عرب و تحدیات المستقبل، رؤیة و موقف نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
استمرت في ظهورها حتى عقد السبعينيات من القرن العشرين، كان لقرارات الغرب الاستعماري الدور الكبير في تشكلها. إذن، إن تشكل الدولة العربية القطرية في ظل هذه الظروف التي جئنا عليها، يعتبر أمراً موضوعياً أملته الظروف الموضوعية منها والذاتية، لذلك، علينا في الواقع أن نتعامل مع صيغ هذه الدول بعيداً عن الروح الشعارية، والعاطفية، أو الوجدانية. فشعاراتنا القومية العريضة التي رحنا نطرحها منذ نهاية النصف الأول للقرن العشرين، غالباً ما اصطدمت بواقع الدولة القطرية، ليحولها هذا الواقع بالضرورة إلى شعارات وطنية -قطرية، راحت مع مرور الأيام تتبلور، لتبلور معها مفهوم التجزئة، أو ما نسميه اليوم بمفهوم الدولة القطرية. نعم، نحن اليوم أمام واقع ملموس في زمن ملموس، من حياة أمتنا العربية، هو واقع الدولة القطرية، التي تشكلت في ظل ظروف موضوعية وذاتية أشرنا إلى أهمِها أعلاه. لذلك، فعلينا نحن القوميون العرب، عندما نقوم بطرح مسألة الوحدة العربية، لتجاوز الدولة القطرية، علينا أن نطرح على أنفسنا أولاً المهام التي نستطيع حلها في هذا الاتجاه. وأعتقد أن المهام التي يجب علينا طرحها، والتي تعتبر برأيي المقومات الأولية للعمل الوحدوي في ظل هذه الظروف من التخلف والتجزئة القاسية هي: 1-علينا بدايةً أن نبذل كل جهد من أجل خلق نوع من التضامن العربي، كصيغة أولية من صيغ التفاعل العربي، قادر في مضمار الدولة القطرية هذه، (التي يخاف الكثير من الحكام العرب على تلاشيها إذا ما قامت الوحدة) قبل أي شيء آخر على رسم وترسيخ مفاهيمَ ثقافةٍ عربية مشتركة، قادرةٍ على خلق وعي مشترك بقضايا هذه الأمة ومقومات نهضتها، والتحديات التي تواجهها. 2-خلق سوق عربية مشتركة تستطيع ولو بشكل أولي على تحويل، أو توجيه الاقتصاد العربي من اقتصاد ريفي، إلى اقتصاد سوق عربية، قادر على المشاركة ولو بشكل بسيط في التقسيم الدولي للعمل بوجه إيجابي. 3-خلق مواقفَ عربيةٍ سياسية موحدة تجاه التحديات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية التي تهدف الآن ليس إلى استمرار تخلف الدولة العربية القطرية فحسب، بل إلى إلغائها عبر تفتيتها إلى دولة أخرى صغيرة تقوم على مرجعيات تقليدية أكثر تخلفاً. وذلك عبر تفجير التناقضات الطائفية والمذهبية والعشائرية فيها ذاتها، لتحولها إلى كنتونات صغيرة. وهذا الشكل من التفتيت والتذرير يجد أرضه الخصبة في كل الدول العربية تقريباً، بدءاً من السودان، مروراً بمصر وصولاً إلى كل دول مغرب الوطن العربي ومشرقه. ختاماً نقول: إن الدولة القطرية التي أنتجتها ظروف التخلف العربي، وساعد المستعمر الأوربي على تجذيرها، جاء النضال العربي التحرري فيما بعد لا ليزيلها، بقدر ما جاء ليعمل على تكريسها، وذلك بسبب الموقف النضالي لحركة التحرر العربية، الذي طغى عليه الطابع القطري. أو بتعبير آخر، إن مرحلة الكفاح ضد المستعمر من أجل التحرر وخلق الدولة القومية، جاءت نتائجه لتبلور الدولة القطرية، نقيض الدولة القومية، بسبب طبيعة النضال التحرري الذي طغى عليه الطابع القطري لا القومي. وهذا يدفعنا في المحصلة إلى القول أيضاً: إن الدولة القطرية العربية التي استنفدت طاقاتها التحررية، وأثبتت عجزها أمام التحديات الداخلية والخارجية، أصبحت برأيي تشكل عبئاً ليس على المشروع القومي فحسب، بل وعلى نفسها أيضاً، سيما وأنها أصبحت مرشحة في ظل النظام العالمي الجديد للتفتيت والتذرير وفق مرجعيات تقليدية مأزومة كما أشرنا سابقاً. من هنا تملي علينا الضرورة أن نعيد طرح شعاراتنا القومية من جديد على اعتبارها تشكل الأفق المستقبلي لنهضتنا العربية، ولكن علينا طرحها وممارستها هنا وفق مراعاة قانون عقلاني يقر بضرورة النظر بعقلانية إلى الواقع العربي الملموس في الزمن الملموس، دون التخلي عن أهدافنا المستقبلية، وهي بناء مشروعنا القومي التحرري.