الأسود" "كان أول من وضع العربية"، أن
مرادهم من العربية المذكورة هذه العلأمات
التي تدل على الرفع والنصب والجر والجزم
والضم والفتح والكسر والسكون، تلك
العلأمات التي استعملها في المصحف، وأن
هذه الأمور لما توسع العلماء فيها بعدُ
وسمّوا كلامهم نحواً سحبوا اسم النحو على
ما كان قبل من أبي الأسود. وبهذا المعنى
نستطيع فهم ما ورد في الحديث والأخبار من
وجوب الإعراب في القرآن. أي إظهار حركات
الكلم عند القراءة. فالعربية، تعنى النحو.
"ولما وضع أبو الأسود النحو وأطلق عليه لفظ
العربية ..."، كان يقصد منه صيانة اللسان من
الخطأ، والنطق بصحة. فقد ورد ان الرسول
قال: اعربوا القرآن، أو اعربوا القرآن
فإنه عربي، وأن "عمر بن الخطاب: "قال:
تعلموا إعراب القرآن كما تتعلمون حفظه"،
وروى انه قال: "تعلموا النحو كما تعلمون
السنن والفرائض".وبهذا المعنى وردت "العربية" في حديثهم عن
الشاعر "عدي بن زيد " العبادي، فقد ذكروا
انه تعلم "العربية" في كتاب بالحيرة حتى
غدا من أكتب الناس بها، فلما حذق ومهر فنه
بالعربية، أرسل إلى كتّاب الفارسية،
فتعلم مع أولاد المرازبة. وذكروا انه "قرأ
كتب العرب والفرس"، إذ لا يعقل أن يكون
مرادهم تعلم حروف الهجاء وحدها، أو الخط،
أو مجرد معاني الألفاظ.وقد تحدثت عن التنقيط عند أهل الكتاب في
أثناء حديثي عن نشأة الخط العربي. ويظهر أن
كتاب المصاحف، لم يكونوا على أتفاق في
موضوع العواشر، أي تعشير القرآن،
والتنقيط والخواتم، والفواتح، والألفاظ
المفسرة في المصحف، بدليل ما ورد عنهم من
اختلاف رأي في هذا الموضوع، فمنهم من كان
يأمر بتجريد القرآن من كل ذلك ومنهم من
جوّز، ومنهم من كره نقط القرآن بالنحو.وقد اختلف العلماء في تفسير معنى جملة
"يريد أن يعربه فيعجمه" الواردة في شعر
ينسب لرؤبة ويقال للحطيئة، هو:
الشعر صعب وطويل سلمـه إذا
ارتقى فيه الذي لا يعلمـه
ارتقى فيه الذي لا يعلمـه
ارتقى فيه الذي لا يعلمـه
زلت به إلى الحضيض قدمه
والشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد أن يعربه فيعـجـمـه
يريد أن يعربه فيعـجـمـه
يريد أن يعربه فيعـجـمـه
به أعجمياً، يعني يلحن فيه، وقيل يريد أن
يبينه فيجعله مشكلاً لا بيان له، وقيل
أزال عجمته بالنقط.والذي أراه أن قول العلماء: "العجم النقط
بالسواد مثل التاء عليها نقطتان، يقال:
أعجمت الحرف والتعجيم مثله"، وقولهم: "معجم
الخط هو الذي أعجمه كاتبه بالنقط، تقول:
أعجمت الكتاب أعجمه إعجأما"، هو تعريف يجب
أن يكون قد وضع بعد وضع الإعجام، أي
التنقيط، فإذا كان الإعجام من وضع "أبي
الأسود الدؤلي"، فيجب أن يكون ظهوره منذ
أيامه فما بعد، أما إذا كان قبله فيجب أن
يكون من مصطلحات الجاهليين.ويذكر علماء اللغة أن "أعجم الكتاب خلاف
أعربه، أي نقطه" فأزال الكاتب عجمة الكتاب
بالنقط. ومعنى هذا أن النقط قد أزال
الغشاوة عن الحروف المعجمة، أي المتشابهة
في الشكل، بوضع النقط فوقها، فصارت حروفاً
معربة واضحة. و لولا الإعجام لما استبان
الكلام، ولوقع سوء الفهم واللبس في كثير
من الألفاظ التي ترد فيها الحروف المعجمة،
ففي الإعجام لبس ووقوع في خطأ، وفي اللحن
مثل ذلك أيضاً، ولهذا أرى وجود صلة كبيرة
بين اللحن، الذي هو الخطأ في الكلام، بسبب
الجهل بالاعراب. وقد رأيت قول العلماء:
"أعجم الكتاب خلاف أعربه"، أي وضحه وصححه
بالنقط. فبين الاثنين ترابط في الأصل،
فالاعجام خلاف الاعراب، واللحن خلاف
الإعراب كذلك.وقد صار النقط، أو وضع الحركات على الحروف
لإرشاد القارئ إلى القراءة الفصيحة
الصحيحة، ضرورة لازمة، بدونها قد يخطئ
الإنسان فهم المعنى، وقد يقع في أخطاء
جسيمة لو أخليت الكتابة من النقط
والإعجام. وقد ضرب العلماء الأمثال على
أخطاء وقع بها الناس بسبب طريقة الكتابة
القديمة التي لم تكن تنقط الحروف و لا
تعجمها، فكان القارئ يقع في أخطاء.