فصل - مستند الشیعه فی احکام الشریعه جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مستند الشیعه فی احکام الشریعه - جلد 2

احمد بن محمد مهدی النراقی؛ تحقیق: مؤسسة آل البیت (ع) لاحیاء التراث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فصل


(حقيقة الصلاة)


لا بحث لنا عما يتعلق بظاهرها من الاجزاء و الشرائط و الاحكام، اذ بيانها على
عهدة الفقه. فلنشر الى المعاني الباطنة التي بها تتم حياتها، و الى الاسرار و
الآداب الخفية الباطنة المتعلقة باجزائها و شرائطها الظاهرة، لتكون ملحوظة للعبد عند
فعلها.

فنقول: المعانى الباطنة، التي هي روح الصلاة و حقيقتها، سبعة:

الاول-الاخلاص و القربة، و خلوها عن شوائب الرياء. و قد تقدم تفصيل القول في ذلك.

الثاني-حضور القلب: و هو ان يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له و متكلم به، حتى يكون
العلم مقرونا بما يفعله و ما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرهما. فمهما انصرف
الفكر عن غير ما هو فيه، و كان في قلبه ذكر لما هو فيه من غير غفلة عنه، فقد حصل حضور
القلب.

ثم حضور القلب قد يعبر عنه بالاقبال على الصلاة و التوجه، و قد يعبر عنه بالخشوع
بالقلب، فان الخشوع فى الصلاة خشوعان: خشوع بالقلب:

و هو ان يتفرغ لجمع الهمة لها، و الاعراض عما سواها، بحيث لا يكون في قلبه غير
المعبود. و خشوع بالجوارح، و هو ان يغض بصره، و لا يلتفت، و لا يعبث، و لا يتثاءب، و
لا يتمطى، و لا يفرقع اصابعه، و بالجملة: لا يتحرك لغير الصلاة، و لا يفعل شيئا من
المكروهات، و ربما عبر ذلك بالخضوع.

الثالث-التفهم لمعنى الكلام: و هو امر وراء حضور القلب.

فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ، و لا يكون حاضرا مع معناه. فالمراد بالتفهم هو
اشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ. و هذا مقام يتفاوت فيه الناس، اذ ليس يشترك
الناس في تفهم معاني القرآن و التسبيحات، فكم من معان لطيفة يفهمها بعض
المصلين في اثناء الصلاة و لم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك و لا يفهمها غيره. و من هذا
الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء و المنكر، فانها تفهم امورا تمنع تلك
الامور عن الفحشاء و المنكر لا محالة.

الرابع-التعظيم: و هو امر وراء حضور القلب و التفهم. اذ الرجل ربما يخاطب غيره،
و هو حاضر القلب فيه، و متفهم لمعناه، و لا يكون معظما له.

الخامس-الهيبة: و هي زائدة على التعظيم لانها عبارة عن خوف منشاه التعظيم، لان
من لا يخاف لا يسمى هائبا، ثم كل خوف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الاجلال.

السادس-الرجاء: و لا ريب في كونه زائدا عما ذكر. فكم من رجل يعظم ملكا من الملوك،
و يهابه و يخاف سطوته، و لا يرجو بره و احسانه. و العبد ينبغى ان يكون راجيا
بصلاته ثواب الله، كما انه خائف بتقصيره عقابه.

السابع-الحياء: و مستنده استشعار تقصير و توهم ذنب، و هو زائد على التعظيم و
الخوف و الرجاء، لتصورها من غير حياء، حيث لا يكون توهم تقصير و ارتكاب ذنب.

فصل


(حضور القلب)


اعلم ان كون الامور المذكورة روح الصلاة و حقيقتها، و المقصود الاصلي منها، امر
ظاهر. اذ الغرض الاصلى من العبادات و الطاعات هي تصفية النفس و تصقيلها، فكل عمل
يكون اشد تاثيرا فيهما يكون افضل.

و لا ريب في ان المقتضى لصفاء النفس و تجردها و تصقيلها عن الكدورات من الصلاة
ليس الا الامور المذكورة، و ليس لنفس الحركات الظاهرة كثير مدخلية فيها، و كيف
لا يكون حضور القلب و الخشوع روح الصلاة و لا يتوقف كمال الصلاة عليه، مع ان المصلى
في صلاته و دعائه مناج ربه؟ و لا شك ان الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، و ايضا
الكلام اعراب عما في الضمير، و لا يتاتى الاعراب عما في الضمير الا بحضور
القلب، فاى سؤال في قوله: « «اهدنا الصراط المستقيم » » اذا كان القلب غافلا؟ و لا
شك ايضا ان المقصود من القراءة و الاذكار الثناء و الحمد و التضرع و الدعاء، و
المخاطب هو الله-تعالى-، فاذا كان قلب العبد محجوبا عنه بحجاب الغفلة، و لا
يراه و لا يشاهده، بل كان غافلا عن المخاطب، و يحرك لسانه بحكم العادة، فما ابعد
هذا عن المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب، و تجديد ذكر الله، و رسوخ عقد
الايمان بها. هذا حكم القراءة و الذكر.

و اما الركوع و السجود، فالمقصود منهما التعظيم قطعا، و التعظيم كيف يجتمع مع
الغفلة، و اذا خرج عن كونه تعظيما، لم يبق الا مجرد حركة الظهر و الراس، و ليس
فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به، كما في افعال الحج، و اعطاء المال في
الزكاة، و امساك النفس عن الشهوات في الصوم.

فكيف يجعل مجرد هذه الحركة مع خفتها و سهولتها عماد الدين، و الفاصل بين الكفر
و الاسلام، و تقدم على سائر العبادات، و يجب القتل بسبب تركها على الخصوص؟ و
لكون الحضور و الخشوع و الخشية عمدة ما يقصد به من الصلاة، تظاهرت الآيات و
الاخبار على الترغيب عليها و فضيلتها و مدح اهلها، و على ذم الغفلة و التفكر في
امور الدنيا و الوساوس الباطلة عند الاشتغال بالصلاة، و قد تظاهرت الاخبار
ايضا بان الانبياء و الاوصياء و اكابر الاولياء كانوا عند اشتغالهم في
الصلاة في غاية الاقبال و الخشوع و الخوف. قال الله-سبحانه-:

«الذين هم فى صلاتهم خاشعون » (1) . و قال: «و اقم الصلاة لذكري » (2) . و الغفلة تضاد
الذكر، فمن كان غافلا فى صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره و قال: «و لا تكن من
. و قال: «فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون » (4) ، ذمهم على الغفلة
عنها مع كونهم مصلين، لا لانهم سهوا عنها و تركوها. و قال: «لا تقربوا الصلاة و
انتم سكارى. حتى تعلموا ما تقولون » (5) .

قيل: المراد: سكارى من كثرة الهم، و قيل: من حب الدنيا. و لو حمل على ظاهره ففيه
تنبيه على سكر الدنيا، اذ بين فيه العلة. و قال: حتى تعلموا ما تقولون. و كم من
مصل لم يشرب الخمرة و هو لا يعلم ما يقول فى صلاته. و قال رسول الله (ص) : «من صلى
ركعتين، لم يحدث فيهما نفسه بشى ء من الدنيا، غفر له ما تقدم من ذنبه » . و قال (ص) :
«اذا صليت صلاة فريضة، فصل لوقتها صلاة مودع يخاف الا يعود فيها» . و قال (ص) : «لا
ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه » . و قال (ص) : «انما فرضت الصلاة،
و امر بالحج و الطواف، و اشعرت المناسك، لاقامة ذكر الله، فاذا لم يكن في قلبك
للمذكور الذي هو المقصود و المبتغى عظمة و لا هيبة، فما قيمة ذكرك؟ ! » .

و عن ابي عبد الله (ع) قال: «قال الله-تبارك و تعالى-: انما اقبل الصلاة ممن تواضع
لعظمتي، و يكف نفسه عن الشهوات من اجلي، و يقطع نهاره بذكرى، و لا يتعاظم على خلقي، و
يطعم الجائع، و يكسو العاري، و يرحم المصاب، و يؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل
الشمس، اجعل له في الظلمات نورا، و في الجهالة علما، اكلاه بعزتى، و استحفظه
بملائكتى، يدعوني فالبيه، و يسالني فاعطيه. فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس، لا
تيبس ثمارها، و لا تتغير عن حالها» (6) . و في اخبار موسى: «يا موسى، اذا ذكرتني
فاذكرني و انت تبغض اعضاءك. و كن عند ذكري خاشعا مطمئنا. و اذا ذكرتني فاجعل
لسانك من وراء قلبك. و اذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل، و ناجني بقلب و جل، و
لسان صادق » .

و اوحى اليه (ع) : «قل لعصاة امتك: لا تذكرونى، فاني آليت على نفسي ان من ذكرني
ذكرته، و اذا ذكروني ذكرتهم باللعنة » . و في بعض الاحاديث القدسية: «ليس كل مصل
اتقبل صلاته، انما اقبل صلاة من تواضع لعظمتي، و لم يتكبر على عبادي، و اطعم الفقير
الجائع لوجهي » . و قال امير المؤمنين (ع) : «طوبى لمن اخلص لله العبادة و الدعاء، و
لم يشتغل قلبه بما تراه عيناه، و لم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه، و لم يحزن صدره
بما اعطى غيره » . و قال الصادق (ع) : «لا تجتمع الرغبة و الرهبة في قلب الا وجبت له
الجنة، فاذا صليت، فاقبل بقلبك على الله-عز و جل-، فانه ليس من عبد مؤمن يقبل
بقلبه على الله-عز و جل-في صلاته و دعائه، الا اقبل الله عليه بقلوب المؤمنين، و ايده
مع مودتهم اياه بالجنة » . و قال الباقر (ع) . «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها و
ثلثها و ربعها و خمسها، فما يرفع له الا ما اقبل عليه بقلبه، و انما امروا
بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة » . و روي: «ان ابراهيم الخليل كان يسمع
تاوهه على حد ميل، و كان يسمع له في صلاته ازيز كازيز المرجل (7) » . و كذلك كان يسمع
من صدر سيدنا رسول الله (ص) مثل ذلك. و قال بعض ازواجه:

«كان النبي (ص) يحدثنا و نحدثه، فاذا حضرت الصلاة، فكانه لم يعرفنا و لم نعرفه » .
و كان امير المؤمنين (ع) اذا اخذ في الوضوء، يتغير وجهه من خيفة الله. و كان (ع)
اذا حضر وقت الصلاة يتزلزل و يتلون، فقيل له:

ما لك يا امير المؤمنين؟ فيقول: «جاء وقت امانة عرضها الله على السماوات و
الارض و الجبال فابين ان يحملنها و اشفقن منها، و حملها الانسان » .

و روى: «انه وقع نصل في رجله (ع) ، فلم يمكن احدا من اخراجه.

فقالت فاطمة-عليهما السلام-: اخرجوه في حال صلاته، فانه لا يحس حينئذ بما يجري
عليه. فاخرج و هو في صلاته، فلم يحس به اصلا» . و كانت الصديقة فاطمة-عليها
السلام-تنهج (8) في الصلاة من خيفة الله. و كان الحسن بن علي-عليهما السلام-اذا
فرغ من وضوئه، تغير لونه، فقيل له في ذلك، فقال: «حق على من اراد ان يدخل على ذي
العرش ان يتغير لونه » . و كان الامام علي بن الحسين-عليهما السلام-اذا توضا
اصفر لونه، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: «اني اريد الوقوف بين
يدي ملك عظيم » . و قال ابو حمزة الثمالي: «رايته يصلى » فسقط رداؤه عن منكبه، فتركه
حتى فرغ من صلاته، فسالته عن ذلك، فقال:

و يحك! اتدرى بين يدى من كنت؟ شغلنى و الله ذلك عن هذا! اتعلم انه لا يقبل من صلاة
العبد الا ما اقبل عليه؟ . فقلت له: يا بن رسول الله، هلكنا اذا. قال: كلا! ان الله
يتم ذلك بالنوافل » . و روى: «انه (ع) اذا قام الى الصلاة تغير لونه، و اذا سجد
لم يرفع راسه حتى يرفض عرقا» .

و روى: «انه (ع) كان اذا قام الى الصلاة كانه ساق شجرة، لا يتحرك منه الا ما
حركت الريح منه » . و سئل مولانا الصادق (ع) عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا
عليه، فقال: «ما زلت اكرر آيات القرآن، حتى بلغت الى حال كانني سمعتها مشافهة
ممن انزلها» (9) . قيل. و كان لسان الامام (ع) في تلك الحال كشجرة طور حين قالت:
«اني انا الله » . و سئل بعض الاكابر عن صلاته، فقال: «اذا جاءت الصلاة، اسبغت
الوضوء، و اتيت الموضع الذي اريد الصلاة فيه، فاقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم
اقوم الى الصلاة، فاجعل الكعبة بين حاجبي، و الصراط تحت قدمي، و الجنة عن يميني، و
النار عن شمالي، و ملك الموت ورائي، و اظنها آخر صلاتي، ثم اقوم بين الرجاء و
الخوف، و اكبر تكبيرا بتحنن، و اقرا القرآن بترتيل، و اركع ركوعا بتواضع، و
اسجد سجودا بتخشع، و اقعد على الورك اليسرى، و افرش ظهر قدمها، و انصب القدم
اليمنى على الابهام و ابتعها الاخلاص، ثم لا ادري اقبلت مني ام لا! » .

ثم، على ما عرفت من كيفية صلاة الانبياء و الاولياء، مع مشاهدة كيفية صلاتك و صلاة
الناس، تعلم: ان الناس ينقسمون فى صلاتهم: الى غافل يتم صلاته و لا يحضر قلبه في
لحظة، و الى من يغفل في بعض صلاته و يحضر قلبه في بعض منها، و هذا تختلف حاله بحسب
قلة كل من الحضور و الغفلة و كثرتهما، و زيادة احدهما على الآخر، فله مراتب غير
متناهية.

و الى من يتم صلاته و لا يغيب قلبه لحظة، بل يكون حاضر القلب في جميع صلاته، و ربما
كان مستوعب الهم بها، بحيث لا يحس بما يجري بين يديه، كما لم يحس مولانا امير
المؤمنين (ع) باخراج النصل من رجله الشريفة.

و بعضهم حضر الجماعة مدة، و لم يعرف قط من على يمينه و يساره. و كان وجيب الخليل
يسمع على ميلين. و كان جماعة تصفر وجوههم و ترتعد فرائصهم عند الصلاة. و كل ذلك غير
مستبعد، فان اضعافه مشاهدة في هم الدنيا و خوف ملوك الدنيا، مع ضعفهم و عجزهم، و
خساسة الحظوظ الحاصلة منهم. حتى يدخل الرجل على ملك او وزير، و يحدثه بمهم و يخرج، و
لو سئل عمن كان على حواليه، و عن ثوب الملك، لكان غير قادر على الاخبار عنه،
لاشتغال همه به عن ثوبه و عن الحاضرين حوله:

«و لكل درجات مما عملوا» (10)

فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه و خشوعه و تعظيمه. فان موضع نظر الله القلوب، دون
ظاهر الحركات. و لذا قال بعض الصحابة:

«يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة، من الطمانينة و الهدوء، و
من وجود النعم و اللذة و البهجة بها» ، فالملحوظ حال القلب لا حال الشخص.

و لذا قيل: «من صفات القلوب تصاغ الصور في دار الآخرة، و لا ينجو:

«الا من اتى الله بقلب سليم » (11) .

تنبيه


(دفع اشكال)


ان قيل: المستفاد من الظواهر المذكورة، ان صلاة الغافل ليست مقبولة الا بقدر
ما اقبل عليه منها، و الفقهاء لم يشترطوا الا حضور القلب عند النية و التكبير، فكيف
التوفيق؟

قلنا: فرق بين القبول و الاجزاء، فان المقبول من العبادة ما يقرب العبد الى
الله، و يترتب عليه الثواب فى الآخرة، و المجزي منها ما يسقط التكليف عن العبد،
و ان لم يترتب عليه ثواب و لم يقربه الى الله. و الناس مختلفون في تحمل التكليف،
فان التكليف انما هو بقدر الوسع و الطاقة، فلا يمكن ان يكلف الجميع باحضار
القلب في جميع الصلاة، اذ لا يقدر على ذلك الا الاقلون. و اذا لم يمكن اشتراط
الاستيعاب للضرورة، فلا مرد له الا ان يشترط ما ينطلق عليه الاسم، و لو في اللحظة
الواحدة، و اولى اللحظات به لحظة التكبير و التوجه، فاقتصر على التكليف بذلك.
و نحن -مع ذلك-نرجوا الا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية،
فانه على الجملة اقدم على الفعل ظاهرا، و احضر القلب لحظة، و كيف لا و الذي صلى مع
الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله، و لكن له اجر ما بحسب فعله و على قدر قصوره و عذره؟
و الحاصل: ان الاقبال و الحضور هو روح الصلاة، و ان اقل ما يبقى به الروح
الحضور عند التكبير، فالنقصان منه هلاك، و بقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في اجزاء
الصلاة، و كم من حى لا حراك فيه قريب من الميت، فصلاة الغافل في جميعها، الا عند
التكبير، حي لا حراك فيه.

فصل


(شرائط الصلاة)


اعلم ان للمعاني الباطنة المذكورة اسبابا لا تتحقق بدونها.

اما حضور القلب: فسببه الاهتمام.

فان قلت: كل احد تابع لهمه، فلا يحضر الا فيما يهمه، و مهما اهمه امر حضر فيه
قلبه، شاء او لم يشا، فهو مجبول عليه مسخر فيه، و القلب اذا لم يحضر في الصلاة لم
يكن متعطلا، بل كان حاضرا فيما يهمه من امور الدنيا. فلا حيلة و لا علاج لاحضار
القلب في الصلاة الا بصرف الهمة اليها، و الهمة لا تنصرف اليها ما لم يتيقن ان
الآخرة خير و ابقى، و ان الصلاة وسيلة اليها. و اذا اضيف الى هذا العلم بحقارة
الدنيا و مهانتها، حصل من مجموع ذلك حضور القلب في الصلاة. و لكون الباعث و
السبب لاحضار القلب في امر انما هو الاهتمام و الاعتناء بشانه، ترى قلبك
يحضر اذا حضرت بين يدي ملك من ملوك الدنيا، بل بين يدي بعض الاكابر ممن لا يقدر
على نفعك و ضرك. فاذا كان لا يحضر قلبك عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك
و الملكوت و النفع و الضر، فلا تظنن ان له سببا سوى ضعف الايمان و اليقين. فينبغي
حينئذ السعي فى تقوية اليقين و الايمان. و اما التفهم: فسببه-بعد حضور
القلب-ادمان الفكر، و صرف الذهن الى ادراك المعنى. و علاجه ما هو علاج احضار
القلب، مع الاقبال على الفكر، و التشمر لرفع الخواطر الشاغلة بقطع موادها، اعنى
النزوع على الاسباب التى تنجذب الخواطر اليها. و ما لم تنقطع تلك المواد لا
تنصرف عنها الخواطر. فان من احب شيئا او بغض شيئا او خاف من شي ء، اكثر ذكره.
فذكر المحبوب و المبغوض و المخوف يهجم على القلب بالضرورة.

و لذا ترى ان من احب غير الله او كان قلبه مشغولا بعداوة احد او بالخوف عنه، لا
تصفو له صلاة عن الخواطر.

و اما التعظيم: فهو حالة للقلب يتولد من معرفتين: احداهما:

معرفة جلال الله و عظمته، فان من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه، و هذه
المعرفة من اصول الايمان. الثانية: معرفة حقارة النفس و خستها و ذلتها، و كونها
عبدا مسخرا مربوبا لا يقدر شيئا من النفع و الضر. و تتولد من المعرفتين:
الاستكانة و الانكسار و الخشوع لله، فيعبر عنه بالتعظيم، و ما لم تمتزج معرفة حقارة
النفس بمعرفة جلال الرب لا تنتظم حالة التعظيم و الخشوع، فان المستغني عن غيره
الآمن على نفسه، يجوز ان يعرف من غيره صفات العظمة و الجلال، و نعوت القدرة و
الكمال، و لا يكون خاشعا معظما له، لان معرفة حاجة النفس و حقارتها لم تقترن اليه.

و اما الهيبة و الخوف: فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله -تعالى-و سطوته
و نفوذ مشيته فيه، مع قلة المبالاة به، و انه لو اهلك الاولين و الآخرين لم تنقص من
ملكه ذرة، مع تذكر ما جرى على الانبياء و الاولياء من المصائب و انواع البلاء مع
القدرة على الدفع. و كلما زاد العلم بالله و بصفاته و افعاله زادت الخشية و الهيبة.
و اما الرجاء: فسببه معرفة لطف الله-تعالى-و كرمه و عميم انعامه و لطائف صنعه،
و معرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة. فاذا حصل اليقين بوعده و المعرفة بلطفه، انبعث
منها الرجاء.

و اما الحياء: فسببه استشعار التقصير في العبادة، و علمه بالعجز عن القيام
بعظيم حق الله، و يقوى ذلك بمعرفة عيوب النفس و آفاتها و قلة اخلاصها و خبث باطنها،
و ميلها الى الحظ العاجل في جميع افعالها، مع العلم بجميع ما يقتضيه جلال الله و
عظمته، و العلم بانه مطلع على السرائر و خطرات القلب، و ان دقت و خفيت. و هذه
المعارف اذا حصلت يقينا، انبعثت منها-بالضرورة-حالة تسمى بالحياء.

فصل


(طريق تحصيل المعاني الباطنة)


اعلم ان العلاج في تحصيل المعاني الباطنة المذكورة، اعني الحضور و التفهم و
التعظيم و الهيبة و الرجاء و الحياء، هو تحصيل اسباب هذه المعاني، و قد عرفت
اسبابها. و طرق العلاج في تحصيل هذه الاسباب انما يتم بامرين:

الاول-معرفة الله، و معرفة جلاله و عظمته و استناد الكل اليه، و معرفة كونه عالما
بذرات العالم و بسرائر العباد. و يلزم ان تكون هذه المعرفة يقينية، ليترتب
عليها الاثر. اذ ما لم يحصل اليقين بامر، لا يحصل التشمر في طلبه و الهرب عنه. و
هذه المعرفة هي المعبر عنها بالايمان.

و لا ريب في كونها موجبة لحصول المعاني المذكورة و اسبابها. اذ المؤمن يكون
البتة حاضر القلب مع ربه عند مناجاته، و متفهما لما يساله عنه، معظما له، و خائفا
منه، و مستحييا من تقصيره.

الثاني-فراغ القلب، و خلوه من مشاغل الدنيا. فان انفكاك المؤمن العارف،
المتيقن بالله و بجلاله و عظمته، و باطلاعه عليه من المعاني المذكورة في صلاته،
لا سبب له الا تفرق الفكر، و تقسم الخاطر، و غيبة القلب عن المناجاة، و الغفلة عن
الصلاة، و لا تلهى عن الصلاة الا الخواطر الردية الشاغلة. فالدواء في احضار القلب
هو دفع كل تلك الخواطر و لا يدفع الشي ء الا بدفع سببه.

و سبب توارد الخواطر، اما ان يكون امرا خارجا، او امرا في ذاته باطنا.

و الاول: ما يظهر للبصر، او يقرع على السمع. فان ذلك قد يختطلف الهم حتى يتبعه و
يتصرف فيه، ثم ينجر منه الفكر الى غيره، و يتسلسل فيكون الابصار او الاستماع
سببا للافتكار، ثم يصير بعض تلك الافكار سببا للبعض. و من قويت رتبته و علت
همته، لم يلهه ما يجرى على حواسه. و لكن الضعيف لا بد و ان يتفرق فيه فكره. فعلاجه:

قطع هذه الاسباب، بان يغض بصره، او يصلى في بيت مظلم، و لا يترك بين يديه ما يشغل
حسه، و يقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، و يتحرز من الصلاة على
الشوارع، و في المواضع المنقوشة المصبوغة، و العمارات العالية المرتفعة. و لذلك
كان المتعبدون يصلون في بيت مظلم صغير، سعته بقدر السجود، ليكون اجمع للهم. و
الاقوياء كانوا يحضرون المساجد، و يغضون البصر، و لا يتجاوزونه موضع السجود،
كما ورد الامر به، و يرون كمال الصلاة في الا يعرفوا من على يمينهم و شمالهم.

و اما الثاني: اعني الاسباب الباطنة، فهي اشد. فان من تفرقت همومه، و
شعبت خواطره في اودية الدنيا، لم ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب
الى جانب. و غض البصر لا يغنيه، فان ما وقع فى القلب من قبل كاف للشغل. فهذا
علاجه: ان يرد نفسه قهرا الى فهم ما يقرؤه، و يشغلها به عن غيره، و يعينه على ذلك ان
يستعد له قبل التحريم، بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة، و خطر المقام بين يدي. الله
-تعالى-، و هو المطلع، و يفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه من امر الدنيا،
فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت اليه خاطره، فهذا طريق تسكين الافكار. فان لم تسكن
افكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه الا المسهل الذى يقمع مادة الداء من
اعمال العروق، و هو ان ينظر في الامور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب. و لا
ريب في انها تعود الى مهماته، و هي انما صارت مهمة لاجل شهواته، فليعاقب نفسه
بالنزوع عن تلك الشهوات و قطع تلك العلائق. فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه و جند
ابليس عدوه، فامساكه اضر عليه من اخراجه، فيتخلص عنه باخراجه.

و هذا هو الدواء القامع لمادة العلة، و لا يغني غيره. فان ما ذكر من التلطف
بالتسكين و الرد الى فهم الذكر، انما ينفع فى الشهوات الضعيفة، و الهم الذي لا
يشغل الا حواشي القلب. و اما الشهوة القوية المرهقة، فلا ينفع معها التسكين، بل لا
تزال تجاذبها و تجاذبك ثم تغلبك، و تنقضى جميع صلاتك في شغل المجاذبة. و
مثاله مثال رجل تحت شجرة اراد ان يصفو له فكره، و كانت اصوات العصافير تشوش
عليه، فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده و يعود الى فكره، فتعود العصافير، فيعود الى
السفير بالخشبة، فقيل له: ان هذا سير الواني و لا يتقطع، فان اردت الخلاص فاقطع
الشجرة. فكذلك شجرة الشهوة، اذا استعملت و تفرعت اغصانها، انجذبت اليها
الافكار انجذاب العصافير الى الاشجار، و انجذاب الذباب الى الاقذار، و
الشغل يطول في دفعها. فان الذباب كلما ذب آب، و لاجله سمي ذبابا، و كذلك
الخواطر. و هذه الشهوات كثيرة قلما يخلو العبد منها، و يجمعها اصل واحد، و هو حب
الدنيا، و ذلك راس كل خطيئة، و اساس كل نقصان، و منبع كل فساد. و من انطوى باطنه
على حب الدنيا حتى مال الى شي ء منها لا يتزود منها و يستعين بها على الآخرة، فلا
يطمعن في ان تصفو له لذة المناجاة فى الصلاة. فان من فرح بالدنيا فلا يفرح
بالله و بمناجاته، و همة الرجل مع قرة عينه، فان كانت قرة عينه في الدنيا انصرف
همه لا محالة اليها. و لكن-مع هذا-لا ينبغي ان تترك المجاهدة، ورد القلب الى
الصلاة، و تقليل الاسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء، و لمرارته استبشعته الطباع، و
بقيت العلة مزمنة، و صار الداء عضالا. حتى ان الاكابر اجتهدوا ان يصلوا ركعتين لا
يحدثون انفسهم فيهما بامور الدنيا، فعجزوا عنه. فاذا لا مطمع فيه لامثالنا، و
يا ليت سلم لنا من الصلاة ثلثها او ربعها من الوساوس، لنكون ممن خلطوا عملا
صالحا و آخر سيئا.

و على الجملة: فهمة الدنيا و همة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح فيه خل،
فبقدر ما يدخل فيه الماء يخرج منه الخل لا محالة، و لا يجتمعان. ثم جميع ما ذكر
انما هو في الخواطر المتعلقة بالامور المهمة من الدنيا، حتى اذا خرجت هذه
الامور من القلب، خرجت منه هذه الخواطر ايضا. و قد تكون الخواطر من مجرد
الوساوس الباطنة و الخيالات الفاسدة، من دون تعلقها بشغل و عمل دنيوى يكون لها، و
من دون اختيار للعبد في خطورها و عدم خطورها. و الامر فيها اصعب، و ان كان لقلع
حب الدنيا و شهواتها عن القلب مدخلية عظيمة في زوالها ايضا، اذ مادة هذه
الوساوس ايضا، اما حب المال و حب الجاه، او حب غيرهما من الامور الشهوية
الدنيوية. و قد تقدم تفصيل القول فيها و في طريق علاجها في بحث الوساوس.

فصل


(اسرار الصلاة)


في تحصيل كل واحد من شروط الصلاة و افعالها و اركانها اسرار و تنبيهات،
فينبغي للمؤمن المريد للآخرة الا يغفل عنها، فها هي نذكرها:

اما الاذان: فاذا سمعت نداء المؤذن، فاخطر في قلبك هول النداء يوم القيامة، و
تشمر بباطنك و ظاهرك للاجابة و المسارعة، فان المسارعين الى هذا النداء هم
الذين ينادون باللطف يوم العرض الاكبر، فاعرض قلبك على هذا النداء، فان وجدته
مملوا بالفرح و الاستبشار، مشحونا بالرغبة الى الابتدار، فاعلم انه ياتيك
النداء بالبشرى و الفوز يوم القضاء، و لذلك قال سيد الانبياء: «ارحنا يا بلال! » ،
اي: ارحنا بها و بالنداء اليها، اذ كانت قرة عينه فيها. و اعتبر بفصول الاذان و
كلماته كيف افتتحت بالله و اختتمت بالله، و اعتبر بذلك ان الله جل جلاله هو
الاول و الآخر و الظاهر و الباطن، و وطن قلبك بتعظيمه عند سماع التكبير، و استحقر
الدنيا و ما فيها لئلا تكون كاذبا في تكبيرك، و انف عن خاطرك كل معبود سواه
بسماع التهليل. و احضر النبي (ص) ، و تادب بين يديه، و اشهد له بالرسالة مخلصا، و صل
عليه و آله، و حرك نفسك، واسع بقلبك و قالبك عند الدعاء الى الصلاة، و ما يوجب
الفلاح، و ما هو خير الاعمال و افضلها، وجدد عهدك بعد ذلك بتكبير الله و تعظيمه، و
اختمه بذلك كما افتتحت به. و اجعل مبدءك منه، و عودك اليه، و قوامك به، و اعتمادك
على حوله و قوته. فانه لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

فصل


(الوقت)


و اذا دخل الوقت، استحضر انه ميقات جعله الله لك، لتقوم فيه بخدمته، و تتامل
للمثول في حضرته، و الفوز بطاعته، و ليظهر على قلبك السرور، و على وجهك البهجة
عند دخوله، لكونه سببا لقربك و وسيلة الى فوزك. فاستعد له بالطهارة و النظافة، و
لبس الثياب الصالحة للمناجاة كما تتاهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا، و
تلقاه بالسكينة و الوقار، و الخوف و الرجاء، و استحضر عظمة الله و جلاله، و عدم
تناهي قدرته و كماله، و نقصان قدرك و مرتبتك، و عدم قابليتك للقيام بخدمته، و قصورك
عن اداء وظائف طاعته.

فصل


(آداب الصلاة)


اذا اتيت بالطهارة في مكانك، و هو ظرفك الا بعد، ثم في ثيابك، و هو غلافك
الاقرب، ثم في بشرتك، و هي قشرك الادنى، فلا تغفل عن لبك و ذاتك، و هو قلبك، فطهره
بالتوبة و الندم على ما فرط، و تصميم العزم على الترك في المستقبل، فطهر بها
باطنك، فانه موضع نظر ربك.

ثم اذا سترت مقابح بدنك عن ابصار الخلق باللباس، فاخطر ببالك فضائح سرك
التي لا يطلع عليها الا ربك، و طالب نفسك بسترها، و تحقق انه لا يستر عن عين
الله ساتر، و انما يكفرها الخوف و الندم و الحياء، فتستفيد باظهارها في قلبك
انبعاث جنود الخوف و الندم و الحياء من مكامنها، فتذل به نفسك، و يستكين تحت
الخجلة قلبك، و تقوم بين يدي الله-تعالى- قيام العبد المجرم المسيى ء الآبق،
الذي ندم فرجع الى مولاه، ناكسا راسه من الخوف و الحياء. قال الصادق (ع) : «ازين
اللباس للمؤمن لباس التقوى، و انعمعه الايمان، قال الله-تعالى-:

«و لباس التقوى ذلك خير» (12)

و اما اللباس الظاهر، فنعمة من الله-تعالى-تستر بها عورات بنى آدم، و هي
كرامة اكرم الله بها ذرية آدم ما لم يكرم بها غيرهم، و هي للمؤمنين آلة لاداء ما
افترض الله عليهم. و خير لباسك ما لا يشغلك عن الله-عز و جل-، بل يقربك من ذكره و
شكره و طاعته، و لا يحملك على العجب و الرياء و التزين و التفاخر و الخيلاء،
فانها من آفات الدين، و مورثة للقسوة في القلب. فاذا لبست ثوبك، فاذكر ستر
الله عليك ذنوبك برحمته، و البس باطنك بالصدق كما البست ظاهرك بثوبك، و ليكن
باطنك من الصدق في ستر الهيبة، و ظاهرك في ستر الطاعة. و اعتبر بفضل الله-عز و جل-،
حيث خلق اسباب اللباس ليستر بها العورات الظاهرة، و فتح ابواب التوبة و
الانابة و الاغاثة ليستر بها عورات الباطن من الذنوب و اخلاق السوء. و لا
تفضح احدا حيث ستر الله عليك ما اعظم منه. و اشتغل بعيب نفسك و اصفح عما لا يعنيك
حاله و امره.

و احذر ان يفنى عمرك بعمل غيرك، و يتجر براس مالك غيرك، و تهلك نفسك، فان نسيان
الذنوب من اعظم عقوبة الله في العاجل، و اوفر اسباب العقوبة في الآجل. و ما دام
العبد مشتغلا بطاعة الله-تعالى-، و معرفة عيوب نفسه، و ترك ما يشين في دين الله-عز
و جل-، فهو بمعزل عن الآفات، خائض في بحر رحمة الله-عز و جل-، يفوز بجواهر الفوائد
من الحكمة و البيان. و ما دام ناسيا لذنوبه، جاهلا بعيوبه، راجعا الى حوله و
قوته، لا يفلح اذا ابدا» (13) .

فصل


(آداب المصلى)


اذا اتيت مصلاك، فاستحضر فيه انك كان بين يدي ملك الملوك، تريد مناجاته، و
التضرع اليه، و التماس رضاه، و نظره اليك بعين الرحمة.

فاختر مكانا يصلح، كالمساجد الشريفة، و المشاهد المطهرة، مع الامكان،
فانه-تعالى-جعل تلك المواضع محلا لاجابته، و موضع نزول فيوضاته و رحمته، على
مثال حضرة الملوك، الذين يجعلونها وسيلة لنيل المقاصد و المطالب. فادخلها
بالسكينة و الوقار، و مراقبا للخضوع و الانكسار.

قال الصادق (ع) : «اذا بلغت باب المسجد، فاعلم انك قد قصدت باب ملك عظيم، لا يطا
بساطه الا المطهرون، و لا يؤذن لمجالسته الا الصديقون، فهب القدوم الى بساط
هيبة الملك، فانك على خطر عظيم ان غفلت، فاعلم انه قادر على ما يشاء من العدل و
الفضل معك و بك. فان عطف عليك برحمته و فضله، قبل منك يسير الطاعة، و اجزل لك
عليها ثوابا كثيرا.

و ان طالبك باستحقاقه الصدق و الاخلاص عدلا بك، حجبك ورد طاعتك و ان كثرت. و
هو فعال لما يريد. و اعترف بعجزك و تقصيرك و انكسارك و فقرك بين يديه، فانك قد
توجهت للعبادة له، و المؤانسة به. و اعرض اسرارك عليه، و لتعلم انه لا تخفى عليه
اسرار الخلائق اجمعين و علانيتهم.

و كن كافقر عباده بين يديه. و اخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك، فانه لا يقبل
الا الاطهر و الاخلص. و انظر من اى ديوان يخرج اسمك، فان ذقت حلاوة مناجاته و
لذيذ مخاطباته، و شربت بكاس رحمته و كراماته من حسن اقباله عليك و اجابته،
فقد صلحت لخدمته، فادخل فلك الاذن و الامان، و الا فقف وقوف من قد انقطع عنه الحيل، و
قصر عنه الامل، و قضى عليه الاجل. فان علم الله-عز و جل-من قلبك صدق الالتجاء اليه
نظر اليك بعين الرافة و الرحمة و العطف، و وفقك لما تحب و ترضى، فانه كريم يحب
الكرامة لعباده المضطرين اليه، المقيمين على بابه لطلب مرضاته. قال
الله-تعالى-:

«امن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء» (14) .

فصل


(الاستقبال)


و اما الاستقبال، فهو صرف لظاهر وجهك عن سائر الجهات الى جهة بيت الله. و
هذا اشارة الى انه ينبغي ان يصرف وجه القلب عن سائر الاشياء الى الله، فان
الاعمال الظاهرة تحريكات للبواطن على ما يناسبها، فضبط الجوارح و تسكينها
بالاثبات في جهة واحدة لاجل الا تبقى على القلب، لانها اذا توجهت الى جهات
متعددة يتبعها القلب في التوجه الى اشياء متعددة، فامر الله بصرفها الى شطر
بيته، ليتذكر القلب صاحبه، و يتوجه اليه، و يثبت على ذلك كما تثبت الاعضاء
على جهة واحدة. قال رسول الله (ص) : «ان الله-تعالى-مقبل على المصلي ما لم يلتفت » ، و
هذا الالتفات يشمل التفات القلب ايضا، فكما يجب حراسة الراس و العين عن
الالتفات الى الجهات، فكذلك يجب حراسة السر عن الالتفات الى غير الله و غير
الصلاة، فان التفت الى غير الله و غير الصلاة، فذكره باطلاع الله عليه، و قبح غفلة
المناجي عمن يناجيه و عما يقول له حين المناجاة، لا سيما اذا كان من يناجيه
ملك الملوك. و الزم قلبك الخشوع، فان الخلاص عن الالتفات ظاهرا و باطنا ثمرة
الخشوع، و مهما خشع الباطن خشع الظاهر، و لذا قال رسول الله (ص) -و قد راى مصليا
عبث بلحيته-: «اما هذا، لو خشع قلبه لخشعت جوارحه، فان الرعية بحكم الراعى » . و في
الدعاء: «اللهم اصلح الراعي و الرعية » ، و هو القلب و الجوارح.

وبالجملة: ينبغي لكل مؤمن صرف وجهه الى بيت الله للصلاة، ان يصرف وجه قلبه الى
صاحب البيت، و كما لا يتوجه الوجه الى جهة البيت الا بالصرف عن غيرها، فكذلك
لا ينصرف وجه القلب الى الله الا بالتفرغ عما سوى الله، و قد قال رسول الله (ص) :
«اذا قام العبد الى صلاته، و كان هواه و قلبه الى الله، انصرف كيوم ولدته امه » .
و قال (ص) :

«اما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة ان يحول الله وجهه وجه حمار؟ ! »

قيل: هذا نهى عن الالتفات عن الله، و ملاحظة عظمته في حال الصلاة، فان
لملتفت يمينا و شمالا غافل عن الله و عن مطالعة انوار كبريائه، و من كان كذلك
فيوشك ان تدوم تلك الغفلة عليه، فيتحول وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة عقله
للامور العلوية و عدم فهمه للمعارف. و قال الصادق (ع) : «اذا استقبلت القبلة، فآيس
من الدنيا و ما فيها، و الخلق و ما هم فيه، و استفرغ قلبك من كل شاغل يشغلك عن
الله-تعالى-، و عاين بسرك عظمة الله -عز و جل-، و اذكر وقوفك بين يديه، قال
الله-تعالى-: «هنا لك تبلو كل نفس ما اسلفت و ردوا الى الله مولاهم الحق » (15) .

وقف على قدم الخوف و الرجاء» (16) .

فصل


(القيام)


و اما القيام، فهو مثول بالشخص و القلب بين يدي الله-سبحانه-.

فليكن راسك الذي هو ارفع اعضائك مطرقا مطاطا متنكسا، تنبيها للقلب على لزوم
التواضع و التذلل و الانكسار، و التبري عن التكبر و الترؤس.

و ينبغي ان تتذكر هاهنا خطر المقام بين يدي الله في هول المطلع عند التعرض
للسؤال، و تذكر في الحال انك قائم بين يدي الله و هو مطلع عليك، فليكن قيامك بين
يديه على ما يليق بعظمته و جلاله، و ان كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله، فلا تجعل مالك
الملك و الملكوت انزل من بعض ملوك عصرك، فقم بين يديه قيامك بين يدي ملك زمانك، بل
قدر في دوام قيامك في صلاتك انك ملحوظ بعين كالئة من رجل صالح من اهلك، او ممن
ترغب ان يعرفك بالصلاح، فانه تهد عند ذلك اطرافك، و تخشع جوارحك، و يسكن جميع
اجزائك، خيفة ان ينسبك ذلك العاجز المسكين الى قلة الخشوع.

و بالجملة: الخضوع و الخشوع و الاستحياء و الانفعال، يقتضيها الطبع بين يدي من
يعظم من ابناء الدنيا، فكيف لا يقتضيها بين يدي ملك الملوك عند من يعرفه؟ فمن يكون
بين يدي غير الله خاشعا، و لا يكون بين يدي الله كذلك، فذلك لقصور معرفته عن جلال
الله و عن اطلاعه على سره و ضميره، و عدم تدبره في قوله-تعالى-:

«الذي يراك حين تقوم، و تقلبك فى الساجدين » (17)

فتبا لمن يدعي معرفة الله و العلم بعظمته و جلاله و حبه و الخشية منه، و مع ذلك
يستحيي من احد عبيده المساكين الذي لا يقدر على نفع و لا ضر، و لا يستحيي من الله، و
يخشى الناس و لا يخشاه!

فصل


(التكبيرات)


و اما التوجه بالتكبيرات، فينبغي ان تستحضر عندك عظمة الله و جلاله، و صغر
نفسك و ذلتها في جنب عظمته، و قصورك عن القيام بوظائف خدمته. و اذا قلت: (اللهم
انك انت الملك الحق) ، فتذكر عظيم ملكه، و عموم قدرته، و استيلاءه على جميع
العوالم، ثم ارجع على نفسك بالذل و الانكسار. و اذا قلت: (لبيك و سعديك! و الخير
في يديك، و الشر ليس اليك) ، مثل نفسك بين يديه، و تيقن انه اقرب منك من نفسك، و
يسمع نداءك، و يجيب دعاءك، و ان خير الدنيا و الآخرة بيده لا بيد غيره، و انه خير محض
منزه عن الشر. و اذا قلت:

(عبدك و ابن عبديك، منك و بك و لك و اليك) ، فقد اعترفت له بالعبودية، و بانه ربك
و خالقك و مالكك، و موجدك و مخترعك، و انت اثره و فعله، و منه وجودك، و به قوامك، و له
ملكك، و اليه معادك، فانت منه، فلا يتركك و يرحمك، فالق نفسك الضعيفة العاجزة
بين يديه، و وكل امورك في الدنيا و الآخرة اليه، و لا تعتمد في مقاصدك الا عليه،
فاحضر في ذهنك في هذه الفقرات و غيرها من الكلمات التي ينطق بها لسانك امثال
هذه الحقائق، و ترق منها الى ما يفتح عليك من الاسرار و الدقائق، و احفظ نفسك عن
الوقوع في اودية الوساوس و الهوى، فتلقى الفيض من العالم الاعلى.

فصل


(النية)


و اما النية، فحقيقتها القصد الى الفعل، امتثالا لامر الله، و طلبا لتقربه، و
رجاء لثوابه، و خوفا من عقابه. فينبغي ان تجتهد في خلوصها الا يشوبها غرض دنيوي
فتفسد، و حقيقة الاخلاص و ما يتعلق بها قد تقدمت مفصلة في محلها. و ينبغى ان تتذكر
هاهنا عظيم لطفه و منته عليك، حيث اذنك في المناجاة مع سوء ادبك و كثرة جنايتك،
و عظم في نفسك قدر مناجاته. و انظر من تناجي، و كيف تناجي، و بما ذا تناجي. و عند هذا
ينبغي ان يعرق جبينك من الخجلة، و ترتعد فرائصك من الهيبة، و يصفر وجهك من الخوف
و الخشية.

فصل


(تكبيرة الاحرام)


و اذا كبرت تكبيرة الاحرام، تذكر ان معناها: انه-تعالى-اكبر من ان يوصف،
او اكبر من كل شي ء، او اكبر من ان يدرك بالحواس، او يقاس بالناس. فانتقل منه الى
غاية عظمته و جلاله، و استناد ما سواه اليه، بالايجاد و الاختراع و الاخراج من
كتم العدم. و ينبغي ان تكون على يقين بذلك، حتى لا يكذب لسانك قلبك، فان كان في
قلبك شي ء هو اكبر من الله-تعالى-عندك، فالله يشهد انك كاذب، و ان كان الكلام صدقا،
كما شهد على المنافقين في قولهم: ان النبي رسول الله. و ان كان هواك اغلب عليك من
امر الله-تعالى-، و انت اطوع له منك لله و لامره، فقد اتخذته الهك و كبرته،
فيوشك ان يكون قولك (الله اكبر)

كلاما باللسان المجرد، و قد تخلف القلب عن مساعدته، و ما اعظم الخطر في ذلك، لو
لا التوبة و الاستغفار و حسن الظن بكرمه-تعالى-و عفوه. قال الصادق (ع) : «فاذا
كبرت، فاستصغر ما بين السماوات العلى و الثرى دون كبريائه، فان
الله-تعالى-اذا اطلع على قلب العبد و هو يكبر، و في قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال:
يا كذاب اتخدعني؟ ! و عزتي و جلالي!

لاحرمنك حلاوة ذكري، و لاحجبنك عن قربي و المسرة بمناجاتي! » (18) .

فاعتبر انت قلبك حين صلاتك، فان كنت تجد حلاوتها و في نفسك سرورها و
بهجتها، و قلبك مسرور بمناجاته، و ملتذ بمخاطباته، فاعلم انه -تعالى-قد صدقك في
تكبيرك، و ان سلبت لذة المناجاة، و حرمت حلاوة العبادة، فاعلم انه تعالى كذبك
في تكبيرك، و طردك عن بابه، و ابعدك عن جنابه، فابك على نفسك بكاء الثكلى، و بادر
الى العلاج قبل ان تدركك الحسرة العظمى.

فصل


(دعاء الاستفتاح)


و اما دعاء الاستفتاح، فاول كلماته: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الارض) ،
و معلوم ان المراد بالوجه هنا هو وجه القلب دون الوجه الظاهر، لان الله سبحانه
منزه عن الامكنة و الجهات حتى توجه اليه الوجه الظاهر. فانت تدعي في هذا
الكلام ان قلبك متوجه الى فاطر السماوات و الارض، فاياك ان يكون اول
مفاتحتك للمناجاة بالكذب و الاختلاق، اذ لو كان قلبك متوجها الى امانيه، و
همه في البيت و السوق، او واقعا في اودية الوساوس، او كان غافلا، لم يكن مقبلا
على الله متوجها اليه و كنت كاذبا في اول مخاطبتك مع ربك. فاجتهد ان ينصرف
قلبك عما سواه، و تقبل عليه في هذا الوقت، و ان عجزت عنه على الدوام، لئلا تكون
كاذبا في اول كلامك. و اذا قلت: (حنيفا مسلما) ، فاخطر ببالك ان المسلم هو
الذي سلم المسلمون من يده و لسانه، فان لم تكن موصوفا بهذا الوصف كنت كاذبا،
فاجتهد ان تعزم عليه في الاستقبال، و ان تندم على ما سبق من الاحوال. و اذا قلت.
(و ما انا من المشركين) ، فاخطر ببالك الشرك الخفي، و كونه داخلا في الشرك،
لاطلاق الشرك على القليل و الكثير. فلو قصدت بجزء من عبادتك غير الله، من مدح الناس
و طلب المنزلة في قلوبهم، كنت مشركا كاذبا في هذا الكلام. فانف هذا الشرك عن
نفسك، و استشعر الخجلة في قلبك، بان وصفت نفسك بوصف ليست متصفة به في الواقع. و
اذا قلت: (محياي و مماتى لله رب العالمين) ، فاعلم ان هذا حال عبد مفقود لنفسه،
موجود لسيده، فان عن ذاته، باق بربه، بحيث لا يرى لذاته من حيث هي قدرة و قوة، بل
يعلم حياته و بقاءه من الله-تعالى-، و لا تكون حركاته و سكناته الا لله تعالى.

فالقائل بهذا الكلام، اذا راى لنفسه من حيث هي قدرة واثرا، او صدر عنه فعل: من
الرضا، او الغضب، او القيام، او القعود، او الرغبة في الحياة، او الرهبة من
الموت لامور الدنيا، كان كاذبا.

فصل


(الاستعاذة)


فاذا قلت: (اعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ، ينبغي ان تعلم ان الشيطان اعدى
عدوك، مترصد لصرف قلبك عن الله، حسدا لك على مناجاتك مع الله و سجودك له، مع انه
لعن و طرد عن مقام القرب بترك السجدة. و ينبغي الا تكون استعاذتك بالله منه
بمجرد القول، لتكون مثل من قصده سبع او عدو ليفترسه او يقتله، فقال: اعوذ منك بهذا
الحصن الحصين، و هو ثابت على مكانه، فان ذلك لا يفيده و لا ينفعه ما لم يتحرك و
يدخل الحصن. فكذلك مجرد الاستعاذة لا ينفعه ما لم يترك ما يحب الشيطان، و ما لم
يات بما يحبه الله. فمن اتبع الشهوات التي هى محاب الشيطان و مكاره الرحمن،
لا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عن شر الشيطان،
و حصنه (لا اله الا الله) ، اذ قال: «لا اله الا الله حصني، و من دخل حصني امن من
عذابي » .

و الدخول في حصن (لا اله الا الله) ليس ايضا بمجرد التكلم به، بل الاذعان القلبي
و اليقين القطعي بان كل معبود سواء باطل، و كل شي ء منه و له و به و اليه، و لا مؤثر في
الوجود الا هو. فالمحصن بالتوحيد من لا معبود له سوى الله، و اما من اتخذ اله
هواه، فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله. و من مكائد اللعين ان يشغلك في الصلاة
بفكر الآخرة، و تدبير فعل الخيرات، لتمنع من الحضور و فهم ما تقرا، فاعلم ان كل
ما يشغلك عن الاقبال الى الله و عن فهم معاني القرآن و الاذكار فهو وسواس، اذ
حركة اللسان غير مقصودة، بل المقصود المعاني. و اذا قلت: (بسم الله الرحمن الرحيم)
، فانوبه التبرك لا بتدائك بقراءة كلام الله، و المراد بالاسم هنا المسمى،
فمعناه: ان كل الاشياء و الامور بالله، فيترتب عليه انحصار (الحمد لله) ، اذ
المراد بالحمد الشكر، و الشكر انما يكون على النعم، فاذا كانت النعم باسرها من
الله فيكون منحصرا به، فمن يرى نعمة من غير الله، او يقصد غيره سبحانه بشكر لا من
حيث انه مسخر من الله، ففي تسميته و تحميده نقصان بقدر التفاته الى غير الله
سبحانه. و اذا قلت: (الرحمن الرحيم) ، فاحضر في قلبك انواع لطفه، و ضروب احسانه،
لتتضح لك رحمته، فينبعث بها رجاؤك. و اذا قلت: (مالك يوم الدين) فاستشعر من
قلبك التعظيم و الخوف، اما العظمة فلانه لا ملك الا هو، و اما الخوف فلهول يوم
الجزاء و الحساب الذي هو مالكه. ثم جدد الاخلاص بقولك: (اياك نعبد) . و جدد العجز و
الافتقار و التبري من الحول و القوة بقولك: (و اياك نستعين) ، و تحقق انه ما
تيسرت طاعتك الا باعانته، و ان له المنة، اذ وفقك لطاعته، و استخدمك لعبادته،
و جعلك اهلا لمناجاته، و لو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان
الرجيم، و استحضر ان الاعانة لا تكون الا منه، و لا يقدر غيره ان يعين احدا، فاخرج
عن قلبك الوسائل و الاسباب الا من حيث انها مسخرة منه تعالى. و اذا قلت: (اهدنا
الصراط المستقيم) ، فاعلم انه طلب لاهم حاجاتك، و هي الهداية الى النهج الحق
الذي يسوقك الى جوار الله، و يفضى بك الى مرضاته، و يوصلك الى مجاورة من انعم
الله عليهم نعمة الهداية من الانبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين، دون الذين
غضب الله عليهم من الكفار و الزائفين من اليهود و النصارى و الصابئين. و اذا
تلوت (الفاتحة) كذلك، فيشبه ان تكون ممن قال الله فيهم بما اخبر عنه النبى (ص) :
«قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين، نصفها لي، و نصفها لعبدي. يقول العبد: الحمد لله رب
العالمين، فيقول الله-عز و جل-: حمدنى عبدي و اثنى على. و هو معنى قوله:

سمع الله لمن حمده. . . » الى آخر الحديث. فان لم يكن لك من صلاتك حظ سوى التذاذك
بذكر الله في جلاله و عظمته، فناهيك به غنيمة، فكيف ما ترجوه من ثوابه و فضله. و
كذلك ينبغي ان تفهم و تخرج الحقائق مما تقراه من السورة، فلا تغفل عن امره و
نهيه، و وعده و وعيده، و مواعظه و اخبار انبيائه، و ذكر مننه و احسانه، فلكل واحد حق:
فحق الامر و النهى العزم، و حق الوعد الرجاء، و حق الوعيد الخوف، و حق الموعظة
الاتعاظ و حق اخبار الانبياء الاعتبار، و حق ذكر المنة الشكر، و تكون هذه المعانى
بحسب درجات الفهم، و يكون الفهم على حسب العلم و صفاء القلب، و درجات ذلك لا
تنحصر. و الصلاة مفتاح القلوب، فيها تنكشف اسرار الكلمات. فهذا حق القرائة، و هو
ايضا حق الاذكار و التسبيحات. و اعلم ان الناس في القراءة ثلاثة: بعضهم يتحرك
لسانه و قلبه غافل. و بعضهم يتحرك لسانه و قلبه يتبع اللسان، فيسمع و يفهم منه
كانه يسمعه من غيره، و هو درجة اصحاب اليمين. و بعضهم يسبق قلبه الى المعانى او
لا، ثم يخدم اللسان قلبه فيترجمه، و فرق بين ان يكون اللسان ترجمان القلب او
يكون معلم القلب، و المقربون السنتهم ترجمان تتبع القلب. ثم ينبغى ان تراعى
الهيئة في القراءة، فترتل، و لا تسرد و لا تعجل، فان ذلك ايسر للتامل، و تفرق بين
نغمائه فى آية الرحمة و العذاب، و الوعد و الوعيد، و التمجيد و التعظيم، كان
بعضهم اذا مر بمثل قوله:

«ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من اله » (19) .

يغض صوته، كالمستحيى عن ان يذكره بكل شى ء. و روي: «انه يقال يوم القيامة لصاحب
القرآن: اقرا و ارق، فكلما قرا آية صعد درجة » .

فصل


(الركوع)


و اما الركوع، فينبغى ان تجدد عنده ذكر كبرياء الله، و ترفع بذلك معظما له
منبها على غاية عظمته و ارتفاعه، و كونه ارفع من ان تصل اليه ايدي العقول و
الاوهام، و مستجيرا بعفوه من عقابه، و تستانف بهويك للركوع ذلا و تواضعا، و
تجتهد في ترقيق قلبك و تجديد خشوعك، و تستشعر ذلك و عزه، و ضعفك و قوته، و عجزك و
قدرته، و اتضاعك و علوه، و تستعين على تقيرير ذلك في قلبك بلسانك، فتسبحه و
تشهد له بالعظمة، و انه اعظم من كل عظيم، و تكرر ذلك على قلبك لتترسخ فيه عظمته و
جلاله، ثم ترفع عن ركوعك راجيا انه راحم ذلك، و تؤكد الرجاء في نفسك بقولك: (سمع
الله لمن حمده) اي: اجاب الله لمن شكره، و تتبع ذلك بالشكر المتقاضى للمزيد، فتقول:
(الحمد لله رب العالمين) ، ثم تزيد في التذلل و الخشوع و تعظيم ربك و اجلاله، فتقول:
(اهل الكبرياء و العظمة و الجود و الجبروت) ، روى (الصدوق) -رضوان الله عليه- عن
امير المؤمنين (ع) : «انه سئل عن معنى مد العنق في الركوع، فقال (ع) :

تاويله: آمنت بك و لو ضربت عنقى » . و قال الصادق (ع) : «لا يركع عبد لله ركوعا على
الحقيقة، الا زينه الله بنور بهائه، و اظله في ظل كبريائه، و كساه كسوة اصفيائه. و
الركوع اول، و السجود ثان. فمن اتى بمعنى الاول صلح للثانى. و في الركوع ادب، و
في السجود قرب، و من لا يحسن الادب لا يصلح للقرب. فاركع ركوع خاشع لله عز و جل بقلبه،
متذلل و جل تحت سلطانه، خافض له بجوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة
الراكعين » (20) . و حكي: «ان ربيع بن خثيم، كان يسهر بالليل الى الفجر في ركعة واحدة،
فاذا اصبح، تزفر و قال: آه! سبق المخلصون و قطع بنا» . و استوف ركوعك باستواء
ظهرك، و انحظ عن همتك في القيام بخدمته الا بتاييده و عونه، و فر بقلبك من وساوس
الشيطان و خدائعه و مكائده، فان الله يرفع عباده بقدر تواضعهم له، و يهديهم الى
اصول التواضع و الخضوع و الخشوع بقدر اطلاع عظمته على سرائرهم.

فصل


(السجود)


و اذا هويت الى السجود، جدد على قلبك غاية الذل و العجز و الانكسار، اذ
السجود اعلى درجات الاستكانة، فمكن اعز اعضائك، و هو الوجه، لاذل الاشياء، و
هو التراب، و لا تجعل بينهما حاجزا، بل اسجد على الارض، لانه اجلب للخضوع، و ادل
على الذل. فاذا وضعت نفسك موضع الذل، و القيتها على التراب، فاعلم انك وضعتها
موضعها، ورددت الفرع الى اصله، فانك من التراب خلقت، و اليه رددت. فعند هذا جدد
على قلبك عظمة الله، و قل: (سبحان ربي الاعلى و بحمده) ، و اكده بالتكرار، اذ المرة
الواحدة ضعيفة الآثار، فان رق قلبك، و طهر لبك، فليصدق رجاؤك في رحمة ربك، فان
رحمته تتسارع الى موضع الذل و الضعف، لا الى محل التكبر و البطر. فارفع راسك
مكبرا و مستغفرا من ذنوبك، و سائلا حاجتك، ثم اكد التواضع بالتكرار، و عد الى
السجود ثانيا كذلك. و سئل مولانا امير المؤمنين (ع) عن معنى السجدة الاولى، قال:
«تاويلها: اللهم انك منها خلقتنا» : يعني من الارض، و تاويل رفع راسك: «و منها
اخرجتنا» ، و السجدة الثانية:

«و اليها تعيدنا» ، و رفع راسك: «و منها تخرجنا تارة اخرى » . و قال مولانا الصادق (ع)
: «ما خسر و الله-تعالى-قط من اتى بحقيقة السجود و لو كان في العمر مرة واحدة، و
ما افلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيها بمخادع نفسه، غافل لاه عما اعد الله
تعالى للساجدين من انس العاجل و راحة الآجل، و لا بعد عن الله تعالى ابدا من احسن
تقربه في السجود، و لا قرب اليه ابدا من اساء ادبه و ضيع حرمته بتعليق قلبه
بسواه في حال سجوده. فاسجد سجود متواضع لله ذليل، علم انه خلق من تراب يطاه
الخلق، و انه ربك من نطفة يستقذرها كل احد، و كون و لم يكن، و قد جعل الله معنى السجود
سبب التقرب اليه بالقلب و السر و الروح، فمن قرب منه بعد من غيره، الا ترى في
الظاهر انه لا يستوى حال السجود الا بالتواري عن جميع الاشياء، و الاحتجاب
عن كل ما تراه العيون؟ كذلك اراد الله تعالى امر الباطن. فمن كان قلبه
متعلقا في صلاته بشي ء دون الله تعالى، فهو قريب من ذلك الشي ء، بعيد عن حقيقة ما اراد
الله منه في صلاته. قال الله تعالى: «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه » . و قال
رسول الله (ص) : «قال الله عز و جل: ما اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي
لوجهي و ابتغاء مرضاتي، الا توليت تقويمه و سياسته، و من اشتغل في صلاته بغيري
فهو من المستهزئين بنفسه، و اسمه مكتوب في ديوان الخاسرين » (21) .

فصل


(التشهد)


اذا جلست للتشهد-بعد هذه الافعال الدقيقة و الاسرار العميقة، المشتملة على الاخطار
الجسمية-فاستشعر الخوف التام و الرهبة و الوجل و الحياء، ان يكون جميع ما
سلف منك غير واقع على وجهه، و لا محصلا بوظائفه و شرائطه و لا مكتوبا في ديوان
القبول. فاجعل يدك صفرا من فوائدها، و ارجع الى مبدا الامر، و اصل الدين، اعني كلمة
التوحيد و حصن الله الذي من دخله كان آمنا، فاستمسك به ان لم تكن لك وسيلة غيره،
فاشهد لربك بالوحدانية، و احضر رسوله الكريم و نبيه العظيم ببالك، و اشهد له
بالعبودية و الرسالة، و صل عليه و على آله، مجددا عهد الله باعادة كلمتي الشهادة،
متعرضا بهما لتاسيس مراتب العبادة، فانهما اول الوسائل و اساس الفواضل، و
متوسلا الى رسول الله بالصلاة عليه، مترقبا بذلك عشرا من صلاته (ص) عليك-كما
ورد في الخبر-، و لو وصل اليك منها واحدة افلحت ابدا. قال الصادق (ع) : «التشهد ثناء
على الله.

فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل، كما انك عبد له في القول و الدعوى. و صل صدق
لسانك بصفاء صدق سرك، فانه خلقك عبدا، و امرك ان تعبده بقلبك و لسانك و جوارحك، و
ان تحقق عبوديتك له و ربوبيته لك، و تعلم ان نواصي الخلق بيده، فليس لهم نفس و لا
لحظة الا بقدرته و مشيته، و هم عاجزون عن اتيان اقل شي ء في مملكته الا باذنه و
ارادته. قال الله عز و جل:

«و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالى عما يشركون » (22) .

فكن لله عبدا شاكرا بالقول و الدعوى، و صل صدق لسانك بصفاء سرك، فانه خلقك فعز و جل
ان تكون ارادة و مشية لاحد الا بسابق ارادته و مشيته، فاستعمل العبودية في
الرضا بحكمته، و بالعبادة فى اداء اوامره، و قد امرك بالصلاة على حبيبه محمد (ص) ،
فاوصل صلاته بصلاته، و طاعته بطاعته، و شهادته بشهادته، و انظر الا تفوتك
بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلاته، و امره بالاستغفار لك، و الشفاعة
فيك، ان اتيت بالواجب في الامر و النهي و السنن و الآداب، و تعلم جليل مرتبته
عند الله عز و جل » (23) .

فصل


(التسليم)


و اذا فرغت عن التشهد، فاحضر بحضرة سيد المرسلين، و الملائكة المقربين، و بقية
انبياء الله و ائمته-عليهم السلام-و الحفظة لك من الملائكة المحصين لاعمالك، و
احضرهم جميعا في بالك. فسلم اولا على نبيك الذي هو افضل الكل، و واسطة هدايتك و
ايمانك، بقولك: (السلام عليك ايها النبي و رحمة الله و بركاته) . ثم توجه الى
الجميع، و سلم عليهم بقولك:

(السلام عليكم و رحمة الله و بركاته) . و لا تطلق لسانك بصيغة الخطاب من غير
حضور المخاطب في ذهنك، فتكون من العابثين و اللاعبين، و كيف تسمع الخطاب
لمن لا يقصد، لو لا فضل الله في اجترائه بذلك عن اصل الواجب، و ان كان بعيدا عن
درجات القبول، منحطا عن اوج القرب و الوصول. و ان كنت اماما لقوم، فاقصدهم
بالسلام من تقدم من المقصودين، و ليقصدواهم الرد عليك ايضا، و اذا فعلتم ذلك
فقد اديتم وظيفة السلام، و استحققتم من الله مزيد الاكرام. قال الصادق (ع) :

«معنى التسليم فى دبر كل صلاة: الامان، اي من اتى امر الله و سنة نبيه (ص) خاضعا له
خاشعا منه، فله الامان من بلاء الدنيا، و البراءة من عذاب الآخرة. و السلام اسم
من اسماء الله تعالى اودعه خلقه، ليستعملوا معناه في المعاملات و الامانات و
الانصافات، و تصديق مصاحبتهم فيما بينهم، و صحة معاشرتهم. فان اردت ان تضع
السلام موضعه، و تؤدى معناه، فاتق الله تعالى ليسلم منك دينك و قلبك و عقلك، الا
تدنسها بظلمة المعاصي، و لتسلم منك حفظتك الا تبرمهم و تملهم و توحشهم منك بسوء
معاملتك معهم، ثم مع صديقك، ثم مع عدوك. فان من لم يسلم منه من هو الاقرب اليه
فالابعد اولى، و من لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام و لا اسلام و لا تسليم، و
كان كاذبا في سلامه و ان افشاه في الخلق » (24) .

فصل


(افاضة الانوار على المصلى على قدر صفائه)


اعلم ان تخليص الصلاة عن الآفات، و اخلاصها لوجه الله، و ادائها بالشروط
الباطنة المذكورة، من الحضور، و الخشوع، و التعظيم، و الهيبة، و الحياء: سبب
لحصول انوار في القلب، تكون تلك الانوار مفاتيح للعلوم الباطنة، و انما يفيض
منها على كل مصل على قدر صفائه من كدورات الدنيا، و يختلف ذلك بالقلة و الكثرة، و
القوة و الضعف، و الجلاء و الخفاء، و يختلف ايضا بما ينكشف من العلوم، فينكشف
لبعضهم من صفات الله و جلاله، و لبعضهم من عجائب افعاله، و لبعضهم من دقائق
علوم المعاملة، و لبعضهم غير ذلك، و اولى بالظهور و الافاضة لكل شخص ما يهمه و يكون
في طلبه. و الى ما ذكرنا من ترتب الافاضة العلوية على الصلاة الخالصة لوجه الله
المؤداة بالشروط المذكورة، اشار النبي (ص) بقوله:

«ان العبد اذا قام فى الصلاة، رفع الله الحجاب بينه و بين عبده، و واجهه
بوجهه، و قامت الملائكة من لدن منكبيه الى الهواء، يصلون بصلاته، و يؤمنون على دعائه،
و ان المصلي لينشر عليه البر من اعنان السماء الى مفرق راسه، و يناديه مناد: لو
علم المصلي من يناجي ما التفت. و ان ابواب السماء تفتح للمصلين، و ان الله يباهي
ملائكته بصدق المصلي » . فان رفع الحجاب و فتح ابواب السماء كناية عن افاضة
العلوم الباطنة عليه. و ورد في التوراة:

«يا ابن آدم، لا تعجز ان تقوم بين يدى مصليا باكيا، فانا الله الذي اقتربت
من قلبك، و بالغيب رايت نوري » . و ورد: «ان العبد اذا صلى ركعتين، عجبت منه عشرة
صفوف من الملائكة، كل صف منهم عشرة آلاف، و باهى الله به مائة الف » . و ذلك لان العبد
جمع في الصلاة بين القيام و القعود، و الركوع و السجود، و الذكر باللسان، و غير
ذلك. و ليس لملك من الملائكة هذا القسم من العبادة الجامعة بين الكل، بل هذه
الافعال موزعة عليهم، فبعضهم قائمون لا يركعون الى يوم القيامة، و بعضهم ساجدون
لا يرفعون الى يوم القيامة، و هكذا الراكعون و القاعدون، فان ما اعطى الملائكة
من القرب و الرتبة لازم لهم، مستمر على حالة واحدة، لا تزيد و لا تنقص، و ليس لهم
مرتبة الترقي من درجة الى اخرى، و باب المزيد مسدود عليهم، و لذلك قالوا: «و ما
منا الا له مقام معلوم » ، بخلاف الانسان، فان له الترقى في الدرجات، و التقلب
فى اطوار الكمالات، و مفتاح مزيد الدرجات هي الصلاة، قال الله سبحانه: «قد افلح
المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون » ، فمدحهم بعد الايمان بصلاة مخصوصة، و هي
المقرونة بالخشوع، ثم ختم اوصاف المفلحين بالصلاة ايضا، فقال في آخرها:

«و الذين هم على صلاتهم يحافظون » ، ثم قال في ثمرة تلك الصفات: «اولئك هم
الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون » (25) .

فوصفهم بالفلاح اولا، و بوراثة الفردوس آخرا. فالمصلون هم ورثة الفردوس، و ورثة
الفردوس هم المشاهدون لنور الله بقربه و دنوه بالقلب.

و كل عاقل يعلم ان مجرد حركة اللسان و الجوارح، مع غفلة القلب، لا تنتهي درجته الى
هذا الحد.

فصل


(ما ينبغى في امام الجماعة)


ينبغى لامام الجماعة: ان يختص من بين القوم بمزيد صفاء القلب، و اقباله الى
الله، و الخشوع و التعظيم، و غير ذلك من الشرائط الباطنة، لانه القدوة و الجاذب
لنفوس الجماعة الى الله، فما اقبح به ان يكون قلبه غافلا عن الله، او واقعا في
اودية الوساوس الباطلة في الصلاة، و يكون بعض من اقتدى به من القوم خاشعا حاضر
القلب معظما لله سبحانه، و ما اشنع به ان يكون التفات قلبه الى من وراءه من الناس
الذين لا يقدرون على شى ء من النفع و الضر اكثر من التفات قلبه الى مالك الملك و
الملكوت، اولا يستحيى من علام الغيوب ان ينصب نفسه قدوة لامة سيد الرسل (ص) ، و يحل
محل رسول الله (ص) و اوصيائه الراشدين-عليهم السلام-، و ينوب عنهم، و يكون تغير
قلبه و تاثر نفسه عن ضعفاء العوام الذين اقتدوا به اشد من انفعاله و تاثره من
عظمة الله و جلاله؟ ! او لا يخجل عند الله من تفاوت حاله بكثرة المامومين و قلتهم؟
فينبغى لكل امام قوم ان يمتحن نفسه، فان لم تكن له هذه الصفات الخبيثة،
فليؤم، و الا فليترك و لا يهلك نفسه، و يعرف ذلك بان يكون فرحه بامامة نفسه كفرحه
بامامة غيره من امثاله و اقرانه، بل ان كان قصده و فرحه بمجرد اقامة السنة، و
احياء رسوم الملة، فينبغى ان يكون فرحه بامامة غيره ممن هو مرضى، و الاهتمام
به، اكثر من امامة نفسه، لحصول المقصود مع السلامة عن الغوائل المحتملة، و
ينبغى-ايضا-الا يكون باعثه و محركه الى المسجد لامامة القوم الا القربة و رجاء
الثواب، فلو كان في بعض زوايا قلبه باعث خفى من حب الشهرة و المنزلة فى القلوب،
او الوصول الى ما ينتظم به معاشه، فله الويل و الثبور، و يكون ممن ضل و اضل و هلك و
اهلك!

فصل


(ما ينبغى في صلاة الجمعة و العيدين)


ينبغى للحاضر الى صلاة الجمعة و العيدين: ان يستحضر ان هذه الايام ايام شريفة
عظيمة، و اعياد مباركة كريمة، قد خص الله بها هذه الامة، و جعلها اوقاتا شريفة لعباده،
ليقربهم فيها من جواره، و يبعدهم من عذابه و ناره، و حثهم فيها على الاقبال
بصالح الاعمال، و تلافي ما فرط منهم في بقية الايام و الشهور من الاهمال. فلا
جرم وجب الاهتمام بصلاتها زيادة على سائر الصلوات، من التهيؤ و الاستعداد
للقاء الله، و الوقوف بين يديه، و المثول في حضرته، و الفوز بمخاطبته. فليجتهد
بعد الاتيان بالوظائف الظاهرة، من التنظيف، و التطييب، و التعمم، و حلق الراس،
و قص الشارب و الاظفار، و غير ذلك من السنن. . . فى تخليص النية، و احضار القلب، و
اكثار الخشوع، و الابتهال الى الله تعالى في صلاته. و ينبغى ان يحضر قلبه في
العيدين من قسمة الجوائز، و تفرقة الرحمة، و افاضة المواهب فيهما على من قبل صومه
و قربانه و قام بوظائفهما، فليكبر في صلاتهما و قبلها و بعدها في قبول اعماله و
العفو عن تقصيراته، و ليستشعر الخجلة و الحياء من خسران الرد، و خذلان الطرد،
فتخسر صفقته، و تظهر بعد ذلك حسرته، فيفوز الفائزون، و يسبق السابقون، و ينجو
المخلصون، و هو يكون من الخائبين الخاسرين.

1) المؤمنون، الآية: 2.

2) طه، الآية: 14.

3) الاعراف، الآية: 204.

4) الماعون، الآية: 4-5.

5) النساء، الآية: 42.

6) الحديث مروي في (بحار الانوار): 18 196، باب آداب الصلاة عن (المحاسن) ، و
فيه اختلاف كثير عما ذكر في نسخ (جامع السعادات) ، فصححناه على الموضع
المذكور من (بحار الانوار) .

7) الازيز: صوت غليان القدر.و المرجل-وزان منبر-: القدر من الحجارة.

) النهج-بالتحريك-: تتابع النفس و اللهاث.

8) صححنا الاحاديث الواردة في الصلاة على (بحار الانوار) .18 169- 202، باب
آداب الصلاة.

9) الانعام، الآية: 132.الاحقاف، الآية: 19.

10) الشعراء، الآية: 89.

11) الاعراف، الآية: 25.

12) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 7 137-138.

13) النمل، الآية: 62.

14) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 12 140-141.

15) يونس، الآية: 30.

16) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 13 141.

17) الشعراء، الآية: 218-219.

18) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 13 141.

19) المؤمنون، الآية: 92.

20) صححنا الحديث على الباب 15 من (مصباح الشريعة) .و على (بحار الانوار): 18
356، باب الركوع و آدابه من كتاب الصلاة.و على (المستدرك): 325، باب نوادر ما
يتعلق بالركوع من كتاب الصلاة ايضا.

21) صححنا الحديث على: الباب 16 من (مصباح الشريعة) .و على (بحار الانوار): 18 363،
باب السجود و آدابه.

22) القصص، الآية: 68.

23) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 17.و على (بحار الانوار): 18 403،
باب التشهد و احكامه.

24) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة): الباب 18 144.

25) المؤمنون، الآية: 9-11.

/ 32