مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
وأنا لا ابتعد عن الصواب، إذا ما قلت إن
القرآن قد ساعد في جمع الشعر الجاهلي وفي
فظه، بسبب اضطرار العلم على الاستعانة به،
في دراسة كتاب الله وفهمه، وفي تثبيت قواعد
اللغة التي وضعت لتحصين العربية، وجعلها
في متناول يد منَ لا علم له بها، يستعين
بها على النطق بها وفقاً لمنطق
العرب،وربما حمل ذلك البعض على انتحال
الشعر للاستشهاد به في ايجاد مخرج في
تأويل آية أو تفسير كلمة وردت في كتاب
الله، اذن فقول من يقول إن لغة القرآن هي
لغة قريش، وإن لغة قريش هي العربية افصحى،
وانها لغة الأدب عند الجاهليين، قول بعيد
عن الصواب، ولا يمكن إن ياخذ به من له أي
إلمام بتأريخ الجاهلية ووقوف على نصوص
الجاهليين، أخذ من روايات آحاد، وجدت لها
انتشاراً في الكتب القديمة ينقلها بعضها
عن بعض من غير نص على اسم السند والمرجع،
فصارت وكانها أخبار متواترة صحيحة أضاف
المحدثون عليها عامل النفوذ السياسي
والاقتصادي، والديني، لإكساء الفكرة
القديمة ثوباً جديداً يناسب العصر
الحديث، لتأخذ شكلاّ مقبولاَ. أما لو
سألتتي عن لغة القرآن الكريم، فأقول إِن
القرآن قد ضبطها وعينها، إذ سماها "لساناً
عربياً"، واللسان العربي، هو لسان كل
العرب، لا لسان بعض منهم، أو لسان خاصة
منهم، هم قريش، ولو كان هذا السان، هو لسان
قريش لنزل النص عليه في كتاب الله.ان قريشاً قوم من مضر في رأي علماء
الأنساب، فلسانهم على هذا لسان من ألسنة
مضر. وقد ورد لا عن ابن مسعود: أنه كان
يسُتحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من
مضر، وورد عن "الأصمعي" قوله: "جرم: فصحاء
العرب. قيل: وكيف وهم اليمن ؟ فقال: لجوارهم
مضر". فإذا كانت الفصاحة والعربية في مضر
فحري إذن نزول القرآن بلغة مضر، لا بلسان
قريش.لقد تمسك علماء اللغة بقول بعضهم:" أجمع
علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم،
والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالهم أن
قريشاً أفصحُ العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، و
ذلك إن الله تعالى اختارهم من جميع العرب،
واختار منهم محمداً صلى الله عليه وسلم،
فجعل قريشاً قطُّان حرمه، وولاة بيته،
فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون
إلى مكة للحج،ويتحاكمون إلى قريش، وكانت
قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها، ورقة
السنتها، إذا أتتهم الوفود من العرب
ماتخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن
لغاتهم، وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروا
من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا
عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب". كما
تمسكوا بقولهم: " كانت قريش أجود العرب ا
أنتقاداً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على
اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعاً،
وأبينها إبانة عما في النفس، والذين عنهم
نقلت العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ
اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس،
وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر
ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي
الإعراب والتصريف ثم هذيل، وبعض كنانة،
وبعض الطائيين، ولم يؤخذ من غيرهم من سائر
قبائلهم. وبالجملة فإنه لم يؤخذ من حضري
قط،.ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن
أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين
حولهم، فإنه لم يؤخذ لامن لخم، ولا من
جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من
قضاعة، وغسان، واياد، لمجاورتهم أهل
الشام وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية،
ولا من تغلب واليمن، فإنهم كانوا بالجزيرة
مجاورين لليونان، ولا من بكر.مجاورتهم للقبط والفرس، ولا من عبد القيس
وأزد عمان، لأنهم كانوا بالبحرين،
مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن
لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من.بني حنيفة وسكان الامة، ولا من ثقيف وأهل،
الطائف، لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين
عندهم، ولا من حاضرة الحجاز، لأن الذين
نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون
لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم،
وفسدت ألسنتهم، والذي نقل اللغة واللسان
العربي عن هؤلاء وآثبتها في كتاب فصيرها
علماً وصناعة هم أهل البصرة والكوفة فقط
من بين أمصار العرب". وعلة ذَلك "ما عرض
للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال
والفساد والخطل، ولو علم إن أهل المدينة
باقون على فصاحتهم، ولم يعترض شيء من
الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ
عن أهل الوبر، وكذا لو فشا في أهل الوبر ما
شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة
وخبالها، وانتقاص عادة الفصاحة
وانتشارها، لوجب رفض لغتها، ترك تلقي ما
يرد عنها".