مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
وزعموا ان هذا كان نهج شعراء الجاهلية في
نظم شعرهم، ونهج شعراء صدر الإسلام، حتى
اختلط العرب بالعجم، وانتقل العرب من حياة
إلى حياة، وظهر الشعراء الأعاجم الذين لم
يتمكنوا من غسل أدمغتهم من المعاني
الأعجمية، ومن التفكير الأعجمي، فنظموا
الشعر بالعربية، ولكن بمعان أعجمية
جديدة، وجاءوا ومن تأثر بالحضارة العربية
الجديدة التي ظهرت في البلاد المفتوحة
بآراء مستجدة، وظهر التجديد في الشعر
العربي، وابتعد بذلك عن اسلوب الشعر
الجاهلي.ويتوقف طول الشعر وقصره على "نفس الشاعر"،
أي على الظروف النفسية التي تحيط بالشاعر
حين ينظم شعره، وبالمؤثرات التي أثرت
عليه. وقد سئل "أبو عمرو بن العلاء"، "هل
كانت العرب تطيل؟ قال: نعم ليسمع منها. قيل:
هل كانت توجز ؟ قال: نعم ليحفظ عنها. ويستحب
عندهم الإطالة عند الإعذار والإنذار
والترغيب والترهيب والإصلاح بين القبائل
كما فعل زهير والحارث بن حلزة ومن
شابههما، وإلا فالقطع أطير في بعض المواضع
والطوال للمواقف المشهورة".وقد ذهب "غرونبام" إلى امكانية تقسيم
الشعر الجاهلي إلى مدارس أدبية متميزة،
جعلها ستة مدارس أو أتجاهات أو مذاهب
بتعبير أصح. تضم الشعراء الذين ولدوا ما
بين سنة 440 و 530 م على وجه التقريب. "وليس
معنى هذا أنه ليس هنالك شعراء تتجافى
طبيعتهم نفسها عن مثل هذا التقسيم وتشذّ
عنه. فإن الشاعرين الصعلوكين الشهيرين
تأبط شراً والشنفري، هما المثلان
البارزان على مثل هذه المواهب الفردية.
ولعل من أمتع الأمور، ما يتجلى في آثار تلك
الفئة من الشعراء، الذين عاشوا في بلاط
الحيرة، من مظاهر الحضارة الساسانية. فأبو
دؤاد الايادي "حوالي 480-550 م"، والشاعر
النصراني عديّ بن زيد "حوالي 545 -585 م"،
يتجلى في شعرهما خليط من العقلية البدوية
والتفكير الحضلاي.
وطرفة "حوالي 535-538 م"
وكذلك الأعشى، ينقلان إلى العراق سياقاً
فنياً آخر لمدرسة أخرى ينتمي أعلامها إلى
قبيلة قيس بن ثعلبة، من بنب بكر بن وائل،
هذا وليس من شك في أن الأعشى هو أكبر مالك
لأزمة اللغة بين شعراء الجاهلية، وان
المشاهد البهجة في قصائده تنم عن تأثير
الشعراء الساسانيين. ثم إن امرأ القيس بن
حجر الأمير الكندي "حوالي 500-540 م"أشهر
شعراء العرب الجاهليين وأبعدهم أثراً،
كان نظير طرفة، صاحب احدى القصائد
النموذجية المعروفة بالمعلقات. ومعاصره
عبيد بن الأبرص يمثل قمة مدرسة أخرى من هذه
المدارس.وقبل أن يتجرم القرن السادس، كانت وحدة
اللغة واتساق الاسلوب، قد قطعا مرحلة
واسعة نحو التبلور. وقد تداخلت هذه
المدارس عن طريق تجمع المفردات وتوارد
الصور الشعرية، لكن هذا التطور لم يتسع
فيشمل جماعات الشعراء التي عاشت إلى جانب
التيار الرئيسي الذي جرى فيه الشعر
العربي. وأهم مدارس هذا العصر المتأخر هي
مدرسة الشعراء الهذليين التي برزت آثارها
ما بين سنة 550-700 م. وكان من الموضوعات التي
اختصت بها هذه الجماعة وصف النحل والعسل.
ومثل هذه الأوصاف قد استتبعت ضرباً من
الخصوبة في مشاهد الطبيعة لا سيما حيث
ألحت بالشاعر الرغبة في جمع العسل البري.ويشتمل ديوان الهذليين على قصائد كثيرة
لأفراد ما نظموا الشعر ألا لماماً. و لا بد
ههنا من التأكيد أنه كان إلى جانب الشعراء
"المحترفين"، عدد عظيم من الشعراء "الهواة"
والذين عمدوا، بين الفينة والفينة، إلى
التعبير بالشعر عن عواطفهم ورغباتهم. وهذا
يعلل لنا ما نجده دائماً من أبيات هي من حيث
التأريخ وليدة عصر واحد، لكنها ليست كذلك
من حيث درجة الاتقان. فشعر غير المحترفين
يغلب أن يكون دون شعر المحترفين بنحو من
جيل على أقل تقدير. ولما لم تكن هذه
الظواهر قد أخذت حتى الآن بالاعتبار
الكافي، فقد ساعد ذلك على استمرار
الاعتقاد بجمود الشعر القديم في سياقه
الموحد. وقد بقي في مؤخرة الركب-لكن
ثقافياً لا فنياً- الرجز الذي هو أقرب إلى
الأدب الشعبي. على أن الفاصل ما بين الرجز
والقريض -وهو الشعر بالمعنى المعروف-قد
ظلحاداً إلى عهد متأخر جداً".وبعد، فهناك مسائل تتصل بتطور الشعر
الجاهلي أرى ان من المستحيل حلها في الوقت
الحاضر، لعدم وجود أدلة علمية مقبولة يمكن
أن يركن اليها لحل ما عندنا من عقد
مستعصية، مثل نشأة وتطور الشعر العربي،
وكيف نشأت القصيدة، وعدد الأوزان والبحور
العروضية التي سار عليها الجاهليون في وزن
الشعر،