تاریخ ابن أعثم الکوفی جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
بكوا بكاء شديدا حتى علا بكاؤهم و نحيبهم،فقال لهم هرقل: ما يبكيكم؟ فقال هشام: هذهالصورة صورة نبينا محمد (صلّى الله عليهوسلّم و آله) كأنا نراه بين أيدينا بنعته وصفته، فقال هرقل: بدينكم إنها صورة نبيكمعليه السلام؟ فقال المسلمون: هذه صورةنبينا كأنا نراه حيا بين أظهرنا، و لكن منأين هذه الصورة أيها الرجل؟ فقال هرقل: إذاأخبركم أن آدم عليه السلام سأل ربه تبارك وتعالى أن يمن عليه بصفة أولاده من النبيينالمرسلين خاصة، فأعطاه الله تبارك و تعالىذلك و بعث إليه بصفاتهم في نمط من ديباجأخضر، فلم يزل ذلك النمط في تابوت آدم عليهالسلام يعرضه على أولاده كل جمعة مرة،فلما توفي آدم عليه السلام صار التابوتإلى شيث و من شيث إلى أنوش، ثم توارثه قومبعد قوم حتى انتهى ذلك إلى ذي القرنينفاستخرج هذه الصورة من خزانة آدم عليهالسلام، و توارثها آباؤنا حتى صارت هذهالصورة إلينا، و الله! لقد وددت أن نفسيتطيب بترك هذا الملك حتى أخرج معكم و أكونعبدا لأميركم إذ كنتم رأيتم هذا النبي وشاهدتموه، و لكن نفسي لا تطيب بترك ما أنافيه من هذا الملك. و الله! لقد خبرنا المسيحعيسى ابن مريم في الإنجيل و أمرنا أن نؤمنبالنبي الأمي صاحب الجمل و المدرعة والهراوة و النعلين و العمامة، و الأنجل (1)العينين المقرون الحاجبين الصلت الجبينالواضح الخدين، و لكن يأبى لي النعمة والسرور إلا التمادي في الغرور.
قال: ثم أمر لهشام بن العاص و أصحابهبجوائز سنية، فأبوا أن يقبلوها منه، ثمخرجوا من عنده و استووا على رواحلهم وساروا حتى صاروا إلى أبي عبيدة بن الجراحفخبروه بما كان من أمر جبلة بن الأيهم وأمره و أمر هرقل ملك الروم، فقال أبوعبيدة: خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْغِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 2: 7 (2).
قال: ثم جعل هرقل يضم أطرافه و يقوي أصحابهو لا يألو في ذلك جهدا.
قال: و سار أبو عبيدة بالمسلمين حتى نزلبموضع يقال له: الجابية (3) من أرض دمشق فيثلاثين ألفا، و سارت إليه الروم في ثمانينألف حتى نزلوا قريبا منه، و بلغ