مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
"في أنيابها السم ناقع"، وبلحن
الأعرابي في حضرة الرسول، وبتياين لغات
العرب، تبايناً تحدثت عنه في فصل "لغات
العرب" وقد وقع في كثير من صميم خصائص
اللغات، ومن بينها أمور تخص قواعد
الإعراب، وفيه تعارض أيضاً مع القرارات
الشهيرة والشاذة للقرآن، وبينها أمور تخص
قواعد النحو والصرف والإعراب، وفيه تعارض
مع ما ذكروه من أن "أطراف الجزيرة لم تكن
خالصة العروبة في القديم، بل كان أهلها
مغلوبين على أمرهم ؛ فلم يكن لهم من معنى
اللغة إلا تعاور المنطق والاستبداد
بالكلمات يتلقفونها ممن حولهم، لأن ملكات
الوضع العربي فيهم غير صحيحة، وشروطه غير
تامة، وليس كل عربي الجنس عربي اللسان،
وإلا فما بال الحميريين ومن قبلهم من
الأمم السالفة ؟".وكيف يعقل نفي اللحن عن العرب مع وجود
اللغات، ووجود التعارض والإختلاف البين
بين قواعد هذه اللهجات، هل يعقل أن يتكلم
العربي الجنوبي، باللغة العربية الفصيحة
من غير خطأ و لا لحن، ولسانه غير لساننا،
وعربيته غير عربيتنا، وقواعده على خلاف
قواعدنا، وإعرابه على خلاف إعرابنا، كما
أثبت ذلك بالبرهان القاطع من الكتابات
الجاهلية، وبأقوال علماء العربية أنفسهم،
وفي مقدمتهم "أبو عمرو بن العلاء"، القائل:
"ما لسان حمير بلساننا، و لا لغتهم بلغتنا".
ثن اننا إذا أخذنا القراءات المتنوعة التي
قرئ بها القرآن، والشواهد الشعرية
الكثيرة التي أوردها علماء العربية
والنحو على الشواذ، وما يذكره العلماء من
خلاف في النحو، فإننا لا يمكن تفسير
خروجها على القواعد إلا بأنها أثر من أثر
بقايا اللهجات. وخروجها على القواعد، هو
لحن. ومن خرج على القواعد عدّ لحاناً، مهما
كان عصره أو جنسه، جاهلياً كان أو مسلماً،
عربياً كان أم أعجمياً، لأن اللحن لا يختص
بعصر أو جنس.ان ما دعوه باللحن، وما أخذوا الأعاجم
عليه، من عدم تمكنهم من النطق ببعض
الحروف، أو من وقوعهم في أخطاء نحوية،
نراه قد وقع للعرب الفصحاء في الجاهلية
وفي الإسلام، فما كان ينطقه بعض العرب من
اشمام الصاد صوت الزاي، أو من النطق
بالجيم "كافاً" على اللهجة المصرية، يعدّ
لحناً، إن صدر من أعجمي، أما ان صدر من
عربي، فلا يقال لذلك لحناً، بل يقال انه
لغة من لغات العرب. واذا تصورنا ان عربية
الجاهليين، كانت عربية عالية واحدة، على
نحو ما يراه أهل الأخبار وعلماء اللغة،
وجب اعتبار هذه اللغات لغات عامية،
المتكلم بها خارج على قواعد اللغة، فهو
ممن يلحن ويخطئ سواء كان عربياً، أم
أعجمياً، جاهلياً أم أسلامياً، فنحن
نتكلم هنا عن اسلوب كلام، لا عن رسّ وأصل.اننا حين نقول ان اللحن لم يكن معروفاً
بين أهل الجاهلية، نكون قد حصنّاهم
بالعصمة: بعصمة اللسان، ونكون قد جعلناهم
بذلك شعباً مختاراً، فضل بعصمة لسانه على
ألسنة سائر البشر، ولكن العلم لا يعرف
عصمة و لا حصانة في لسان، وهو يرى ان اللحن
لا بد وأن يقع عند أي شعب، أو قوم، أو
قبيلة، حتى ان كانت القبيلة في سرة
البادية، وفي معزل ناءٍ، لأن الطبيعة توجد
من اختلاف قابليات أفراد القبيلة ومن
اختلاف مستوى عقلياتهم وثقافاتهم وتباعد
سكنهم بعضهم عن بعض، خروجاً على اللسان،
فيظهر اللحن الشاذ، ويبرز النشاز في
اللغة، مهما كان موطن هذه القبائل، في
جزيرة العرب أو في أي موضع آخر من العالم،
فاللحن، أي التبليل في الألسنة من الأمور
الطبيعية، التي توجدها طبيعة البشر
وطبيعة الاقليم، وأمور أخرة بحث فيها
علماء اللغة و الاجتماع، و لا يمكن أن يكون
العرب بمنجاة منها ! لقد تحير "السيوطي"
وغيره في تفسير خبر ورد عن "سعيد بن جبير"
من انه "كان يقرأ: والمقيمين الصلاة،
ويقول: هو لحن من الكاتب". فقال: "وهذه
الآثار مشكلة جداً، وكيف يظن بالصحابة
أولاً انهم يلحنون في الكلام فضلاً عن
القرآن، وهم الفصحاء اللدّ ! ثم كيف يظن
بهم ثانياً في القرآن الذي تلقوه من النبي
صلى الله عليه وسلم، كما أنزل، وحفظوه،
وضبطوه، وأتقنوه، ثم كيف يظن بهم ثالثاً
اجتماعهم على الخطأ وكتابته ! ...الخ"، وفي
بعض هذه القراءات خطأ حصل من الكتابة، قال
"هشام بن عروة عن أبيه، قال: سألت عائشة عن
لحن القرآن عن قوله تعالى: إن هذان
لساحران، وعن قوله تعالى: والمقيمين
الصلاة والمؤتون الزكاة.
وعن قوله تعالى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون،
فقالت: يا ابن أخي، هذ عمل الكتّاب اخطئوا
في الكتاب"، أي من الرسم، وهو في الأكثر،
فهذا الخطأ في الرسم القديم للكتابة، هو
الذي جعل العلماء يسمونه لحناً، وهو ليس
بلحن في الأصل، وانما جاء اللحن من قراءة
القراء بألحانهم، أي على حسب لغاتهم، وإلا
فلا يعقل تطاولهم على القرآن بقراءاتهم له
قراءة مخالفة للإعراب ولما نزل به الوحي.