لا يجوز إظهار أن في شيء من هذه المواضع بالاتفاق وإنما يجوز ذلك في الوجه الثاني من وجهي نصب الفعل المضارع بعد الواو وهو ما إذا عطف فعل على اسم ملفوظ به فلا يمكن ذلك لما فيه من المخالفة ولأن المقصود بالواو الجمع بين الشيئين لا مجرد العطف كما تقدم في تلك المواضع فينتصب الفعل بإضمار أن لينسبك بذلك مصدر يصح عطفه على الاسم المصدر الملفوظ به كقول ميسون بنت بحدل الكلبية وكانت تحت معاوية رضي الله عنه فدخل عليها يوما وهي تقول ( للبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف ) فإن النصب هنا بإضمار أن كما تقدم ولو قالت وأن تقر عيني لجاز لتقدم المصدر أولا وأن والفعل في تأويل المصدر فلا يؤدي ذلك إلى بشاعة في اللفظ بخلاف ما تقدم إذ الفعل الأول هناك مؤول بالمصدر ولا يمكن سبكه فيه والمعني من البيت إن لبس الخشن من الملبوس مع قرة العين أحب إلي من لبس الشفوف وهو الرقيق من الملبوس فالتفضيل إنما هو لهما مجتمعين على لبس الشفوف ولو انفرد أحدهما لبطل المعنى المراد فلما كان المعنى ضم تقر عيني إلى لبس عباءة اضطر إلى إضمار أن والنصب بها ومثله قول الآخر ( لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات ويسأم سائم ) على رواية من يروي ويسأم منصوبا ومنه قول الأخر ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوءك علقما ) فكأنه قال أو إساءتك علقما ولا فرق بين الواو وأو في مثل هذا ومما يلتحق بهذا الباب وينتصب الفعل فيه بعد الواو بتقدير أن وإن لم يكن من الأنواع المتقدم ذكرها ما إذا وقع الفعل بعد الواو بين مجزومي أداة شرط أو بعدهما وقصد بالواو الجمع مثل إن تزرني وتحدثني أكرمك وإن تزرني أطعمك وأكسوك لأن مقصوده في الأول ترتيب الإكرام على الجمع بين الزيارة والحديث وفي الثاني الجمع في الجزاء بين الإطعام والكسوة فلما كانت الواو بمعنى مع انتصب الفعل بعدها على الوجه المتقدم وكذلك إذا وقع الفعل المضارع معطوفا بعد الحصر بإنما مثل إنما هي ضربة في الأسد وتحطم ظهره لأن المقصود الجمع بين الضربة وحطم ظهره وهذه النكتة ذكرها الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله في كتابه التسهيل وجعلها قياسية والله أعلم
32-فصل في مواضع من القرآن يتخرج إعرابها على ما نحن فيه
1 -فمنها قوله تعالى ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون )