عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وحيال هذه المعاناة التي تطحننا بين قطبي السلب والإيجاب اللذين يشكلان رحاها، وحيال الواقع المر الذي نعيشه، والتحديات الكبرى التي تطرح نفسها علينا وتهددنا، وحيال أهمية الحلم الوجودي ومشروعيته وضرورته ومؤشراته البعيدة على المستقبل القومي وما يتصل به من فكر وعمل وطموح نجد أنفسنا مسوقين نحو التطلع إلى فعل عربي ما، يؤدي إلى إنجاز يُكتب لـه البقاء على هذه الطريق، التي نرى فيها الخلاص ونجد فيها بداية النهاية لما نحن فيه من تخلُّف وذل وتهافت، ونجد فيها أيضاً بداية التحرك نحو مشروع نهضوي عربي ممكن. ولما كان الحلم الوحدوي، وسيبقى، أعظم الثوابت المبدئية للأكثرية الساحقة من العرب المغلوبين على أمرهم، وأضخم المشاريع التي يتطلع الوعي الثقافي والسياسي العربيين إلى تحقيقه، فإنه لا بد من التأكيد على أمرين رئيسين يستقطبان أشخاصاً وآراء وتنظيمات وأنظمة في هذا المجال ويشكلان معادلة صعبة في الظرف الراهن لا يمكن مجاوزة وجودها: الأول: "طوباوية" طرح هذا المشروع الآن بوصفه مشروعاً عربياً قابلاً للتحقيق والتنفيذ، لا سيما بعد حرب الخليج الثانية، التي عمَّقَت الخلافات العربية، وأحدثت هوة سحيقة من السهل صوغ أي إطار للعمل العربي المشترك ولها تأثيرها الهام في نجاح ذل أو عدم نجاحه. والثاني: قصور كل رؤية للتقدم العربي في أي مجال، لا تضع في اعتبارها حقيقة أن الوطن العربي وحده مجال حيوي وحضاري تامة وقائمة بذاتها، ولا يمكن تحقيق نهوض قومي لهذا الوطن وحماية لأمنه ومصالحه وشخصيته الحضارية إلا انطلاقاً من النظر إليه وإلى مستقبله وسبل خلاصه بوصفه وحدة متكاملة تاريخياً ومستقبلياً. كما أنه لن يتحقق لأي قطر من أقطاره أمن أو تقدم أو تحرر أو تحرير، من أي نوع، بمعزل عن الأقطار الأخرى وتعاونها وقيام خططها ومشاريعها الحيوية على أسس من التكامل فيما بينها. وأنه لا يستطيع أن يتصدى لاحتياجات المستقبل وتحدياته -مثل متطلبات مواجهة الانفجار السكاني، والأمن الغذائي والعسكري والثقافي، والرد على العدوان وأشكال الحصار والاستهداف للثقافة والقيم والعقيدة، ودخول العصر بامتلاك العلم والتقانة وأدوات التقدم، والتعامل مع معطى العولمة سلباً أو إيجاباً -إلا بالاعتماد على الثروة والطاقة بمعناهما الشامل المتكامل، تينك اللتين يملكهما العرب في كل الأقطار: من مساحات الأراضي الخصبة في السودان، إلى الثروات الطبيعية، نفطية وغير نفطية، في دول الخليج والعراق وبعض دول المغرب، إلى الكتلة السكانية الغنية بالخبرات والقدرات الإبداعية في مصر، والخبرة التاريخية في شؤون كثيرة في بلاد الشام ذات الرصيد الكبير في مجال الوعي والعمل القوميين، إلى رؤوس الأموال التي يمتلكها عرب من جميع الأقطار، وتملكها أقطار عربية من محيط الوطن إلى خليجه، ولا تُستثمر في أرض العرب ولا تُودع فيها، بسبب توطُّن الخوف وعراقة جذوره في هذه الأرض وبين أهلها، ولانعدام الثقة بين الأنظمة والأنظمة، وبين الناس والأنظمة، والناس والناس، ولغياب النظام الذي يشجع على الاستثمار وإشاعة الإعمار بعقل مفتوح وثقة قوية بالناس، ولاضمحلال الاستقرار الذي ينعش الآمال والطموحات والمشاريع والمؤسسات ويفجر طاقة العطاء والقدرة على الأداء والابتكار والاختراع والإبداع؛ تلك الأموال التي يسيطر عليها الغرب ويستثمرها ويستنزفها ويستقوي علينا بها، ويحبسها عنَّا عندما يريد، ويبتز منها كل ما يستطيع ابتزازه بوسائل مختلفة ويشن بها حروبه علينا، وما يستتبع هجرتها من فقر وهجرة عقول عربية لا تجد مجالاً ولا مالاً في وطنها لتنجز ما ترى أنها قادرة على إنجازه في مجالات العلم والعمل. وتأسيساً على أن الحلم الوحدوي الذي يجري الحديث عنه في أحيان كثيرة بصيغ من مثل: مشروع الاتحاد العربي بوصفه خطوة على طريق الوحدة، أو "المشروع الحضاري العربي"، أو "المشروع النهضوي العربي" للتعبير عن مشروعية ذلك الحلم وأهميته وضرورته وإمكانية تحقُّقه، أقول تأسيساً على أن ذلك الحلم هو أساسٌ راسخ في الوجدان الجمعي العربي، واختيارٌ تاريخي للجماهير العربية لم تستطع الأنظمة القطرية المجاهرة بالتنكر لـه ورفضه، وتأسيساً أيضاً على أنه يتمتع بمرتسمات واقعية، تَعِدُ بتحقيق الكثير مما تطمح الأمة إلى