الفاظاً في الأكثر، لكنه في الواقع تحريف
وتزييف، وتغيير للنصوص وتبديل لها، حرمنا
من الوقوف على قواعد اللهجات العربية عند
الجاهليين، بسبب ان المعدلين المصححين،
لم يشيروا في كثير من الاحايين إلى
المواضع التي غيروا وأجروا التصحيح فيها،
ولو فعلوا ذلك، لكان الأمر علينا سهلاً
هيناً، إذ يكون في وسعنا إرجاع الأمور إلى
نصابها والوقوف على النصوص، وإن كان
علملهم هذا هو عمل مخالف للذمة وللحق، حتى
في هذه الحالة، لأن من قواعد الأمانة وجوب
المحافظة على الاصل.وعندي ان اللغة التي نظم بها الشعر
الجاهلي هي لغة الأعراب، وهي اصل اللغة
العربية، ولغه أهل البوادي والقرى التي
غذتها البادية بالسكان. ولهذا قال
"الجاحظ": "ومن تمام آلة الشعر أن يكون
الشاعر أعرابياً"، دلالة على ما ببلادية
والبداوة من صلة به. ولهذا أيضاً جعل
العلماء مقياس الشعر أن يكون عربياً
بألفاظ نجدية، أي اعرابية خالصة، وهذه
العربية كانت تمتد فتشمل لغة أعراب بادية
الشام، بما في ذلك قرى الفرات العربية،
التي جاء سكانها العرب من البادية. ولهذا
ايضاً حفلوا بالشعر الصلب الصلد، المنظوم
بألفاظ بدوية صميمة تمثل الغلظة والشدة
والمتانة، ولم يميلوا إلى شعر شعراء أهل
القرى، لأنه شعر سهل سلس، خال من صلابة
البوادي ومن غلظة الشعر الاعرابي.وشعراء الجاهلية بعد، إما شعراء ظهروا
بين أهل الوبر، فهم شعراء أعراب يمثل
شعرهم نفس البادية، وطبيعة البداوة
وعقليتها، وإما شعر أهل المدر وهم الحضر،
المستقرون، وسكان القرى. ولشعر شعرائهم
طابع خاص يمثل الطبيعة الحضرية حسب
درجاتها ومراتبها واختلاط أهلها
بالاعاجم، أو انعزالهم في مستوطنات حضرية
ظهرت في البادية. فمن سافر من شعرائهم
واختلط بالاعاجم، وشاهد بلاد الشام
والعراق، تأثر بما شاهده، فبان ذلك الاثر
في شعره، كما يظهر ذلك في شعر الاعشى، وعدي
بن زيد العبادي، وأمية بن أبي الصلت.وطبيعي أن يكون بين الشعراء تنافس وتحاسد
وتقديم وتأخير وتفضيل. وفي كتب الأدب
أمثلة على منافرات ومناظرات جرت بين
شعراء، لبيان رأيهم في شعر شعراء آخرين.
وطبيعي أيضاً أن يكون بين شعراء الجاهلية
كالذي وقع في كل زمان ومكان، شعراء فحول،
وشعراء دونهم في المنزلة والدرجة وفي
القدرة في الشعر.وذكر أن الشعراء الجاهلية كانوا يتفاخرون
بعضهم على بعض، ويتعارضون في قول الشعر،
يومالطون. والممالطة: أن يقول رجل نصف بيت
ليتمه الاخر، ويقال لذلك التمليط، وأن
يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيماً وهذا
قسيماً، لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه، وهو
نوع من التفاخر والتنافر والتعجيز وإظهار
النفس بالتغلب على المنافس.وللشعراء بعد منازل في قول الشعر، فمنهم
الشاعر الفحل، الذي لا يبارى، ذكر أنهم
كانوا لا يسمون الشاعر فحلاً، إلا إذا
كانت له حكمة. ومنهم الشاعر الخنديد.
والخنديد: الفحل، والشاعر المجيد المفلق،
وتطلق اللفظة ايضاً على الخطيب البليغ
المفوه المصقع وعلى العالم بأيام العرب
وأشعارهم. وقيل: الشاعر الخنديد، هو الذي
يجمع جودة شعره في رواية الجيد من شعر
غيره.
والمفلق، هو الذي لا رواية له، إلا
أنه مجود كالخنديد في شعره، وقيل: هو الذي
يأتي في شعره بالفلق، وهو العجب. ثم يليه
الشاعر فقط، وعرفوا الشاعر، انه الذي لم
ينعته علماء الشعر بنعت نمن هذه النعوت
ومن كان فوق الردئ بدرجة. وأما الشعرور،
فهو لا شئ، والشويعر، هو من كان دون الشاعر
في الشعر. ويذكرون ان الشعراء أربعة. ذكروا
في شعر، ينسبه بعضهم إلى الحطيئة، هو:
الشعراء فأعلـمـن أربـعة
وشاعر ينشد وسط العمـعة
وشاعر اخر لا يجري معه
فشاعر لا يرتجى لمنفـعة
وشاعر اخر لا يجري معه
وشاعر اخر لا يجري معه
يا رابع الشعراء كيف هجوتني
وزعمت أني مفحم لا أنطـق
وزعمت أني مفحم لا أنطـق
وزعمت أني مفحم لا أنطـق
طبقات:شاعر وشويعر، وشعرور. وروا: أن امرأ
القيس بن حجر أطلق لفظة "الشويعر" على "محمد
بن حمران بن ابي حمران"، وهو ممن سمي محمداً
في الجاهلية، وهو شاعر قديم، فقال فيه:
أبلغا عني الشويعر أني
عمد عين نكبتهن حزيما
عمد عين نكبتهن حزيما
عمد عين نكبتهن حزيما