أخبرك أني لبستها نذرا على أن لا أنزعهاحتى أخرجكم من الشام، فتبسم هشام ثم قال:يا جبلة! إنك و الله لن تقدر أن تمنع مجلسكهذا منا! و الله لنأخذنه و لنأخذن ملكالملك الأعظم! و بذلك خبرنا نبينا الصادقعليه السلام، فقال جبلة: فأنتم إذاالسمراء، قال هشام: و ما السمراء؟ قالجبلة: السمراء قوم نجدهم في الإنجيل أنهميصومون النهار و يقومون الليل و يأمرونبالمعروف و ينهون عن المنكر و يفتحون منالمشرق إلى المغرب، قال هشام: فنحن و اللهأولئك الموصوفون في الإنجيل! فلا تشك فيذلك يا جبلة! فاسود وجه جبلة حتى صاركالليل المظلم ثم قال: إليّ بعثتم أم إلىالملك الأعظم؟ فقال: بعثنا إليك و إليه،قال: فسيروا إذا إليه فإن أجابكم إلى ماتريدون أجبتكم و لم أتأبّ عليكم.
قال: فخرج هشام و من معه من عند جبلة وساروا حتى صاروا إلى أنطاكية.
ذكر مسير المسلمين إلى انطاكية و دخولهمعلى الملك
قال: فدخل المسلمون مدينة أنطاكية علىرواحلهم من باب المدينة و هرقل ينظر إليهممن منظرة، و القوم من الروم ينظرون إليهممن وسط المدينة إلى أن أناخوا رواحلهم علىباب الملك حذاء المنظرة ثم رفعوا أصواتهمفقالوا: لا إله إلا الله و الله أكبر! قال:فانتفضت المنظرة حتى سمع الناس صوتنفيضها، فأرسل إليهم هرقل أنه ليس لكم أنتجهروا بدينكم على بابي، فإن كنتم رسلافادخلوا.
قال: فدخل إليه المسلمون و هو على سرير منذهب مفروش بالديباج الأحمر، و جميع ما فيمجلسه مفروض بالحمرة، و عليه ثياب منسوجةو على رأسه تاج من ذهب يلمع من الجوهر، وإذا هو يكسر بالعربية ليس بالفصيح، قال:فوقف المسلمون بين يديه و لم يسلموا عليه،فتبسم ثم قال: ما منعكم أن تحيوني بماتحيون به ملوككم؟ فقال له هشام بن العاص:أيها الرجل! إن تحيتنا إنما تجوز بيننا ولن يجوز لنا أن نحييك بها، قال هرقل: و ماتحيتكم؟ فقال هشام: تحيتنا السلام، فقالهرقل: و بذلك تحيون ملوككم؟ فقال هشام:نعم، بذلك نحيي ملوكنا و بذلك يحيوننا كمانحييهم. فقال هرقل: فكيف يرث الميت منكم؟فقال هشام: يرث أقرب الناس إليه، فقالهرقل: كيف صومكم و صلاتكم؟ فوصف له هشام بنالعاص ذلك، فقال هرقل: فما أعظم كلامكم؟فقال هشام: أعظم كلامنا لا إله إلا الله والله أكبر. قال: فانتفضت القبة من سقفهاحتى فزع هرقل من ذلك،