الشعراء، هم اصحاب فن، لا يهمهم الاخراج
الكثير، بل الشعر المحنك المنسق، ولذلك
يمكثون امدا يعيدون النظر فيه حتى يعجبهم
نظمه، فيذيعونه عندئذ بن الناس.وقد عرف "طفيل الغنوي" في الجاهلية
بالمحبر، وذهب علماء الشعر إلى انه انما
عرف بذلك الحسن لشعره، وكان مثل زهير
النابغة "في التنقيح وفي التثقيف
والتحنيك" وقد عرف "ربيعة بن سفيان" الشاعر
لارس بالمحبر". و "الحطيئة"، و "النمر بن
ثعلب" من هذه الطبقة التي تأنقت في شعرها
وتثقيفه. وقد عرف "النمر بن تولب" بالكيس
لحسن شعره. وورد في رواية اخرى انه قيل له
المحبر لقوله:
سماوته اسمال برد محبـر
وسائره من اتحمى مصعب
وسائره من اتحمى مصعب
وسائره من اتحمى مصعب
الغنوي، احد نعات الخيل من الجاهليين،
فعرف بطفيل الخيل لكثرة وصفه اياها، قيل
انه كان من اوصف الناس للخيل، وقد اخذ عنه
بعض الشعراء، مثل النابغة وزهير. وقيل انه
كان ثالث الشعراء الوصافين للخيل. وقد نشر
"كرنكو" ديواني طفيل والطرماح مع ترجمتهما
إلى الانكليزية، وذلك ضمن سلسلة منشورات
"جب".ذكر إن ابا بكر قال يوما للانصار: زادكم
الله عنا يامعشر الانصار خيرا، فما مثلنا
ومثلكم الا كما قال طفيل الغنوي:
جزى الله عنا جعفرا حين انزلقت
ابوا إن يملونـا ولـو إن أمـنـا
تلاقي الذي يلقون منا لمـلـت
بنا نعلنا في الواطئين فـزلـت
تلاقي الذي يلقون منا لمـلـت
تلاقي الذي يلقون منا لمـلـت
الشعراء لكم، وان عبد الملك ابن مروان،
قال: من اراد يتعلم ركوب الخيل فليرو شعر
طفيل.ومن جيد الشعر المنسوب له، قوله:
انـي وان قـل مـالـي لا يفـــارقـــنـــي مثـل
أو قـارح فـي الـغـرابــيات ذو نـــســـب
إن الـنـسـاء كـاشـجـار نـبـتـن مــعـــا
إن الـنـسـاء مـتـى ينـهـين عـن خــلـــق
لا ينصرفن لرشد إن دعين
له وهن بعد ملائيم مخاذيل
الـنـعـامة فـي اوصـالـهــا طـــول
وفـي الـجـراء مـسـح الـشـد اجــفـــيل
منها الـمـرار وبـعـعـض الـنـبـت مـأكـول
فانـه واجــب لا بـــد مـــفـــعـــول
له وهن بعد ملائيم مخاذيل
له وهن بعد ملائيم مخاذيل
وللخيل ايا م فمن يصطبر لها
ويعرف لها ايام الخير تعقب
ويعرف لها ايام الخير تعقب
ويعرف لها ايام الخير تعقب
اله "البغدادي".وقد قسم "ابن رشيق" الشعر إلى مطبوع
ومصنوع. ,"المطببوع هو الاصل الذي وضع
اولا، وعليه المدار. والمصنوع وان وقع
عليه هذا السم، فليس متكلفا تكلف اشعار
المولدين، ولكن وقع فيه هذا النوع الذي
سموه صنعة من غير قصد ولا تمثل، ولكن بطباع
القوم عفوا، فاستحسنوه ومالوا اله بعض
الميل، بعد إن عرفوا وجه اختياره على
غيره، حتى صنع زهير الحوليات على وجه
التنقيح والتثقيف: يصنع القصيدة، ثم يكرر
نظره فيها خوفا من التعقب، بعد إن يكون قد
فرغ من عملها في ساعة أو ليلة، وربما رصد
اوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك، والعرب لا
تنظر في اعطاف شعرها بان تجنس أو تطابق أو
تقابل، فتترك لفظة للفظة، أو معنى لمعنى،
كما يفعل المحدتون، ولكن نظرها في فصاحة
الكلام وجزالته، وبسط المعنى وابرازه،
واتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القوافي،
وتلاحم الكلم بعضه ببعض حتى عدوا من فضل
صنعة الحطيئة حسن نسقه الكلام بعضه على
بعض".ولم يعب علماء الشعر المنمق المحنك، إذا
لم تؤثر فيه الكلفة، ولم يظهر عليه
التعمل، ولم يخرج عن حدود الطبع. ومن هنا
قال بعض الحذاق بالكلام: "قل من الشعر ما
يخدمك، ولا تقل منه ما تخدمه. وهذا هو معنى
قول الاصمعي"، وهو معنى "ابن رشيق" وغيره من
علماء الشعر، اللذين يريدون شعرا طبيعيا
صدر من القلب وعن عفو خاطر، لا يعمل فيه
ولا تزويق يخرجه من الطبع إلى الصنعة،
فيكون ثقيل الظل لا تستسيغه الطباع.