وذلك وجوه أحدها ما تقدم من الآيات التي وقع الترتيب على مقتضى ما فيها من تقديم وتأخير كقوله تعالى ( اركعوا واسجدوا ) وما ذكر معه وجوابه ما تقدم أن الترتيب ليس مستفادا من هذه الآيات بل بدليل من خارج مثل فعله الركوع قبل السجود وقوله ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فالترتيب وقع مع اللفظ لأنه مستعمل فيه وثانيها قوله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية وثبت في حديث جابر رضي الله عنه الذي ساقه في صفه الحج بقوله إن النبي لما خرج إلى السعي قرأ هذه الآية وقال ( نبدأ بما بدأ الله به ) هكذا في صحيح مسلم بصفة الخبر وهو عند النسائي والدارقطني في رواية بصيغة الأمر ( ابدأوا بما بدأ الله به ) وسند ذلك جيد صحيح يحتج به وجوابه أن الواو لو اقتضت الترتيب لما احتيج إلى ذلك ولكان التعليل وقع بمدلول الواو لابتداء الله تعالى بالصفا وأما ما يوجد في كتب أئمة الأصول أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي بم نبدأ فقال ابدأوا بما بدأ الله به فإنه لا يوجد هكذا في شيء من كتب الحديث والجواب على تقدير صحة هذه الرواية ظاهر فإنه لو كانت الواو للترتيب لفهم الصحابة مدلولها وما احتاجوا إلى سؤال وثالثها ما جاء في صحيح مسلم أن خطيبا قام بين يدي النبي فقال ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ) والدلالة من هذا ظاهرة فإنها لو كانت لمطلق الجمع لم يكن بين الكلامين فرق وأجاب عنه جماعة من أئمة الأصول وغيرهم بأنه إنما أنكر عليه لإتيانه بالضمير المقتضي للتسوية فأمره بالعطف وإفراد اسم الله تعالى تعظيما له بتقديم اسمه بدليل أن معصية الله معصية رسوله وكذلك العكس فلا ترتيب بينهما بل كل منهما مستلزمة للأخرى وهذا الجواب يرد عليهم شيئان أحدهما قولهم إن معصيتهما لا ترتيب فيها فإن كان المراد الترتيب الزماني فمسلم ولا يلزم منه عدم الترتيب مطلقا فإن الترتيب تارة يكون بالزمان وتارة يكون بالرتبة وإن كان المراد به عدم الترتيب مطلقا فليس ذلك بصحيح لأن فيها الترتيب بالرتبة إذ لا شك أن معصية الرسول مرتبة على معصية الله تعالى وإن كان كل واحد منهما يستلزم الأخرى الثاني ما روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( علمنا رسول الله خطبة الحاجة ) فذكرها وفيها ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا ) وكذلك في حديث أنس رضي الله عنه أيضا ( ومن يعصهما فقد غوى ) من قول النبي