في القسم الأول من الكتاب يقول المؤلف في معرض حديثه السريع عن المواقف المعاصرة التي تعاملت مع موضوع ابن سبأ:(غير أن الشك يصبح يقيناً لدى مؤرخ معاصر ، وهو السيد مرتضى العسكري الذي تصدى على نطاق واسع لشخصية ابن سبأ ، متوجاً جهوده بكتاب قارب فيه المنهج العلمي وقد صدر في ستينات هذا القرن تحت عنوان عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى. نقول قارب هذا المنهج ، لأن الدخول كلياً فيه يقتضي الحيادية التامة وعدم الانطلاق من فكرة قائمة في تفسير التأريخ ، إذ أن العسكري يتعامل مسبقاً مع موضوعه على أساس أنه رواية ملفقة هدفها النيل من عليّ ، وربط التيار الذي يمثله بعنصر خارجي ، في حين أن المؤرخ محكوم من حيث المبدأ بالعودة الى النص ، وأي استنتاج يصل اليه اما يكون من داخل النص وليس بعيداً عنه) (ص 24).ونسجل على هذا القول الذي ساقه الدكتور بيضون ، أن العلاّمة العسكري ليس مؤرخاً ، هذا اذا رجعنا الى المعنى الدقيق للكلمة ، وكذلك اذا راجعنا مؤلفات العسكري وتأملنا في مواضيعها وتخصصها. وقد أدرج السيد العسكري مؤلفاته في نهاية الجزء الأول من كتابه ، تحت عنوان: موسوعة دراسات في سبيل تمحيص سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وهذا العنوان فيه دلالة كافية على أن هدف المؤلف هو تمحيص السنّة النبوية الشريفة ، وهو هدف واسع من ناحية المنهج ، فتمحيص السنة يعني تناول كل ما يتعلق بالمصدر الثاني بعد القرآن الكريم من تشريع ومعارف اسلامية.وعلى هذا فان البحث التأريخي أحد معالم المنهج العام للسيد العسكري ، وليس كل منهجه التخصصي حتى يوصف بأنه مؤرخ. و قد أثر هذا الوصف الذي فرضه بيضون على العسكري ، و كرره كثيراً ، على مجمل دراسته وتقييمه لآراء العسكري ، وأغلب الظن ، أنه لو تنبّه الى عدم دقة هذا الوصف ، لكانت مناقشته غير ما جاءت في كتابه ، وهذا ما سيتضح أكثر في ما يأتي من مناقشتنا.
الملاحظة الثانية
ان اصرار الدكتور بيضون على كون العلاّمة العسكري ليس مؤرخاً ، جعله يصف العسكري ، بأنه قارب المنهج العلمي ، لأنه تعامل مع الموضوع على أساس الحكم المسبق ، ويستند الاستاذ بيضون في هذا الحكم على مقدمة كتاب عبد الله بن سب بقوله: (ولكن الانحياز الذي يتجلى ابتداءً من المقدمة في الكتاب ، وذلك على قاعدة الرفض المطلق لوجود هذه الشخصية ، جعل منه طرفاً مقاتل ، أكثر منه مؤرخاً هادئاً يتوخى فقط الحقيقة التأريخية) ،(ص24).وكرّر هذا القول في أكثر من موضع فقد كتب يقول:(وكما أشرنا في القسم الأول من دراستنا ، فان العسكري تناول شخصيته رافضاً لوجودها منذ البداية) ، (ص 99).وفي ختام مناقشته لكتاب العسكري كتب يقول:(وقد شكّل ذلك مدخلاً الى محاولة قراءة جديدة لشخصية ابن سبأ ، بصرف النظر عما انطوت عليه من أفكار مسبقة ، سرعان ما تجلت في السطور الأولى من الكتاب) ، (ص 102).