"عبد الله بن الزبعري"، بني قصيّ، خاف قومه
من هجاء "الزبير بن عبد المطلب"، فرفعوه
برمته إلى "عتبة بن ربيعة"، فلما وصل اليهم
أطلقه "حمزة بن عبد المطلب" وكساه، وكان
"الزبير" غائباً بالطائف، فلما وصل مكة
وبلغه الخبر هجا قوم "ابن الزبعري" هجاء
مراً، بقوله:
فلولا نحن لم يلبس رجـال
ثيابهم سِمـالُ أو طـمـارُ بها
ولكنّا خلقنا إذ خـلـقـنـا لنا
الحبرات والمسك الفتيت
ثيابَ أعزة حتى يمـوتـوا
دسم كما دسم الحَمـيت
الحبرات والمسك الفتيت
الحبرات والمسك الفتيت
أطلقه حمزة:
لعمرك ما جاءت بنكر عشيرتي
فودّ جناة الشرّ أن سـيوفـنـا
فإن قصيّاً أهل عـزّ ونـجـدة
هُمُ منعوا يومي عُكاظ نساءنـا
كما منع الشول الهجان قرومها
وإن صالحت إخوانها لا ألومها
بأيماننا مسلولة لا نشـيمـهـا
وأهل فعالٍ لا يرام قديمـهـا
كما منع الشول الهجان قرومها
كما منع الشول الهجان قرومها
أفراد وقبائل، صاروا يصطنعون الشعراء
ويحسنون جهدهم اليهم خشية ألسنتهم،
يفعلون ذلك بشعرائهم وبشعراء القبائل
الأخرى ممن يخشون سلاطة ألسنتهم. يفعلون
ذلك حتى إذا كان الشاعر قد أساء اليهم، على
أمل التكفير عن ذنبه، بمدحهم بشعر ينفي أثر
ما قاله فيهم من هجاء. حتى انهم كانوا يعفون
عن شاعر قد يقع أسيراً في أيديهم، إذا
أعطاهم العهود والمواثيق ألا يعود إلى
هجوهم، وألا يقول شعراً في ذمهم. وقد
يغدقون عليه بالهدايا والألطاف تأليفاً
للسانه، وأملاً في مدحه لهم، والقاعدة
عندهم ان أثر الهجاء يمحوه المدح.وبين الشعر الجاهلي والشعر الاسلامي فروق
واضحة في الأسلوب وفي الاتجاه وفي الجزالة
واختيار الكلمات، اقتضتها طبيعة اختلاف
الزمان وتغير الحال واتصال العرب بغيرهم،
وخلود أكثرهم إلى الحضارة، إلى غير ذلك من
أسباب.ومما امتاز فيه الشعر الجاهلي عن الشعر
الاسلامي، هو أن شعراءه كانوا من العرب،
إلا بضعة شعراء، كانوا من أصل خليط، مثل
الأغربة، الذين كانت أمهاتهم من أصل
افريقي. و لا أعلم اسم شاعر جاهلي، يرجع
أصله إلى فارس أو الروم، إلا ما ذكره "ابن
الكلبي" من أمر "خرخسرة". أما في الإسلام
فقد زاحم الفرس بصورة خاصة العرب على
تراثهم التليد، وهو الشعر، برزّ منهم فيه
فحول، طوروا الشعر ولوّنوه، وأضافوا اليه
معاني جديدة، اقتضتها طبيعة الامتزاج بين
العقليتين والتطور الجديد الذي ظهر في
المجتمع الجديد، مجتمع العرب والموالي.ولعلماء الشعر آراء في الشعر الجاهلي وفي
شعراء الجاهلية، وفي شعرهم وفي الاستشهاد
بالشعر الجاهلي. ولهم آراء في ذلك دوّنوها
في كتبهم. من ذلك أن العرب كانت لا تروي شعر
شاعر، أو لا تعجب به إذا كانت ألفاظه ليست
نجدية. ذكروا أن "العرب لا تروي شعر أبي
دواد وعدي بن زيد. وذلك لأن ألفاظهما ليست
بنجدية". وذكروا عن شعر "عدي بن زيد
العبادي"، أن "العرب لا تروي شعره، لأن
ألفاظه ليست بنجدية. وكان نصرانياً من
عباد الحيرة قد قرأ الكتب". وقالوا عنه
أيضاً "وكان يسكن بالحيرة، ويدخل الأرياف،
فثقل لسانه، واحتمل عنه شيء كثير جداً،
وعلماؤنا لا يرون شعره حجة".وجزالة الألفاظ وشدة وقعها على الأسماع
وغرابتها، هي من أهم المعايير التي اتخذها
علماء الشعر في تقدير قيم الشعر الجاهلي،
والقصيدة الجيدة الحسنة هي القصيدة
الجزلة الفخمة الألفاظ التي لا تتسم
بالسهولة والليونة، والتي لا تفهم إلا
بالرجوع إلى الشروح والتعليقات
والايماءات والإشارات. ومن هنا فوّقوا شعر
الأعراب على شعر الحضر، لوجود لين في شعر
أهل المدر، ولسهولته، ومن هنا قالوا: إن في
شعر قريش ليناً وسهولة، وفي شعر أهل الحيرة
وأهل القرى مثل ذلك.وقد تعرض "ابن رشيق" لموضوع الشعر الجاهلي
القديم والشعر الإسلامي المحدث، فقال:
"إنما مثل القدماء والمحدثين كمثل رَجُلين
ابتدأا هذا بنا فأحكمه وأتقنه، ثم أتى
الآخر فنقشه وزيّنه فالكلفة ظاهرة على هذا
وان حسن، والقدرة ظاهرة على ذلك وإن خشن".