عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
قادراً على المقاومة ودرء الأخطار عن الأمة وتوفير حدٍّ أدنى من الأمن القومي في كل مجال من مجالات الحياة والعمل والعلم والتقدم، فالأقطار العربية التي تشكل بيادق هزيلة على رقعة الشطرنج الدولية لا يمكنها أن تحمي مصالحها ومواطنيها وتحرر قرارها وتحافظ على سيادتها باستقلالية تامة واقتدار مؤثر؛ وها نحن نراها إمَّا محتمية بالقوى الأجنبية التي تستنزفها حتى آخر قطرة من الموارد والإرادة والكرامة، أو ملتحقة على نحو مهين بعدو مازال يحتل الأرض العربية ويهوِّد المقدسات ويقتل الشعب ويستهدف الأمة ومصالحها وهويتها وثقافتها وعقيدتها؛ أو نراها محاصرة ومهددَّة بالحصار والعدوان والدمار تكابد وتعاني، إذا رفضت التبعية والصهيونية والأمْرَكَة والانصياع للقوى الطامعة بها، أو متهمة بالإرهاب وبحيازة أسلحة لا يجوز أن تخرج من دائرة احتكار الكبار والصهاينة لها، محاصرة من دون إعلان حصار، مستهدفة بكل أشكال الاستهداف لكي تضعف وتستكين لطلبات المحتلين وحلفائهم الأمريكيين. والصيغة القطرية الحالية، التي غدت صيغة اعتراضيَّة على القومية مكرَّسة عربياً ودولياً، تسعى الأنظمة إلى تعزيزها بأشكال مختلفة وترى فيها نهاية التاريخ وبدايته: نهاية التاريخ القومي وبداية التاريخ القطري المتحلل من كل التزام قومي والمعتمد على الآخرين في مقومات وجوده الرئيسة!؟! وهي صيغة -أقطار -لن تنقذ شيئاً في المستقبل وقد لا تبني شيئاً يُذكر، وستصبح موقعاً ينبعث وينطلق منه التهديد الأجنبي ضد أي قطر عربي يسعى إلى تحرير قراره واقتصاده وسيادته وثقافة الأمة من أشكال التبعية، أو يسعى إلى المحافظة على استقلاله ومصالحه وحضوره الفاعل، لأن تلك الأقطار ستكون -أرادت ذلك أم لم ترد -حليفاً للعدو، أو قاعدة منطلقاً لقوته المعتدية، أو أداة العدوان وسنداً وباعثاً له، ويبقى القطر التابع المحتمي بالأجنبي المعزول عن أشقائه في كل هذه الأحوال مأكولاً مذموماً ذليلاً، يرفع فيه أشخاص النظام رؤوسهم على حساب ذل شعبهم وأمتهم، ويبقى سوق استهلاك ومورد طاقة ومواد أولية للأجنبي. إن حلم الوحدة لا يلبث أن يكتسب -في ظل رؤية موضوعية للمستقبل مستنبتة في مرارة الواقع ومعطياته وتحدياته -أهمية حيوية تجعل الوحدة الرافعة الوحيدة للأمة من مكامن هلاك قطرياتها وانغماس تلك القطريات في كل ما يؤسس للهلاك على المدى البعيد، فضلاً عن أي مشروع نهضوي -تحرري -تحريري مستقبلي وأي تقدم علمي أو اقتصادي لا يمكن، حتى لأكبر الأقطار العربية حجماً من حيث السكان والمساحة، أن يتحقق أن يشكّل قوة قادرة على إنجاز شيء ملموس في أي من المجالات الحيوية إذا عمل ذلك القطر وحده، فالمشاريع الكبرى تحتاج إلى طاقة الأمة كلها، وتحرير الأمة وحسم قضيتها المركزية لمصلحتها يحتاج إلى ما هو أكثر وأعمق من تضامن أقطارها المجزأة. وإذا ابتعدنا عن المشاريع النهضويَّة والكلام الكبير، واكتفينا بالكلام المحدد في استنفاذ النفس والشعب والكرامة والأرض والمصلحة، في حدود القطر البيدق، فإننا لن نجد قطراً عربياً مؤهلاً بقدراته الذاتية لأن يشكل اكتفاءً ذاتياً أو حماية تجعله قادراً على حماية مصالحه والصمود في وجه الضغط والعدوان والمنافسة، فضلاً عن المقاومة والتجاوز والمشاركة في الفعل الحضاري والسياسة الدولية والقرار الإنساني والفعل الثقافي البناء. وفي هذه الحالة يصبح الحلم الوحدوي على أرضية الفكر القومي والرؤية القومية والمشروع القومي هو المدخل الوحيد والممكن في الوقت ذاته لصيغة مستقبلية تجعل العرب قادرين على حماية وجودهم ومصالحهم، وعلى التواصل مع الآخرين في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة والاجتماع.. الخ. ويصبح هذا الحلم مالكاً للمشروعية أكثر من أي وقت مضى لتتكون من خلاله أرضية ملائمة لأهداف تتعلق بها عقول وأفئدة وإرادات، وتعمل من أجلها قوى وأحزاب ومنظمات. إنني أرى في هدف الوحدة هدفاً متجدداً في هذه الظروف أكثر من أية ظروف أخرى، وأجد أنه، في ظل تجذُّر القطرية -التجزئة -وتهافتها في الوقت ذاته، ينبغي أن تتصاعد الدعوة إلى العمل العربي المشترك بكل الصيغ الممكنة -السوق العربية المشتركة، الدفاع المشترك، الأمن الغذائي والمائي والثقافي.. الخ -لتقريب الأمة من التضامن والاتحاد في إطار نُشدان الوحدة بوصفها مصلحة عليا ملحة ومنقذاً وهدفاً عربياً ذا