البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة
اي ما يغسل له، و هو بين ما يجب الغسل له و ما يستحب. اما الاول: فيجب للصلاة الواجبة بانواعها شرعا و شرطا، بالضرورة، و الكتاب،
و السنة المتواترة التي منها ما دل على اعادة الصلاة بترك غسل الجنابة او
بعضها. ففي رواية الحلبي: فيمن اجنب في شهر رمضان فنسي ان يغتسل حتى خرج الشهر: «عليه
ان يقضي الصلاة و الصيام » (342) . و في رواية الصيقل: فيمن تيمم و قام يصلي، فمر به نهر و قد صلى ركعة: «فليغتسل و ليستقبل الصلاة » (343) . و في رواية زرارة: فيمن ترك بعض ذراعه او بعض جسده في غسل الجنابة حتى دخل في
الصلاة: «ان رآه و به بلة مسح عليه و اعاد الصلاة » (344) الى غير ذلك. و الحق بها اجزاؤها المنسية و المرغمتان (345) و سجود التلاوة.و عدم وجوبه لصلاة
الميت، للمعارض، او انتفاء الحقيقة. و لواجب الطواف بالاجماع و المستفيضة دون مندوبه و ان وجب للازمه (346) . و لصوم رمضان على المشهور.و ياتي الكل في محله. و للواجب من مس المصحف، و قراءة العزائم، و دخول المسجدين على القول بحرمته على
الجنب، و اللبث في كل مسجد، و وضع شي ء فيه، لتحريمها على الجنب كما مر. و للنذر و شبهه. و قيل: للتحمل عن الغير (347) .و عرفت ما فيه في بحث الوضوء (348) . و الحق: انحصار وجوبه بالغير، فلا يجب لنفسه، وفاقا للحلي (349) ، و المحقق (350) ، و
الكركي (351) ، و الشهيدين (352) ، بل اكثر المتاخرين كما في اللوامع، بل هو المشهور
مطلقا كما في الحدائق (353) و المعتمد، للاصل، حيث ان الكل قائلون بالغيري، و تؤيده: صحيحة
زرارة، المتقدمة في مسالة وجوب الوضوء (354) . و الاستدلال بالآية (355) ، و باخبار الجنب اذا فجاها الحيض قبل الغسل -كحسنة
الكاهلي: في المراة يجامعها الرجل فتحيض و هي في المغتسل، قال: «قد جاء ما يفسد
الصلاة فلا تغتسل » (356) و بمضمونها موثقات حجاج (357) و زرارة (358) و ابي بصير (359) و
ابن سنان (360) ، حيث انها ظاهرة في ان نفي الغسل بمجي ء ما يفسد الصلاة لاجل انها
الغرض منه-ضعيف. اما الاولى: فلتوقف الاستدلال على عطف قوله: «ان كنتم جنبا» على «فاغسلوا» و هو
غير معلوم، لجواز العطف على «اذا قمتم » و ما ذكروا في اثبات الاول غير صالح
للتعيين. و اما الثانية: فلان النهي عن الاغتسال فيها اما للجواز، لوروده بعد الامر،
كما قيل، او للمرجوحية من الحرمة او الكراهة، كما هو الظاهر منهم و مقتضى النهي. فعلى الاول كما يمكن ان يكون تجويز التاخير لانحصار وجوبه في الغيري و عدم
وجوب الغير حينئذ، يمكن ان يكون لاجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن جواز
تاخيره، بتضيق وقت ذلك الغير، كما هو المتفق عليه بين ارباب القولين، فاذا
لم يجب ذلك الغير لا يكون مضيقا.و عده بعيدا-كما في اللوامع-لا وجه له. و على الثاني لا يمكن ان يكون النهي لوجوبه الغيري و لان الغير هو الغرض منه،
لانه غير صالح للنهي، و لذا افتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير بل
باستحبابه.و كون مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته.فلا محالة يكون النهي
لامر آخر[يسببه] (361) مجي ء مفسد الصلاة، فيمكن ان يكون المراد ان سبب مشروعية
الغسل رفع الحدث به و حدوث الحالة المبيحة، فاذا جاء مفسد الصلاة لا يحصلان، فلا
يشرع الغسل.يعبر عن الحدث و مانع الاستباحة بمفسد الصلاة، لان العامة لا يفهمون
منهما غالبا الا ذلك، بل في رواية سعيد بن يسار: في المراة ترى الدم و هي جنب ا
تغتسل من الجنابة ام غسل للجنابة و الحيض؟ فقال: «قد اتاها ما هو اعم من ذلك » (362)
اشعار به. و خلافا للمحكي عن ابن شهر آشوب (363) و ابن حمزة (364) ، و المنتهى و التحرير، و
المختلف (365) ، و المدنيات للفاضل، و والده (366) ، و الراوندي (367) ، و جماعة من المتاخرين
كالاردبيلي (368) ، و المدارك (369) ، و الذخيرة، و الكفاية (370) ، و عزاه الاول (371) الى السيد (372) ،
و انكره الحلي (373) . لمعلقات وجوب الغسل على الجنابة او الدخول او الانزال او التقاء الختانين من
دون اشتراط شي ء آخر، من الآية و الروايات، فيكون واجبا لنفسه. و موجبات تغسيل من مات جنبا غسل الجنابة (374) ، من غير تقييدها بوجوب غايته
عليه. و صحيحة عبد الرحمن، المتقدمة في نوم الجنب (375) ، امر فيها بالغسل خوفا من
الموت في المنام قبله، و لو لا وجوبه بنفسه، لم يامر به و لم يتصور خوف منه. و يجاب عن الاول: بما مر في الوضوء (376) .مع انه قد عرفت كون الآية محتملة لوجهين. و عن الثاني: بمنع وجوب التغسيل و انما هو مندوب. و لو سلم، فلا يثبت وجوب الغسل حال الحياة نفسيا، لجواز ان يكون لوجوب
التغسيل علة اخرى غير استدراك الواجب الفائت، بل هو الظاهر. و عن الثالث: بان الامر فيه ليس للوجوب، باعتراف المستدل ايضا، فانه لا
يقول بالتضييق بارادة النوم، و الندب ملتزم عند القائل بالغيري، و الخوف انما
هو من ملاقاة الله سبحانه جنبا، و لا شك انه مما يكره. و اما الثاني: فيستحب للمندوب من الصلاة و الطواف و المس و لبث المساجد و
دخول المسجدين و قراءة العزائم، و وجهه ظاهر. و للنوم، لصحيحة عبد الرحمن و موثقة سماعة، المتقدمتين (377) . و لتلاوة القرآن و دخول المساجد و الكون على الطهارة و التاهب للفريضة. و يظهر وجه الجميع مما ذكر في استحباب الوضوء لها.
البحث الرابع: في واجباته
و هي امور:
الاول: النية
مقارنة لاول افعاله الواجبة، او المستحبة، او مقدماته، مستدامة حكما الى
الفراغ، على ما تقدم تحقيقها، و ما يتعلق بها في الوضوء. و هل يجب في غسل الجنابة قصد كونه للجنابة، ام يكفي قصد الغسل و ان لم يلتفت الى
انه غسل جنابة؟ الاظهر: الثاني، للاصل، و عدم دليل على وجوب ذلك القصد. و تعدد الاغسال المستقرة في الذمة وجوبا او استحبابا و عدم التميز الا
بالقصد لا يفيد، لما مر في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميز الا مع اشتمال
المامور به على جزء لا يتحقق الا بالقصد، فيجب قصده حينئذ. فان قلت: قد صرحت الاخبار بان غسل الجنابة واجب، و وردت الاوامر المتعددة
بغسل الجنابة، فيكون المامور به هو الاتيان بغسل الجنابة لا مطلق الغسل،
فتكون الجنابة قيدا للمامور به، و تحقق الغسل المقيد بهذا القيد انما هو بالقصد،
فيجب قصده. قلنا: يمكن ان يكون المعنى ان الغسل للجنابة واجب، بان يكون القيد بيانا للسبب لا
جزءا للمامور به، مع انه انما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت التداخل قهرا. و منه يظهر عدم وجوب قصد المميز في شي ء من الاغسال الواجبة و المستحبة ايضا،
لجريان الكلام فيها بعينه. فلو كان على احد عشرة اغسال، و اراد عدم التداخل، فغسل عشر مرات، يصح و يبرا عن
الجميع و ان لم يعين في كل واحد انه اي غسل.و لو غسل خمسا برئ من خمس.و عدم تعينه
غير ضائر، كما مر في الوضوء. و فرق في المعتبر بين الاغسال المندوبة و الواجبة (378) ،
فقال باشتراط نية السبب في الاولى دون الثانية.و لا وجه له.
و الثاني: غسل البشرة
بما يسمى غسلا و لو كان كالدهن، كما مر في الوضوء.
و الثالث: استيعاب جميع البشرة بالغسل
، فلو اهمل جزءا منها لم يجزئ اجماعا، و هو الحجة فيه.مضافا الى الاصل، و
الاستصحاب، و المستفيضة من الاخبار الآمرة بغسل الجسد كله. كصحيحة زرارة، و فيها: «ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك، ليس بعده و لا قبله وضوء،
و كل شي ء امسسته الماء فقد انقيته » (379) . و موثقة سماعة، و فيها: «ثم يفيض الماء على جسده كله » (380) . و مرسلة الفقيه، و فيها: «لان الجنابة خارجة من كل جسده، فلذلك وجب عليه تطهير
جسده كله » (381) . و الدالة على وجوب غسل كل جزء الشامل باطلاقه او عمومه لليسير و الكثير، كمفهوم
صحيحة محمد: عن الجنب به الجرح فيتخوف الماء ان اصابه، قال: «فلا يغسله ان خشي
على نفسه » (382) . و الاختصاص بموضع الجرح غير ضائر، لعدم الفاصل. و صحيحة زرارة و فيها: قلت له: رجل ترك بعض ذراعه او بعض جسده من غسل الجنابة،
فقال: «اذا شك ثم كانت به بلة و هو في صلاته مسح بها عليه، و ان كان استيقن رجع و
اعاد عليه الماء ما لم يصب بلة » (383) . او على عدم طهارة ما لم يصبه الماء و عدم اجزائه، كمفهوم صحيحة محمد و حسنة
زرارة. ففي الاولى: «فما جرى عليه الماء فقد طهر» (384) . و في الثانية: «فما جرى عليه الماء فقد اجزاه » (385) . و بالقسمين الاخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج الجزء اليسير،
تمسكا بصدق غسل تمام الجسد معه (386) .مع انه ممنوع جدا. ثم انه يتفرع على ما ذكر: وجوب ايصال الماء الى تحت الشعر بتخليله مطلقا، كثيفا
كان او خفيفا، و الى تحت كل مانع يرفعه. و يدل على الاول ايضا بخصوصه-بعد الاجماع المحقق، المصرح به في كلام جماعة، منهم:
المدارك و اللوامع و المعتمد، و عن الفاضل (387) و امالي الصدوق (388) -النبوي المقبول:
«تحت كل شعرة جنابة، فيلوا الشعر و انقوا البشرة » (389) . و الرضوي المنجبر: «و ميز الشعر باناملك عند غسل الجنابة، فانه يروى عن رسول الله
صلى الله عليه و آله: ان تحت كل شعرة جنابة، فبلغ الماء تحته في اصول الشعر كلها،
و خلل اذنيك باصبعيك، و انظر ان لا تبقى شعرة من راسك و لحيتك الا و يدخل تحتها
الماء» (390) . و بهذه الادلة تخصص بالوضوء صحيحة زرارة: ا رايت ما كان تحت الشعر؟ قال: «كل ما احاط به الشعر فليس على العباد ان يغسلوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري
عليه الماء» (391) . و يخصص بغير ذلك ما نفى غسل البواطن. و لا منافاة في كفاية ثلاث غرفات للراس، و لا في صحيحة محمد: «الحائض ما بلغ بلل
الماء من شعرها اجزاها» (392) لما ذكر. اما الاول: فلوصول الثلاث الى البشرة لو كشف شعر الراس و اللحية. و اما الثاني: فلامكان ان يكون المراد بالموصول البشرة، يعني: البشرة التي بلغ
عليها بلل الماء من الشعر اجزاها، و لا يحتاج الى اجراء الماء عليها معها، و لا
الى التخليل، بل لا يحصل له معنى تام غير ذلك، كما لا يخفى على المتامل. فاحتمال عفو ما تحت الشعور الكثيفة و الاكتفاء بالظاهر-كما عن المحقق
الاردبيلي (393) -غير جيد. و على الثاني (394) بخصوصه: ما تقدم في بحث الوضوء، من صحيحة علي، و حسنة ابن ابي العلاء (395) ،
مضافا الى الرضوي: «و ان كان عليك خاتم فحوله عند الغسل، و ان كان عليك دملج و
علمت ان الماء لا يدخل تحته فانزعه » (396) . و توهم مخالفة ذيل حسنة ابن ابي العلاء، فاسد، لاختصاصها بالوضوء، و قد مر دفعها
فيه ايضا. نعم، ربما تشعر بالمخالفة موثقة عمار: في الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم
يذهب به الماء، قال: «لا باس به » (397) . و خبر السكوني: «كن نساء النبي اذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على
اجسادهن، و ذلك ان النبي صلى الله عليه و آله، امرهن ان يصببن الماء صبا على
اجسادهن » (398) . و صحيحة الخراساني: الرجل يجنب فيصيب جسده و راسه الخلوق، و الطيب، و الشي ء اللكد
مثل علك الروم و الطراز و ما اشبهه، فيغتسل، فاذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده
من اثر الخلوق و الطيب و غيره، قال: «لا باس » (399) . و لكنها غير ناهضة للمعارضة، لشذوذها، و مخالفتها لعمل الاصحاب، المخرجة اياها عن
الحجية. مع ان عدم اذهاب الماء بالزعفران-كما في الاول-لا يستلزم عدم وصول الماء
تحته، و بقاء الصفرة و الاثر-كما في الاخيرين-لا يستلزم بقاء العين المانعة من
وصول الماء، و لذا لا تجب ازالتهما في التطهير من النجاسات، فهنا اولى.
فروع:
ا: ظاهر الاصحاب على ما صرح به جماعة: عدم وجوب غسل الشعر، بل في المعتبر (400) ، و
شرح القواعد للكركي (401) ، و اللوامع، و المعتمد، و عن الذكرى (402) : الاجماع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا الى الاصل المؤيد بخلو الاخبار
البيانية عنه، مع خروجه عن مسمى الجسد قطعا، و بالصحيح: «لا تنقض المراة شعرها
اذا اغتسلت من الجنابة » (403) الشامل لما لا يبلغ اليه الماء مع عدم النقض. و ربما نسب الى المقنعة (404) الخلاف في ذلك و ايجاب غسل الشعر.و فيه تامل. و يظهر الميل اليه عن جماعة من متاخري المتاخرين (405) ، للنبوي المتقدم. و صحيحة محمد، المتقدمة (406) . و صحيحة حجر: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» (407) . و موثقة الساباطي: عن المراة تغتسل و قد[امتشطت]بقرامل و لم تنقض شعرها، كم
يجزيها من الماء؟ قال: «مثل الذي يشرب شعرها» (408) الحديث. و لدخوله في مصداق الراس و الجانب الايمن و الايسر الواردة في الاخبار. و يضعف الاول: بالضعف الخالي عن الانجبار.و البواقي: بعدم الدلالة: اما الثاني: فلما مر.مع انه لو افاد ذلك، لدل على عدم لزوم بلوغ الماء جسدها، و
كفاية بلوغه الشعر، و هم لا يقولون به. و اما الثالث: فلاجمال ما يترك في الشعر، فكما يمكن ان يكون المعنى: من ترك شعرة
و لم يغسلها، يمكن ان يكون: من ترك شعرة و لم يخللها و لم يغسل ما تحتها. مع انه يمكن ان تكون لفظة «من » بيانية، فيكون المراد مقدار شعرة، بل لا يبعد دعوى
ظهور هذا المعنى من ذلك التركيب. و اما الرابع: فلان مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر مما لا بد منه في
تروية الراس. و اما[دخوله] (409) في الراس و الجانبين، فلو سلم انما يفيد مع عموم فيها، و ليس
كذلك. ثم ما ذكر من عدم وجوب غسل الشعر، انما هو اذا لم يتوقف غسل البشرة عليه، و الا
فيجب لوجوب ما لا يتم الواجب الا به، فيجب غسل الحاجبين و الاهداب لذلك،
بل الاحتياط ان يغسل جميع الشعور. ب: يجب غسل الظفر بالاجماع.و حكم المتجاوز منه عن حد الاصبع و ما تحته من
الجلدة ما مر في بحث الوضوء، الا انه لما انحصر الدليل فيه في المورد بالاجماع
الغير المعلوم تاتيه الى المتجاوز ايضا يتاتى الاشكال فيه.و كونه من
الجسد محل المنع. ج: يجب غسل العضو الزائد و السلعة و امثالها، لصدق الجسد على الاول بل الثاني، مع
تضمن الثاني بعض الجسد الغير المتيقن غسله الا بغسل الجميع. د: الواجب غسل الظواهر دون البواطن بالاجماع و المستفيضة: كخبر زرارة: «انما عليك ان تغسل ما ظهر» (410) . و مرسلة الواسطي: الجنب يتمضمض؟ قال: «لا، انما يجنب الظاهر» (411) . و مثلها المروي في العلل، و زاد فيه: «و لا يجنب الباطن، و الفم من الباطن » (412) . و فيه ايضا: في غسل الجنابة: «ان شئت ان تمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب،
لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن » . و خبر الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و استنشاق لانهما من الجوف » (413) . و من الظواهر: معاطف الآذان و الآباط، و عكن البطون في السمان، و ما تحت الثدي
من النسوان، اجماعا، مع شهادة العرف في الكل، و خصوص الرضوي المتقدم (414) في الاول.
و منها: السرة، و مواضع الكي، و ما يبدو من الشق و من الفرج، و اما ما يبدو منه عند
الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن.و الاحوط: غسل ما ظهر من
الباطن بالقطع. و من البواطن: داخل الفم و الانف و العين و الصماخ و الفرج بالاجماع و
العرف. و الثقب التي في الاذن و الانف للحلقة ان كانت بحيث لا يرى باطنها فمن
البواطن، و الا فمن الظواهر. و شقوق الجراحات المحشوة بالدواء، و الثقب المحشوة بالنيل للزينة من الباطن
ظاهرا ان استقر فيها الحشو بحيث لا يمكن اخراجه او يعسر، و ان امكن، فالظاهر
وجوب الاخراج.
و الرابع: المباشرة اجماعا
، لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلق بالمقام.
و الخامس: اباحة الماء و اطلاقه و طهارته
، و اباحة المكان الذي يتبعه الهواء الواقع فيه الغسل، كما مر في الوضوء، و ياتي
في التيمم.
و السادس: الترتيب
، بتقديم الراس على سائر الجسد، بالاجماع المحكي عن الخلاف و الانتصار و الغنية
و السرائر و التذكرة و غيرها (415) ، بل المحقق حتى عن الصدوقين (416) ، لتصريحهما
بوجوب اعادة الغسل لو بدا بغير الراس، فنسبة الخلاف هنا اليهما غير جيد. فالمخالف فيه منحصر بالاسكافي (417) ، و هو في الاجماع غير قادح، مع انه ايضا لم
يصرح بالنفي، بل قيل باشعار كلامه بالثبوت (418) ، فيكون اجماعا من الكل، فهو الحجة
فيه، مع صحيحة حريز: في الوضوء يجف، قال: قلت: فان جف الاول قبل ان اغسل الذي يليه؟
قال: «جف او لم يجف اغسل ما بقي » قلت: و كذلك غسل الجنابة؟ قال: «هو بتلك المنزلة،
ابدا بالراس ثم افض على سائر جسدك » قلت: و ان كان بعض يوم؟ قال: «نعم » (419) . و حسنة زرارة: «من اغتسل من جنابة فلم يغسل راسه، ثم بدا له ان يغسل راسه، لم يجد
بدا من اعادة الغسل » (420) . و الرضوي المنجبر ضعفه بما مر: «فاذا بدات بغسل جسدك قبل الراس، فاعد الغسل على
جسدك بعد غسل الراس » (421) . المؤيدة باخبار اخر قاصرة عن افادة الوجوب، اما لاشتمالها على لفظ الخبر،
كصحيحة محمد (422) و ما يحذو حذوها، او على الترتيب الفعلي، كالحسن (423) ، او على ما
يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته، كموثقة سماعة، فان فيها: «ثم ليصب على راسه
ثلاث مرات مل ء كفيه » (424) فان التقييد بالثلاث مانع عن حمل الامر على الوجوب. ثم بما ذكر يدفع الاصل و تقيد الاطلاقات. و اما صحيحة هشام (425) ، المتضمنة لامر الصادق عليه السلام، الجارية بغسل جسدها
قبل الراس في واقعة، فمعارضة مع صحيحة محمد (426) ، المتضمنة للعكس في تلك الواقعة بعينها،
الراجحة على الاولى بشذوذها المخرج اياها عن الحجية. و منه يظهر ان الاخيرة دليل آخر مستقل على ما نحن فيه. و المناقشة في الروايات: بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع اجزاء الراس، مردودة
بعدم القول بالفصل. و هل يدخل العنق في الراس، فيجب تقديمه على باقي الاعضاء، و يجوز تقديمه على
المنابت و الوجه، او لا، فيغسل مع الباقي، و يقدم جميع اجزاء المنابت و الوجه
عليه؟ المحكي عن صريح المقنعة، و التحرير (427) ، و كتب الشهيد (428) ، ناقلا عن الجماعة، و ظاهر
ابي الصلاح (429) ، و الغنية، و المهذب (430) -و ان احتمل خلافه-: الاول.و نفى عنه بعض مشايخنا خلافا يعرف (431) ، و قيل: بل هو كالاجماع (432) . و استند فيه الى مقابلة الراس مع المنكب و الكتف في مضمرة زرارة (433) و موثقة سماعة (434) ،
فانه لو لا دخول العنق في الراس، لكان اما مهملا، او داخلا في المنكب، و هما
باطلان قطعا. و يخدشه: انه ان اريد بطلان دخوله في معنى المنكب، فهو كذلك، بل هو كذلك في الراس
ايضا. و ان اريد دخوله في حكمه، فاراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا، فلا نسلم
بطلانه، كالرجلين و اليدين و العورة و البطن، فان شيئا منها لا يدخل في المنكب
قطعا. و رياض المسائل (436) ،
بل عن الاشارة غسل كل من الجانبين الى راس العنق (437) ، و هو ظاهر في غسله مع
الجانبين. و هو جيد، لاطلاق بعض الاخبار في غسل باقي الجسد بعد الراس. و الاجود ان يحتاط بضمه الى الراس ثم غسله مع الجانبين، نصفه مع الميامن و
نصفه مع المياسر. و في وجوب الترتيب بين باقي الجسد، فتقدم الميامن كلها على المياسر، او
عدمه فيتخير و ان استحب-لاستحباب التيامن في الطهور، و التفصي عن
الخلاف-وجهان، بل قولان: الاول للاكثر، بل عليه الاجماع البسيط عن جميع من مر في الراس و غيره، و
المركب-ممن رتب الراس و الوضوء-عن الفاضل (438) و الشهيدين (439) ، للاجماعين
المنقولين، و استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية، و الترتيب الذكري في جملة
من الاخبار (440) ، سيما مع افادة الواو للترتيب عند الفراء، خصوصا مع عطف
اليمين على الراس بها ايضا في بعض المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا[مع انه
لو لا الترتيب لكفى ان يقول: اغسل جسدك] (441) . و العامي: «اذا اغتسل النبي بدا بميامنه و فضل الايمن على الايسر» (442) . و لزوم تقديم الايمن في غسل الميت بالاجماع و النصوص (443) ، مع ما ورد في بعض
الاخبار ان غسل الميت مثل غسل الجنابة (444) . و لما في المستفيضة المروية في العلل و العيون و غيرهما من الكتب المعتبرة: «ان
تغسيل الميت لاجل خروج النطفة، فلذلك غسل غسل الجنابة » (445) و مقتضاها: انه عينه،
فيتحدان في جميع الاحكام. و يضعف الاولان: بمنع حجية الاجماع المنقول جدا، سيما مع وجود المخالف في الاول،
و الفاصل في الثاني. و الثالث: بحصول البراءة اليقينية بمطلق الغسل، للاطلاقات. و الرابع: بمنع استلزامه الترتيب الفعلي، سيما مع تصريح الجمهور بعدم افادة
الواو له، و العطف على الراس بالواو لا يوجب ارادة الترتيب منها، اذ لعله
اراد بيان وجوب مطلق غسله، و استفيد الترتيب فيه من مواضع اخر. و الخامس: بمنع الدلالة، و قد فضل الصدر و الظهر في بعض الاخبار ايضا. و السادس: بمنع دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الاحكام، فلعلها في اصل
الوجوب، او مع بعض احكام اخر، سيما مع اختلافهما في احكام كثيرة. مع ان عموم المماثلة انما كان مفيدا لو قال: غسل الجنابة كغسل الميت، و اما
العكس-كما هو المذكور-فلا يفيد الا ثبوت جميع احكام غسل الجنابة لغسل الميت،
غاية الامر انه يتخلف في بعض الاحكام التي منها عدم وجوب الترتيب بدليل آخر،
مع ان عدم وجوبه لا يعد من احكامه، فانه قضية الاصل. و السابع: بان مقتضاه عدم ترك شي ء مما يجب في غسل الجنابة لا عدم الزيادة عليه،
و لذا يغسل الميت ثلاثة اغسال، و يجب في بعضها الخليط. و الحاصل: ان تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي ان يجب فيه امر زائد على ما
يجب فيه، فان مع الترتيب ايضا يتحقق غسل الجنابة. و لضعف تلك الوجوه، مضافا الى الاصل و الاطلاقات المنضمة مع ترك الاستفصال في
صحيحة زرارة: رجل ترك بعض ذراعه او بعض جسده في غسل الجنابة، الى ان قال: «و ان
كان استيقن رجع و اعاد الماء عليه ما لم يصب بلة » الى ان قال: «و ان رآه و به بلة
مسح عليه و اعاد الصلاة » (446) الحديث، المؤيدة بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل:
«تصب على راسك ثلاث اكف، و على جانبك الايمن مثل ذلك، و على جانبك الايسر
مثل ذلك، و على صدرك ثلاث اكف، و على الظهر مثل ذلك.و قد يروي: تصب على الصدر من حد مد
العنق، ثم تمسح سائر بدنك بيديك » (447) بل بصحيحة حريز، المتقدمة (448) المصرحة بوجوب
البداة بالراس قبل سائر الجسد و عدم التعرض للسائر. مال (449) جماعة من المتاخرين، كشيخنا البهائي (450) ، و المجلسي (451) ، و صاحبي المدارك و
الذخيرة و الوافي (452) ، و غيرهم الى الثاني، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة من القدماء،
كالصدوقين (453) ، و القديمين (454) ، و صاحب الاشارة (455) ، و هو قوي جدا، و امر الاحتياط
ظاهر. و هنا مسائل:
المسالة الاولى
: ظاهر عبارات الاصحاب: عدم وجوب الابتداء بالاعلى في شي ء من الاعضاء.و هو
كذلك، للاصل، و الصحيحة المصرحة باكتفاء الامام بغسل ما بقي في ظهره بعد
الاتمام من اللمعة (456) .و ليس فيها تصريح او ظهور في النسيان او الغفلة
المنافيين للعصمة، اذ لعل الراوي ظن فراغه عن الغسل و ان لم يفرغ عليه السلام
بعد، و ان طالت المدة، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل. و اما قوله في حسنة زرارة: «ثم صب على راسه ثلاث اكف، ثم صب على منكبه الايمن
مرتين، و على منكبه الايسر مرتين » (457) .و في صحيحته: «ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى
قدميك » (458) فلا يفيد الوجوب، لكونه اخبارا. مع ان التقييد في الاولى بالمرتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو افاده ايضا،
و احتمال ارادة تحديد المغسول في الثانية قائم.
المسالة الثانية:
حكم السرة و العورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين واضح. و اما على القول بالترتيب فيجب غسل كل نصف منهما مع الجانب الذي يليه مع
زيادة شي ء من باب المقدمة. و يحتمل الاكتفاء بغسلهما مع احد الجانبين، لعدم الفصل المحسوس، و امتناع
ايجاب غسلهما مرتين. مع ان شمول الاجماعات المنقولة التي هي عمدة ادلة ذلك القول لمثل ما نحن فيه
غير معلوم، و لذا اكتفى في الذكرى-الذي هو احد ناقلي الاجماع- بالغسل مع احد
الجانبين (459) .
المسالة الثالثة
: المخل بالترتيب الواجب نسيانا او جهلا يعيد على ما يحصله.و اللمعة المغفلة
تغسل مع الجانبين ان كانت في الراس، و مع الايسر ان كانت في الايمن على
القول بالترتيب بينهما، و وحدها على القول الآخر، و كذا ان كانت في الايسر.
المسالة الرابعة
: يصح الغسل بالارتماس و (460) الانغماس في الماء اجماعا، للنصوص المستفيضة: منها: صحيحة زرارة، و فيها-بعد ذكر الترتيب-: «و لو ان رجلا ارتمس في الماء
ارتماسة واحدة، اجزاه ذلك و ان لم يدلك جسده » (461) . و حسنة الحلبي: «اذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، اجزاه ذلك من غسله » (462) .
و مثله صحيحته، الا ان فيها «اغتمس » مكان «ارتمس » (463) .و غير ذلك. و مقتضى صريح الاخبار: اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحة الغسل. و هل المراد منها توالي غمس الاعضاء في الماء بحيث يتحد الرمس، و كذا زمان رمس
الجميع عرفا كما هو المشهور؟ او المراد منها عدم التفرقة بين الاعضاء في
الغمس وحده، بان يغمس عضوا ثم يخرجه و يغمس آخر مبنيا على سقوط التعدد و الترتيب،
حتى لو غمس رجله في الماء بعد ما نوى فصبر ساعة، ثم غمس عضوا آخر، و هكذا الى ان
يغطى كله بالماء صح، كما حكي عن بعض المحققين (464) ، و مال اليه بعض المعاصرين (465) ؟ الحق هو الاول، لانه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص. مع انه على الثاني يلغو قيد الوحدة، اذ غمس كل عضو ليس غمس الجنب، فلا يحصل غمسه
حينئذ، و يكفي قوله: «ارتمس الجنب » عن قيد الوحدة. و مع قطع النظر عن ذلك، فلا شك في قيام الاحتمالين، فيجب الاتيان بالاول،
عملا بمقتضى الشغل اليقيني، و استصحابا للجنابة و احكامها. نعم، الظاهر كفاية الارتماسة الواحدة عرفا، بان لا يتخلل بين غمس الاعضاء سكون
محسوس و ان لم يكن في آن واحد حقيقة او عرفا، بل كان بحركة متصلة بطيئة في الجملة. و على هذا فلا ينافيها التخليل المتوقف ايصال الماء الى جميع البشرة عليه لو
لم يؤخره، بل لا ينافي الدفعة العرفية ايضا. و لا بد من مقارنة النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل، فلا يصح ما عن الالفية
من صحة الغسل مع التاني لو قارنت النية الانغماس التام (466) . ثم اشتراط الوحدة بالمعنى الاول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني، اذ
انتفاء الثاني يوجب انتفاء الاول.فلو فرق الاعضاء في الرمس في الارتماسي، لم
يكن غسله صحيحا، لانتفاء الوحدة. و هل يصح ذلك في الترتيبي بان يغمس راسه اولا في الماء ثم الايمن ثم الايسر،
او يصب على راسه ثم غمس الجانبين، ام لا، بل يشترط في الترتيبي خروج العضو
من الماء و صبه عليه؟ المذكور في كلام اكثر القدماء-في بيان الغسل الترتيبي-لفظ الصب او ما بمعناه
من الافاضة او الوضع على العضو، ككلام الاسكافي (467) ، و النهاية و المقنعة للشيخين، و
الهداية للصدوق، و الوسيلة و المراسم و غيرها (468) ، بل في مجالس الصدوق في وصف دين
الامامية: من اراد الغسل من الجنابة-الى ان قال-: ثم يضع على راسه ثلاث اكف
من الماء، و يميز الشعر بانامله حتى يبلغ الماء اصول الشعر كله، ثم يتناول
الاناء بيده و يصبه على راسه و بدنه (469) .بل مقتضى الادلة وجوب الصب و اعتباره،
اذ جميع اخبار الترتيب، الواردة في بيان مهية الغسل مصرحة بالصب. و قد صرح بذلك بعض اجلة المتاخرين في شرحه على القواعد، و قال: ان ادلة الترتيب
منحصرة في الصب (470) .و بعد انحصارها به لا وجه للتعدي، بل منها ما هو صريح في وجوبه. ففي رواية حكم بن حكيم في غسل الجنابة: «ثم افض على راسك و جسدك » (471) . و في صحيحة حريز، المتقدمة: «ثم افض على سائر جسدك » (472) . و في صحيحة زرارة: عن غسل الجنابة، فقال: «افض على راسك ثلاث اكف، و عن يمينك و
عن يسارك » (473) . و يؤيده: مفهوم الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي و صحيحته المتقدمتين (474) . و على هذا فلا ينبغي الريب في اعتبار الصب في الترتيبي. خلافا لصريح والدي-رحمه الله-في اللوامع، فقال بصحة الترتيبي برمس الاعضاء
ترتيبا، و به يفتي جمع ممن عاصرناهم و بعض من مشايخنا (475) ، تمسكا ببعض اطلاقات
الغسل. و هو غريب غايته، لانه-مع ظهوره في الصب-مطلق بالنسبة الى اخبار الترتيب،
فكما يقيد بالترتيب لاخباره فيجب تقييده بالصب ايضا، لتضمن اخبار
الترتيب له، مع ان الغسل مطلق بالنسبة الى نفس الصب ايضا، فتقييده به لازم
البتة. و دعوى: ان المراد بالصب الغسل، من غرائب الدعاوي. و التمسك باطلاق قول الفقهاء بوجوب غسل الراس و الجسد من غير تقييد بالصب او
الافاضة، مردود: بان ذلك الاطلاق انما هو في كلام جماعة من اللاحقين، و اما
القدماء فكلام كلهم او جلهم-كما عرفت-مخصوص بالصب. و مع ذلك فاي حجة في اطلاق بعض العبارات؟ ! سيما مع تصريح الصدوق بان من دين
الامامية: الصب.و شيوعه في زمن الحج بحيث يحدس بانهم لا يغسلون ترتيبا الا
بالصب.هذا. ثم ان المعتبر صدق انه ارتمس او اغتمس في الماء، اي: مقل فيه و غاص و كتم، كما
فسرهما اللغويون بها (476) ، بحيث صدق ذلك في العرف، لانه المرجع في معرفة المعاني
في مثل المقام.و لا شك انه لا يتوقف على القاء نفسه في الماء بعد خروج جميع بدنه منه،
كما قاله بعض المتاخرين (477) ، بل لو كان نصف جسده بل ازيد داخلا فيه و غاص في
الماء، يقال: انه ارتمس و مقل فيه.و لذا ورد في الحديث: «اذا وقع الذباب في طعامكم
فامقلوه، فان في احد جناحيه شفاء و في الآخر سما، يقدم الذي فيه السم » (478) فامر بمقل
الذباب مع تحقق المقل بالنسبة الى بعضه. و لا ينافي ذلك الوحدة، لان المراد وحدة ارتماس الشخص في ادخال ما يتوقف صدق
الارتماس عليه في الماء، و لا شك ان مثل هذا الشخص ارتمس عرفا ارتماسة واحدة. نعم، الظاهر اعتبار خروج الراس و الرقبة، بل الاحوط خروج بعض آخر ايضا، حتى
يصدق عرفا انه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك، فانه هو الظاهر المتبادر من الحديث،
فلا يحكم بصحة غسل من كان منغمسا في الماء، فنوى و خرج، او تحرك الى جانب آخر، و
ان ادعى والدي-رحمه الله-في المعتمد: الاجماع على صحة الغسل و ان لم يخرج شي ء من
الاعضاء. نعم، يجب على من كان بعضه في الماء ان يحرك قدمه حتى يصل الماء المتجدد حال
الارتماسة الواحدة تحت قدميه، لا لتوقف صدق الارتماسة الواحدة عليه، بل لوجوب
ايصال ماء الغسل الى كل جزء من بدنه بالاجماع و النصوص، فلا يفيد وصول الماء قبل
ذلك الارتماس الى جزء، و هو الظاهر، و لا بعد تمام الارتماس الواحد، لانه ليس
ماء الغسل، بل هو منحصر بماء الارتماسة، و لذا يحكم بوجوب كون التخليل فيما
يحتاج اليه في تلك الحالة. و لذا لو اغفل موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة، يستانف الغسل
عند الفاضل في المنتهى، و والده (479) ، و الدروس، و البيان (480) ، و ان خالف فيه في
القواعد (481) ، فيكتفي بغسل اللمعة مطلقا.و هو الاقوى، لترك الاستفصال المفيد للعموم
في صحيحة زرارة، المتقدمة (482) المتضمنة لحكم من ترك بعض ذراعه او جسده. و هنا قولان آخران ايضا: احدهما: انه يكتفي بغسلها و ما بعدها، و كانه مبني على
ترتب الارتماس حكما. و الآخر: يستانف مع طول الزمان، و يغسلها مع قصره، و لعل وجهه: عدم صدق الدفعة
العرفية مع طوله، و صدقها مع قصره. و يرد الاول: بعدم دليل عليه، بل عدم معنى محصل له، بل بطلان المبني عليه. و الثاني: بعدم صدق الدفعة و عدم كفايتها مطلقا، بل لا بد من غسل الجميع
بالارتماسة الواحدة. و الظاهر عدم وجوب وصول الماء الى جميع الاعضاء حال دخول الجميع في الماء،
فلو خرجت رجله من الماء غمرت في الوحل قبل دخول راسه او بالعكس، اجزا على اشكال
في الاخير، لصدق غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.
المسالة الخامسة
: يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف، لصحيحة علي: عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل
الجنابة ان يقوم في المطر حتى يغسل راسه و جسده، و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال:
«ان كان يغسله اغتساله بالماء، اجزاه ذلك » (483) . و مرسلة ابن ابي حمزة: في رجل اصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده، ا
يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: «نعم » (484) . و هل يجب فيه الترتيب كما عن الحلي (485) و المعتبر (486) ؟ او لا، بل يجري مجرى
الارتماس ايضا مع غزارة المطر، كما عن المقنعة (487) و الاصباح و ظاهر الاقتصاد و
و جملة من كتب الفاضل (489) ، و اختاره والدي-رحمه الله-و نسبه الى
الاكثر؟ الظاهر الثاني، لاطلاق الروايتين، الخالي عن التقييد، لما عرفت من عدم دلالة
غير حسنة زرارة و الرضوي (490) على الوجوب، مع انه يتضمن مثل الصب و الافاضة الذي هو
فعل المكلف، فلا يشمل المورد. و اما هما، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجة.و الحسنة
لدلالتها على ترك الراس الى ان يفرغ من الغسل، بل على تاخير ارادة غسل الراس
لمكان «ثم » غير مفيدة، لجواز ان يكون لا بدية اعادة الغسل في المورد الذي يحكمون
فيه بعدم الترتيب لاجل ذلك التاخير، حيث ان كل من يقول بعدم وجوب الترتيب
هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير
تراخ، و لذا قيدوا المطر بالغزير. فيبقى اطلاق الروايتين خاليا عما يوجب تقييده في محل النزاع و ان قيد
بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالاجماع بل الرضوي المنجبر، و بالدفعة
العرفية مع غزارته بالاجماع. مع انه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه، و
المرجع الى اطلاقات الغسل. و اما اخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا، لعدم تحقق الارتماس فيه و ان
كثرت الغزارة. دليل الاول: عدم منافاة الروايتين للترتيب، فلا يخرج عن مقتضى ادلته، بل
دلالة الصحيحة على ثبوته، اذ لا يمكن ان يكون المراد بقوله: «اغتساله بالماء» :
المماثلة في الجريان، لتضمن السؤال للغسل المستلزم اياه، فيكون في الكيفية
التي منها الترتيب و الارتماس.و الثاني غير ممكن في المورد، فيكون الاول. و فيه: ما مر من عدم نهوض اخبار الترتيب في المورد.و ما ذكره في الصحيحة
انما يصح اذا كان: يغتسل (491) اغتساله بالماء، و انما هو: «يغسله » المستند الى
المطر، و لا معنى لاستناد الترتيب اليه. مع انه يمكن ان تكون المماثلة في شمول جميع اجزاء البدن و الوصول اليه من اصول
الشعور و نحوها. و لا يبعد الحاق الميزاب و شبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة
المستلزمة للدفعة العرفية بحسبها، لا للقياس بالمطر، بل لعدم شمول ادلة الترتيب،
كما مر.
البحث الخامس: في آداب غسل الجنابة و سننه
و هي امور:
منها: امرار اليد
على ما جرى عليه الماء من الجسد. لا للرضوي المتقدم في مسالة ترتيب الجانبين (492) ، كما قيل (493) ، لان المسح
المذكور فيه انما هو لايصال الماء المصبوب على الصدر الى البدن، و لذا قيده
بالسائر، و هو غير ما نحن فيه. و لا للاستظهار، لان مع يقين الوصول لا استظهار، و مع عدمه الا بامرار اليد يجب،
و لا يكفي الظن في المقام. نعم، يمكن الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الاصل كاصالة عدم الحائل.
بل للاجماع المنقول عن الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى (494) ، و صحيحة
زرارة المتقدمة في صدر مسالة الارتماس (495) ، حيث دلت لفظة «ان » الوصلية على اولوية
الدلك.و ليس هي في الارتماسي، لايجابه انتفاء الدفعة المعتبرة فيه، بل عدم
امكان ذلك الجمع تحت الماء.فيكون في الترتيبي، و يكون المعنى: اجزاه ذلك و ان اوجب انتفاء الدلك المطلوب. و منه يظهر اختصاص الاستحباب هنا بالترتيبي، و قد صرح به بعض مشايخنا ايضا.
و منها: الموالاة
، لفتوى جمع من الاصحاب (496) ، و عموم آيات المسارعة و الاستباق (497) ، و كراهة
الكون على الجنابة. و يشعر به كلام التهذيب (499)
ايضا، و بلا خلاف كما في صريح الحدائق (500) ، للاصل، و صدق الامتثال، و صحيحتي هشام (501)
و محمد (502) في قضية ام اسماعيل، و الجارية. و حسنة اليماني: «ان عليا لم ير باسا ان يغسل الرجل راسه غدوة و يغسل سائر جسده عند
الصلاة » (503) . و الرضوي: «و لا باس بتبعيض الغسل بغسل يديك و فرجك و راسك، و تؤخر غسل جسدك الى
وقت الصلاة » (504) . و صحيحة حريز، المتقدمة في ترتيب الراس (505) ، و هي تدل على نفي وجوب الموالاة
بمعنييها المتقدمين في الوضوء.بل يستفاد ذلك من سائر الاخبار ايضا. و في وجوبها على خائف فجاة الحدث الاكبر قول، استنادا الى حرمة ابطال العمل،
و كذا الخائف فجاة الاصغر-على القول بابطاله الغسل-لذلك، و هو ضعيف.
و منها: البول امام الغسل
ان امكن، للاتفاق على رجحانه، و للمحافظة على الغسل من طريان مزيله، و للنصوص: منها صحيحة البزنطي: عن غسل الجنابة، الى ان قال: «و تبول ان قدرت على البول، ثم
تدخل يدك في الاناء ثم اغسل ما اصابك منه » (506) الحديث. و مضمرة ابن هلال: عن رجل اغتسل قبل ان يبول، فكتب: «ان الغسل بعد البول الا ان
يكون ناسيا، فلا يعيدن الغسل » (507) . و الرضوي: «فاذا اردت الغسل من الجنابة فاجتهد ان تبول حتى تخرج فضلة المني
التي في احليلك.و ان جهدت و لم تقدر على البول فلا شي ء عليك، و تنظف موضع الاذى منك » (508) .
و التمسك بالنبوي: «من ترك البول على اثر الجنابة، او شك تردد بقية الماء في
بدنه، فيورثه الداء الذي لا دواء له » (509) غير جيد، لانه يدل على رجحانه بعد الجنابة لا
قبل الغسل، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل اذا اغتسل بعد الجنابة بلا مهلة. و ظاهر تلك الاخبار كلا او بعضا و ان كان الوجوب، الا ان جماعة من علمائنا
الاعلام كالسيد و الحلي (510) و الفاضلين (511) ، و الشهيدين (512) و جل من تاخر (513) عنهم لم
يقولوا به، لضعف الاولى دلالة، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالة على الوجوب،
سيما مع ورودها في سياق الاوامر المستحبة.و الثانيتين سندا، مع ما في اولاهما
من العلة باعتبار التفرقة بين النسيان و عدمه في اعادة الغسل. مضافا الى ان مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول، و ان قبله ليس غسلا
او ليس صحيحا، و ليس كذلك قطعا، فيكون مجازا، و هو يمكن ان يكون الغسل الكامل. خلافا لاعيان القدماء و تابعيهم، كالصدوقين في المقنع و الهداية (514) ، و الشيخين في
المقنعة و المبسوط و الاستبصار و الجمل و العقود و المصباح (515) و مختصره، و الجعفي
و الكيدري (516) ، و الحلبي و القاضي و الديلمي (517) و ابني حمزة و زهرة (518) و صاحبي الاصباح و
الجامع (519) ، فقالوا بوجوبه، و اختاره بعض مشايخنا. و احتاط بالقول به بعض آخر منهم (520) . و نفى عنه الباس في الذكرى، و نسبه الى معظم الاصحاب (521) . و عن الغنية دعوى الاجماع عليه (522) . و قد يقال بالوجوب التخييري بينه و بين الاستبراء بالاجتهاد، و عزي ذلك الى
الشيخ و ابني حمزة و زهرة (523) . و استدلوا بما مر، مع الاعتراض عليه. و هو قوي جدا، للرضوي المتقدم.و يجاب عن ضعفه بانجباره بما مر من الشهرة القديمة
و المحكية في الذكرى، و الاجماع المحكي. و حمل كلام الموجبين على الوجوب الشرطي بعيد غايته، سيما كلام من ذكر بلفظ
الامر، و هو اكثرهم. و استدلال بعضهم (524) باخبار اعادة الغسل مع الاخلال به، و خروج شي ء من الذكر، لا
يدل على ارادته الشرطي، اذ لعله اراد الاستدلال[على وجوب] (525) محافظة الغسل عن
مزيله، كما احتج به في الذكرى (526) ، و ان كان في تماميته نظر. و تضعيف القول بالوجوب: باخبار الاعادة حيث انهم لم ينكروا على السائلين
تركهم البول، و بخلو اكثر اخبار بيان الغسل عنه مع التعرض للآداب المستحبة، و
بعدم شيوعه مع انه لو كان لشاع و اشتهر (527) ، ضعيف غايته. اما الاول: فلان اكثر اخبار الاعادة (528) متضمنة لفرض الترك، اما من الراوي
او المروي عنه، و ليس فيها ترك السائل.مع ان عدم الانكار حين السؤال عن الحكم لا
يدل على عدمه مطلقا. و اما الثاني و الثالث: فظاهر.مع ان الظاهر ان القائل بوجوبه لا يجعله من
الغسل جزءا و لا شرطا، بل هو واجب براسه قبل الغسل، فلا يضر خلو اخبار بيان
الغسل منه. و مقتضى التعليل المذكور في الرضوي-مطابقا لصريح جملة من الاصحاب منهم الفاضل (529)
و الشهيدان (530) و المحقق الثاني (531) -اختصاصه بالمنزل، اذ بدونه لا تتحقق فضلة للمني. و اما اطلاق الصحيحة و المضمرة (532) : فلا يفيد في الوجوب.مع انه لا اطلاق في
الصحيحة، لظهورها في المنزل ايضا، لمكان قوله: «و اغسل ما اصابك منه » .فلا يجب الا
عليه، و ان احتمل الاستحباب مطلقا. كما ان مقتضى كون الخطاب في الصحيحة الى الراوي الذي هو الرجل، و اختصاص
السؤال به مع تذكير الضمائر التي بعد الجواب في المضمرة، و ذكر الاحليل و
تذكير الخطاب في الرضوي، مع انه كتب الكتاب للمامون و خطاباته اليه كما يظهر
منه، مضافا الى الاصل و انتفاء الاجماع على الشركة في المقام: اختصاصه بالرجل، وفاقا لاكثر من ذكر، و خلافا للمقنعة و النهاية (533) فعمماه، و لا
وجه له سيما مع ظهور اختصاص الحكمة.
و منها: الاستبراء باليد
ان لم يتيسر البول، تبعا للمحكي عن المشهور بين المتاخرين (534) ، و حذرا عن
مخالفة من اوجبه حينئذ، كما عن الشيخين (535) و القاضي (536) و ابني حمزة و زهرة (537) ، و هما
كافيان في المقام. و اما وجوبه حينئذ فلا دليل عليه، كما لا دليل على استحبابه او وجوبه بعد البول
للغسل، لاجل الغسل.و كلام من ندبه او اوجبه معه-في هذا المقام-يشعر بانه لاجل
الغسل، فانه مستحب او واجب-على اختلاف القولين-بعد البول مطلقا ايضا، كما
مر في بحث الاستنجاء مع كيفية الاستبراء.
و منها: غسل اليدين
اجماعا فتوى و نصا، الى الزندين مشهورا، للمستفيضة المصرحة بغسل الكفين (538) . و افضل منه دون المرفق، لموثقة سماعة (539) . و الاكمل الى المرفق، لصحيحتي البزنطي (540) ، و يعقوب بن يقطين (541) ، و المروي في قرب
الاسناد للحميري (542) ، و في الخصال: «اذا اراد احدكم الغسل فليبدا بذراعيه
فليغسلهما» (543) . و اما رواية يونس في غسل الميت: «يغسل يده ثلاث مرات، كما يغتسل الانسان من
الجنابة الى نصف الذراع » (544) فلا تدل على استحباب ذلك التحديد في غسل الجنابة
ايضا، لجواز كون التشبيه في الغسل. مقدما على المضمضة و الاستنشاق، لصحيحة زرارة (545) و موثقة ابي بصير (546) .بل على غسل
الفرج ايضا كما يستفاد من الاخبار. ثلاثا بالاجماع، لصحيحة الحلبي و مرسلة الفقيه المتقدمتين في غسل اليدين للوضوء (547) ،
و الرضوي: «و تغسل يديك الى المفصل ثلاثا» (548) . و بها تقيد الروايات المطلقة، كما هو مقتضى القواعد الشرعية. سواء في ذلك، الغسل من الاناء الواسع الذي يدخل فيه اليد، و الضيق الذي يصب منه
الماء، لاطلاق صحيحتي محمد (549) و زرارة (550) و غيرهما.بل سواء فيه الغسل الترتيبي و
الارتماسي، لاطلاق رواية الحضرمي: كيف اصنع اذا اجنبت؟ قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضا وضوء الصلاة ثم اغتسل » (551) . و التخصيص بالاول للتصريح بادخال اليد في بعض الاخبار بعد اطلاق بعض آخر، لا
وجه له، و جعله من باب حمل المطلق على المقيد خطا.
و منها: المضمضة و الاستنشاق
، اجماعا كما في المدارك (552) ، للنصوص، بعد تطهير الفرج، كما في صحيحة زرارة (553) و
موثقة ابي بصير (554) . ثلاثا في كل منهما، كما عن المقنعة و النهاية و السرائر و الوسيلة و المهذب و
الاصباح و التذكرة و التحرير و الذكرى و البيان (555) ، لفتوى هؤلاء، مضافا الى
الرضوي: و قد يروى: ان يتمضمض و يستنشق ثلاثا، و روي: مرة يجزيه، و الافضل الثلاث (556) .
مقدما الثلاث الاولى على الثانية، للشهرة المحكية.و ان جاز عكسه ايضا على ما مر
في الوضوء.
و منها: الغسل بصاع من الماء
-و هو تسعة ارطال بالعراقي-بالاجماع و النصوص. و لا يجب اجماعا منا، لاستفاضة اخبارنا باجزاء مثل الدهن، و بطهارة ما جرى
عليه الماء من الجسد (557) . و ما ظاهره الوجوب محمول على الاستحباب، جمعا، او وارد مورد التقية، لان
الوجوب مذهب ابي حنيفة (558) . و المستفاد من ظواهر عبارات اصحابنا الاخيار، و صريح والدي-رحمه الله-: عدم
استحباب الغسل بالزائد من الصاع، و هو مقتضى الاصل. الا ان الفاضلين صرحا باستحبابه ايضا و ادعيا الوفاق عليه (559) .و هو يقتضي
ثبوته، للتسامح في المقام. و لا تنافيه مرسلة الفقيه: «و سياتي قوم يستقلون ذلك-اي الصاع-فاولئك على خلاف
سنتي » (560) اذ استحباب الزائد لا ينافي كراهة استقلال الصاع، بل حرمته. و ظاهر غيرها من الصحاح (562) : اختصاص الاستحباب بالصاع
بحالة الانفراد، و كفاية الاقل مع الاشتراك.و هو ظاهر والدي رحمه الله به و لا باس
به، لما ذكر. و في دخول ماء غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق و تطهير الفرج في الصاع وجهان، و
الدخول ليس ببعيد.
و منها: المبالغة في ايصال الماء
و الاستظهار فيه، لما في حسنة جميل: «يبالغن في الغسل » (563) و صحيحة محمد: «يبالغن
في الماء» (564) و الرضوي: «و الاستظهار فيه اذا امكن » (565) .
و منها: التثليث في غسل كل عضو
في الترتيبي، لفتوى جماعة. و الاستدلال باخبار ثلاث اكف (566) ليس بسديد، لامكان ارادة الصب بثلاث اكف من
غير تثليث في الغسل، او ارادة هذا المقدار كما يستفاد من الرضوي: «تصب على راسك
ثلاث اكف، و على جانبك الايمن مثل ذلك، و على جانبك الايسر مثل ذلك » الى ان
قال: «و ان كان الصب بالاناء جاز الاكتفاء بهذا المقدار» (567) . و الاسكافي (568) استحب للمرتمس ثلاث غوصات يخلل شعره و يمسح جسده في كل منها.و نفى عنه
الشهيد الباس (569) ، و استظهره والدي.و لا باس به، لذلك.
و منها: الدعاء بالماثور
في موثقة الساباطي (570) و رواية محمد بن مروان (571) ، اما قبل الغسل او بعده) (572) .
البحث السادس: في احكامه.
و هي امور نذكرها في مسائل:
المسالة الاولى
: البلل الخارج بعد الغسل، ان علمه منيا او بولا، لحقه حكمه اجماعا، فتوى و نصا، و
ان علمه غيرهما، لم يلزمه شي ء كذلك. و ان اشتبه، فان كان الغسل بعد البول و الاستبراء، فلا غسل و لا وضوء ايضا
بالاجماع، للاصل، و الاستصحاب، و العمومات، و خصوص المستفيضة النافية للغسل بعد
البول، و الوضوء بعد الاستبراء. فمن الاولى: موثقة سماعة: عن الرجل يجنب، ثم يغتسل قبل ان يبول، فيجد بللا بعد
ما يغتسل، قال: «يعيد الغسل، و ان كان بال قبل ان يغتسل فلا يعيد غسله، و لكن يتوضا و
يستنجي » (573) . و صحيحة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل ان يغتسل،
قال: «ان كان بال قبل ان يغتسل فلا يعيد الغسل » (574) . و صحيحة محمد: عن الرجل يخرج من احليله بعد ما اغتسل شي ء، قال: «يغتسل و يعيد الصلاة الا ان يكون بال قبل ان يغتسل، فانه لا يعيد غسله » . قال محمد: و قال ابو جعفر عليه السلام: «من اغتسل و هو جنب قبل ان يبول، ثم وجد بللا
فقد انتقض غسله، و ان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله، و لكن عليه
الوضوء، لان البول لم يدع شيئا» (575) . و حسنة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل ان يغتسل قال:
«ليتوضا، و ان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل » (576) . وجه دلالتها على المطلوب بضميمة ان التفصيل قاطع للشركة. و نحوها: رواية ابن ميسرة في رجل راى بعد الغسل شيئا، قال: «ان كان بال بعد جماعة
قبل الغسل فليتوضا، و ان لم يبل حتى اغتسل، ثم وجد البلل فليعد الغسل » (577) . و من الثانية ما مر في مسالة الاستبراء من الصحيحة و الحسنتين و غيرها (578) . و اما ما في الاخبار المتقدمة من الامر بالوضوء، فمحمول على عدم الاستبراء،
لعمومها بالنسبة اليه. و اختصاصها بما بعد الجنابة لا يخصصها، لعدم القول بالفصل.مع انه على فرض
الاختصاص يكون التعارض بالعموم من وجه، و المرجع الاصل. و اما ما في صحيحة ابن عيسى: هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟
فكتب: «نعم » (579) فبالشذوذ مردود.مع انه-كما في الاستبصار (580) - موافق للعامة.و مع
ذلك هي بالنسبة الى ما مر عامة، فارادة ما علم كونه بولا متعينة. و ان لم يات بشي ء منهما، يجب عليه الغسل على الاشهر الاظهر، بل عن الحلي (581) و
الفاضل (582) الاجماع عليه، لما تقدم من الاخبار منطوقا و مفهوما، مضافا الى
صحيحتي سليمان (583) و منصور (584) ، و بها تخصص عمومات عدم نقض اليقين بالشك. و اما الروايات الدالة على عدم الاعادة مع عدم البول مطلقا، كروايتي
الشحام (585) و عبد الله بن هلال (586) و مرسلة الفقيه (587) ، او مع نسيان البول خاصة،
كروايتي جميل (588) و احمد بن هلال (589) فمع ضعفها سندا و شذوذها-لعدم قائل بمضمونها سوى
ما نقل عن ظاهر الفقيه و المقنع (590) من الاكتفاء بالوضوء-اعم مطلقا من الاخبار
المتقدمة، لاختصاص ما تقدم بالمشتبه اجماعا، و شمول هذه لما علم عدم كونه منيا
او بولا ايضا.بل في الاولى و الثالثة تصريح بكونه من الحبائل التي لا شي ء فيها
اجماعا. و كذا ان لم يات بالبول مع امكانه و اتى بالاستبراء، على المشهور ايضا.بل عن
الخلاف الاجماع عليه (591) ، لاطلاق ما تقدم من الصحاح، بل و عموم بعضها. خلافا للمحكي عن ظاهري الشرائع و النافع (592) ، فلم يوجبه، للاصل المندفع بما تقدم. و اما مع عدم امكانه، فالحق المشهور-كما صرح به جماعة-سقوط الغسل، و عدم وجوب
شي ء، و هو مختار الصدوقين (593) و الشيخين (594) و الفاضلين (595) ، و اليه ذهب والدي العلامة في
الكتابين، للرضوي المتقدم (596) المنجبر في المقام بالشهرة، بل للجمع بين مطلقات
الاعادة و روايتي الشحام و ابن هلال، بحمل الاخيرتين على صورة عدم الامكان،
بشهادة الرضوي. و حمل نفي الشي ء فيه على نفي الاثم تخصيص بلا مخصص. و اطلاقه باعتبار خروج البلل و عدمه لا يضر، اذ غايته تعارضه مع موجبات
الاعادة بالعموم من وجه، و يرجع الى الاصل لو لا ترجيح ذلك بالاحدثية و
موافقة الشهرة. و ان عكست الحال، فبال و لم يستبرئ، يجب عليه الوضوء، بالاجماع كما في
اللوامع، و على المعروف من مذهب الاصحاب كما في الحدائق (597) ، و بلا خلاف كما قيل (598) ،
للصحيح و الحسنتين المتقدمتين في مسالة الاستبراء (599) ، و موثقة سماعة و صحيحة
محمد و رواية ابن ميسرة السالفة (600) . و لا اختصاص لذلك بما بعد الجنابة، بل يجب الوضوء بالبلل الخارج بعد البول قبل
الاستبراء مطلقا. و ربما ينقل عن ظاهر المقنعة و التهذيبين (601) عدم الوضوء اذا كان ذلك بعد الجنابة،
بناء على عدمه مع غسل الجنابة. و في اطلاقه منع ظاهر، لاختصاصه بخروج موجبه قبل الغسل لا بعده، و الموجب هنا البلل
الخارج بعده.
فروع:
ا: وجوب الغسل او الوضوء في بعض الصور مخصوص بالرجل، و اما المراة فلا، على
المشهور بين الاصحاب، للاصل، و الاستصحاب، لاختصاص اخبار الوجوب بالرجل،
مضافا الى التنصيص به في صحيحتي سليمان و منصور (602) ، بل لا يجب الغسل عليها و ان
علمت ان الخارج مني، بعد احتمال كونه من الرجل. ب: صرح جماعة-منهم الفاضل في المنتهى (603) و الشهيدان (604) -باختصاص اعادة الغسل في
بعض الصور بالمنزل، فلا يجب على من اجنب بغيره، لان الحكم بالاعادة انما هو
لمظنة كون الخارج من فضلة المني الخارج، و ذلك في حقه غير متصور. و مال بعض المتاخرين الى الاعادة، لعموم الروايات.و هي احوط، و ان امكن
الخدش في الروايات: بانها مطلقة، فالى الشائع من افراد الجنب-و هو
المنزل-منصرفة. ج: الخارج فيما يجب فيه الغسل او الوضوء حدث جديد، فالعبادة الواقعة قبل خروجه
صحيحة، للاصل، و اقتضاء الامر للاجزاء. و قوله في صحيحة محمد، المتقدمة (605) . «و يعيد الصلاة » لا يفيد، اذ كما يمكن ان يراد منه
الصلاة الواقعة بعد الغسل، يمكن ان يراد منه الواقعة بعد الخروج، و لا عموم فيه يشمل
الجميع.مع انه لا يفيد ازيد من الرجحان. د: وجوب الغسل او الوضوء انما هو اذا كان نفس البلل الخارج مشتبها، اما لو
علم انه ليس بمني او بول، و شك في انه هل يستصحب شيئا من الاجزاء المتخلفة من
احدهما، فلا يجب، اذ ما علم خروجه لا يوجبه، بالنصوص الواردة فيه (606) ، و غيره منفي
بالاصل. ه: المستفاد من لفظ الاعادة في الاخبار المتقدمة، و من التعليل بخروج بقية المني:
كون الغسل المعاد غسل جنابة، فيرتفع به الحدث الاصغر المتخلل بين الغسلين من
غير حاجة الى الوضوء، و لو احتاط بنقض الغسل ثم الوضوء كان اولى.
المسالة الثانية
: المحدث بالاصغر في اثناء الغسل يعيده، وفاقا للصدوقين (607) ، و نهاية الاحكام (608) ،
و المبسوط و الاصباح و الجامع و القواعد (609) ، و الشهيدين (610) .بل نسبه المحقق
الثاني في شرح الالفية الى الشهرة. للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فان احدثت حدثا من بول او غائط او ريح بعد
ما غسلت راسك من قبل ان تغسل جسدك، فاعد الغسل من اوله » (611) . و نقله جماعة من مجالس الصدوق (612) ايضا. و قد يستدل ايضا: بان الغسل الاول بعد اتمامه لا يرفع الحدث المتخلل بالبديهة، و
الصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه جميع الاحداث. و بان المتخلل لا بد له من اثر، و ليس هو الوضوء، اذ ليس هو مع غسل الجنابة، فهو
الغسل. و بانه ينقض حكم تمام الغسل ان صدر بعده، فينقض حكم البعض بالطريق الاولى.فلا
يكون لهذا الغسل حكم اباحة الصلاة، و الصحيح منه لا يخلو عنه البتة. و يرد على الاول: منع المقدمة الاولى اولا، فان احد المخالفين يقول برفعه
للعمومات، كما ياتي، و لا استبعاد فيه.و منع اطلاق الثانية ثانيا، فان المخالف
الآخر يقول بانه لا يرفع المتخلل. و على الثاني: منع وجوب الاثر لكل حدث حتى المتخلل اولا.و منع عدم كونه الوضوء
ثانيا، و لا يلزم من عدمه مع غسل الجنابة في الجملة عدمه معه مطلقا. و على الثالث: منع الاولوية المدعاة اولا.و منع ترتب الاباحة على كل غسل جنابة
صحيح ثانيا.و سند هذا الممنوع يظهر مما ياتي من ادلة المخالفين. خلافا للسيد (613) و المحقق (614) و اكثر الثالثة، و منهم: والدي العلامة، فقالوا بانه
يتم الغسل و يتوضا بعده. اما الاتمام: فلاصالة البراءة، و استصحاب الصحة الثابتة بعموم مثل قوله
في الجنب: «ما جرى عليه الماء فقد طهر» (615) و «كل شي ء امسسته الماء فقد نقيته » (616) . و اما الوضوء: فلعموم ما دل على ايجاب الاصغر اياه، خرج منه ما كان قبل غسل
الجنابة بالاجماع و الادلة، فيبقى الباقي. و ايضا: الاصغر لا يوجب الغسل فلا يعيد، فيجب الاتمام.و لا يرتفع ببقيته،
لعدم استقلالها بالرفع، فيتوضا. و يضعف الاول: باندفاع الاصل، و الاستصحاب: بما مر، بضميمة عدم القول بالصحة مع
الاعادة، فلا يتمه بل يعيد، و معها لا يتوضا بالبديهة. و الثاني: بان عدم ايجاب الاصغر للغسل لا يوجب عدم ابطاله لبعضه. و للقاضي (617) و الحلي (618) و الكركي (619) و بعض الثالثة (620) ، فقالوا بكفاية الاتمام، لصدق
الغسل، و كفايته باطلاق الامر به المستلزم للاجزاء، فلا اعادة، و استفاضة
النصوص بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا (621) ، خرج ما اذا احدث بالاصغر بعد
اتمامه بالاجماع، فيبقى الباقي. و يجاب عنه: بلزوم تقييد اطلاق الامر بما مر-كما هو القاعدة-فتجب الاعادة. مع ان (اطلاق) (622) النصوص النافية للوضوء معه يعارض عمومات ايجاب الاصغر للوضوء
بالعموم من وجه، و الترجيح للعمومات، بموافقة الكتاب، و عدم انصراف الاطلاق
الى مثل تلك الصورة النادرة. و توهم توقف موافقة الكتاب على عطف قوله تعالى: «و ان كنتم جنبا» على قوله: «اذا
قمتم » (623) ، و اما على العطف على الشرط المقدر او الجزاء المذكور فلا، اذ التفصيل
قاطع للشركة، فاسد، اذ تدل الآية-على جميع التقادير-على وجوب الوضوء على المحدث من
حيث هو محدث مطلقا، و مقتضى قطع الشركة عدم وجوب غير الغسل على الجنب من حيث هو
جنب، و هو كذلك، و لا ينافي ذلك وجوبه عليه من جهة اخرى. و منه يظهر عدم دلالة رواية محمد: ان اهل الكوفة يروون عن علي انه كان يامر بالوضوء
قبل الغسل من الجنابة.قال: «كذبوا على علي عليه السلام، ما وجدوا ذلك في كتاب
علي، قال الله تعالى: «و ان كنتم جنبا فاطهروا» » (624) على انتفاء الوضوء من الجنب
المحدث من حيث هو محدث، فان السؤال عن الامر بالوضوء قبل غسل الجنابة، و ظاهره
انه من حيث هو جنب. ثم المحتاط يعيد و يتوضا، سيما بعد نقض المعاد، و لو اتم و اعاد و نقض و توضا،
احتاط غايته.
فرعان:
ا: لو تخلل الحدث غير غسل الجنابة من الاغسال، يتم و يتوضا، سواء قلنا باجزائه عن
الوضوء ام لا. اما الاتمام: فللاصل و الاستصحاب المتقدمين الخاليين عن المعارض في
المقام، لاختصاص الرضوي (625) و قرينة-بقرينة السياق-بالجنب.مع ان الشهرة الجابرة
له في المورد غير محققة و لا محكية، بل الفاضل مع حكمه بالاعادة في الجنابة لم يحكم
بها هنا. و اما الوضوء: فلموجباته بعد الاصغر، الراجحة على ما ينفيه بعد كل غسل -بعد
التعارض-كما مر. ب: الارتماسي كالترتيبي في امكان التخلل، اذ الدفعة العرفية لا تنافيه. و توهم ان الغسل بعد ولوج الكل، فيحصل بآخر اجزائه و هو آني، فاسد، بل هو يحصل بكل
اجزاء الولوج، و هو تدريجي. و على هذا، فلو تخلله الحدث، تجري فيه الاقوال الثلاثة.و الحق فيه الاتمام،
للاستصحاب المتقدم.و الوضوء، لعموماته الراجحة-بما مر-على معارضها في الغسل.و
عدم الاعادة، للاصل، حيث ان سياق الرضوي و قرينه في الترتيبي. مع ان الشهرة الجابرة هنا غير معلومة، و عدم الفصل بين الترتيبي و الارتماسي
غير ثابت. و الاحتياط بالجمع بين الاعادة و الوضوء اولى، سيما مع نقض المعاد.
المسالة الثالثة:
لا يجب الوضوء مع غسل الجنابة للمشروط به و لو على المحدث بالحدث الاصغر قبله،
بالاجماع المحقق و المحكي عن جماعة من علمائنا الاخيار، و عمل الفرقة في جميع
الاعصار، و استفاضة الاخبار السالمة عن المعارض بانه لا وضوء معه و لا قبله و لا
بعده (626) ، التي منها ما يصرح بانه لا وضوء للصلاة مع غسل الجمعة و غيره (627) ، الشامل
للجنابة، او باجزائه عن الوضوء.بل في الرضوي: «غسل الجنابة و الوضوء فريضتان،
فاذا اجتمعا فاكبرهما يجزي عن اصغرهما» (628) . فاحتمال ان يراد من بعض تلك الظواهر انه لا وضوء مع غسل الجنابة اي للغسل، بمعنى
انه لا تتوقف تمامية الغسل عليه، فلا ينافي وجوبه للصلاة، او: لا وضوء معه من حيث انه جنب، فلا ينافي وجوبه من حيث هو محدث، غير ضائر. و لا يستحب معه ايضا على الحق المشهور، لنفي الوضوء معه او قبله او بعده، اي في
الشرع-كما هو الظاهر المتبادر من صدوره عن الشارع-في جملة من اخبارنا.و يؤيده
الحكم بكونه بدعة في جملة اخرى. ، و مال اليه المقدس الاردبيلي (630) ، لرواية الحضرمي:
كيف اصنع اذا اجنبت؟ قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضا وضوء الصلاة، ثم اغتسل » (631) . و رواية ابن ميسر، و فيها بعد السؤال من الرجل يريد ان يغتسل: «يضع يده و يتوضا و
يغتسل » (632) . و تردان بمرجوحيتهما عن الاخبار المعارضة لهما، باعتبار موافقتهما للعامة،
كما صرح بها الجماعة (633) و تستفاد من بعض المعتبرة (634) ، و هي مما توجب
المرجوحية قطعا. على ان الغسل في الثانية اعم من الجنابة، و التوضؤ غير صريح في الافعال
المعهودة الا على ان تثبت فيه الحقيقة الشرعية.بل و كذا في الاولى، لاحتمال ان
يراد بوضوء الصلاة المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين من المرفق، المستحبة قبل
غسل الجنابة. هذا في غسل الجنابة، و اما غيره من الاغسال المفروضة و المسنونة، ففي وجوب الوضوء
معه و عدمه-ان لم يكن للمكلف وضوء-قولان: الاول للاكثر، بل قيل: كاد ان يكون اجماعا (635) ، بل عن امالي الصدوق: كونه من دين الامامية (636) ، الا ان عبارته عن افادة الوجوب قاصرة. لاطلاق الآية، و عموم ما دل على وجوبه بحدوث احد اسبابه، بضميمة اصالة عدم اجزاء
غيره. و مرسلة ابن ابي عمير: «كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة » (637) و في اخرى: «في كل غسل وضوء
الا الجنابة » (638) . و صحيحة ابن يقطين: «اذا اردت ان تغتسل للجمعة فتوضا و اغتسل » (639) و تمام
المطلوب بالاجماع المركب. و الرضوي: «و الوضوء في كل غسل ما خلا غسل الجنابة، لان غسل الجنابة فريضة مجزية عن
الفرض الثاني، و لا يجزيه سائر الاغسال عن الوضوء، لان الغسل سنة و الوضوء فريضة،
و لا يجزي سنة عن فرض » الى ان قال: «فاذا اغتسلت لغير جنابة فابدا بالوضوء، ثم
اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فان اغتسلت و نسيت الوضوء توضا و اعد
الصلاة » (640) . و المروي في الغوالي عن النبي صلى الله عليه و آله: «كل الاغسال لا بد فيها من
الوضوء الا الجنابة » (641) . و الثاني للمحكي عن السيد (642) و الاسكافي (643) و جملة من افاضل المتاخرين، منهم:
المحققان الاردبيلي (644) و الخوانساري (645) ، و صاحبا المدارك و الذخيرة (646) ، و نسبه
في البحار الى اكثرهم (647) ، و اختاره بعض مشايخنا. للاصل، و للمستفيضة المصرحة بان الوضوء بعد الغسل او قبله بدعة، كصحيحة سليمان (648) ، و
رواية ابن سليمان (649) ، و مرسلة الفقيه (650) . و لصحيحة محمد: «الغسل يجزي عن الوضوء، و اي وضوء اطهر من الغسل » (651) . و في صحيحة ابن حكيم: «و اي وضوء انقى من الغسل و ابلغ » (652) . و مرسلة حماد: في الرجل يغتسل للجمعة او غير ذلك، ا يجزيه من الوضوء؟ فقال ابو عبد الله عليه السلام: «و اي وضوء اطهر من الغسل » (653) . و موثقة الساباطي: عن الرجل اذا اغتسل من جنابته او يوم جمعة او يوم عيد، هل
عليه الوضوء قبل ذلك او بعده؟ فقال: «لا، ليس عليه قبل و لا بعد، قد اجزاه الغسل.و
المراة مثل ذلك، اذا اغتسلت من حيض او غير ذلك، فليس عليها الوضوء لا قبل و لا
بعد، قد اجزاها الغسل » (654) . و مكاتبة الهمداني الى ابي الحسن الثالث: عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب:
«لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره » (655) . و المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة في غسل الحائض و المستحاضة و النفساء،
الآمرة فيها بالغسل ثم الصلاة (656) ، من غير تعرض فيها للوضوء مع كونها في مقام
الحاجة. و الايراد على الثلاثة الاولى: بانها متروك الظاهر، لاعتقاد الخصم استحباب
الوضوء و مشروعيته، مردود: بلزوم تقدير فيها-على القول بكون العبادات اسامي
للاعم، كما هو الحق-لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية قطعا، و المقدر كما يمكن ان
يكون قصد القربة، يمكن ان يكون قصد الوجوب. و عليها (657) مع المتعقبين لها: بفقد اللفظ الدال على العموم فيها، و انصراف
الغسل فيها الى المتبادر الغالب الذي هو غسل الجنابة، مردود: بعموم المفرد
المعرف كما عليه عملهم في جميع الموارد، و منع غلبة الجنابة جدا، سيما بحيث توجب
تبادره و انصراف المطلق اليه.كيف و غسل الجمعة و سائر الاغسال المسنونة، و غسل
الحيض و الاستحاضة لو لم تغلب على غسل الجنابة لم تقصر عنه البتة. و ورود امثالها في الرد على العامة لا يخصصها بالجنابة، لان ايجابهم الوضوء لا
يختص بها. و على البواقي: بضعفها اسنادا، مردود: بانه غير ضائر مع كونها في الاصول
المعتبرة، مع ان فيها الموثقة، و هي بنفسها حجة. و على الجميع: بان المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لاجله، و عدم توقف
تماميته عليه، فالمعنى: انه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل و في حصول المقصود منه
الى الوضوء، و ذلك لا ينافي توقف مثل الصلاة عليه، مردود: بانه خلاف الظاهر، كيف و
اطلاق نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب ايضا، و الحكم باجزائه عن الوضوء في
اخرى صريح فيما اذا كان مامورا بالوضوء. مع انه قد صرح في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة، و التخصيص بنفيه لها حين الغسل لا وجه
له. نعم، يرد على الثلاثة الاولى: ان كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي وجوبه
قبله-كما هو مذهب جماعة-كما ياتي. و اما قوله في المرسلة: «قبل الغسل » فيمكن ان يكون خبرا، و يكون الكلام فيها
جملتين، لا جملة واحدة. و على اخبار غسل الحائض و اختيها: ان الظاهر من سياقها الحاجة الى معرفة
الرافع للاحداث الثلاثة و بيانه، لا بيان غيره، و لذا لم يذكر فيها سائر شرائط
الصلاة من ستر العورة و الاستقبال و غيرهما. كما يرد على ما استدل به الاولون-مما يصرح بان في كل غسل وضوء-عدم دلالته على
الوجوب، ضرورة انه يحتاج الى تقدير، فالمقدر كما يمكن ان يكون ما يفيد الوجوب،
يمكن ان يكون ما يفيد المشروعية. و ظهور التركيب في ارادة الوجوب ممنوع.و لو سلم، فهو من باب النقل الحادث،
الذي يكون الاصل تاخره. فلم يبق من ادلتهم بعد العمومات، غير الصحيحة و الرضوي و النبوي. و هما و ان كانا بنفسهما غير معتبرين، الا انهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة،
سيما القديمة، بل الاجماع المنقول، يعدان من المعتبرة، بل لا يقصران عن الصحاح في
الحجية. فيقع التعارض بين هذه الثلاثة و بين الاخبار النافية للوضوء.و هي و ان كانت
راجحة من جهة المخالفة للعامة، و اكثرية الرواية التي هي الشهرة بين الرواة، و
الاحدثية، و كل ذلك من المرجحات المنصوصة، و لكن للثلاثة ايضا رجحانا من جهة
موافقة الآية التي هي من المرجحات القوية و عمل معظم الفرقة. مضافا الى ضعف ترجيح الاولى بمخالفة العامة: بان بعض الثانية ايضا كذلك، لنفي
الوضوء فيه عن غسل الجنابة، و هو لا يوافق مذهب العامة. و بالاشهرية: بمنع بلوغ الاكثرية حدا تثبت بها الاشهرية التي هي من المرجحات
المنصوصة. فيحصل التكافؤ بين الفريقين، و اذ لا قول بالتخيير في البين، ترفع اليد عن كل
من الصنفين، و تبقى الآية و عمومات موجبات الوضوء خالية عن المعارض المعلوم. هذا كله، مع ان الاخبار النافية، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة، و لعمل ناقليها،
خارجة عن حيز الحجية، و لمعارضة غيرها و تخصيص العمومات غير صالحة.فهي مع
الروايتين و الصحيحة عن المعارض سالمة، فيجب الاخذ بها، و القول بوجوب
الوضوء مع كل غسل غير الجنابة. و هل يجب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين (658) و الشيخين (659) و
الحلبيين (660) ، و اختاره بعض متاخري المتاخرين (661) ، للصحيحة، و الرضوي، و مرسلتي
ابن ابي عمير، و الفقيه المتقدمة (662) ، و ما يصرح بان الوضوء بعد الغسل بدعة (663) .و يؤيده
صدر صحيحة ابن حكيم، و رواية الحضرمي المتقدمتين (664) . ام يستحب؟ كما عن النهاية و المقنعة و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و
و ادعي عليه الشهرة (666) ، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم وجوبه (667) ، للاصل،
و بعض الاطلاقات.و هو الاقوى، لذلك. و يجاب عن الصحيحة: بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم، الا التقديم الذكري، و
هو له غير مفيد. و عن الرضوي: بالضعف الخالي عن الجابر في المورد. و عن المرسلتين: بعدم الدلالة على الوجوب-كما مر-مع ان في احداهما احتمالا آخر.
و عن قوله: «الوضوء بعد الغسل بدعة » : بما مر من احتمال كون ذلك مع قصد وجوب البعدية.
و عن البواقي: بعدم التاييد، كما هو ظاهر عند النظر الشديد.و الاحتياط لا ينبغي
تركه. و كيف كان، لا تعلق للتقديم بصحة الغسل، بلا خلاف كما قيل (668) ، للاصل.فلو اخره عمدا
اثم به-على القول بالوجوب-و صح غسله، و يتوضابعده لما يشترط به.