مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
وذكر "ابن قتيبة" أن "المتكلف من الشعر وإن
كان جيداً محكماً، فليس به خفاء على ذوي
العلم، لتنبيههم فيه ما نزل بصاحبه من طول
التفكر، وشدة العناء، ورشح الجبين، وكثرة
الضرورات، وحذف ما بالمعاني حاجة اليه،
وزيادة ما بالمعاني غنى عنه".وقال: "والمطبوع من الشعراء من سمح بالشعر
واقتدر على القوافي، وأراك في صدر بيته
عجزه، وفي فاتحته قافيته، وتبينت على شعره
رونق الطبع ووشي الغزيرة، وإذا لم يتلعثم
ولم يتزحر".والتكلف في نظم الشعر شئ ممجوج ما في ذلك
شك، لما فيه من تصنع وتنطع، وخروج على عفو
الخواطر، وعلى الطبع. اما تهذيب الشعر
ومراجعته وتشذيبه، والتاني فيه، والنظر
فيه، لتعبيده وتشذيبه، حتى يكون عذباً
نقياً، نابعاً عن شاعرية وسليقة، خالياً
من الشطحات والنزوات، يعجب السامع، فأمر
آخر، على ألا يتجاوز الحد، بحيث يخضع
الشعور لاستبداد الصنعة، فهو عندئذ معيب.
وقد رأى "الاصمعي"، وهو من نقدة الشعر
وعلمائه، في تثقيف الشعر وحكه وتشذيبه
عبودية للشعر، انتقد "زهيراً" و"الحطيئة"
عليها، فقال: "زهير بن أبي سلمى والحطيئة
وأشباههما، عبيد الشعر. وكذلك كل من جود في
جميع شعره، ووقف عند كل بيت قاله، واعاد
فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها
مستوية في الجودة. وكان يقال: لولا إن
الشعر قد كان استعبدهم واستخرج مجهودهم،
حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة،
، عبيد الشعر. وكذلك كل من جود في جميع
شعره، ووقف عند كل بيت قاله، واعاد فيه
النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية
في الجودة. وكان يقال: لولا إن الشعر قد كان
استعبدهم واستخرج مجهودهم، حتى أدخلهم في
باب التكلف وأصحاب الصنعة، ومن يتلمس قهر
الكلام، واغتصاب الالفاظ، لذهبوا مذهب
المطبوعين، الذين تأتيهم المعاني سهواً
ورهواً، وتثال عليهم الالفاظ انثيالاً،
وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي.
. ولذلك قالوا في شعره: مطرف بآلاف، وخمار
بواف وقد كان يخالف في ذلك جميع الرواة
والشعراء". وقد فسر "ابن قتيبة" الجملة
الاخيرة المتعلقة بالنابغة الجعدي،
بقوله: "وكان العلماء يقولون في شعره خمار
بواف، ومطرف بآلاف. يريدون إن في شعره
تفاوتاً، فيعضه حد مبرز، وبعضه ردئ ساقط".وجاء في "العمدة" "لابن رشيق": "وكان
الأصمعي يقول: زهير والنابغة من عبيد
الشعر، يريد انهما يتكلفان اصلاحه،
ويشغلان به حواسهما وخواطرهما"، فوضع
"النابغة" في موضع "الحطيئة" المذكور في
"البيان والتبيين" وفي الموارد الأخرى.قال "السيوطي" "قال الجاحظ في البيان: كان
الشاعر من العرب يمكث في القصيدة الحول،
ويسمون تلك القصائد الحوليات والمنقحات
والمحكمات، يصير قائلاها فحلاً خنذيذاً
وشاعراً مفلقاً". فالقصيدة الحولية
المنقحة المحكمة، هي القصيدة التي يتأنى
بها صاحبها، فيهذب فيها ويشذب، حتى
يحكمها، لتصير متماسكة بينة متينة، ومن
هنا قال "الحطيئة": " خير الشعر الحولي
المنقح"، أو "خير الشعر الحولي المحكك".
وكانوا يسمون تلك القصائد ايضاً
المقلدات، والحوليات، والمنقحات،
والمحكمات. وقد أوجز السيوطي كلام
"الجاحظ"، الذي أدرك ما كان يفعله الشاعر
بشعره من تغيير وتبديل ومن تنقيح وتجويد،
حتى يرضى عنه. فقال أكثر مما نقله "السيوطي"
عنه، فقال إن من الشعراء "من كان يدع
القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً وزمناً
طويلاً، يردده فيها نظره، ويجيل فيها عقله
ويقلب فيها رأيه، إتهاماً لعقله، وتتبعاً
على نفسه، فيجعل زماناً على رأيه، ورأيه
عياراً على شعره".
يفعلون ذلك ليخرج شعرهم
بليغاً بيناً، خالصاً نقياً، حتى ينالوا
منه ما يريدون من التأثير في السامع، ومن
استهواء الناس اليهم "وكانوا إذا احتاجوا
إلى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الأمور
ميثوا الكلام في صدورهم وقيدوه على
أنفسهم، فإذا قومه الثقاف وأدخل الكير
وقام على الخلاص أبرزوه محكماً منقحاً
ومصفى من الأدناس مهذباً". وقال: "وكانوا
يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات
والمنقحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلاً
خنذيذاً وشاعراً مفلقاً".والحوليات، هي القصائد التي يحول عليها
الحول. والمقلدات، البواقي من الشعر على
الدهر وقلائده. والمنقحات، القصائد
المنقحة المهذبة المحككة. يقال: خير الشعر
الحولي المنقح، وأنقح شعره إذا حككه،
واحسن النظر فيه، وأصلحه وازال عيوبه. وقد
كان الشاعر يحيل النظر في شعره، ويفكر فيه
ويصلح منه، قبل أن يعرضه على الناس، حتى لا
يعاب عليه، فيغض من قدره، وتهبط منزلته بين
الناس، وتطمع فيه الشعراء.