في شعر، أو اراد الوقوف عليه وعلى ظروفه،
كتب إلى العلماء به، يسالهم عنه، أو
يستدعي من يعرف إن له علما به، فيساله عنه،
أو يسأل آل الشعر أو احد افراد قبيلته عنه.
وكان كثير الحفظ له، حتى كاد لا يدانيه فيه
كثير من حفاظ الشعر، وكان يجمع اليه
الشعراء في يوم، حتى يستمتع بإنشاد شعرهم،
وشعر المتقدمين عليهم. وكان له ذوق في
الشعر ونقد دقيق له، ذكر انه قال يوما
للشعراء وقد اجتمعوا عنده: "تشبهوننا
بالاسد والاسد ابخر، وبالبحر والبحر
اجاج، وبالجبل مرة والجبل أوعر، اقليم كما
قد قال له: "يا امير المؤمنين، قد امتدحتك
فاستمع مني" "إن كنت انما شبهتني بالصقر
والاسود فلا حاجة لي في مدحتك، وإن كنت كما
قالت اخت بني الشريد لأختها صخر فهات. فقال
الاخطل:
وما بلغت كف امرىء متـنـاولٍ
من المجد الا حيث ما نلت اطول
من المجد الا حيث ما نلت اطول
من المجد الا حيث ما نلت اطول
الشاعر على عبد الملك بن المروان، فانشده
والاخطل حاضر، "قال عبد الملك الاخطل: هذا
المدح ويلك يا ابن النصرانية".وكان يجمع بين الشعراء، ويستمع إلى
شعرهم، يجمعهم حتى إن كانوا متعادين
متنافسين، فقد جمع بين جرير، والفرزدق،
والاخطل، في مجلس واحد، وذكر انه سأل
اعرابيا شاعرا عن أهجى بيت في الإسلام،
وعن ارق بيت في الإسلام. فاشار إلى ابيات
لجرير وفضل جرير عليهما، فأيده عبد الملك
في هذا الرأي.وقد وصف "عامر" الشعبي، "عبد الملك بن
مروان" وصفا يدل على شدة اعجابه به، اذ
يقول في وصفه له: "فلما فرغ من الطعام وقعد
في مجلسه واندفعنا في الحديث، وذهبت الناس
به، وربما زاد فيه على ما عندي، ولا انشدته
شعرا إلا فعل مثل ذلك، وانكسر بالي له، فما
زلنا على ذلك بقية نهارنا، فلما كان اخر
وقتنا التفت إلي وقال: يا شعبي، قد واللع
تبينت الكراهية في وجهك لما فعلت، وتدري
أي شيء حملني على ذلك ؟ قلت: لا يا امير
المؤمنين. قال: لئلا تقول: لئن فازوا
بالملك اولا لقد فزنا نحن بالعلم، فأردت
إن اعرفك أنا فزنا بالملك وشاركناك فيما
انت فيه"، ولهذا اجتمع اليه الشعراء
وعلماء الأخبار ورواة الناس، حتى حفلت بهم
مجالسه، وكان يذاكرهم ويحادثهم وينوه بهم
ويدني مجالسهم. وذكر إن عبد الملك ارسل إلى
الحجاج إن يرسل اليه "الشعبي"، فارسله
اليه، فلما دخل عليه كان "الاخطل" عنده،
فاخذ يسأله عن الشعر، ويسأل الاخطل عنه،
حتى إذا انتهى، قال له: يا شعبي، انما
اعلمناك هذا، لانه بلغني إن اهل العراق
يتطاولون على اهل الشام ويقولون: إن كانوا
غلبونا على الدولة، فلن يغلبونا على العلم
والرواية، واهل الشام اعلم بعلم اهل
العراق من اهل العراق". وكان الشعبي قد جعل
الخنساء اشعر النساء اما عبد الملك ففضل
ليلى الاخيلية عليها. فشق ذلك على الشعبي،
فقال له ذلك القول، وردد عليه ابيات عليه
ابيات الاخيلية حتى حفظها. والرواية
المتقدمة التي اخذتها من "الرافعي" هي هذه
الرواية بشيء من التغير.وكان يتمثل بالشعر الجيد، ويثني على
الحسن منه، ويحسن نقده. تمثل بشعر لهذيل بن
مشجعة البولاني، وقال: "هذا و الله شعر
الاشراف. نفى عن نفسه الحسد والالؤم
والانتقام عند الامكان، والمسألة عند
الحاجة". وله مجالس كان يسألأ فيها الناس
عن الشعر، يمتحنهم، وذكر انه سأل رجلا وهو
بالكوفة عن شعر "ذي الاصبع العدواني" وعن
اخباره، وكان من عدوان، فلما وجده جاهلا
حط من عطائه، وذكر انه اجتمع بالربيع بن
ضبيع الفزاري، وسأله عن اخباره، وانه كان
يبدي ملاحظات قيمة على اشعار الشعراء
الجاهليين والمعاصرين له، فلما قدم
"الاجرد" "الاحرد"، وهو من شعراء ثقيف في
نفر من الشعراء، قال له: انه ما من شاعر الا
وقد سبق الينا من شعره قبل رؤيته فما قلت".و كان "الوليد" و "سلمان" ابنا "عبد الملك"
من المولعين بالشعر كذلك، وذكر إن "الوليد"
كان يقدم "النابغة" على غيره من الشعراء،
وكان "سليمان" يقدم "امرأ القيس"، فذكر ذلك
لعبد الملك، فبعث إلى اعرابي فصيح، ليكون
الحكم بينهما. ورويت القصة بشكل آخر، ورد
فيها إن "الوليد بن عبد الملك" تشاجر مع
اخيه "مسلمة" في شعر "امرىء القيس" و
"النابغة" الذبياني في وصف طول الليل ايهما
أجود، فرضيا بالشعبي فأحضر، فصار الحكم
بينهما.