قومي هؤلاء من أهل الرقة إلى دينكم فأبواعليّ و قالوا: إن قلت هذا الكلام قتلناك،فلذلك خفتهم على نفسي، فهذه قصتي و هذاحالي. فعجب عياض بن غنم من صدق البطريق، وأقام بالرقة أياما ثم رحل منها.
ذكر فتح مدينة الرّهاء من بلاد الجزيرة
قال: و أهل الرهاء (1) قد بلغهم يومئذ خبرعياض بن غنم و فتح الرقة فجزعوا لذلك جزعاشديدا و قد جمعوا الأطعمة و الأشربة والعلوفة إلى مدينتهم و هم على خوف شديد منالمسلمين، قال: و قد هيئوا العرّادات علىأبرجة المدينة و قد جمعوا الحجارة و عزمواعلى حرب المسلمين.
قال: فلم يشعروا إلا و الخيل قد وافتهمبالتكبير و التهليل، فلما سمع أهل الرهاءذلك أخذهم الخوف و هم في ذلك يتجلّدون ويتشجعون، قال: و تقاربت خيل المسلمين منالمدينة، قال: و تقدمت الرايات والأولوية، فجعل أهل الرهاء يقول بعضهملبعض: القوم في عشرين ألفا أو يزيدون و مانظن أن لنا بهم طاقة.
قال: و أقبل عياض بن غنم و الكتائب عنيمينه و شماله يتلو بعضهم بعضا، حتى نزل وضرب عسكره على الباب الأعظم من أبوابالرّهاء- و هو الباب الذي يخرج منه إلى أرضالروم-. قال: و التحم الأمر بين الفريقين،فاقتتلوا خمسة عشر يوما لا يقرّون ليلا ولا نهارا. قال: و جعل أهل الرهاء ينظرون إلىرجال أبطال فرسان في متون الخيل، فعلمواأنه لا طاقة لهم بالمسلمين، فاستغاثوا إلىبطريقهم الأكبر- و اسمه ميطولس- فقالوا:أيها البطريق! إنه لا طاقة لنا بهؤلاءالعرب، فإما أن تصالحهم كما فعل أهل الرقةو إلا سلّمنا إليهم المدينة.
قال: فلما نظر البطريق إلى الجزع و الفشلأرسل إلى عياض بن غنم يسأله الصلح على أنيعطيه ما أعطاه أهل الرقة، فأجابه عياضإلى ذلك، فكتب له (2) و لأهل المدينة كتابابالصلح (3) و أشهد عليه المسلمين. ثم نادىعياض في عسكره:
(1) الرهاء: بضم أوله، و المد، و القصر،مدينة بالجزيرة بين الموصل و الشام.
(2) نسخة كتاب عياض بن غنم لأسقف الرها فيفتوح البلدان ص 178 و الوثائق السياسة وثيقةرقم 360.
(3) نسخة كتاب عياض بن غنم لأهل الرها فيفتوح البلدان ص 179 و الوثائق السياسيةوثيقة رقم 361.