يطيقها من الحمل، و ذبح القصاب على الطريق او على باب دكانه
بحيث تلوث الطريق بالدم، و طرح الكناسة على جواد الطريق، و رش الماء على الطرق
بحيث يخشى منه الزلق و السقوط، و ارسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط الى
الطرق الضيقة، و غير ذلك. و قس على ذلك منكرات الحمات، و الخانات، و الاسواق، و
مجالس العامة، و مجامع القضاة و مدارس الفقهاء، و رباطات الصوفية، و دواوين
السلاطين، و غيرها. فان امثال ما ذكر من المنكرات يجب ان ينهى عنها، فلو قام بالاحتساب و
النهى عنها احد سقط الحرج على البواقي، و الا عم الحرج اهل البلد جميعا. و امثال
ما ذكر انما هو من المنكرات اليسيرة الجزئية. و اما المنكرات العظيمة: من البدعة في الدين، و القتل، و الظلم، و الزنا، و اللواط،
و شرب الخمر، و انواع الغناء، و النظر الى غير المحارم و اكل الحرام، و الصلاة
في الاماكن المغصوبة، و الوضوء و الغسل من المياه المحرمة، و التصرف في اموال
الاوقاف و غصبها، و المعاملة مع الظالمين و الجهل في الاصول الاعتقادية و الفروع
الواجبة، و آفات اللسان، فلا يمكن حصرها لكثرتها، لا سيما في امثال زماننا.
فلو امكن لمؤمن دين ان يغير هذه المنكرات كلا او بعضا بالاحتساب، فليس له ان
يقعد في بيته، بل يجب عليه الخروج للنهي و التعليم. بل ينبغي لكل مسلم ان يبدا بنفسه
فيصلحها بالمواظبة على الطاعات و ترك المحرمات، ثم يعلم ذلك اهله و اقاربه
ثم يتعدى بعد الفراغ منهم الى جيرانه، ثم الى اهل محلته، ثم اهل بلده، ثم اهل
السواد المكتنف بلده، ثم الى غيرهم، و هكذا الاقرب فالاقرب الى اقصى العالم. فان
قام به الادنى سقط عن الابعد، و الا لزم الحرج على كل قادر عليه، قريبا كان او
بعيدا. و لا يسقط الحرج مادام يبقى على وجه الارض جاهل يعرض عن فروض دينه و هو
قادر على ان يسعى اليه بنفسه او بغيره فيعلمه فريضة. و هذا شغل شاغل لمن يهمه امر
دينه يشغله عن سائر المشاغل. الا ان اعراض الناس عن امور دينهم في عصرنا لم يبلغ
حدا يقبل الاصلاح، الى ان تتعلق به مشيئة الله، فينهض بعض عباده السعداء الاقوياء،
فيدفع هذه الوصمة، و يسد هذه الثلمة، و يتلافى هذه الفترة. و منها:
الهجرة و التباعد
و لا ريب في كونه من نتائج العداوة و الحقد، او الحسد او البخل فيكون من رذائل قوة
الغضب او الشهوة. و هو من ذمائم الافعال. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-:
«ايما مسلمين تهاجرا، فمكثا ثلاثا لا يصطلحان، الا كانا خارجين من الاسلام،
و لم يكن بينهما ولاية. فايهما سبق الكلام لاخيه، كان السابق الى الجنة يوم
الحساب » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «لا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث. . » و
قال الصادق-عليه السلام-: «لا يفترق رجلان على الهجران، الا استوجب احدهما
البراءة و اللعنة، و ربما استحق ذلك كلاهما» ، فقال له معتب: جعلني الله فداك! هذا للظالم، فما بال المظلوم؟ ! قال: «لانه لا يدعو اخاه الى صلته،
و لا يتعامس له عن كلامه. سمعت ابي-عليه السلام- يقول: اذا تنازع اثنان، فعاد
احدهما الآخر، فليرجع المظلوم الى صاحبه حتى يقول لصاحبه: اى اخى، انا الظالم،
حتى يقطع الهجران بينه و بين صاحبه، فان الله تبارك و تعالى حكم عدل، ياخذ
للمظلوم من الظالم » . و قال عليه السلام: «لا يزال ابليس فرحا ما اهتجر المسلمان، فاذا التقيا
اصطكت ركبتاه و تخلعت اوصاله، و نادى: يا ويله! ما لقى من الثبور» و قال الباقر عليه السلام: «ان الشيطان يغرى بين المؤمنين ما لم يرجع احدهم عن
دينه، فاذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه و تمدد، ثم قال: فزت. فرحم الله امرا الف بين وليين لنا. يا معشر المؤمنين، تآلفوا و تعاطفوا» (10) .
و الاخبار الواردة في ذم الهجرة و التباعد كثيرة. فيجب على كل طالب لنجاة الآخرة ان يتامل في امثال هذه الاخبار ثم يتذكر
ثواب ضد ذلك و فوائده، اعنى التآلف و التزاور بين الاخوان بنفسه، فيحافظ نفسه
من حصول الانقطاع و التباعد مع احد اخوانه، و لو حصل ذلك كلف نفسه المبادرة
الى زيارته و تالفه، حتى يغلب على الشيطان و نفسه الامارة، و يفوز بما يرجوه
المتقون من عظيم الاجر و جزيل الثواب.
فصل
التزاور و التآلف
قد اشير الى ان ضد التباعد و الهجران هو التزاور و التآلف، و هو من ثمرات
النصيحة و المحبة، و ثوابه اكثر من ان يحصى. عن ابي جعفر -عليه السلام-قال: «قال
رسول الله-صلى الله عليه و آله-: حدثني جبرئيل-عليه السلام-: ان الله عز و جل اهبط
الى الارض ملكا، فاقبل ذلك الملك يمشي حتى وقع الى باب عليه رجل يستاذن على رب
الدار، فقال له الملك: ما حاجتك الى رب هذه الدار؟ قال: اخ لي مسلم زرته في الله
تبارك و تعالى. فقال له الملك: ما جاء بك الا ذاك؟ فقال: ما جاء بى الا ذاك. قال:
فاني رسول الله اليك، و هو يقرئك السلام، و يقول وجبت لك الجنة. و قال الملك: ان
الله عز و جل يقول: ايما مسلم زار مسلما فليس اياه زار، بل اياى زار، و ثوابه علي
الجنة » . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «لقاء الاخوان مغنم جسيم، و ان قلوا» . و قال ابو جعفر الباقر عليه السلام: «ان لله عز و جل جنة لا يدخلها الا ثلاثة: رجل حكم
على نفسه بالحق، و رجل زار اخاه المؤمن في الله و رجل آثر اخاه المؤمن في الله » .
و قال-عليه السلام-: «ان المؤمن ليخرج الى اخيه يزوره، فيوكل الله عز و جل به ملكا،
فيضع جناحا في الارض و جناحا في السماء يظله، فاذا دخل الى منزله، ناداه
الجبار تبارك و تعالى: ايها العبد المعظم لحقى، المتبع لآثار نبيي، حق علي
اعظامك، سلنى اعطك، ادعنى اجبك، اسكت ابتدئك. فاذا انصرف شيعه الملك يظله
بجناحه حتى يدخل الى منزله، ثم يناديه تبارك و تعالى: ايها العبد المعظم لحقى، حق علي اكرامك، قد اوجبت لك جنتى، و شفعتك في عبادى » . و
قال-عليه السلام-: «ايما مؤمن خرج الى اخيه يزوره عارفا بحقه و كتب الله له بكل
خطوة حسنة، و محيت عنه سيئة، و رفعت له درجة، فاذا طرق الباب فتحت له ابواب
السماء، فاذا التقيا و تصافحا و تعانقا، اقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى
بهما الملائكة فيقول: انظروا الى عبدى تزاورا و تحابا في، حق علي الا اعذبهما
بالنار بعد ذا الموقف. فاذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه و خطاه و كلامه، يحفظونه
عن بلاء الدنيا و بوائق الآخرة الى مثل تلك الليلة من قابل، فان مات فيما بينهما
اعفى من الحساب، و ان كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق
المزور كان له مثل اجره » . و قال الصادق-عليه السلام-: «من زار اخاه لله لا لغيره، التماس موعد الله و تنجز
ما عند الله، و كل الله به سبعين الف ملك ينادونه الا طبت و طابت لك الجنة! » . و
قال-عليه السلام-: «من زار اخاه في الله، قال الله عز و جل: اياي زرت، و ثوابك على،
و لست ارضى لك ثوابا دون الجنة، و قال-عليه السلام-: «من زار اخاه في الله في
مرض او صحة، لا ياتيه خداعا و لا استبدالا، و كل الله به سبعين الف ملك، ينادون في
قفاه: ان طبت و طابت لك الجنة! فانتم زوار الله، و انتم و فد الرحمن، حتى ياتى
منزله » ، فقال له بشير: جعلت فداك! فان كان المكان بعيدا؟ قال: «نعم يا بشير! و ان كان
المكان مسيرة سنة، فان الله جواد، و الملائكة كثير، يشيعونه حتى يرجع الى منزله » . و
قال-عليه السلام-: «من زار اخاه في الله تعالى و لله، جاء يوم القيامة يخطر بين
قباطى من نور (11) ، لا يمر بشي ء الا اضاء له حتى يقف بين يدى الله عز و جل، فيقول الله
له: مرحبا! و اذا قال مرحبا، اجزل الله عز و جل له العطية » . و قال-عليه السلام-:
«لزيارة مؤمن فى الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، و من اعتق رقبة مؤمنة وقى بكل عضو
عضوا من النار، حتى ان الفرج بقى الفرج » . و قال -عليه السلام-لابي خديجة: «كم
بينك و بين البصرة؟ » قال: في الماء خمس اذا طابت الريح، و على الظهر ثمان و نحو
ذلك، فقال: «ما اقرب هذا، تزاوروا و تعاهدوا بعضكم بعضا، فانه لا بد يوم القيامة ياتى كل
انسان بشاهد شهد له على دينه » . و قال: «ان المسلم اذا راى اخاه، كان حياة لدينه
اذا ذكر الله » و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «مثل الاخوين اذا التقيا
مثل اليدين تغسل احداهما الاخرى، ما لقى المؤمنان قط الا افاد الله احدهما من
صاحبه خيرا» . و الاخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة. و السر في هذا الترغيب الشديد على
تزاور المؤمنين و ملاقاتهم، كونه دافعا للحسد و العداوة، جالبا للتاليف و
المحبة. و هو اعظم ما يصلح به امر دنياهم و عقباهم. و لذا ورد الثناء و المدح في
الآيات و الاخبار على نفس الالفة و انقطاع الوحشة، لا سيما اذا كانت الرابطة هى
التقوى و الدين. و ورد الذم في التفرقة و التوحش، قال الله سبحانه في مقام
الامتنان على المؤمنين بنعمة الالفة: «لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن الله الف بينهم » (12) . و قال:
«فاصبحتم بنعمته اخوانا» : اي بنعمة الالفة. و قال سبحانه: «و اعتصموا بحبل الله
جميعا و لا تفرقوا» (13) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «المؤمن الف مالوف و لا خير في من لا يالف
و لا يؤلف » . و هذا هو السر في الترغيب على التسليم و المصافحة و المعانقة. قال
رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اولى الناس بالله و برسوله من بدا بالسلام » . و قال امير المؤمنين-عليه
السلام-: «لا تغضبوا و لا تقبضوا، افشوا السلام، و اطيبوا الكلام، و صلوا
بالليل و الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام » . و قال الباقر-عليه السلام-: «ان
الله يحب افشاء السلام » . و قال-عليه السلام-: «من التواضع ان تسلم على من لقيت » . و قال الصادق-عليه السلام- «تصافحوا،
فانها تذهب بالسخيمة » . و قال: «مصافحة المؤمن افضل من مصافحة الملائكة » . و قال
الباقر عليه السلام: «ان المؤمنين اذا التقيا فتصافحا. ادخل الله تعالى يده
بين ايديهما، و اقبل بوجهه على اشدهما حبا لصاحبه. فاذا اقبل الله تعالى
بوجهه عليهما، تحاتت عنهما الذنوب كما تتحاتت الورق من الشجر» . و قال رسول
الله صلى الله عليه و آله: «اذا لقى احدكم اخاه فليسلم و ليصافحه، فان الله
تعالى اكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة » . و قال الصادق-عليه السلام-: «ان
المؤمنين اذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فاذا التزما لا يريد ان بذلك الا وجه
الله و لا يريد ان غرضا من اغراض الدنيا، قيل لهما: مغفورا لكما فاستانفا، فاذا
اقبلا على الماء، قالت الملائكة بعضها لبعض: تنحوا عنهما، فان لهما سرا و قد ستر
الله عليهما» (14) و منها:
قطع الرحم
و هو ايذاء ذوى اللحمة و القرابة، او عدم مواساتهم بما ناله من الرفاهية و
الثروة و الخيرات الدنيوية، مع احتياجهم اليه. و باعثة اما العداوة او البخل و
الخسة، فهو من رذائل القوة الغضبية او الشهوية، و لا ريب في كونه من اعم
المهلكات المفسدة للدنيا و الدين، قال الله سبحانه. «و الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما امر الله به ان يوصل و يفسدون
في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار» (15) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «ابغض الاعمال الى الله الشرك بالله، ثم
قطيعة الرحم، ثم الامر بالمنكر و النهي عن المعروف » و قال-صلى الله عليه و آله-: «لا تقطع رحمك و ان قطعتك » . و قال -صلى الله عليه و آله-:
«لا تقطع رحمك و ان قطعتك » . و قال تعالى: «انا الرحمن، و هذه الرحم شققت لها اسما من اسمى، فمن وصلها وصلته و من قطعها
قطعته » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «حافتا الصراط يوم القيامة الرحم و
الامانة، فاذا مر الوصول للرحم المؤدى للامانة نفذ الى الجنة، و اذا مر الخائن
للامانة القطوع للرحم لم ينفعهما معه عمل (16) و تكفا به الصراط في النار» . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-في خطبة «اعوذ
بالله من الذنوب التي تعجل الفناء» ، فقام اليه عبد الله بن الكوى اليشكرى،
فقال: يا امير المؤمنين، او تكون ذنوب تعجل الفناء؟ فقال «نعم، و يلك! قطيعة الرحم.
ان اهل البيت ليجتمعون و يتواسون و هم فجرة فيرزقهم الله، و ان اهل البيت
ليتفرقون و يقطع بعضهم بعضا فيحرمهم الله و هم اتقياء» . و قال-عليه السلام-:
«اذا قطعوا الارحام جعلت الاموال في ايدى الاشرار» . و قال الباقر عليه
السلام-: «في كتاب علي-صلوات الله عليه-: ثلاث خصال لا يموت صاحبهن ابدا حتى
يرى و بالهن: البغي، و قطيعة الرحم، و اليمين الكاذبة يبارز الله بها. و ان
اعجل الطاعات ثوابا لصلة الرحم. و ان القوم ليكونون فجارا فيتواصلون
فتنمي اموالهم و يثرون. و ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع
من اهلها. و تنقل الرحم، و ان نقل الرحم انقطاع النسل » . و قال -عليه السلام-: «اتقوا
الحالقة (17) ، فانها تميت الرجال » ، قيل: و ما الحالقة؟ قال: «قطيعة الرحم » . و جاء رجل اليه، فشكى اقاربه فقال له: «اكظم و
افعل » ، فقال: انهم يفعلون و يفعلون، فقال: «اتريد ان تكون مثلهم فلا ينظر الله اليكم؟ » (18) . و كتب امير المؤمنين -عليه
السلام-الى بعض عماله: «مروا الاقارب ان يتزاوروا و لا يتجاوروا» (19) ، و ذلك
لان التجاور يورث التزاحم على الحقوق، و ذلك ربما يورث التحاسد و التباغض
و قطيعة الرحم، كما هو مشاهد في اكثر ابناء عصرنا، و ليس الخبر كالمعاينة، و اذا لم
يتجاوروا و تزاحمت (20) ديارهم كان اقرب الى التحابب، كما قيل بالفارسية: «دورى
و دوستي » (21) .
وصل
ضد قطيعة الرحم: صلة الرحم
و هو تشريك ذوى اللحمة و القرابات بما ناله من المال و الجاه و سائر خيرات
الدنيا، و هو اعظم القربات و افضل الطاعات، قال الله سبحانه: «و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين احساناو بذي القربى و
اليتامى. . . » (22) . و قال: «و اتقوا الله الذي تساءلون به و الارحام ان الله كان
عليكم رقيبا» (23) . و قال: «الذين يصلون ما امر الله به ان يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب-الى
قوله-اولئك لهم عقبى الدار» (24) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «اوصى الشاهد من امتى و الغائب، و من في
اصلاب الرجال و ارحام النساء، الى يوم القيامة: ان يصل الرحم و ان كانت منه
على مسيرة سنة، فان ذلك من الدين » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «ان اعجل الخير ثوابا صلة الرحم » . و قال: «من سره النساء في الاجل، و الزيادة في الرزق، فليصل رحمه » و قال-صلى الله عليه و آله-: «ان القوم ليكونون فجرة و لا يكونون بررة، فيصلون
ارحامهم، فتنمى اعمالهم و تطول اعمارهم، فكيف اذا كانوا ابرارا بررة » . و
قال-صلى الله عليه و آله-: «الصدقة بعشرة » و القرض بثمانية عشر، و صلة الاخوان بعشرين، و صلة الرحم باربعة و عشرين » و قيل له-صلى الله عليه و آله-: «اى الناس افضل؟ فقال: اتقاهم لله، و اوصلهم للرحم،
و آمرهم بالمعروف، و انهاهم عن المنكر» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «ان اهل البيت ليكونون فجارا، تنمى اموالهم و يكثر
عددهم اذا وصلوا ارحامهم » و قال-صلى الله عليه و آله- «افضل الفضائل: ان تصل من
قطعك، و تعطى من حرمك، و تعفو عمن ظلمك » . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من سره ان يمد
الله في عمره، و ان يبسط في رزقه، فليصل رحمه، فان الرحم لها لسان يوم القيامة
ذلق، تقول: يا رب، صل من وصلني، و اقطع من قطعنى. فالرجل ليرى بسبيل خير حتى اذا اتته الرحم التي قطعها، فتهوى به الى اسفل
قعر في النار» . و قال امير المؤمنين-عليه السلام-: «صلوا ارحامكم و لو بالتسليم يقول الله
تعالى: و اتقوا الله الذى تساءلون به و الارحام، ان الله كان عليكم رقيبا» . و
قال الباقر-عليه السلام-: «ان الرحم متعلقة يوم القيامة بالعرش، تقول: اللهم صل
من وصلني و اقطع من قطعني » . هذا تمثيل للمعقول بالمحسوس، و اثبات لحق الرحم على ابلغ وجه، و تعلقها بالعرش
كناية عن مطالبة حقها بمشهد من الله. و قال عليه السلام: «صلة الارحام تحسن
الخلق، و تسمح الكف، و تطيب النفس، و تزيد في الرزق و تنسى ء في الاجل » . و قال: «صلة
الارحام تزكى الاعمال، و تنمى الاموال، و تدفع البلوى، و تيسر الحساب، و
تنسي ء في الاجل » . و قال الصادق عليه السلام: «صلة الرحم و البر ليهونان الحساب
و يعصمان من الذنوب، فصلوا ارحامكم و بروا باخوانكم، و لو بحسن السلام و رد
الجواب » و قال-عليه السلام-: «صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، و هي منساة في العمر،
و تقي مصارع السوء» . و قال-عليه السلام-: «صلة الرحم و حسن الجوار يعمران الديار
و يزيدان في الاعمار» . و قال-عليه السلام-: «ما نعلم شيئا يزيد في العمر الا صلة
الرحم، حتى ان الرجل يكون اجله ثلاث سنين، فيكون وصولا للرحم، فيزيد الله في عمره
ثلاثين سنة، فيجعلها ثلاثا و ثلاثين سنة. و يكون اجله ثلاثا و ثلاثين سنة فيكون
قاطعا للرحم، فينقصه الله تعالى ثلاثين سنة، و يجعل اجله ثلاث سنين » (25) . و الاخبار
الواردة في فضيلة صلة الرحم و عظم مثوباته اكثر من ان تحصى، و ما ذكرناه كاف
لتنبيه الغافل.
تنبيه
المراد بالرحم
المراد بالرحم الذي يحرم قطعه و تجب صلته، و لو وهب له شي ء لا يجوز الرجوع عنه،
هو مطلق القريب المعروف بالنسب، و ان بعدت النسبة و جاز النكاح. و المراد بقطعه
ان يؤذيه بالقول او الفعل، او كان له شدة احتياج الى ما يقدر عليه زيادة على قدر
حاجته، من سكنى و ملبوس و ماكول فيمنعه، او امكنه ان يدفع عنه ظلم ظالم و لم يفعله،
او هاجره غيظا و حقدا من دون ان يعوده اذا مرض، او يزوره اذا قدم من سفر و امثال
ذلك. فان جميع ذلك و امثالها قطع للرحم. و اضدادها من دفع الاذية، و مواساته
بماله، و زيارته، و اعانته باللسان و اليد و الرجل و الجاه و غير ذلك: صلة. ثم الظاهر تحقق الواسطة بين القطع و الصلة، اذ كل احسان، و لو كان مما لا يحتاج
اليه قريبه و هو محتاج اليه، يسمى صلة، و عدمه لا يسمى قطعا. و منها:
عقوق الوالدين
و هو اشد انواع قطيعة الرحم، اذ اخص الارحام و امسها ما كان بالولادة،
فيتضاعف تاكد الحق فيهما، فهو كقطيعة الرحم، اما يكون ناشئا من الحقد و الغيظ،
او من البخل و حب الدنيا، فيكون من رذائل احدى قوتى الغضب و الشهوة. ثم جميع ما
يدل على ذم قطيعة الرحم يدل على ذم العقوق، و لكونه اشد انواع القطيعة و افظعها،
وردت في خصوص ذمه آيات و اخبار اخر كثيرة، كقوله تعالى: «و قضى ربك الا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا، اما يبلغن عندك الكبر
احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما» (26) . و قول رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «كن بارا و اقصر على الجنة، و ان كنت عاقا
فاقصر على النار» . و عن ابي جعفر-عليه السلام- قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و
آله في كلام له: اياكم و عقوق الوالدين، فان ريح الجنة توجد من مسيرة الف عام،
و لا يجدها عاق، و لا قاطع رحم، و لا شيخ زان، و لا جار ازاره خيلاء. انما الكبرياء
لله رب العالمين » . و قوله صلى الله عليه و آله: «من اصبح مسخطا لابويه، اصبح له
بابان مفتوحان الى النار» . و عن ابي جعفر-عليه السلام- قال: «ان ابى-عليه
السلام-نظر الى رجل و معه ابنه يمشى و الابن متكى ء على ذراع الاب، فما كلمه ابى
مقتا له حتى فارق الدنيا» . و قال الصادق عليه السلام: «من نظر الى ابويه نظر
ماقت، و هما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة » . و قال الصادق-عليه السلام-: «اذا
كان يوم القيامة، كشف غطاء من اغطية الجنة، فوجد ريحها من كانت له روح من
مسيرة خمسمائة عام، الا صنفا واحدا» ، فقيل له: من هم؟ قال: «العاق لوالديه » . و قال-عليه السلام-: «لو علم الله شيئا هو ادنى من اف لنهى عنه، و
هو ادنى العقوق. و من العقوق ان ينظر الرجل الى والديه فيحد النظر اليهما» (27) و سئل
الكاظم عليه السلام عن الرجل يقول لبعض ولده: بابى انت و امى! او بابوى انت!
اترى بذلك باسا؟ فقال: «ان كان ابواه حيين فارى ذلك عقوقا، و ان كانا قد ماتا فلا باس » . و الاخبار في ذم العقوق اكثر من تحصى، و ورد في بعض الاخبار القدسية: «بعزتى و
جلالى و ارتفاع مكاني! لو ان العاق لوالديه يعمل باعمال الانبياء جميعا لم
اقبلها منه » . و روى ايضا: «ان اول ما كتب الله في اللوح المحفوظ: انى انا الله
لا اله الا انا، من رضى عنه والده فانا منه راض، و من سخط عليه والداه فانا عليه
ساخط » . و قد ورد عن رسول الله انه قال: «كل المسلمين يروني يوم القيامة، الا عاق
الوالدين، و شارب الخمر، و من سمع اسمى و لم يصل علي » . و قد ثبت من الاخبار و
التجربة، ان دعاء الوالد على ولده لا يرد و يستجاب البته. و دلت الاخبار على ان من لا ترضى عنه امه تشتد عليه سكرات الموت و عذاب القبر.
و كفى للعقوق ذما انه ورد في الاسرائيليات: «انه تعالى اوحى الى موسى: ان من بر
والديه و عقنى كتبته برا، و من برنى و عق والديه كتبته عاقا» .
وصل
بر الوالدين
ضد العقوق (بر الوالدين) و الاحسان اليهما، و هو افضل القربات و اشرف
السعادات. و لذلك ورد ما ورد من الحث عليه، و الترغيب اليه قال الله سبحانه: «و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» (28) . و قال:
«و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا» (29) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «بر الوالدين افضل من الصلاة و الصوم و
الحج و العمرة و الجهاد في سبيل الله » . و قال صلى عليه و آله: «من اصبح مرضيا
لابويه، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنة » . و عن ابي عبد الله عليه السلام قال:
«ان رجلا اتى الى النبي -صلى الله عليه و آله-فقال: يا رسول الله اوصني. فقال: لا
تشرك بالله شيئا و ان حرقت بالنار و عذبت الا و قلبك مطمئن بالايمان، و والديك
فاطعهما و برهما حيين كانا او ميتين و ان امراك، ان تخرج من اهلك فافعل
فان ذلك من الايمان » . و عن ابي عبد الله عليه السلام قال: «جاء رجل و سال النبي
صلى الله عليه و آله عن الوالدين. فقال: ابرر امك، ابرر امك ابرر امك ابرر
اباك ابرر اباك ابرر اباك و بدا بالام قبل الاب » . و عن ابي عبد الله-عليه
السلام-قال: «جاء رجل الى النبى صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول الله، من ابر؟
قال: امك. قال ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: اباك » و اتاه رجل آخر و قال: «اني رجل شاب نشيط، و احب الجهاد، ولي والدة تكره
ذلك. فقال له النبي-صلى الله عليه و آله- ارجع فكن مع والدتك، فو الذى بعثنى
بالحق! لانسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل الله سنة » . و قال ابو عبد الله عليه
السلام: «ان رسول الله-صلى الله عليه و آله-اتته اخت له من الرضاعة، فلما نظر
اليها سربها، و بسط ملحفته لها، فاجلسها عليها، ثم اقبل يحدثها و يضحك في
وجهها، ثم قامت فذهبت و جاء اخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله،
صنعت باخته ما لم تصنع به و هو رجل، فقال: لانها كانت ابر بوالديها منه » . و قيل للصادق-عليه السلام-: «اي الاعمال افضل؟ قال: الصلاة لوقتها، و بر
الوالدين، و الجهاد في سبيل الله » . و قال له عليه السلام رجل: «ان ابي قد كبر جدا
وضعف، فنحن نحمله اذا اراد الحاجة فقال: ان استطعت ان تلى ذلك منه فافعل، و
لقمه بيدك، فانه جنة لك غدا» . و قال له عليه السلام رجل: «ان لي ابوين مخالفين. فقال
برهما كما تبر المسلمين ممن يتولانا» . و قال رجل للرضا-عليه السلام- «ادعو
لوالدى اذا كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما و تصدق عنهما، و ان كانا حيين لا
يعرفان الحق فدارهما، فان رسول الله-صلى الله عليه و آله-قال: ان الله بعثني
بالرحمة لا بالعقوق » . و قد وردت اخبار اخر في الامر بالبر و الاحسان الى
الوالدين، و ان كانا على خلاف الحق و قال-عليه السلام-: «ما يمنع الرجل منكم ان
يبر و الديه حيين و ميتين و يصلى عنهما، و يتصدق عنهما، و يحج عنهما، و يصوم
عنهما، فيكون الذى صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده الله عز و جل ببره و صلاته خيرا
كثيرا» (30) . و الاخبار في ثواب بر الوالدين غير محصورة. فينبغي لكل مؤمن ان يكون شديد
الاهتمام في تكريمهما و تعظيمهما و احترامهما، و لا يقصر في خدمتهما، و يحسن
صحبتهما، و الا يتركهما حتى يسالاه شيئا مما يحتاجان اليه بل يبادر الى
الاعطاء قبل ان يفتقرا الى السؤال، كما ورد في الاخبار، و ان اضجراه فلا يقل
لهما اف، و ان ضرباه لا يعبس وجهه، و قال: غفر الله لكما، و لا يملا عينيه من النظر
اليهما الا برحمة ورقة، و لا يرفع صوته فوق صوتهما، و لا يده فوق ايديهما، و لا
يتقدم قدامهما، بل مهما امكن له لا يجلس عندهما، و كلما بالغ في التذلل و التخضع
كان اجره ازيد و ثوابه اعظم. و بالجملة: اطاعتهما واجبة و طلب رضاهما حتم، فليس للولد ان يرتكب شيئا من
المباحات و المستحبات بدون اذنهما، و لذا افتى العلماء بانه لا تجوز
المسافرة في طلب العلم الا باذنهما، الا اذا كان في طلب علم الفرائض من
الصلاة و الصوم و اصول العقائد، و لم يكن في بلده من يعلمه، و لو كان في بلده من يعلمه
لم تجز المسافرة. و قد روى: «ان رجلا هاجر من اليمن الى رسول الله-صلى الله عليه
و آله-و اراد الجهاد، فقال له ارجع الى ابويك فاستاذنهما، فان اذنا
فجاهد، و الا فبرهما ما استطعت، فان ذلك خير مما كلف به بعد التوحيد» و جاء
آخر اليه للجهاد، فقال «الك والدة؟ » قال: نعم! قال: «فالزمها، فان الجنة تحت
قدمها» و جاء آخر، و طلب البيعة على الهجرة الى الجهاد، و قال: ما جئتك حتى ابكيت
والدى. قال: «ارجع اليهما، فاضحكهما كما ابكيتهما» . و لو وقعت بين الوالدين
مخالفة، بحيث توقف رضى احدهما على سخط الآخر فينبغي ان يجتهد في الاصلاح بينهما باى
طريق امكن، و لو بالعرض الى فقيه البلد حتى يطلبهما و يعظهما و يقيمهما على
الوفاق، لئلا ينكسر خاطر احدهما منه. و اعلم ان حق كبير الاخوة على صغيرهم عظيم، فينبغي محافظته. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «حق كبير الاخوة على صغيرهم كحق الوالد على
ولده » .
تذنيب
حق الجوار
حق الجوار قريب من حق الرحم، اذ الجوار يقتضي حقا وراء ما تقتضيه اخوة
الآسلام، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم و زيادة فمن قصر في حقه عداوة
او بخلا فهو آثم. قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «الجيران ثلاثة: فمنهم من
له ثلاثة حقوق: حق الجوار و حق الاسلام، و حق القرابة. و منهم من له حقان: حق
الاسلام، و حق الجوار. و منهم من له حق واحد: الكافر له حق الجوار» . فانظر كيف
اثبت للكافر حق الجوار. و قال-صلى الله عليه و آله-: «احسن مجاورة من جاورك
تكن مؤمنا» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر، فلا
يؤذ جاره » . و قال صلى الله عليه و آله: «لا ايمان لمن لم يامن جاره بوائقه » . و قيل
له-صلى الله عليه و آله-: «فلانة تصوم النهار و تقوم الليل و تتصدق، و تؤذى جارها
بلسانها. فقال صلى الله عليه و آله: لا خير فيها، هي من اهل النار» . و عن علي عليه السلام: «ان رسول الله-صلى الله عليه و آله-كتب بين المهاجرين و
الانصار و من لحق بهم من اهل يثرب: ان الجار كالنفس غير مضار و لا آثم، و حرمة
الجار على الجار كحرمة امه » و قال الصادق عليه السلام-: «حسن الجوار زيادة
في الاعمار و عمارة في الديار» . و قال -عليه السلام-: «ليس منا من لم يحسن
مجاورة من جاوره » . و قال -عليه السلام-: «قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: ما
آمن بي من بات شبعانا و جاره جائع » . و قال: «ان يعقوب عليه السلام لما ذهب عنه
بنيامين، نادى: يا رب اما ترحمنى، اذهبت عيني و اذهبت ابني؟ فاوحى الله تبارك
و تعالى اليه: لو كنت امتهما لاحييتهما لك، اجمع بينك و بينهما، و لكن تذكر
الشاة التي ذبحتها و شويتها و اكلت، و فلان الى جانبك صائم لم تنله منها شيئا» .
و في رواية اخرى: «فكان بعد ذلك يعقوب ينادى مناديه كل غداة و مساء من منزله على فرسخ:
الا من اراد الغداء او العشاء فليات الى يعقوب! » (31) . و في بعض الاخبار (32) : «ان
الجار الفقير يتعلق بجاره الغنى يوم القيامة، و يقول: سل يا رب هذا لم منعنى
معروفه و سد بابه دونى؟ » .
تتميم
حدود الجوار و حقه
معرفة الجوار موكولة الى العرف، فاى دار يطلق عليها الجار عرفا يلزم
مراعاة حقوق اهلها. و المستفاد من بعض الاخبار: ان كل اربعين دارا من كل واحد
من الجوانب الاربعة جيران. ثم لا ينحصر حق الجار في مجرد كف الاذى، اذ ذلك
يستحقه كل احد، بل لا بد من الرفق و اهداء الخير و المعروف، و تشريكه فيما يملكه و
يحتاج اليه من المطاعم، كما ظهر من بعض الاخبار المتقدمة. و ينبغي ان يبداه
بالسلام، و لا يطيل معه الكلام، و لا يكثر عن حاله السؤال، و يعوده في المرض، و
يعزيه في المصيبة، و يقوم معه في العزاء، و يهنئه في الفرح، و يصفح عن زلاته، و يستر
ما اطلع عليه من عوراته، و لا يضايقه في وضع الجذع على جداره و لا في صب الماء في
ميزابه، و لا في مطرح التراب في فنائه، و لا في المرور عن طريقه، و لا يمنعه ما
يحتاج اليه من الماعون، و يغض بصره عن حرمه، و لا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته،
و يتلطف لاولاده في كلمته، و يرشده الى ما يصلحه من امر دينه و دنياه، و ان
استعان به في امر اعانه، و ان استقرضه اقرضه، و لا يستطيل عليه بالبناء فيحجب
عنه الريح الا باذنه، و اذا اشترى شيئا من لذائذ المطاعم و ظرفها فليهد له، و
ان لم يفعل فليدخلها بيته سرا، و لا يخرج بها اولاده حتى يطلع عليها بعض اولاد جاره،
فيشتهيه و ينكسر لذلك خاطره. و منها:
طلب العترات
و تجسس العيوب و العورات و اظهارها. و لا ريب في كونه من نتائج العداوة و
الحسد، و ربما حدث في القوة الشهوية رداءة توجب الاهتزاز و الانبساط، من ظهور
عيب بعض المسلمين، و ان لم يكن عداوة و حقدا كما قيل: و عين الرضا عن كل عيب كليلةو لكن عين السخط تبدى المساويا و من تصفح الآيات و
الاخبار، يعلم ان من يتبع عيوب المسلمين و يظهرهما بين الناس اسوا الناس و
اخبثهم، قال الله تعالى: «و لا تجسسوا» (33) . و قال: «ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
عذاب اليم » (34) . و قال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: «من اذاع فاحشة كان كمبتدئها، و من عير
مؤمنا بشي ء، لم يمت حتى يرتكبه » . و قال صلى الله عليه و آله: «كل امتي معافى، الا
المجاهرين » ، و المجاهرة ان يعمل الرجل سوا فيخبر به. و قال-صلى الله عليه و
آله-: «من استمع خبر قوم و هم له كارهون، صبت فى اذنيه الآنك يوم القيامة » . و
عن ابي جعفر-عليه السلام-قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله يا معشر من اسلم
بلسانه و لم يسلم بقلبه! لا تتبعوا عثرات المسلمين، فانه من يتبع عثرات
المسلمين يتبع الله عثراته، و من تتبع الله عثراته يفضحه » . و قال الباقر عليه السلام-: «من اقرب ما يكون العبد الى الكفر ان يؤاخي الرجل
الرجل على الدين، فيحصى عليه زلاته ليعيره بها يوما ما» . و قال الصادق-عليه
السلام-: «من انب مؤمنا انبه الله عز و جل في الدنيا و الآخرة » . و قيل للصادق-عليه
السلام-: «شي ء يقوله الناس، عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال: ليس حيث تذهب،
انما عورة المؤمن ان يراه يتكلم بكلام يعاب عليه فيحفظه عليه ليعيره به يوما
اذا غضب » و قال الباقر-عليه السلام-: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله ان اسرع الخير
ثوابا البر، و اسرع الشر عقوبة البغي، و كفى بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما
يعمى عنه، و ان يعير الناس بما لا يستطيع تركه، و ان يؤذى جليسه بما لا يعينه » (35) . و
الاخبار الواردة بامثال هذه المضامين كثيرة.
وصل
ستر العيوب
ضد كشف العيوب: سترها و اخفاؤها، و هو من اعظم شعب النصيحة و لا حد لثوابه، كما
يستفاد من الاخبار الكثيرة. قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «من ستر على
مسلم ستره الله في الدنيا و الآخرة » . و قال صلى الله عليه و آله: «لا يستر عبد عيب
عبد الا ستره الله يوم القيامة » و قال-صلى الله عليه و آله-: «لا يرى امرؤ من اخيه عورة فيسترها عليه، الا دخل
الجنة » . و كفى بستر العيوب فضلا انه من اوصاف الله سبحانه، و من شدة اعتنائه
بستر الفواحش اناط ثبوت الزنا-و هو افحشها- بما لا يمكن اتفاقه الا نادرا، و
هو مشاهدة اربعة عدول كالميل في المكحلة فانظر الى انه تعالى كيف اسبل الستر على
العصاة من خلقه في الدنيا، بتضييق الطرق المؤدية الى كشفه. و لا تظنن انك تحرم
هذا الستر يوم تبلى السرائر، فقد ورد في الحديث: «ان الله تعالى اذا ستر على
عبد عورته في الدنيا فهو اكرم من يكشفها في الآخرة، و ان كشفها في الدنيا فهو
اكرم من ان يكشفها اخرى » . و ورد ايضا: «انه يؤتى يوم القيامة بعبد يبكي، فيقول
الله سبحانه له: لم تبكى؟ فيقول: ابكى على ما سينكشف عنى من عوراتى و عيوبى عند
الناس و الملائكة. فيقول الله: عبدى ما افتضحتك في الدنيا بكشف عيوبك و فواحشك،
و انت تعصيني و تضحك! فكيف افضحك اليوم بكشفها و انت تعصيني و تبكى! » . و في خبر
آخر: «ان رسول الله-صلى الله عليه و آله-يطلب يوم القيامة من الله سبحانه الا
يحاسب امته بحضرة من الملائكة و الرسل و سائر الامم، لئلا تظهر عيوبهم عندهم، بل
يحاسبهم بحيث لا يط لع على معاصيهم غيره سبحانه، و سواه -صلى الله عليه و آله-،
فيقول الله سبحانه: يا حبيبي، انا اراف بعبادى منك، فاذا كرهت كشف عيوبهم عند
غيرك، فانا اكره كشفها عندك ايضا، فاحاسبهم وحدى بحيث لا يطلع على عثراتهم غيرى » .
فاذا كانت عناية الله سبحانه في ستر عيوب العباد بهذه المثابة، فانى لك
ايها المسكين المبتلى بانواع العيوب و المعاصي، تسعى في كشف عيوب عباد الله،
مع انك مثلهم في الاتصاف بانواع العيوب و العثرات! و تامل انه لو اظهر احد
بعض فواحشك عند الناس كيف يكون حالك، فقس عليه حال غيرك ممن تكشف انت بعض فواحشه.
و قد ثبت و وضح من الاخبار و التجربة: ان من يفضح يفتضح، فيا حبيبي، ترحم على
نفسك و تاس بربك، فاسبل الستر على عيوب غيرك. و منها:
افشاء السر
و اذاعته. و هو اعم من كشف العيب. اذ السر قد يكون عيبا و قد لا يكون بعيب، و لكن
في افشائه ايذاء و اهانة بحق الاصدقاء او غيرهم من المسلمين، و هو من رذائل قوة
الغضب ان كان منشاه العداوة، و من رذائل قوة الشهوة ان كان منشاه تصور نفع مالى،
او مجرد اهتزاز النفس بذلك لخباثتها، و هو مذموم منهى عنه. قال رسول الله صلى
الله عليه و آله-: «اذا حدث الرجل الحديث ثم التفت، فهي امانة » . و قال -صلى الله
عليه و آله-: «الحديث بينكم امانة » . و ورد: «ان من الخيانة ان تحدث بسر اخيك » . و قال
عبد الله بن سنان للصادق-عليه السلام-: «عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال:
نعم! قلت: يعنى سفلته؟ قال: ليس حيث تذهب، انما هو اذاعة سره » (36) .
1) آل عمران، الآية: 104. 2) الاعراف، الآية: 158. 3) صححنا الاحاديث على (فروع الكافي) : باب الامر بالمعروف، و باب انكار المنكر
بالقلب. اسقط المؤلف من الحديث الاول قسما فاكملناه. 4) البقرة، الآية: 44. 5) الصف، الآية: 2-3. 6) صححنا الاحاديث كلها على (فروع الكافي) : باب الامر بالمعروف و النهي عن
المنكر. و على (الوسائل) : كتاب الامر بالمعروف. و على (المستدرك)2 360، كتاب
الامر بالمعروف و النهى عن المنكر. 7) الباب 64 و قد صححنا الحديث عليه و على (بحار الانوار) : 21 114باب الامر
المعروف. و على (مستدرك الوسائل) : 2 363-365. 8) البقرة، الآية: 44. 9) (مصباح الشريعة) : الباب المتقدم. 10) صححنا الاخبار كلها على (الكافي) : باب الهجران. 11) القبط-بالكسر-: اهل مصر الاصليون و اليهم تنسب الثياب البيض القبطية. و
الجمع (قباطى) . 12) الانفال، الآية: 63. 13) آل عمران، الآية: 103. 14) صححنا الاحاديث كلها على (الكافي) : باب زيارة الاخوان، و باب المصافحة، و
باب المعانقة و على (سفينة البحار) : 1 567. 15) الرعد الآية 27. 16) قال في (الوافي) : لم ينفعهما معه عمل، اي لم ينفع الخائن و لا القطوع مع الخيانة او
القطع عمل و في نسخة من (الكافي) : لم ينفعه معهما. 17) قال في (مجمع البحرين) -مادة حلق-: «و في الحديث: اتقوا الحالقة قال بعض
الشارحين: الحالقة هي الخصلة التي من شانها ان تحلق، اي تهلك و تستاصل الدين كما
يستاصل الموسى الشعر» . 18) صححنا الاحاديث كلها على (اصول الكافي) : باب قطيعة الرحم، و باب صلة الرحم. 19) لم نعثر على مصدر لهذا الحديث. 20) كذا في النسخ، و الظاهر ان الصحيح «و تباعدت » . 21) يعني: التباعد معه التحابب. 22) النساء، الآية: 36. 23) النساء، الآية: 1. 24) الرعد الآية 21، 22. 25) صححنا الاخبار هنا كلها على (اصول الكافي) : باب صلة الرحم. و على (سفينة
البحار) : 1 514. 26) الاسراء، الآية: 23. 27) صححنا الاحاديث كلها على (اصول الكافي) : باب العقوق، و على (مستدرك الوسائل) :
2 631 كتاب النكاح. و على (الوسائل) : كتاب النكاح. 28) بنى اسرائيل، الآية: 24. 29) النساء، الآية: 36. 30) صححنا الاحاديث كلها على (اصول الكافي) : باب بر الوالدين و على (الوسائل) :
كتاب النكاح ابواب احكام العشرة، باب وجوب بر الوالدين، و باب وجوب بر
الوالدين برين كانا او فاجرين، و باب جملة من حقوق الوالدين و على (المستدرك)
2 628 كتاب النكاح. 31) صححنا الاحاديث هنا على (اصول الكافي) : باب حسن الجوار و على (المستدرك) : 2
78 و 79 و على (الوسائل) : كتاب الحج، ابواب احكام العشرة، الباب 85-88. 32) هذا كلام ذكره في (احياء العلوم) : 2 189 بعد قوله: «اذ يقال » . 33) الحجرات، الآية: 12. 34) النور، الآية: 19. 35) صححنا الاحاديث كلها على (اصول الكافي) : باب من طلب عثرات المؤمنين و
عوراتهم و على (الوسائل) : ابواب احكام العشرة، الباب 150. و على (المستدرك) : 2
104. و على (البحار) : 4 مج 15 175، باب تتبع عيوب الناس و افشائها. 36) صححنا الاحاديث على البحار: 4 175 مج 15، باب تتبع عيوب الناس.