عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
على التكيف كلما تعرض إلى ما يهدد توازنه. وقبل الخوض في الموضوع لابد من مراجعة ولو سريعة لما يعنيه مفهوم الشخصية على المستويين الفردي والجماعي. من خلال التعرض لمعنى الشخصية وللتعريف بها، من خلال الإشارة إلى تفرد الكائن البشري بامتلاك هذا المفهوم، وتكامل الفردي فيه مع الجماعي الشخصي مع الوطني والقومي. وأثر الفلسفة الشمولية ونظريات التنميط والنمذجة وفشلها في الوقت ذاته بالوصول إلى غاياتها. وهل النمذجة هي حالة تاريخية ذات زمان ومكان محددين أم أنها عابرة للتاريخ والزمان والجغرافية.. ثم ذلك التفاعل القائم بين الشخصية والبيئة في مستوياتها المختلفة المادي منها والاجتماعي الاقتصادي والسياسي والتقني والتحولات في القيم والاتجاهات، ثم في تمظهرات الشخصية في علاقاتها بالراهن والآتي. وما يمكن أن تقدمه التربية أو تتنطع لـه في الجواب على السؤال الدائم فيما هو إنساني. ما العمل؟.. تضم الشخصية مجموعة من المكونات محصلتها النهائية هي السلوك، ومن هذه المكونات ماهو مصنف تحت مفهوم المكونات العقلية العامة، كالتفكير من حيث (نوعيته منهجه ومضمونه)، وهناك مكونات عقلية أو قدرات خاصة (فنية ميكانيكية)، ومكونات وجدانية تشمل جميع أنواع الانفعالات والاستجابة في المواقف الانفعالية، ومكونات أخلاقية (قيم، محددات، سلوك، اتجاهات محصلة هذه المكونات سلوك فعلي يضيف تحت عناوين (العدوان) الانسحاب، الاستسلام، والسلوك النضالي. هذا من الناحية الفردية، بحيث يمكن تلخيص ذلك في مقاربات تتخذ شكل التعريف، الذي لم يعد محبّذاً في العلوم الإنسانية، كالقول بأن الشخصية هي الذات التي تشمل الجسد والاسم والمكانة الاجتماعية والممتلكات بما فيها المعارف والمهارات، وصورة الشخص عن نفسه، والصورة التي يريد أن تكون لـه عند الآخرين. لكن ذلك لا يعطي الشخصية المعنى الذي تتمرأى به لأنه لا يلقي بالاً إلى الظروف المحيطية ولا ينظر إلى الشخصية في حركيتها وتغيرها. لذلك فقد عرفت الشخصية على أنها نتاج تاريخي اجتماعي وبذلك فإن الشخصية لا تظل في حالة ستاتيكية أو في حالة حركة بطيئة في نموها وتغيرها لأن العمليات التربوية والتنشئة الاجتماعية ونمط الحياة المتغير باستمرار تملك القدرة على التأثير في سمات الشخصية، فيسود في لحظة تاريخية معينة نمط من الشخصية عند أبناء طبقة اجتماعية محددة يتغير في لحظة أخرى وهكذا... ففي عملية تكوين الشخصية يجري باستمرار اندماج خبرات الفرد مع صفاته التكوينية فتتشكل وحدة وظيفية متكاملة تستمر طيلة الحياة وإن كانت فعاليتها تختلف من حيث الشدة من مرحلة إلى أخرى. ولكن الشخصية على المستوى الفردي لا تنفصل عما هو اجتماعي، وهي بشكل أو بآخر نتاج اجتماعي ويشكل الطابع الاجتماعي النواة التي ينهض على أساسها بناء الطابع الذي يشترك فيه غالبية الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافة ما، وذلك بالتقابل مع الطابع الفردي الذي يختلف بصدده الأفراد الذين ينتمون إلى الثقافة نفسها عن بعضها بعضاً. ويمكن قراءة الشخصية من خلال تصرفات صاحبها الخارجية منها وما يرافق سلوكها من تعبيرات مستقلة ذات كيان قائم بذاته. ولكنها رغم استقلالها الذاتي تخضع لعلاقة بين الباطن (أو الذات) الذي تصدر منه وبين العالم المحيط الذي يستثيرها أو تستجيب لـه باعتباره مصدر هذه الظاهرة السلوكية. ونميز في الظاهرة السلوكية ما هو فردي أي ماهو غير مرتبط بتجمع معين ذي سمات وملامح معروفة وبين ماهو جماعي أي من حيث قبوله لظاهرة التعميم من حيث ارتباطه بمتغير معين يعود إلى الصفة الجماعية. وعندما يكون هذا المتغير متعلقاً بمجموعة الخصائص والأنماط السلوكية والسمات بين أعضاء مجتمع معين تسوده العادات نفسها ويسيطر عليه نظام ثقافي مشترك. يسمح هذا بالقول إن الظاهرة السلوكية تلك إنما هي تعبير عن الشخصية القومية التي يمكن اقتراح تحديد لها، ليس بمعنى الثبات، مجموعة السمات النفسية والحضارية والاجتماعية لأمة ما، التي تتسم بثبات نسبي، والتي يمكن عن طريقها التمييز بين هذه الأمة وغيرها من الأمم .