يوم السواد
(1) فلما كان من غد دنا القوم بعضهم من بعض وهذا يوم السواد (1)، و قدمت الفرس الفيلة عنأيمانها و عن شمائلها و بين أيديهم، و نظرتخيل المسلمين إلى الفيلة ففزعت لذلك فزعاشديدا و تراجعت إلى ورائها، فلما نظرالمسلمون إلى ذلك نزلوا عن الخيل و أصلتواالسيوف و مضوا نحو الفيلة رجالة و اشتبكتالحرب، و جعل المسلمون يحملون على الفيلةفيضربون مشافرها بالسيوف حتى أفنوها عنآخرها.
قال: فتقدم رجل من كبار الفرس و ساداتهايقال له شاهنشاه حتى وقف بين الجمعين علىفرس له على رأسه تاج من ذهب و عليه جوشن منذهب فسأل البراز فخرج إليه رجل منالمسلمين فقتله شاهنشاه ثم خرج إليه آخرفقتله فلم يزل كذلك حتى قتل أربعة من فرسانالمسلمين، فصاح المسلمون بعمرو بنمعديكرب الزبيدي فقالوا: يا أبا ثور هل فيكبقية من غنى فتكفينا أمر هذا الأعجمي؟فقال فتى من تميم يقال له عبد الله بن حابس:و أي بقية تكون في مثله و هو شيخ كبير علىما ترون؟ فقال له عمر: يا ابن أخى! إن بقيتيعلى ضعفي خير من شباب مثلك.
قال: فأقبل على عمرو من كان من قومه وعشيرته فقالوا: سألناك يا أبا ثور ألاكفيتنا أمر هذا الأعجمي إن علمت أنك تقومبه، قال: نعم، آتوني براحلة، فقالوا:
تريد أن تقاتل على راحلة؟ فقال: ائتوني ولا تسألوني، قال: فأتوه بناقة عليها رحلهافأبركها بين يديه ثم ركبها و قال: يا بنيأخي! أصلحوا على عمكم ثيابه، قال: فأدخلواأيديهم تحته ليصلحوا ثيابه فقعد علىأيديهم و أثار الراحلة فبقي القوم معلقينبأيديهم فصاحوا: يا عم! أيدينا أيدينا،فتجافى عمرو عن الراحلة فسقطوا إلى الأرض،فقال: يا بني أخي! ما بقي من قوة عمكم إلا ماترون. ثم أقبل على بني عمه فقال: إن فرسيهذه لست منها في شي ء و لكن ائتوني بحصان،قال: فأتوه بحصان مشرف كأنه الكثيبالمبني، فأخذ بذنبه فألزم عرقوبيه إلىالأرض ثم قال: ضعيف ائتوني بغيره، فأتوهبفرس آخر، فأخذ بذنبه فجذبه فألزم عرقوبيهالأرض و قال: ضعيف غير أنه خير من الأول، ثمقال: يا بني زبيد! اعلموا
(1) كذا، و قد تقدم أن ليلة أغواث تدعىالسواد، و هذا اليوم هو يوم عماس (الطبري-ابن الأثير- ابن كثير- معجم البلدان).