مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
"فربما نفل الاسم على لفظ
القدمان من حمير، وكانت أسماء فيها ثقل
فخففتها العرب وأبدلت فيها الحروف
الذلقية، وسمع بها الناس مخففة مبدلة،
فإذا سمعوا منها الاسم الموفر، خال الجاهل
انه غير ذلك الاسم وهو هو. وخير ما يمكن ان
نفعله في نظري لمعرفة المتكلمين بالعربية
الفصحى، هوان نقوم بالبحث عن الخصائص
النحوية والصرفية واللفظية التي يّميزها
عن بقية العربيات، فإذا ضبطناها استطعنا
تعيين من كان يتكلم بها، لما كنا لا نملك
نصرصاًجاهلية مدونة بها، صار من الصعب
علينا التوصل إلى نتائج علمية ايجابية
مرضية، تحدد القبائل والأماكن التي تكلمت
بها تحديداً صحيحاً مضبوطاً، غير ان المثل
العريي يقول: ما لا يدرك كله لا يترك جله،
فإذا عسر علينا الحصول على نتائح كلية
مقنعة، فلا باس من الرضا بالحصول على جزء
أو بعض من نتائج قد تقدم لنا معرفة وعلماً -
ونحن إذا سرنا وفق حكمة هذا المثل، ودرسنا
خصائص هذه العريية، تجد أن من أولى
ميزاتها استعمال "ال" أداة للتعريف،
تدخلها على أول الأسماء النكرة، فتحليها
إلى أسماء معرفة، بينما تجد العرييات
الأخرى التي عثر على نصوص جاهلية مدوّ نة
بها تستعمل أدوات تعريف أخرى، ولما كنا
نعرف المواضع التي عثر فيها على هذه
النصوص، صار في إمكاننا حصرها، وبذلك
نستطيع التكهن عن المواضع التي كان يتكلم
أهلها بالعربية التي تستعمل "ال" اداة
التعريف، أي هذه العربية الفصحى.
ولما
كاتت العربية الجنويية قد استعملت ال "ن"
"إن" أداة للتعريف، تلحقها في أواخر
الاسماء المنكرة، وحيث أننا لم نتمكن حتى
الان من الحصول على نص في هذه الأرضين
استعمل "ال" أداة للتعريف فبأستطاعتنا
القول: إن سكانها لم يدوّنوا بالعربية
القرآنية، بل كان تدوينهم وكلامهم
بالعربية الجنوبية التي كانت تضم جملة
لهجات. ولما كان آخر نص عثر عليه مدوّ ن
بالمسند، يعود تأريخه إلى سنة "554"
للميلاد، صار في إمكاننا القول بأن
العربية الجنوبية كانت وبقيت لساناً
العرب الجنوبيين إلى ظهور الإسلام.ونظراً لعثور الباحثين على كتابات مدوّ
نة بالمسند، في "القرية" أو "قرية الفأو"
وفي مواضع اخرى من "وادي الفاو"، وفي مواضع
من "وادي الدواسر"، وفي مواضع تقع جنوبي
خشم العرض، فإن في استطاعتنا القول إن أهل
هذه الأرضين كانوا يكتبون بالمسند،
ويتكلمون بلغات عربية جنوبية، اختلفت بعض
الختلاف عن العربيات الجنوبية المستعملة
في العربية الجنوبية.
فهي إذن من المناطق
التي لم يتكلم أهلها بالعربية القرآنية.
ونظراً لما نجده من وجود بعض الاختلاف بين
عربية هذه المنطقة وعربية العربية
الجنوبية، فإننا نستطيع القول بانها تكون
مرحلة وسطى بين العربيات الجنوببة
والعربية القرآنية، وحيث أن كثيراً من هذه
الكتابات لم يكتب لها النشر، ولوجود
كتابات أخرى لم يتمكن الباحثون من نقشها
أو تصويرها، فمن المحتمل في رأيي مجيء يوم
قد يعز فيه على لهجات جديدة، قد تزيح
الستار عن أسرار اللغات عند الجاهليين،
وقد تكون مجموعات لغوية جديدة من مجموعات
اللغات العربية عند أهل الجاهلية.وقد عثر في العربية الشرقية على كتابات
جاهلية مدوّ نة بالمسند هي وإن كانت
قليلة، إلا أنها ذات أهمية كييرة بالنسبة
للباحث في تأريخ تطور الكتابة عند العرب،
وللباحث في اللهجات العربية الجاهلية. فقد
ثبت منها أن أصحاب هذه الكتابات كانوا
يتكلمون بلهجات غير بعيدة عن اللهجة
العربية القرآنية، وان كتبوا بالمسند.
ويلاحظ من النص الذي هو شاهد قبر رجل لسمه
"ايليا بن عين ابن شصر أنه استعمل لفظة "ذ"
بمعنى "من" وناًسف لأن هذه النصوص القليلة
قصيرة، وفي أمور شخصية، قد خلت من أداة
التعريف، لذلك لا نستطيع تثبيت لهجتها
بصورة أكيدة.واستناداً إلى النصوص الثمودية
واللحيانية والصفوية، التي استعملت ال "ه"
"ها" أداة للتعريف، نستطيع أن نقول إن
أصحاب هذه اللهجات يكوّ نون مجموعة من
اللغات قائمة بذاتها، تختلف عن العربية
الجنوبية وعن العربية القرآنية. وهي تشارك
العبرانية في استعمال الأداة المذكورة في
التعريف،ولكنها تقارب عربية "ال" في
استعمال المفردات.وأما النبط، وهم عرب من العرب الشماليين،
فقد استعملوا أداتين للتعريف، أداة هي حرف
الألف المدود اللاحق بآخر الاسم، مثل
"ملكا" بمعنى "الملك"، و "مسجدا"، بمعنى
"المسجد"، وأداة أخرى، هي أداة "ال" التي
نستعملها في عربيتنا. وفي استعمال النبط
لأداتين للتمريف، دلالة على تأثرهم
بالآراميين وبالعرب المتكلمين باللغة
العربية القرآنية، أو العرب المستعملينء
لأداة التعريف "ال" بتعبير أصح.