الفصل الثاني: في غسل الحيض
و الكلام اما في بيان دم الحيض و معرفته اثباتا و نفيا، او في احكام
الحائض. فها هنا بحثان:
البحث الاول: في بيان دم الحيض و معرفته.
و هو في العرف دم مخصوص سائل من المراة، بل قيل: انه المعنى اللغوي ايضا (1) -كما
ذكره بعض اللغويين (2) -للتبادر و اصالة عدم النقل. و ذلك الدم مما يقذفه الرحم بعد البلوغ، ثم تصير المراة في الاغلب معتادة
بقذفه في اوقات معلومة، قرره الله سبحانه لحكمة تربية الولد.فاذا حملت المراة،
صرفه الله تعالى الى تغذيته، فاذا وضعت الحمل، بدل الله سبحانه صورته الدموية
باللبنية-غالبا-لاغتذاء الطفل، فاذا خلت المراة من حمل و رضاع، بقي ذلك الدم بلا
مصرف، فيستقر في مكانه، ثم يخرج في الغالب في ايام متفاوتة بتفاوت المزاج
حرارة. و هو شي ء معروف بين الناس، له احكام كثيرة في علمي الاديان و الابدان، ليس
بيانه موقوفا على الاخذ من الشرع، بل هو كسائر الاحداث كالمني و البول و
غيرهما، بل باقي موضوعات الاحكام التي ليست معرفتها متوقفة على بيانه.بل متى
تحقق و عرف، تعلقت به احكامه الشرعية، و ان خلا عن اوصافه الاغلبية. كما تترتب احكام المني عليه بعد معرفته و ان لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من
اوصافه الغالبة.و ان لم يتحقق وجوده، يحكم بمقتضى الاصل الذي هو المرجع، كما في
سائر الموارد. نعم، لما كان لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية، كدم الاستحاضة و القرحة و
العذرة، و لم تكن له خاصة لازمة غير منفكة عنه ظاهرة لكل مكلف بدون بيان الشرع يميزه كل
احد بها عن سائر مشاركيه، دعا ذلك الشرع الى تعريفه اثباتا او نفيا، و بيان
الدم الذي تتحيض به المراة، و الذي لا تتحيض به. فذكر له خواص و لوازم اما غير منفكة او اغلبية، و بين اقسام النساء، و الدم
الذي تتحيض به كل منهن، و الذي لا تتحيض به. و نحن نذكر ما يتعلق بذلك المطلب في مقامين:
المقام الاول: في بيان لوازم دم الحيض
، و هي امور: منها: انه لا يكون قبل كمال تسع سنين.فكل دم كان قبله، ليس حيضا اجماعا محققا و
محكيا (3) .و في المعتبر: انه متفق عليه بين اهل العلم (4) .و في المنتهى: انه مذهب
العلماء كافة (5) . و هو فيه الحجة، مضافا الى الموثقة و الرواية الآتيتين.و مقتضاهما كون
التحديد تحقيقا، كما هو ظاهر الاصحاب.فاحتمال التقريب-كما عن نهاية
الاحكام (6) -غير صحيح. ثم ان جعلهم الحيض دليل البلوغ انما هو في مجهولة السن، مع كون الدم بوصفه
الآتي، فاشتراطه باكمال التسع لا ينافيه. و منها: ان لا يكون بعد الياس.فكل ما كان بعده، لم يكن حيضا بالاجماعين (7) ايضا. فهو الدليل عليه، مع موثقة البجلي: «ثلاث يتزوجن على كل حال: التي يئست من
المحيض و مثلها لا تحيض » قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «اذا بلغت ستين سنة، فقد يئست
من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض » قلت: و ما تكون كذلك؟
قال: «ما لم تبلغ تسع سنين، فانها لا تحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم يدخل بها» (8) .
و روايته: «ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض » قال: قلت: و ما
حدها؟ قال: «اذا اتى لها اقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من
المحيض و مثلها لا تحيض » قال: قلت: و ما حدها؟ قال: «اذا كان لها خمسون سنة » (9) . ثم سن الياس هل هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية، مضافة الى صحيحة اخرى للبجلي:
«حد التي يئست من المحيض خمسون سنة » (10) و رواية البزنطي: «المراة التي قد يئست من
المحيض، حدها خمسون سنة » (11) و الى استصحاب وجوب العبادة و جواز المكث في
المساجد و سائر لوازم الطهر. او ستون؟ كما هو مقتضى الموثقة، مضافة الى مرسلة الكافي، التي ذكرها بعد رواية
البزنطي بقوله: «و روي ستون سنة ايضا» (12) ، و الى استصحاب كونها ممن تحيض و عدم
ياسها و بقاء الحكم بالعدة و توابع الزوجية، و العمومات الدالة على ان ما يكون بصفة
الحيض او تراه المراة في ايام العادة حيض (13) . او الثاني في القرشية، و الاول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن ابي عمير: «اذا بلغت المراة خمسين سنة، لم تر حمرة الا ان تكون من قريش » (14) و مرسلة المبسوط
في القرشية: «روي انها ترى دم الحيض الى ستين سنة » (15) . او الثاني في القرشية و النبطية، و الاول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين
مطلقات الخمسين و مرسلة المقنعة: «و روي ان القرشية من النساء و النبطية تريان الدم
الى ستين سنة » (16) . الاول مذهب الشرائع في كتاب الطلاق (17) ، و السرائر و المدارك (18) ، و عن نهاية الشيخ (19)
و جمله (20) و المهذب (21) ، للاخبار الثلاثة، و الاصول المتقدمة. و يجيبون اما عن اصول الستين: فبالاندفاع بما ذكر. و اما عن الموثقة و مرسلة الكافي: فبعدم المقاومة مع اخبار الخمسين، لترجيحها
عليهما بالاكثرية عددا، و الاصحية سندا، و الاوضحية دلالة، لكونها بالمنطوق، و كون
دلالتهما على عدم الياس بالخمسين بالمفهوم، و الاشهرية عملا -كما قيل-و
رواية-كما في النافع (22) -و بكونها اخص منهما، لانها تدل على حصول الياس بخصوص
الخمسين، و هما تدلان على عدمه بما دون الستين الذي منه الخمسون. و اما عن المراسيل الثلاث الاخيرة: فبعدم صلاحيتها لدفع الاصول و تخصيص
المطلقات، لضعفها بالارسال.مع ما في اولاها من القصور في الدلالة، من جهة عدم
التصريح بالستين و لا بالحيضية في القرشية. و الثاني مختار الشرائع في بحث الحيض (23) ، و مجوز المنتهى (24) ، و صريح والدي
العلامة-رحمه الله-في الكتابين، للاصول المتقدمة، و العمومات المذكورة الخالية
جميعا عما يصلح للمعارضة. و يجيبون اما عن اصول الخمسين: فباندفاعها بالعمومات، مع كون الاصول
الاولى مقدمة عليها، لكونها مزيلة لها. و اما عن الصحيح و الروايتين: فبسقوطها من البين، لمعارضتها مع الموثقة و
مرسلة الستين، و بطلان الوجوه المرجحة لها عليهما.اما غير الاخير: فلعدم
صلاحيتها للترجيح، كما بين في الاصول. مع ان ما ذكروه في الترجيح باعتبار السند انما هو الاصدقية و الاعدلية، دون
الامامية التي هي مادة اختلاف السندين هنا. و الاشهرية المدعاة في العمل ممنوعة. و دعواها من بعضهم معارضة بدعوى الاكثر اياها في احد التفصيلين، و بعضهم في
الآخر، كما ياتي.و في الرواية غير ثابتة.و دعوى النافع لا تثبتها، مع جواز ان
يكون مراده مجرد الاكثرية في العدد. و اما الاخير: فلانه لا يتم في تعارض اخبار الخمسين مع مرسلة الستين، اذ
معناها المستفاد من ذكرها بعد خبر البزنطي، ان حد الياس ستون.مع انه كما ان
مفهوم الموثقة عام، كذلك منطوق الاخبار الثلاثة، لدلالته على ان حد الياس
اذا كان لها خمسون سنة، و هو اعم من ان تكون لها زيادة ايضا. و ايضا: ليس تعارضهما بالمنطوق و المفهوم فقط، بل يتخاصم منطوقاهما ايضا
بالتساوي، فان مدلول المنطوق الاول، بل صريحه ان حد الياس ستون سنة، بل
المتبادر من نحو قوله: «اذا بلغت ستين يئست من المحيض » ان الياس ببلوغها
يحدث، و مدلول الثاني انه خمسون.و ذلك عين التخاصم و التنازع، فيتعارضان و
يتساقطان. و اما عن المراسيل الثلاث: فبما مر، مضافا الى عدم كون الحمرة المنفية في
الاولى صريحة في الحيض، و عدم منافاة الاخيرتين منها للمطلوب الا بمفهوم
الوصف الضعيف. و الثالث عن الصدوق (25) و المبسوط (26) ، بل اكثر كتب الشيخ (27) -طاب ثراه- و
استجوده في المعتبر (28) ، و نسبه في البحار و الحدائق الى المشهور (29) ، و في
التبيان و المجمع نسب حصول ياس القرشية بالستين الى الاصحاب (30) ، و هو ظاهر
في دعوى الاجماع، للمرسلتين. و يجيبون عن رواية النبطية: بعدم الثبوت.و عن مطلقات الخمسين و الستين:
بوجوب حمل المطلق و العام على المقيد و الخاص، و المرسلتان خاصتان و مقيدتان. و يدفعون الايراد عليهما بالضعف: بمنعه جدا.كيف؟ ! و هما منجبرتان بالشهرة
المحققة و المحكية، بل بظاهر دعوى الاجماع من الشيخين الجليلين: الطوسي و الطبرسي (31) .و مثله لا يقصر عن الصحاح، بل ربما يعد اقوى منها. مع ان ابن ابي عمير الراوي لاولاهما ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما صح عنه، و
صرحوا بكون مراسيله في حكم المسانيد. و بالقصور في الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين: بعدم القائل بالفرق.و من جهة
عدم الصراحة في الحيضية: بكونها ظاهرة فيها، و هو كاف. مع ان في المرسلة الثانية تصريحا بالحكمين.و من جهة عدم صراحة الحمرة في
الحيض: بمنعه.كيف مع ان المنفي ليس سوى الدمين: الحيض و الاستحاضة، و بعد توصيف
الاول في الروايات بالاحمر، و الثاني بالاصفر (32) ، يتعين ان المراد هو الاول،
مع ان العموم يكفي للمطلوب. بل لو سلم القصور من هذه الجهة ايضا لم يضر، اذ بعد ثبوت الستين للقرشية بمرسلة
المبسوط (33) ، يتعين تخصيص مطلقات الخمسين بها، فتصير خاصة بالنسبة الى مطلقات
الستين، و تخصص بها و يثبت المطلوب. و الرابع محكي عن ابني حمزة و سعيد، و اختاره الفاضل في القواعد (34) ، بل -كما قيل-في
اكثر كتبه (35) ، و ذهب اليه الكركي (36) ناسبا له الى المشهور، بل الى الاصحاب،
المؤذن بدعوى الاجماع، لمرسلة المقنعة (37) . و يدفعون الايراد عليها بالضعف: بالانجبار بدعوى الكركي.و يجيبون عن
المطلقات: بوجوب التقييد. اقول: كان ما ذكروه حسنا، لو لا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع دعوى اكثر منه
الشهرة على الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية ايضا، و اما معها فلا يحصل بها
انجبار، و يسقط لاجله ذلك القول. نعم، يبقى دعواها في القرشية، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض جابرة
للمرسلتين الاوليين، و تخصص بهما المطلقات كما مر، و يثبت بهما مقتضاهما
الذي هو القول الثالث، فهو الحق. فائدة: القرشية اعم من الهاشمية، و هي المنسوبة الى النضر بن كنانة، اما بالاب
كما عليه جماعة (38) ، اقتصارا على المتيقن، و استصحابا للتكليف و سائر لوازم
الطهر، و اتباعا لعموم وجوب العبادة. او مطلقا كما عليه اخرى (39) ، نظرا الى صدق كونها من قريش، كما في المرسلة الاولى،
و تحقق الانتساب اليه، كما في الاخيرتين، و استصحابا لكونها ممن تحيض، و
اتباعا لعمومات الرجوع الى التمييز و اعتبار ايام العادة.و هو الاقوى-و
لو كان الصدق و التحقق المذكوران عرفا محل التشكيك-للاصول المذكورة المزيلة
للاصول المتقدمة. و منه يعلم كفاية الانتساب الشرعي و غيره ظاهرا و ان لم يعلم الواقع. و اما احتمال القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف.لا لاصالة عدم
القرشية، لعدم حجيتها ان اريد بالاصل الظهور الحاصل من الالحاق بالاغلب، و
منعها ان اريد غيره.بل للاجماع المحقق. ثم المعروفات منهن في هذا العصر منحصرات في الهاشميات فعليهن الحكم. و اما النبطيات فلا يعرفن في هذا الزمان اصلا، فهو قد كفانا مؤونة الاشتغال
بتحقيق معناها. و منها: انه حار اسود عبيط يخرج بدفع و حرقة-اي لذع لاجل الدفع و
الحرارة-بالاجماع و المستفيضة. منها: حسنة البختري عن المراة تستمر بها الدم فلا تدري حيض هو او غيره، قال،
فقال لها: «ان دم الحيض حار عبيط اسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة اصفر
بارد، و اذا كان للدم دفع و حرارة و سواد فلتدع الصلاة » (40) . و مرسلة (41) جميل و فيها: «و ان اشتبه فلم يعرف ايام حيضها فان ذلك لا يخفى، لان
دم الحيض دم عبيط حار، و دم الاستحاضة دم اصفر بارد» (42) . و صحيحة ابن عمار: «ان دم الاستحاضة و الحيض ليسا يخرجان من مكان واحد، ان دم
الاستحاضة بارد، و ان دم الحيض حار» (43) . و موثقة ابن جرير: «دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة
دم فاسد بارد» (44) . و في موثقة اسحاق بن عمار في الحبلي: «ان كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين،
و ان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (45) . و في مرسلة يونس، الطويلة: «ان دم الحيض اسود يعرف » (46) . و المراد بالسواد هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد، كما هو المتبادر
في السواد المستعمل في الدماء المتايد بالمشاهدة و الاعتبار. و يشهد له: ما في مرسلة يونس «اذا رات الدم البحراني فلتدع الصلاة » ثم قال عليه
السلام: «و قوله البحراني شبه معنى قول النبي صلى الله عليه و آله: ان دم الحيض
اسود، و انما سماه[ابي]بحرانيا لكثرته و لونه » الحديث... دل على اتحاد المراد من الاسود و من البحراني المفسر في كتب اللغة (47) ، و
المعتبر، و التذكرة (48) ، بالحمرة الشديدة. فلا تنافي بين ما مر و بين ما وصف الحيض بالحمرة، كالمرسل الآتي في الحبلى
«ان كان دما احمر كثيرا فلا تصلي » (49) و غيره، و لا بين كلام من وصفه بالسواد فقط،
كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المنتهى و التبصرة و الارشاد (50) و
التلخيص و التحرير (51) و غيرها (52) ، و من وصفه بالحمرة كذلك، كما عن المقنعة (53) . نعم، في النافع خير بين الوصفين، و ظاهره الاختلاف بينهما (54) . و هو ليس بجيد، الا ان يحمل على تفاوت مراتب الحمرة. و قد يزاد في الوصف: الغلظة و النتن.و ليس عليهما دليل سوى المرويين في فقه الرضا
عليه السلام و الدعائم: الاول: «و تفسير الاستحاضة ان دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة، و دم الحيض الى
السواد و له غلظة، و دم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، و دم الاستحاضة بارد يسيل و
هي لا تعلم » (55) . و الثاني: «و دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق » (56) . و هما لضعفهما غير صالحين للاستناد و ان شهد لهما الاعتبار. ثم ان مقتضى التوصيف في تلك الاخبار: ان الاصل ان كل ما انتفت فيه تلك
الاوصاف كلا او بعضا لم يكن حيضا. و بعبارة اخرى: كل ما كان حيضا كان متصفا بالاوصاف، كما ان مقتضى منطوق
الشرط في الحسنة (57) : ان الاصل ان كل ما وجدت فيه الاوصاف فهو حيض مطلقا، الا ما
دل دليل على خلافه في الكليتين، و يزاد الدليل على الكلية الاخيرة في صورة
الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء تلك الاوصاف عن المستحاضة في
المستفيضة (58) ، فان مفادها ان المتصف بها حينئذ حيض، الا اذا دل دليل على خلاف
ذلك. و بذلك يظهر ان الحق مع من حكم بكون اعتبار الاوصاف اثباتا و نفيا للحيض
اصلا لا يتخلف عنه الا بدليل (59) . و جعلها مميزات عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة (60) غير سديد، و غفلة عن منطوق الشرط. ثم ان المعتبر في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الاوصاف المتقدمة، و
لا يكفي البعض و ان اكتفي به في بعض الاخبار (61) ، لانه يكون اعم من الخبر
المستجمع للجميع، فيجب تقييده به. و منه يظهر انه لو اتصف حينئذ دم ببعض اوصاف كل من الحيض و الاستحاضة، كان
يكون حارا اصفر، او باردا اسود، تتعارض فيه الاخبار المميزة بالوصف، فلا
يعمل بها فيه، بل يرجع الى القواعد الاخر. و منها: انه يكون منغمسا في القطنة، و هذا انما يعتبر مع اشتباهه بدم العذرة،
فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس، و بالعذرة مع التطوق. وفاقا للاكثر في الحكمين، لصحيحتي زياد (62) ، و خلف (63) ، و الرضوي (64) ، المصرحة جميعا
بهما. و خلافا لظاهر الشرائع، و النافع، و صريح المعتبر (65) و محتمل المقنعة (66) في الاول،
فتوقفا فيه. و لا وجه له بعد صراحة الاخبار المعتبرة المعمول بها عند الاكثر.مع ان مورد
المسالة انما هو صورة الاشتباه، و هو لا يكون الا مع امكان الحيضية اما
باستجماع الاوصاف ان قلنا باشتراطه في الامكان او بدونه ان لم نقل به، فيثبت
الحكم اما باخبار اعتبار الاوصاف، او بالقاعدة المسلمة عندهما من ان ما
يمكن ان يكون حيضا فهو حيض الا ما خرج بالدليل، فلا مجال للتوقف. و منه يظهر بطلان توجيه كلامهما: بان الدم ربما لا يستجمع الشرائط (67) ، فان
الشرائط ان كانت معتبرة فلا يكون حيضا قطعا، و لا يحصل الاشتباه، و الا فلا يوجب
عدمها التوقف. و قد يجوز عدم مخالفتهما، و يوجه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس
باتكالهما على فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة، فاذا تميز دم العذرة
بمميزه، فيرتفع الاشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض (68) . و هو انما يتاتى في غير كلام المعتبر، و اما فيه-فلتصريحه بالتوقف في الحكم
بالحيضية-فلا. ثم ظاهر اطلاق احدى الصحيحتين (69) كفاية وضع القطنة و اخراجها باي نحو اتفق، و لكن
الاخرى (70) قيدته بالوضع و الصبر هنيئة ثم اخراجها هنيئة، و العمل بها احسن لتقييدها.
و اما ما ذكره بعضهم (71) -من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين و ادخال
الاصبع-فلم نعثر على حجة له و ان نسبه الى الاخبار، و لعل نظره الى اخبار
القرحة (72) ، و الله اعلم. و منها: الخروج عن الايسر، و هو معتبر عند الاشتباه مع دم القرحة فيحكم
بالحيضية معه و بالقرحة مع الخروج عن الايمن.وفاقا للفقيه، و نهاية الاحكام، و
السرائر، و البيان، و القواعد، و الارشاد، و التذكرة (73) ، و عن المقنع، و المقنعة، و
المبسوط، و المهذب (74) ، و الاصباح، و الوسيلة، و الجامع، و النهاية (75) ، و التلخيص،
بل الاكثر، كما ذكره في التذكرة (76) ، و جمع ممن تاخر (77) . لمرفوعة ابان، المروية في التهذيب، و فيها: «مرها فلتستلق على ظهرها، ثم ترفع
رجليها، ثم تستدخل اصبعها الوسطى، فان خرج الدم من الجانب الايسر فهو من
الحيض، و ان خرج من الجانب الايمن فهو من القرحة » (78) . و الرضوي: «و ان اشتبه عليها الحيض و دم القرحة فربما كان في فرجها قرحة،
فعليها ان تستلقي على قفاها و تدخل اصبعها، فان خرج الدم من الجانب الايمن
فهو من القرحة، و ان خرج من الجانب الايسر فهو من الحيض » (79) . و بالشهرة-كما مرت-ينجبر ضعفهما، كما ان الاخيرة بها و بالاحدثية-التي هي من
المرجحات المنصوصة-تترجح على مرفوعة ابان، المروية في الكافي (80) بالعكس، ان قلنا
بتعدد روايتي الكافي و التهذيب او باتحادهما مع سقوط نسخة التهذيب بترجيح
الكافي عليها باضبطيته و اقدميته او باضطراب نسخه حيث انه نقل عن ابن طاووس
توافق نسخ التهذيب القديمة للكافي (81) ، و عن الذكرى موافقة كثير من نسخه له (82) . و اما ان قلنا باتحادهما و ترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة، و مطابقتها
لعبارة الصدوق-التي قالوا: هي متون الاخبار-و فتوى المفيد، و شهادة بعض النسوة
المتدينة بذلك، كما ذكره بعض مشايخنا (83) ، او بتكافئهما، فلا يكون للاخيرة
المنجبرة معارض، لسقوط نسخة الكافي، اما بالمرجوحية، او بالتكافؤ، و بقاء
الاخيرة بلا معارض. ، و المحكي عن الاسكافي (85) ، و البشرى (86) ، و الذكرى، و الدروس (87) ،
فعكسوا، لمرفوعة الكافي و ترجيحها على ما في التهذيب بما مر. و يضعف: بانه لو سلم ترجيحها عليه فلا نسلم ترجيحها على الرضوي، بل الرجحان له
كما عرفت. و للمعتبر و ظاهر المنتهى (88) ، و المقدس الاردبيلي (89) ، و المدارك (90) ، و والدي العلامة، و
جمع آخر من متاخري المتاخرين (91) ، بل نسبه والدي الى اكثر المتاخرين، فلم
يعتبروا الجانب بالمرة. لاضطراب متن الحديث و اختلافه، مع ترجيح كل من الروايتين بوجه كما مر، و
مخالفة اعتبار الجانب للاعتبار، اذ القرحة تكون في كل من الجانبين و الحيض
محله الرحم، و هي ليست في الايسر، و فساد توهم كون وضع الرحم بحيث يستلزم خروج
الحيض من الايسر و دم القرحة من الايمن عند الاستلقاء، على ان النسوان لا يدركن
ذلك. قال والدي: كل امراة رايناها و سالناها اعترفت بعدم ادراك الجانب للخروج. و يضعف: بان غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب، و بقاء الرضوي خاليا
عن المعارض.و مخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة، فان الشرعيات تعبدية. و منها: انه لا يكون اقل من ثلاثة ايام و لا اكثر من عشرة، بالاجماعين في
الموضعين، و هو الحجة فيهما، مضافا الى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار
و يقطين و يحيى. الاولى: «ان اقل ما يكون الحيض ثلاثة ايام و اكثر ما يكون عشرة ايام » (92) . الثانية: «ادنى الحيض ثلاثة و اقصاه عشرة » (93) . الثالثة: «ادناه ثلاثة و ابعده عشرة » (94) و غيرها من الاخبار المتكثرة. و صحيحة ابن سنان المخالفة للثاني ظاهرا: «اكثر ما يكون الحيض ثمان و ادنى ما
يكون ثلاثة » (95) شاذة غير صالحة للحجية.مع ان ارادة اكثر العادات كما هو الواقع
ممكنة، بل لارادة اكثر الحيض مساوية، و لا يمكن ارادة ذلك في اكثرية العشرة و
اقلية الثلاثة، لانه ليس كذلك قطعا، كما ان المشاهدة به حاكمة. و في اشتراط التوالي في الثلاثة و عدمه-بكونها في جملة العشرة-قولان: الاول-و هو الاظهر-للمحكي عن الصدوقين في الرسالة، و الهداية (96) ، و الاسكافي (97) ، و
الجمل، و المبسوط (98) ، و السيد (99) ، و ابني حمزة و ادريس (100) ، و المعتبر، و المنتهى، و
القواعد، و البيان (101) ، و المحقق الثاني ناسبا له الى اكثر الاصحاب (102) كجماعة
من المتاخرين (103) بل نسبه بعضهم الى الشهرة العظيمة (104) . و استقرب والدي-رحمه الله-دعوى الاجماع عليه. للرضوي الصريح المنجبر ضعفه بالشهرتين: «و ان رات يوما او يومين فليس ذلك من
الحيض ما لم تر ثلاثة ايام متواليات » (105) مضافا الى استصحاب عدم الحدث. و الايراد على الاول: بانه خرج مخرج الغالب دون الكلي، و الا لكان منافيا لقوله
عليه السلام قبل ذلك: «فان رات الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة
ايام بيض فهو ما بقي من الحيضة الاولى » (106) مندفع بعدم منافاة قوله السابق له
الا بالاطلاق، و هو لا ينافي ارادة الكلية من قوله اللاحق، لوجوب تقييد السابق
باللاحق. و قد يستدل ايضا: بعمومات التكليف بالعبادة، فلا يخرج منها الا ما علم. و باصالة عدم تعلق احكام الحائض بها. و بثبوت العبادة في الذمة باليقين فلا يسقط الا مع اليقين بالمسقط، و لا يقين
حين فقد التوالي. و بتبادره من مثل قولهم: اقل الحيض ثلاثة. و الكل منظور فيه، لا لما اورد على الاول: بان العمومات مخصصة قطعا بما دل على
حرمة العبادة على الحائض، فهي ايضا مخصوصة بغير الحائض، و لا يدري ان تلك المراة
داخلة في العمومات او الخصوصات. و على الثاني: بانه معارض باصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة. و على الثالث: بالمنع من ثبوتها في الذمة، فانه اول الكلام، بل مقتضى الاصل
عدم التعلق. و على الرابع: بانه لو تم في الثلاثة، لزم مثله في العشرة، لاشتراكهما في
الاطلاق في اخبار المسالة. لانا نجيب عما اورد على الاول بان تخصيص العمومات انما هو بالحائض
المعلوم حيضها اجماعا، بل هي المراد من الحائض قطعا، لان الالفاظ و ان كانت
اسامي للمعاني النفس الامرية الا انها مقيدة بالعلم هنا اجماعا، بل في مطلق مقامات
التكاليف. و عما اورد على الثاني: بانها لو كانت حائضا، لحرمت عليها العبادات المشروطة
بالطهارة ايضا لاجل انها حائض، و هذا ايضا تكليف بترك العبادة من هذه الجهة،
و الاصل عدمه، فالتكليف بالعبادة متحقق اما بالفعل او الترك، و الاصل عدم كل
منهما، فيتعارضان، و تبقى اصالة عدم تعلق احكام الحائض كحرمة الوط ء و المنع عن
المسجد و العزائم و نحو ذلك خالية عن المعارض. و عما اورد على الثالث: بان للمستدل ان يتمسك بالاستصحاب في صورة رؤيتها
الدم بعد دخول الوقت و مضي مقدار الطهارة و الصلاة، و الحاق غيرها بعدم القائل
بالفرق، الا ان يعارض ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت. و عما اورد على الرابع: بان خروج العشرة بالاجماع او دليل آخر عن معناه
المتبادر لا يوجب خروج غيرها ايضا.مع انهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة
ايضا، و لا يجعلون النقاء المتخلل في العشرة طهرا، غاية الامر انه لا يلزم عندهم في
العشرة المتوالية رؤية الدم كل يوم. بل لاندفاع الثلاثة الاولى: بان ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد رؤية
الدم، و هكذا المبتداة بالمعنى الاعم عند جماعة (107) ، فالعمومات بهذه المراة
مخصصة و احكام الحائض بها متعلقة، و العبادات عنها ساقطة.فيبقى الكلام في تعلق
القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة، و لا شك ان الاصل عدمه المستلزم للحيضية
الموجبة لعدم اشتراط التوالي، بل يكفي لو منع ذلك الحكم في غير ذات العادة ايضا،
و يسقط الاستدلال، لان بثبوت الحيضية في ذات العادة يثبت في غيرها ايضا
بالاجماع المركب، و لا تفيد المعارضة بغير ذات العادة و التمسك بالاجماع
المركب فيها، اذ بتمامية المعارضة ايضا يسقط الاحتجاج بالاصول. و اندفاع الرابع اولا: بمنع التبادر، و لذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام
ثلاثة ايام ما لم يقيد بالتوالي. و ثانيا: بتوقف تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة و هو غير
معلوم، فلا تكون الثلاثة الاقل الا متوالية ابدا، و يرجع النزاع الى مجرد
اشتراط التوالي في رؤية الدم في الثلاثة الاولى و عدمه. و الحاصل: ان اشتراط التوالي في الاقل المنحصر قطعي مجمع عليه، و الخلاف في صورة
التجاوز عنه، و لا يكون الحيض حينئذ ثلاثة، بل اكثر، و مدلول قولهم: اقل الحيض ثلاثة:
انما هو في المنحصر. الثاني: للشيخ في النهاية و عن الاستبصار (108) ، و القاضي (109) ، و اليه ذهب جملة من
متاخري المتاخرين، منهم المحقق الاردبيلي، و الفاضل الهندي (110) ، و اختاره جماعة
من مشايخنا الاخباريين (111) . لكون ما يمكن ان يكون حيضا و ما يشمل على الاوصاف و ما يقع في العادة حيضا. و لحسنة محمد: «اذا رات المراة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاولى، و ان كان
بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (112) و قريبة منها موثقته (113) . دلتا على انه متى رات المراة الدم بعد ما راته اولا سواء كان الاول يوما او
ازيد، فان كان قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى. و مرسلة يونس و فيها: «و ان انقطع الدم بعد ما راته يوما او يومين اغتسلت و صلت
و انتظرت من يوم رات الدم الى عشرة ايام، فان رات في تلك العشرة ايام من
يوم رات الدم يوما او يومين حتى تتم لها ثلاثة ايام فذلك الذي راته في
اول الامر مع هذا الذي راته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض » (114) الحديث. و الجواب عن غير الاخيرة: بان دلالته على المورد بالعموم، فيجب تخصيصه بما
مر، لما مر. و عن الاخيرة: بعدم حجيتها، لمخالفتها شهرة القدماء طرا.و لو سلمت فهي معارضة
للرضوي المتقدم (115) و الترجيح له من جهة الاحدثية، و لو سلم عدم الترجيح فيرجع
الى استصحاب عدم الحدث. و قد يجاب عن الحسنة و الموثقة: بمنع كون ما تقدم حيضا ما لم تتوال فيه الثلاثة،
فبدونه لا يكون حيضة حتى يكون الباقي من الحيضة الاولى. و فيه: ان معنى الحديث: ان الدم المرئي بعد انقطاعه و قبل العشرة بعض من الحيضة
الاولى، اي يجب جعل المجموع حيضا واحدا اوليا، و ذلك لا يتوقف على تسمية ما
سبق حيضا.و الحاصل: ان هذا حكم منه عليه السلام بالحيضية و الاولية معا، لا انه
حكم بالاولية خاصة حتى يتوقف صدقها على ثبوت الحيضية اولا. ثم على القول المختار: فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت
الكرسف تلوث و لو ضعيفا؟ كما عن المحقق الثاني في شرح القواعد (116) ، و ابن فهد في
المحرر (117) ، و الحلبي في معطى الكافي (118) ، و الغنية (119) ، و ابن سعيد، نافيا عنه الخلاف (120) ،
و ظاهر المبسوط انه مسلم عند القائلين بالتوالي (121) . ام يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة و ان لم يستوعبها؟ كما عن الروض (122) ، و
ظاهر الفاضل (123) ، و اختاره في المدارك، و عزاه الى الاكثر (124) ، و لكن ظاهر شرح
القواعد ندرة القول به حيث نسبه الى انه قد يوجد في بعض الحواشي (125) . ام يعتبر وجوده في اول الاول و آخر الآخر و جزء من الوسط؟ كما عن بعض
المتاخرين (126) ، و نفى الشيخ البهائي عنه البعد (127) . اقوال، اقواها: الاخير، لمثل قولهم عليهم السلام: «اقل ما يكون الحيض ثلاثة
ايام » . فانه لا يصدق على من رات في الدقيقة الاخيرة من اليوم الاول و الاولى من
الثالث، كما هو مقتضى القول الثاني، بل المتبادر منه عدم تحقق الحائضية في اقل
من ثلاثة ايام تامة. و اظهر منه في ذلك المعنى قوله في موثقة ابن بكير في المبتداة التي استمر بها
الدم: «ثم تترك الصلاة في المرة الثانية اقل ما تترك امراة الصلاة و تجلس اقل
ما يكون من الطمث، و هو ثلاثة ايام » (128) الحديث. فان المتبادر من ترك الصلاة و الجلوس ثلاثة ايام تركها و جلوسها ثلاثة
ايام تامة، لصحة السلب عن الاقل و لو بدقيقة. و بذلك يقيد اطلاق مفهوم الرضوي المتقدم (129) ، حيث انه يصدق رؤية الدم ثلاثة ايام
برؤية المسمى في كل يوم، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف و المظروف. و يسقط لاجله القول الثاني، فان مستنده ليس الا ذلك العموم، مع انه ضعيف و
انجباره في المقام غير معلوم. كما ان بعمومات الحكم بالحيض مع الاوصاف و في ايام العادة منضمة مع ما دل
على ان الطهر لا يكون اقل من عشرة يندفع اصالة عدم الحدث التي هي مستند القول
الاول، و يسقط لاجله ذلك القول ايضا.و لا دلالة لقوله عليه السلام في مرسلة يونس:
«فان استمر بها الدم ثلاثة فهي حائض » (130) عليه، لان مقابل ذلك الاستمرار
الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره. ثم هل يعتبر الثلاثة بلياليها كما عن الاسكافي (131) ، و المنتهى، و التذكرة (132) ؟ ام يكفي ما عدا الليلة الاولى كما احتمله بعض المحققين (133) ؟ ظاهر الدليل: الثاني، لصدق الثلاثة ايام، بل لو لا عدم الخلاف في دخول الليلتين
فيها لكان الاقتصار على النهار خاصة محتملا. و لو رآه اول الليلة الاولى لم ينقص لاجله من الثلاثة ايام شي ء البتة. و الظاهر عدم الخلاف في كفاية اليوم الملفق هنا، فلو راى اول الظهر من الاول
تمت الثلاثة باول الظهر من الرابع و لم يتوقف على تمامه، فتامل. و لنختم هذا المقام بمسائل ثلاث:
المسالة الاولى
: لا حد لاكثر الطهر على المشهور، بل بلا خلاف، كما عن الغنية (134) ، للاصل. و عن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة اشهر (135) .و حمل على الغالب (136) . و عن البيان (137) احتمال ان يكون نظره الى عدة المسترابة. و اقله عشرة ايام اجماعا قطعيا في المتوسط بين الحيضتين المستقلتين، و
محكيا (138) مستفيضا في مطلقه الشامل للمتخلل في اثناء الحيضة الواحدة، لاستفاضة
النصوص المعتبرة. منها: صحيحة محمد: «لا يكون القرء في اقل من عشرة ايام فما زاد، اقل ما يكون عشرة من
حين تطهر الى ان ترى الدم » (139) . و في مرسلة يونس: «ادنى الطهر عشرة ايام » و فيها ايضا: «و لا يكون الطهر اقل من
عشرة ايام » (140) . خلافا لبعض متاخري المتاخرين، فخص الحكم بما بين الحيضتين، و جوز كون
المتخلل في اثناء الحيضة اقل من عشرة (141) . لصحيحة محمد، المتقدمة، بجعل مبدا العشرتين فيها انقطاع الدم الاول، لكون
الثانية كذلك قطعا، و الا لزم اقلية الطهر المتخلل بين الحيضتين عن العشرة، و
هو باطل اجماعا، فلو لم يجعل الايام المتخللة في الحيضة الاولى طهرا لزم
زيادة الحيض عن العشرة في بعض الصور و هو محال، و التخصيص بغير ذلك خلاف الاصل.
و رواية البصري الواردة في المراة اذا طلقها زوجها (142) ، و التقريب فيها ايضا
كما تقدم. و مرسلة يونس و فيها: «اذا حاضت المراة و كان حيضها خمسة ايام ثم انقطع الدم
اغتسلت و صلت، فان رات بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة ايام
فذلك من الحيض تدع الصلاة » (143) الحديث. و الاخبار المصرحة بانه اذا انقطع الدم تستبرئ، فان كانت القطنة نقية فقد
طهرت (144) ، فانها شاملة بعمومها لما اذا عاد الدم قبل العشرة ايضا. و موثقة يونس بن يعقوب: المراة ترى الدم ثلاثة ايام او اربعة، قال: «تدع الصلاة »
قلت: فانها ترى الطهر ثلاثة ايام او اربعة، قال: «تصلي » قلت: فانها ترى الدم
ثلاثة ايام او اربعة، قال: «تدع الصلاة » قلت: «فانها ترى الطهر ثلاثة ايام او
اربعة، قال: «تصلي » قلت: فانها ترى الدم ثلاثة ايام او اربعة، قال: «تدع الصلاة، تصنع ما بينها و بين شهر، فان انقطع الدم عنها و الا فهي بمنزلة
المستحاضة » (145) . و موثقة ابي بصير: عن المراة ترى الدم خمسة ايام و الطهر خمسة ايام، و ترى
الدم اربعة ايام و الطهر ستة ايام، فقال: «ان رات الدم لم تصل، و ان رات
الطهر صلت ما بينها و بين ثلاثين يوما» (146) الحديث. و الرضوي: «و الحد بين الحيضتين القرء و هو عشرة ايام بيض، فان رات الدم بعد
اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة ايام بيض فهو ما بقي من الحيضة الاولى،
و ان رات الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثانية » (147) . و الجواب عن الاول: منع تعين كون مبدا الثانية الانقطاع، لجواز جعل مبدئهما
الرؤية و تخصيص الفقرة الثانية بما اذا تخللت عشرة طاهرة بين الحيضتين، و ليس
ابقاء هذه على العموم و تخصيص الاولى بما اذا لم يزد ايام الدمين على العشرة
اولى من عكسه. سلمنا وجوب جعل المبداين الانقطاع، و لكن نقول: ان الفقرة الاولى مخصصة قطعا بما
اذا لم تتجاوز ايام الحيض عن العشرة، و انما الكلام في تعيين ايام
الحيض، و مقتضى عمومات اقل الطهر كون مدة النقاء منها ايضا فلا يزاد تخصيص. نعم، لو كانت ايام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها و اوجبت حيضية
النقاء اخراج شي ء آخر ليتم التقريب، و ذلك كما اذا قال: اقتلوا المشركين، و علم
اخراج الكتابي، و لم يعلم اخراج المجوس لا يحكم بخروجه، و لو دل كلام على خروجه
بعمومه تعارض التخصيصان، اما لو دل كلام بعمومه على ان المجوس ايضا من
الكتابي فلا يتعارض التخصيصان، بل يحكم بخروج المجوس ايضا. هذا، مع انه لو سلمنا تعارض التخصيص و توقفنا، لزم الحكم بحيضية النقاء، للاستصحاب.
و لا تعارضه عمومات العبادة، لخروج الحائض الشرعي منها قطعا، و هذه حائض بالدليل
الشرعي الذي هو الاستصحاب.مع انه لا كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم
الثاني، لاصالة عدم رؤيته، و انما الكلام بعد رؤيته، و وجوب قضاء الصوم حينئذ
لثبوت كونها حائضا شرعا. لا يقال: قبل رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا، لاصالة عدم الرؤية، فيستصحب
هذا الحكم. قلنا: بعد رؤية الثاني و انتفاء اصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم المبني عليها كما
بين في موضعه. و مما ذكر يظهر الجواب عن الثلاثة المتعقبة للاول ايضا. و عن الخامس: بانه لا يدل الا على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في الثلاثة او
الاربعة، و هو كذلك، و لا يدل على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في الثلاثة او الاربعة
الثانية، و كذا في الثالثة، و هو ظاهر جدا. نعم، في الحديث اشكال من جهة اخرى، و لذا حمل ذلك و غيره مما بمضمونه على انها
تفعل ذلك لتحيرها و احتمالها الحيض عند كل دم و الطهر عند كل نقاء الى ان يتعين
، بل هذا هو مراد الشيخ في الاستبصار (149) مما حمل ذلك عليه و فسره
به. و من ذلك يعلم ان توقف الفاضل في المنتهى (150) في الفتوى بمضمونه على ما حمله في
الاستبصار عليه ليس توقفا في مسالة اقل الطهر المتخلل كما قد يتوهم (151) ، كيف و قد
صرح قبل ذلك بانها لو رات ثلاثة ايام ثم انقطع ثم رات اليوم العاشر او قبله
و انقطع كان الدمان و ما بينهما حيضا (152) و استدل عليه: باخبار اقل الطهر، و لا حمل
الشيخ عليه قولا بجواز اقلية الطهر المتخلل من العشرة. و عن السادس: بضعفه المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام، مع جريان
ما اجيب به عن الثلاثة الاول فيه ايضا.
المسالة الثانية
: في اجتماع الحيض مع الحبل و عدمه قولان: الاول-و هو الاظهر-للاكثر، منهم: الصدوقان (153) ، و السيد (154) ، و الشيخ في النهاية و
الخلاف و التهذيب و الاستبصار (155) ، و الاصباح، و الحلي (156) ، و المنتهى، و
التذكرة، و القواعد (157) ، و شرحه (158) ، و الدروس، و المدارك (159) .و مال اليه في المعتبر (160) ،
، بل في الناصريات الاجماع عليه (162) ، و هو قول
مالك (163) ، و الشافعي في القديم (164) . لاستصحاب الحالة السابقة، و العمومات المثبتة لحيضية الدم في النساء مطلقا
او مع الوصف او في ايام العادة. و خصوص المستفيضة: كصحيحتي ابن سنان و صفوان: الاولى: عن الحبلى ترى الدم ا تترك الصلاة؟ قال: «نعم » (165) . و الثانية: عن الحبلى ترى الدم ثلاثة ايام او اربعة ا تصلي؟ قال: «تمسك عن
الصلاة » (166) . و حسنة سليمان (167) و مرسلة حريز (168) و غير ذلك مما ياتي ذكر بعضه. و الثاني للشرائع (169) ، و عن المفيد (170) ، و الاسكافي (171) ، و التلخيص، و هو مذهب ابي حنيفة (172) ،
و احمد (173) ، و الشافعي في الجديد (174) ، و نسبه في التذكرة الى جمهور التابعين (175) . لاستصحاب عدم الحيضية. و لرواية السكوني: «ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل، يعني انها اذا رات الدم و هي
حامل لا تدع الصلاة الا ان ترى على راس الولد اذا ضربها الطلق و رات الدم تركت
الصلاة » (176) . و صحيحة حميد: عن الحبلى ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الايام و في الشهر
و الشهرين، فقال: «تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » (177) . و لانه يصح طلاقها مع رؤية الدم اجماعا، و لا شي ء من الحائض يصح طلاقه كذلك. و لان شرع الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه. و يرد الاول: بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الاسباب ايضا، مضافا الى
اندفاعه بما مر. و الثاني: بعدم الدلالة، لجواز ان يكون المراد حقيقته، و هو الاخبار عن عدم
الاجتماع فيما مضى و ان تخلف في الازمنة اللاحقة، كما ورد في اصل الحيض انه كان
قبل ذلك سنة. و يؤيده ما في بعض نسخ نوادر الراوندي-على ما في البحار-بعد ذكر قوله: «ما كان الله...» : «فاذا رات الدم و هي حبلى تدع الصلاة » (178) . و اما قوله: «يعني انها اذا رات...» فيمكن ان يكون من كلام الراوي، بل هو الظاهر،
فلا حجية فيه. مضافا الى معارضته مع الاخبار المتقدمة الراجحة عليه باعتبار الاحدثية و
المخالفة لاكثر العامة و الموافقة لمعظم الخاصة، مع انه على فرض
التكافؤيتساقطان و يرجع الى العمومات. و منه يظهر رد الثالث ايضا، مضافا الى عدم دلالته، لعدم استجماع ما راته
شرائط الحيض، لان الدفقة و الدفقتين لا تكون حيضا. لا يقال: وقوع الدفقة في الايام لا يكون الا بحصولها في جميعها، فتحصل الشرائط
اذا كانت متوالية، كما تشمله الرواية بترك الاستفصال. لان المراد بالايام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق، و مجازه يمكن ان
تكون الايام المعهودة، اي ايام الحيض، و رؤية الدفقة فيها تتحقق برؤية الدم
فيها دفعة واحدة. و الرابع: بمنع الاجماع، و لا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض مطلقا، كيف و يصح مع
غيبة الزوج! ؟ و الخامس: بمنع كون العلة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم الحمل، لامكان ان
يكون تعبدا او معللا بحكمة خفية لا نعلمها، كيف؟ لو كانت العلة ذلك لكفت حيضة واحدة في
جميع الموارد، و لم يشترط في بعضها حيضتان، و في بعضها الاكثر، و في بعضها
المدة. ثم على المختار هل يجتمع معه مع استبانة الحمل ايضا؟ او يشترط فيه عدم
الاستبانة؟ و تظهر الفائدة في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم، اذ لا ريب في
البناء على اصالة عدم الحمل بدون استبانته. الاول-و هو الاصح-لاكثر القائلين باجتماعه مع الحمل، لما تقدم، و خصوص مرسلة
محمد: عن المراة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك
الهراقة من الدم، ان كان دما احمر كثيرا فلا تصلي، و ان كان قليلا اصفر فليس
عليها الا الوضوء» (179) .و قريبة منها رواية ابي المعزا (180) . و الثاني للحلي (181) ، و عن الخلاف، و المبسوط (182) ، و نسبه في الاول الى الاكثر، و
في الثاني الى الاجماع، و صريح الاول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة، و يظهر
ذلك من المعتبر ايضا، حيث فسر قوله في النافع (183) : اشهرها انها لا تحيض: بانه مع استبانة الحمل. للاجماع المنقول في الخلاف، و الرضوي: «و الحامل اذا رات الدم في الحمل كما
كانت تراه تركت الصلاة ايام الدم، فان رات صفرة لم تدع الصلاة.و قد روي انها
تعمل ما تعمله المستحاضة اذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة، و العمل من خواص
الفقهاء على ذلك » (184) . و يرد الاول: بعدم الحجية، و كذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به اولا و
نسبته الى الرواية، و لو سلم فيعارض ما مر، و يرجع الى العمومات. ثم على المختار من الاجتماع مع الاستبانة ايضا فلا شك في كون الدم المتصف
بالاوصاف في ايام العادة حيضا، و يدل عليه الاجماع المركب، مضافا الى
الاخبار الدالة على حيضية كل من الدمين (185) . و انما الكلام في اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية، او الاتصاف خاصة، او
كونه في العادة كذلك، او احدهما لا بعينه، او لا يشترط شي ء منهما، بل المراة كحالة
عدم الحبل فتحيض بما تحيض به قبله، فيه احتمالات، و لم اعثر على مصرح
بالاول. و الثاني للصدوق، قال: و الحبلى اذا رات الدم تركت الصلاة، و ذلك اذا رات
الدم كثيرا احمر، فان كان قليلا اصفر فلتصل و ليس عليها الا الوضوء (186) . انتهى. و تدل عليه-بعد عمومات اعتبار الاوصاف (187) -مرسلة محمد، و رواية ابي المعزا،
المتقدمتان (188) . و موثقة اسحاق: الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين قال: «ان كان دما عبيطا
فلا تصلي ذينك اليومين، و ان كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (189) . و الثالث للشيخ في النهاية، و كتابي الحديث (190) ، و مال اليه في المعتبر، و المدارك،
و البحار (191) ، و لكنهم مع اثباتهم الحيضية لايام العادة نفوها عما تاخر عنها
بعشرين يوما، فسكتوا عما بينهما، و يظهر من بعضهم انهم يلحقونه بالعادة، و من
آخر انهم يلحقونه بما بعد العشرين. و كيف كان، فدليلهم عمومات حيضية ما تراه ايام العادة مطلقا. و صحيحة محمد: عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى ايام حيضها مستقيما في كل
شهر، فقال: «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها» (192) . و موثقة سماعة: عن امراة رات الدم في الحمل، قال: «تقعد ايامها التي كانت تحيض،
فاذا زاد الدم على الايام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة ايام ثم هي
مستحاضة) (193) . و صحيحة الصحاف: «اذا رات الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي
كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فان ذلك ليس من الرحم و لا
من الطمث فلتتوضا و تحتشي بالكرسف و تصلي، و اذا رات الحامل الدم قبل الوقت
الذي كانت ترى فيها الدم بقليل او في الوقت من ذلك الشهر فانه من الحيضة،
فلتمسك عن الصلاة عدد ايامها التي كانت تقعد في حيضها» (194) الحديث. و الرابع لوالدي العلامة في اللوامع، و المعتمد، و يظهر من بعضهم (195) ذهاب بعض آخر
اليه ايضا. لخلو اخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقدة له في غير ايام
العادة عن المعارض، فيحكم به قطعا، و يحصل التعارض بين تلك الاخبار و بين ما
يدل على حيضية ما في العادة في الحبلى او مطلقا في الخالي عن الوصف في ايام
العادة و المتصف به في غيرها، فيرجع الى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل، و
لازمه الحكم مع احد الامرين من الاتصاف بالاوصاف و مصادفة العادة. و لدفع توهم ايجابه خرق المركب قال والدي-رحمه الله-: ان الظاهر ان اطلاق كلام
الاكثر في غير وقت العادة مقيد بوجود الاوصاف، و لذا صرح الكل بموافقة الصدوق
للمشهور مع تصريحه باعتبار الصفة، بل المشترط للعادة لا ينكر كون ما ترى في غير
وقتها حيضا اذا وجدت فيه اوصافه.انتهى. و الخامس لظاهر اكثر الموافقين في الاجتماع، لعموماته. اقول: لا يخفى ان خلو اخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقد له في
غير ايام العادة عن المعارض مطلقا يخصص تلك العمومات قطعا، و لازمه عدم حيضية
الخالي عن الوصف في غير ايام العادة، فالحكم به لازم و القول الخامس ساقط. و اما اختيار الرابع، و الرجوع في الخالي عن الوصف في الايام او المتصف
في غيرها الى عمومات الاجتماع-بعد تعارض اخبار اعتبار الوصف في الحبلى و
اخبار حيضية ما في العادة فيها و اشتغال كل منهما بالآخر-انما كان تاما لو
كانت تلك العمومات كسائر عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر
ايضا. و لكنه تعارضها في المورد الاول اخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا، فانها
اعم من وجه من عمومات الاجتماع. و لا يفيد تخصيصها باخبار حيضية الصفرة و الكدرة في ايام العادة (196) ، لان القدر
المعلوم التخصيص في غير الحبلى، و اما فيها-فلمعارضة اخبار حيضية الصفرة
مطلقا مع اخبار عدمها في الحبلى-فلا، كما تعارض اخبار اعتبار الوصف في
الحبلى سائر عمومات التحيض. و في المورد الثاني اخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا (197) او في الحبلى
كصحيحة الصحاف (198) ، فتتساقط الاخبار من الطرفين، فيبقى الحكم في الموردين
خاليا عن المستند. و اصالة عدم تعلق احكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو مقتضى القول
الاول، فهو الاقرب الا في ايام الاستظهار الثابت للحبلى بموثقة سماعة،
المتقدمة (199) و ما بينها و بين العشرة في صورة عدم التجاوز، فيحكم بالحيضية كما
في غير الحبلى، لاستصحابها. و توهم ايجابه خرق المركب فاسد، لانه في امثال المقام غير ثابت. هذا في المعتادة، و اما غيرها فالمناط فيه الاوصاف.فالمتصف حيض، لاخبار
اعتبارها مطلقا او في خصوص الحبلى، مضافة الى عمومات الاجتماع، الخالية
جميعا عن المعارض.و غيره ليس بحيض، للاخبار النافية لحيضيته المخصصة لعمومات
الاجتماع، فتامل.
المسالة الثالثة
: اختلفوا بعد اتفاقهم على ان الاصل في كل دم اتصف بصفة الحيض او وجد في ايام
العادة كونه حيضا-كما هو مدلول المستفيضة المعتبرة-في غيرهما. فالمشهور: ان كل دم يمكن شرعا-اي لا يمتنع بحكم الشارع-ان يكون حيضا فهو حيض، بل
في المعتبر، و المنتهى، و شرح القواعد للمحقق الثاني (200) ، الاجماع عليه. للاجماعات المنقولة.و اصالة عدم كونه من قرح و مثله. و حسنة ابن مسلم و موثقته، المتقدمتين (201) ، فانهما شاملتان لجميع الدماء سوى
ما ترى في الايام الزائدة على العشرة الاولى و الناقصة عن عشرة الطهر، و هو مما
يمتنع كونه حيضا. و ما دل على ان الدم مطلقا-قبل وقت الحيض كذلك (202) كموثقة سماعة (203) ، او الصفرة
قبله كذلك كرواية علي بن ابي حمزة (204) و غيرها، او بيومين كصحيحة ابن حكيم (205) و
غيرها-حيض. و ما دل على ترتب احكام الحائض على مجرد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم «اي ساعة
ترى الدم فهي تفطر» (206) . و موثقة محمد: في المراة ترى الدم من اول النهار في شهر رمضان ا تفطر ام
تصوم؟ قال: «تفطر انما فطرها من الدم » (207) . و رواية ابي الورد: عن المراة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلت ركعتين ثم ترى
الدم، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين » (208) الحديث.و في معناها احاديث
عديدة. و فحوى اخبار الاستظهار لذات العادة اذا رات ما زاد عليها (209) الشامل
لغيرها بطريق اولى. و لانه لو لم يعتبر الامكان لم يحكم بحيض، اذ لا تعين، و الصفات انما تعتبر عند
الحاجة اليها لا مطلقا. و يؤيده ثبوت الحكم في كثير من جزئيات موارد الامكان، كما في حال الحمل و
التمييز و ايام العادة و غيرها. ، و الاردبيلي، و المدارك (211) ،
فصرحوا بان الصفرة في ايام الطهر طهر، و ظاهر الاول الاجماع عليه. للاصل، و استصحاب لوازم الطهر، و عمومات العبادة. و مرسلة يونس و فيها: «و كل ما راته بعد ايام حيضها فليس من الحيض » (212) . و صحيحة محمد و فيها: «و ان رات الصفرة في غير ايامها توضات و صلت » (213) . و صحيحة البجلي: عن امراة نفست فمكثت ثلاثين يوما او اكثر، ثم طهرت و صلت،
ثم رات دما او صفرة، قال: «ان كانت صفرة فلتغتسل و لتصل و لا تمسك عن الصلاة » (214) .
و في موثقة الجعفي: «و ان رات صفرة بعد انقضاء ايام قرئها صلت » (215) . و ما مر من الاخبار الدالة على انتفاء الحيضية بانتفاء الاوصاف (216) . و المروي في قرب الاسناد و المسائل: «و لا غسل عليها من صفرة تراها الا في ايام
طمثها» (217) . و في دعائم الاسلام: «في المراة ترى الدم ايام طهرها ان كان دم الحيض فهو
بمنزلة الحائض و عليها منه الغسل، و ان كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان
تتوضا و تصلي و ياتيها زوجها» (218) . و هو الحق، لما ذكر. و يجاب عن ادلة المخالف: اما عن الاول: فبعدم حجية الاجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء الفحول، على
انهم لم يدعوه الا على حيضية ما يمكن ان يكون حيضا اي شرعا، و الامكان في ايام
الطهر مع عدم الوصف ممنوع جدا، كيف و قد وردت النصوص على عدم حيضيته. و اما على الثاني: فبمعارضته باصالة عدم كونه حيضا، و كون الاصل في دماء
النساء الحيضية ممنوع، و خلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه، فان الخلق غير القذف، و
الدماء الاخر موجودة فيهن ايضا. و اما عن الثالث-فمع ان دلالته انما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية، و اما
اذا كان المراد بيان الاولية و الثانوية كما عليه حمله الاكثر كما مر فلا
يدل الا على بعض الموارد الجزئية-انها عامة بالنسبة الى ما ذكر، فيجب تخصيصه
به. و به يجاب عن الرابع و الخامس، مضافا في الاول الى انه انما يتضمن الحكم
في بعض الجزئيات و هو قبل الحيض، و مع ذلك يتضمن خلافه في البعض الآخر و هو ما
بعد الحيض. و اما عن السادس: فبمنع الاولوية. و اما عن السابع: فبمنع انتفاء اليقين الشرعي، و منع تخصيص اعتبار الصفات بما
ذكر. و اما عن المؤيد: فبانه-مع كونه قياسا-يعارض بانتفاء الحكم في كثير من
الموارد الاخر، كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة، و في الاقل من ثلاثة
ايام و الاكثر من عشرة و غير ذلك.
المقام الثاني: في بيان اقسام النساء
، و الدم الذي تتحيض به كل منهن، و الذي لا تتحيض به. و اقسامهن على ما يستفاد من اخبار الباب اربعة: المبتداة: و هي التي ابتدات
الحيض او ابتداها (219) . و المضطربة: و هي من لم تستقر لها عادة. و ذات العادة و هي من استقرت عادتها في الحيض و عرفتها. و الناسية: و هي التي استقرت عادتها و نسيتها. و المبتداة بالمعنى المذكور هي المبتداة بالمعنى الاخص، و قد يطلق على الاولى و
الثانية معا، و هي المبتداة بالمعنى الاعم، و المضطربة على ذلك الاطلاق تطلق
على الناسية، فتجعل الاقسام ثلاثة، و الامر لفظي. و ما قيل (220) من ظهور الفائدة في رجوع القسم الثاني الى عادة اهلها و عدمه فاسد جدا،
لعدم اناطة الحكم في النصوص بتلك الالفاظ اصلا. نعم، الظاهر ان منشا الاختلاف: الاختلاف في اتحاد احكام القسمين الاولين و
اختلافها، فمن سمى القسمين باسم واحد نظر الى اتحاد المضطربة بالمعنى الاول
مع المبتداة بالمعنى الاخص فيما يتعلق بها من احكام الباب، و هو اولى لذلك،
فتكون الاقسام الكلية المختلفة باختلافها في الاحكام ثلاثة: المبتداة و ذات
العادة و الناسية. و الكلام في كل منها اما في تحيضها او في قدر حيضها و وقته.
القسم الاول: المبتداة
الشاملة لمن كان ابتداء حيضها او بعده قبل استقرار العادة، و قد عرفت ان الكلام
فيها اما في تحيضها او في قدره، فها هنا موضعان:
الموضع الاول: في بيان تحيضها
يعني الحكم بكون دمها حيضا. فنقول: ان المبتداة بالمعنى الاعم اذا رات الدم ففي تحيضها بمجرد الرؤية
مطلقا فتترك العبادة، او استظهارها بفعلها حتى يستمر الى الثلاثة فتتحيض
كذلك، او الاول مع كون الدم بصفة الحيض خاصة، اقوال: الاول عن المبسوط، و الاصباح، و الجامع، و ظاهر المقنعة، و نهاية الشيخ (221) ، و
الوسيلة، و الذكرى (222) ، و نسب الى المنتهى، و المختلف، و نهاية الاحكام (223) ، و
كلماتها تحتمله. لاصالة عدم الآفة، و قاعدة ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض، و عموم النصوص
المستفيضة في التحيض بمجرد رؤية الدم (224) الناشئ عن ترك الاستفصال في اكثرها، و
خصوص بعضها في اول من تحيض (225) ، و الاخبار الدالة على التحيض برؤية الدم
المتصف (226) بضميمة عدم الفصل. و الثاني للسرائر، و المعتبر (227) ، و عن السيد (228) ، و الاسكافي (229) ، و الديلمي (230) ، و
الحلبي (231) ، بل الشرائع، و النافع، و القواعد، و الدروس، و البيان (232) ، و ان احتاط في
الاخيرين في تعلق التروك بمجرد الرؤية. لعمومات اوامر العبادة، فلا تسقط الا باليقين. و الثالث للمدارك و الذخيرة (233) ، لاخبار التمييز الدالة منطوقا او مفهوما على
ان ما ليس بصفة الحيض فليس بحيض، و ان ما تراه في اليوم و اليومين ان لم يكن
دما عبيطا تصلي ذينك اليومين كما مر (234) ، و مفهوم قوله: «اذا رات الدم
البحراني فلتدع الصلاة » (235) . و هو الحق، لما ذكر. و يجاب عن دليل الاول، اما عن الاصل: فبمنعه.و اما عن القاعدة: فبمنعها.و اما عن العمومات: فبوجوب تخصيصها باخبار التمييز لاخصيتها، مع
ان في بعضها ذكر رؤية الحيض و الطمث و عوده، و صدقه في المورد ممنوع. و اما عن الخصوصات المذكورة: فبعدم دلالتها، لمنع صدق من تحيض ما لم يستمر
دمها الى الثلاثة او كان بالصفة، مع انه لو سلم لتعارضت مع اخبار التمييز
بالعموم من وجه، فتتساقطان و يرجع الى اصالة عدم سقوط العبادات. و عن الاخير: بمنع عدم الفصل. مع انه قد ادعى في المدارك كون محل النزاع هو الدم المتصف بالاوصاف لا غيره، و هو
الظاهر من المنتهى (236) حيث انه بعد ما اختار قول الشيخ احتج باخبار التمييز، و
بان الاحتياط لو كان معتبرا في المبتداة لكان كذلك في ذات العادة، لعدم
الفارق. ثم اجاب عن ابداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود الظن فيه
ايضا، لان المظنون ان المراة البالغة اذا رات ما هو بصفة الحيض انه حيض، و
هذا كالصريح في كون محل النزاع هو الدم المتصف. و منه يظهر انه الظاهر من المختلف (237) ايضا، لانه صرح فيه بان مختاره فيه كما
اختاره في المنتهى، و لذا نسب في المدارك اليه التصريح باختصاص محل النزاع (238) . و القول بان الاحتجاج بالدليل الاخص لا يخصص الدعوى العامة، اذ لعله لدفع مذهب
الخصم و تتميم المطلوب بعدم الفصل (239) ، مقدوح: بانه خلاف الظاهر، مع ان وجه ظهور
كلامه في الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما يؤكده ظهورا كما ذكرنا. و استدلاله بقاعدة ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض غير ضائر، اذ الشان في تعيين
ما يمكن عنده، و لعله لا يرى غير المتصف من الافراد الممكنة، سيما مع تعريفه دم
الحيض بانه دم متصف بكذا و كذا. و منه يظهر امكان ان يكون الوجه في عدم التقييد اولا هو الاتكال على ما عرفوا به
دم الحيض، بل يظهر احتمال وجه لعدم تقييد اكثرهم العنوان بالمتصف ايضا، حيث
انهم عرفوا اولا دم الحيض مطلقا او مقيدا بالاغلب بذلك. ثم لو سلمنا عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال.و به يبطل الاجماع
المركب الذي ادعوه. نعم، ظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (240) الاجماع على عدم الفرق، و لكنه غير صالح
لاثبات الاجماع، لعدم حجيته. ثم بما ذكرنا ظهر الجواب عن دليل الثاني ايضا. ثم على المختار من عدم تحيضها برؤية الدم الغير المتصف هل تتحيض اذا
استمر ذلك الدم ثلاثة ايام ام لا؟ صرح بالاول الديلمي (241) ، و الحلي، و المنتهى (242) ، مدعيا عليه في الاخير انه مذهب
علمائنا اجمع، فان ثبت فهو، و الا ففيه تامل. و ظاهر المحكي عن المقنع، و المقنعة (243) : عدم كون الصفرة و الكدرة حينئذ حيضا، حيث حكما
بالاستبراء مع رؤيتهما.
الموضع الثاني: في قدر حيضها
و وقته بعد الحكم بكونها حائضا، و نبين هذا الموضع في مسائل:
المسالة الاولى
: اذا حكم بكونها حائضا اما برؤيتها الدم المتصف، او بالاستمرار الى
الثلاثة ان قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا ان لم يتجاوز العشرة و لو
لم يتصف بالصفة. لاستصحاب الحيضية.و موثقة سماعة: عن الجارية البكر اول ما تحيض، الى ان قال:
«فلها ان تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (244) . و موثقتي ابن بكير: اولاهما: «المراة اذا رات الدم في اول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة
عشرة ايام » (245) . و الاخرى: «في الجارية اول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة انها تنتظر
بالصلاة فلا تصلي[حتى يمضي]اكثر ما يكون من الحيض، فاذا مضى ذلك و هو عشرة
ايام فعلت ما تفعله المستحاضة » (246) . و حسنة محمد و موثقته المتقدمتين (247) . و لا تضر معارضة اخبار التمييز مع تلك الاخبار، لموافقة الاستصحاب مع هذه. و في حكم الدم: النقاء المتخلل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها،
باجماع جميع فقهائنا، كما صرح به بعض مشايخنا المحققين، بل جمع آخر منهم والدي
العلامة رحمه الله، لاستصحاب الحيضية، و عدم كون الطهر مطلقا اقل من العشرة، كما
مر (248) .
الثانية: لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها
و لم تر حتى مضى اقل الطهر من الانقطاع ثم راته يحكم بالحيضية المستقلة مع
الصفات، لا بدونها الا اذا استمر ثلاثة ايام ان قلنا بالاجماع على حيضيته. و الاكثر حكموا بالحيضية مطلقا، لبعض الاخبار (249) المعارضة بروايات التمييز،
و للبناء على ان ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض. و قد عرفت ما فيه (250) .
الثالثة: اذا تجاوز دمها العشرة
فان كان لها تمييز رجعت اليه على الحق المشهور، بل عليه الاجماع في المعتبر، و
التذكرة (251) ، و اللوامع، و عن الخلاف، و المنتهى (252) ، و اسنده في الكفاية الى
، و في الدروس الى ظاهرهم (254) ، لاخبار اعتبار الصفات اثباتا و
نفيا، و منها الدالة عليه في خصوص استمرار الدم (255) . و عن الصدوقين (256) ، و المفيد، و ابن زهرة (257) : عدم التعرض للرجوع الى التمييز. و عن الحلبي: رجوع المضطربة اولا الى نسائها، فان فقدن فالى التمييز، و
المبتداة الى نسائها خاصة الى ان تستقر لها عادة (258) . و لا دليل يعتد به لشي ء منها يصلح لمعارضة اخبار التمييز. و اما موثقة سماعة: عن جارية حاضت اول حيضها فدام دمها ثلاثة اشهر و هي لا تعرف
ايام اقرائها، قال: «اقراؤها مثل اقراء نسائها، فان كانت نساؤها مختلفات
فاكثر جلوسها عشرة ايام و اقله ثلاثة ايام » (259) الدالة بظاهرها على رجوع
المبتداة الى النساء اولا. ففيها: منع تلك الدلالة، اذ السؤال انما هو عمن لا تعرف اقراءها، و لا نسلم ان
صاحبة التمييز لا تعرفها، فهي واردة في غير ذات التمييز. و ظاهر الكفاية (260) التردد بين الرجوع الى التمييز و بين الرجوع الى الايام
الذي هو شانها حين فقد التمييز و النساء. بل ظاهر بعض مشايخنا الاخباريين (261) ترجيح الثاني، لقوله في مرسلة يونس، الطويلة:
«و اما السنة الثالثة فهي التي ليست لها ايام متقدمة و لم تر الدم قط و رات
اول ما ادركت و استمر بها، فان سنة هذه غير سنة الاولى-و الثانية، و ذلك ان
امراة يقال لها حمنة بنت جحش اتت رسول الله صلى الله عليه و آله، فقالت: اني
استحضت حيضة شديدة » الى ان قال: «تحيضي في كل شهر في علم الله ستة ايام او سبعة » (262)
الخبر. و موثقة سماعة، المتقدمة (263) ، و موثقتي ابن بكير: احداهما: «المراة اذا رات الدم في اول حيضها فاستمر تركت الصلاة عشرة
ايام، ثم تصلي عشرين يوما، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة
ايام و صلت سبعة و عشرين يوما» (264) .و بمضمونها الاخرى (265) . و يجاب عنها: بانها معارضة لاطلاقات التمييز بالعموم من وجه.و الترجيح
للاطلاقات، لاشهريتها رواية و فتوى، و اصحيتها سندا، و اعتضادها
بالاجماعات المستفيضة نقلا. هذا، مع ما في المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسالة، كما يدل
عليه قوله في آخرها: «و ان لم يكن الامر كذلك و لكن الدم اطبق عليها فلم تزل
الاستحاضة دائرة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنتها السبع، و الثلاث
و العشرون، لان قصتها قصة حمنة » الحديث. و ما في الموثقة من عدم المنافاة، اذ مع الرجوع الى التمييز يكون ايضا اكثر
الجلوس عشرة و اقله ثلاثة. و ما في الاخيرتين من عدم الحجية، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه و لو في فاقدة
التمييز ايضا كما ياتي، مع ان ثانيتهما ليست مروية عن امام. ثم انه يتوقف حصول التمييز على امور: الاول: ان لا ينقص المشابه للحيض عن الثلاثة مع تواليها و لا يزيد على العشرة،
لعموم ما دل على اعتبار الامرين في الحيض. و ليس في اطلاق ما دل على اعتبار الصفات مخالفة لذلك، لورودها في بيان الوصف
دون المقدار.و على فرض المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دل على اعتبارهما، لظاهر
الاجماع. و به يجاب عما في رواية يونس من ان المختلطة عليها ايامها تعرفها بالدم ما
كان من قليل الايام و كثيرها. و لو قطع النظر عن الاجماع و وجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع الى الاصل، و لا
شك انه مع عدم التحيض، لعمومات العبادة و اصالة عدم تعلق احكام الحيض بها. فتوهم عدم اعتبار هذا الشرط-كبعض مشايخنا الاخباريين (266) ، و نقله والدي-رحمه
الله-في اللوامع عن ظاهر المبسوط (267) -لا وجه له، فلا تمييز لفاقدته. و هل تتحيض ببعض ما زاد على العشرة مما يمكن جعله حيضا و بالناقص مع اكماله بما
في الروايات، ام لا بل يتعين الرجوع الى النساء او الروايات؟ فيه قولان: من عموم ادلة التمييز، و عموم الرجوع الى الامرين.و الاحتياط لا يترك. الثاني: عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا او مع النقاء المتخلل عن
اقل الطهر على الحق المشهور، بل قال بعض الاجلة (268) : انه لا خلاف فيه، لاطلاق ان اقل
الطهر عشرة. و لا يضره اطلاق اخبار التمييز، للرجوع الى اصالة عدم الحيضية بعد تعارضهما.و لا
الاخبار الدالة على جعل النقاء المتخلل الاقل من عشرة متكررا بين الدماء المتكررة
طهرا (269) ، لخروجها عن مورد المسالة الذي هو تفاوت الدمين بالاوصاف، مع انه قد
مر الجواب عنها في مسالة اقل الطهر، فلا يجعل كل من الدمين المتخلل بينهما ذلك
حيضا. نعم، وقع الخلاف-فيما اذا تخلل الضعيف الاقل من العشرة القوي الصالح للحيضية في كل
من الطرفين-في انه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع امكانه، و احدهما خاصة
مع عدم الامكان، او يحكم بفقد التمييز؟ فعن المبسوط (270) انها لو رات ثلاثة دم الحيض و ثلاثة دم الاستحاضة ثم رات
بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، و ان تجاوز الثالث الى تمام ستة عشر
كان العشرة حيضا و الستة السابقة استحاضة. و لعله-كما قيل (271) -نظر الى ان دم الاستحاضة لما خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله
ايضا. و يضعف بامكان القول بمثله فيما بعده ايضا، فتخصيص القبل ترجيح بلا مرجح. و منه يظهر ضعف العكس و جعل المتقدم حيضا كما عن بعضهم (272) . و لهذا استحسن المحقق نفي التمييز حينئذ (273) . و استقر به في الذكرى (274) .و هو الاقرب، لوضوح تقييد اخبار التمييز بالامكان، و
هو هنا غير ممكن في كل ايامه، و تخصيص البعض ترجيح بلا مرجح، بل الظاهر منها
الامكان في الكل.و عن المنتهى و التحرير: التردد (275) . الثالث: اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض، المتقدمة، من السواد و
الحرارة و الدفع و الحرقة، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا و الباقي استحاضة، و كذا
الكثرة كما يصرح بها في مرسلة (276) يونس-الطويلة-في تفسير قوله: «البحراني » . و اما الحاق الغلظة و النتن بها فقد عرفت انه لا دليل عليهما سوى بعض الاخبار
الضعيفة الغير الصالحة للحجية. و قد يدعى فيهما شهادة التجربة، و لا يستفاد منها لو سلمت عليهما سوى المظنة، و
اعتبارها في المقام خال عن الحجة، كما ان التخصيص هنا باللون-كما في بعض
كتب الجماعة (277) -لا وجه له. و لا تمييز لفاقدة الصفات المذكورة، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض او
الاستحاضة في المتساوية منها قوة و ضعفا اجماعا، بل و كذا في المختلفة بالقوة و
الضعف فقط بعد اتحاد الصفة المنصوصة عرفا على الاصح، فلا تمييز لواجدة المختلف
بالسواد الشديد و غير الشديد، بل و لا بالسواد و الحمرة، و لا بالحار و الاقل حرارة،
خلافا لجماعة (278) فحكموا بالتمييز. و منه يظهر انه لو رات عشرة احمر ثم عشرة اسود ثم عشرة اشد سوادا، لم يكن له
تمييز، لكون الجميع بصفة الحيض. و قد يحكم فيها بالجلوس عن العبادة تمام الشهر، للانتقال الى الاقوى في كل
عشرة.و ليس بشي ء، لما مر. و كذا لا تمييز لواجدة المتصف ببعض صفات احدهما، لدلالة اخبار التمييز على
اعتبار الكل. نعم، لو وجدت البعض متصفا بجميع صفات الحيض و الآخر ببعض صفات الاستحاضة فهي
في الحيض ذات تمييز. و كذا لو وجدت البعض متصفا بصفات الحيض، و بعضا آخر بصفاته ايضا و لكن باضعف
من الاولى، و ثالثا بصفات الاستحاضة، كان الاولان حيضا مجموعا اذا
استجمعا سائر الشرائط.