مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
أرشدنا واهدنا، والعهن والصوف، وزقية
وصيحة، وهلم وتعال وأقبل، وعجل وأسرعْ،
والظالم والفاجر، وعتى وحتى، وأمثال ذلك.
وهذه الأمثلة هي كلمات مختلفة لفظاً،
ولكنها في معنى واحد. وهي كما ترى مفردات
لا دخل لها في قواعد اللهجات.وأما الاختلاف في الاظهار، والإدغام،
والإشمام،لا والتفخيم، والترقيق،والمد،
و القصر، و الإمالة، و الفتح، والتحقيق، و
التسهيل، والابدال. فهذا ليس من الاختلاف
الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه
الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن
يكون لفظاً واحداً، وليس هو من قبيل
الإختلاف المؤثر في قواعد اللهجة، إنما هو
اختلاف في الصور الظاهرة لمخارج حروف
الكلمات، فلا يصح أن يعد فارقاً كبيراً
يمكن أن يكون حداً يفصل بين اللهجات، بحيث
يصيرها لغة من اللغات،ثم إن بعضه يعود إلى
الخط، وبعضه إلى التجويد، أي طريقة
التلاوة والأداء.وللحكم على أصل المترادفات، تجب مراجعة
سلسلة السند للوصول إلى صحة تسلسل الأخبار
من جهة، والى معرفة راوي الخبر والقبيلة
التي هو منها لمعرفة القراءة التي قرأها،
وهل هي من لهجة قبيلته، أم هي مجرد كلمة من
اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم نفسها،
تلقاها القارىء على الشكل الذي رواها في
قراءته.لقد أشار العلماء إلى أمثلة من كلمات غير
قرشية وردت في القرآن الكريم، ذكروا أنها
من لهجات أخرى، ومنها: الأرائك، ولا وزرَ،
و"حور"، وأمثال ذلك رجع بعضهم أصولها إلى
خمسين لهجة من لهجات القبائل، كما أشاروا
إلى وجود كلمات معربة أْخذت من لغات
أعجمية مثل الرومية، والفارسية،،
والنبطية، والحبشية، السريانية،
والعبرانية وأمثال ذلك، وألفوا فى ذلك
كتباً، منها: كتاب لأبي عبيد القاسم ين
سلام الهروي المتوفى سنة "223ه" "838 م"، واسمه:
"رسالة في ما ورد في القرآن من لغات
القبائل"، وكتاب لغات القرآن، لأبي زيد
الأنصاري المتوفى سنة "214 ه" "829م"، وغيرهما.
ولكن بحوث هؤلاء العلماء انحصرت في دراسة
المفردات، أي الكلمات، لا غير ثم إن الذين
تناولوها لم يكن لهم علم بأكثر اللغات
التي رجعوا أصولها إليها، ولا سيما اللغات
الأعجمية مثل الرومية، والسريانية،
والنبطية، والحبشية.غير إن من الجائز أن يكون هؤلاء قد سمعوا
عنها من الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام
ولكن طريقة السماع هذه لا تكفي لإعطاء حكم
على أصل لغة، بل لا بد من وجود علم ومعرفة
بقواعد تلك اللغة وتاريخها وتطورها،
والإحاطة بالعلاقات التاريخية بين العرب
وغيرهم قبل الإسلام لمعرفة كيفية دخول تلك
الكلمات إلى العرب، وإيجاد وجه صحيح
للمقارنة بين اللغتين، وهذا ما لم يحدث في
تلك الأيام، ولمّا كانت قراءة عبد الله بن
مسعود من القراءات المشهورة المعروفة،
وكان عبد الله بن مسعود من قبيلة هذُيل،
وجب علينا البحث في لهجة هذيل لمعرفة
خصائصها ومميزاتها وما انفردت به عن غيرها
من اللهجات. وهذيل من القبائل التي عرفت
بجودة لهجتها، في تدوين القرآن الكريم.
ولذلك رأى الخليفة عثمان أن يكون المملي
من هذيل والكاتب من ثقيف، وقد ذكرت لهجتها
في جملة اللهجات التي نص عليها في الحديث
المذكور على نحو ما أشرت اليه، كما أخرجت
عدداً من الشعراء جمع بعض العلماء أشعارهم
في ديوان، وقد طبع في القاهرة ديوان شعراء
هذيل. ويفيدنا شعر هؤلاء الشعراء بالطبع
في الوقوف على لهجة هذه القبيلة. ولكن هذا
الشعر هو مثل شعر سائر الشعراء الجاهليين
الاخرين مصقول مهذب، هذّب على وفق قواعد
اللغة العربية التي ضبطت في الإسلام، ثم
هو مضبوط برواية رواة هم في الأغلب من غير
هذيل ولهذا قلما تجد في شعر هؤلاء الشعراء
وغيرهمً ما يختلف عن قواعد اللهجة
العربية، حتى أننا لا نستطيع في هذه
الحالة أن ندعي إن هذا الشعر هو بلهجة هذيل
وقد حرمنا العقلُ الوقوف على لهجات
القبائل التي أخرجت أولئك الشعراء ومعرفة
موثراتها في شعر أولئك الشعراء.ومن أهم الأمثلة التي أوردها العلماء في
قراءة "ابن عباس" مما له علاقة باللهجات،
قراءته كلمة "حتى" "عتى" في الآية: ثم بدا
لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجنه حتى حين".
وقد ذكر المفسرون وعلماء اللغة أن هذه
القراءة هي بلهجة هذيلْ، وأن "عتى" هي "حتى"
عند هذه القبيلة ذلك لأن هذه القبيلة
تستعمل حرف العين بدلاً من الطاء في
لهجتها. ولم يشر العلماء إلى موضع أخرى
استعمل "ابن مسعود" فيها كلمة "عتى" في موضع
"حتى" الواردة في مواضع كثيرة من القرآن
الكريم، كما اننا لم نجد في كتب اللغة
المتقدمة إشارة إلى استبدال هذيل حرف
العين بحرف الحاء. ونظرية "فحفحة" هذيل،
رأي متأخر لم يقرن بأدلة وامثلة، فهو رأي
لا يمكن الأخذ به.