عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
مجتمع بعد عشر سنوات أو عشرين سنة أن أنواع التقدم التكنولوجي الأخرى قد ولدت آثاراً لم تكن محسوبة، وأشياء تبعث على الحيرة، وأموراً لا يمكن تقديرها لأن التطورات الجديدة تخلف بالضرورة مؤسسات جديدة، وعادات جديدة، وقوانين جديدة. إن التحدي الكبير الذي تواجهه الثقافة هو تنامي بنوك المعلومات واتساعها وسهولة تداولها، واحتكار الصناعات الثقافية والاتصالية، وإنتاج المعلومات وتصنيفها وتخزينها، وتسويقها من قبل عدد قليل جداً من الدول، ولعله من الأمور البدهية أن من ينتج المعلومات ويسيطر على صناعة الاتصال، ويضع أسس استخدامها يكون لـه الدور الأساسي في التأثير في ثقافة المتلقي، وفي تشكيلها لأنه يمتلك المعرفة، والمعرفة قوة كما قال: "فرنسيس بيكون"، وهي القوة التي تمكن العارف من أن يسود، والقائد من أن يهاجم بلا مخاطر، وأن ينتصر بلا إراقة دماء، وأن ينجز ما يعجز عنه الآخر كما قال امبراطور الصين "صان تشو"، وتجدر الإشارة إلى أن أول من أوجد للإعلام وظيفة هو الأمريكي "هارولد لاسويل" عام 1948 وحددها بـ"نقل التراث الاجتماعي من جيل إلى جيل". لقد كان الإنسان في العصر الصناعي هو الذي يسيطر على الآلة، أما الآن فإن المعلومات هي التي تتجه للسيطرة على الإنسان، وتكاد تجعله جزءاً من آلية عملها. إن مراكز المعلومات وتكنولوجيا الاتصال هي التي تمتلك اليوم مفاتيح الثقافة، إذ أن التكنولوجيا تحمل الثقافة، والثقافة محمولة عبر التكنولوجيا، التكنولوجيا تقوم بعملية الاختراق الثقافي بسيطرة الثقافات القوية تكنولوجياً على الثقافات الضعيفة تكنولوجياً، فباتت الثقافة متأثرة بالتكنولوجيا إلى حد بعيد، ومن هنا يجيء مصطلح "العولمة" التي أثارت ـ العولمة ـ وتثير ضجة ثقافية وفكرية واقتصادية كبيرة في عالمنا المعاصر اليوم، وبواسطة التكنولوجيا المتطورة نجحت الدول الغربية في نشر ثقافتها عبر المحيطات والقارات، والترويج لأفكارها وقيمها الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية على حساب اكتساح الثقافات الوطنية وطمس الهوية الثقافية للدول الفقيرة أو النامية، ويؤكد على هذه الناحية الدكتور برهان غليون في ندوة عقدت بالقاهرة عام 1997 بعنوان: "مستقبل الثقافة العربية"، إذ يبين مخاطر وتحديات العولمة على العالم العربي ويحددها بـ: 1 ـ إخضاع الثقافة لمنطق التجارة "اتفاقية الغات 1993"، وعدم نجاح محاولات الاستثناء الثقافي. 2 ـ دينامية السيطرة الثقافية للثقافات الأخرى تكنولوجياً. 3 ـ تعميم أزمة الهويات الثقافية. وهكذا فإن التكنولوجيا قد أدت مع أسباب أخرى إلى تغيير أنماط السلوك، وطرق التفكير، وآلية الحياة في المجتمعات النامية، وهددت ثقافتها وخصوصيتها. وتقوم تكنولوجيا الاتصال، والصناعات الثقافية بدور كبير في نشر السلع الثقافية، وهذا بحد ذاته هام، غير أنها في أنشطتها الدولية كثيراً ما تتجاهل القيم السائدة في المجتمع، وتبث فيه آمالاً لا تتفق مع الاحتياجات الحقيقية للتنمية، وعلى أية حال نجحت الدول الغربية الصناعية المتقدمة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في (تصنيع الثقافة) وتعليبها في معلبات براقة ذات جاذبية هائلة سريعة التأثير، قوية الانتشار، مستفيدة من ثورة التكنولوجيا الحديثة مما أدى إلى تعميم ثقافته الغربية، ونشرها عبر وسائل الاتصال المتاحة: الكتاب والمجلة والصحيفة والتلفزيون والمسرح والإذاعة والفيديو... الخ. وتلك كلها معلبات تعتمد على عنصري الإبهار الفني والإثارة التقنية أكثر مما تعتمد على العمق الثقافي الأصيل، ولابد هنا من أن تأخذ بالحسبان أن امتلاك تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لا يؤدي فقط إلى السيطرة الثقافية، بل أصبح ذا ربحية اقتصادية كبيرة، بل الأكثر ربحية من أية صناعة أخرى، بما في ذلك تصنيع السلاح، وإنتاج النفط، فقد أصبحت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تشكل قسماً كبيراً من الدخل القومي خاصة للولايات المتحدة الأمريكية واليابان، ويتوقع الباحث المغربي "المهدي المنجوة" أنها تحتل القسم الأكبر من الدخل القومي خلال ربع القرن الحالي (21) وتصبح المصدر الرئيسي لهذا