کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) - جلد 6

سید محمد باقر موسوی؛ مصحح: محمدحسین رحیمیان

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كان عصراً مشعاً بالمثاليات الرفيعة، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانيّة في تأريخ هذا الكوكب على الإطلاق، و ارتقت فيه العقيدة الإلهيّة إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهيّة في دنيا الفلسفة والعلم.

فقد عكس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله روحه في روح ذلك العصر، فتأثر بها و طبع بطابعها الإلهي العظيم، بل فنى الصفوة من المحمّديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتّجاه إلّا نحو المبدع الأعظم الّذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود، و إليه تسير كما كان اُستاذهم الأكبر الّذي فنى الوجود المنبسط كلّه بين عينيه ساعة هبوط الرسالة السماوية عليه.

فلم يكن يرى شيئاً، و لايسمع صوتاً سوى الصوت الإلهي المنبعث من كلّ صوب وحدب، و في كلّ جهة من جهات الوجود، و ناحية من نواحي الكون يعلن تقليده الشارة الكبرى: إنّ عصراً تلغى فيه قيمة الفوارق المادية على الإطلاق، و يستوي فيه الحاكم والمحكوم في نظر القانون، و مجالات تنفيذه، ويجعل مدار القيمة المعنوية، و الكرامة المحترمة فيه؛ تقوى اللَّه الّتي هي تطهير روحي، وصيانة للضمير، و ارتفاع بالنفس إلى آفاق من المثالية الرفيعة، و يحرّم في عرفه احترام الغني، لأنّه غني، و إهانة الفقير، لأنّه فقير.

و لايفرق فيه بين الأشخاص إلّا بمقدار الطاقة الإنتاجية «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» و يتسارع فيه إلى الجهاد لصالح النوع الإنساني الّذي معناه إلغاء مذهب السعادة الشخصيّة في هذه الدنيا، و إخراجها عن حساب الأعمال. (أقول): إنّ العصر الّذي تجتمع له كلّ هذه المفاخر لهو خليق بالتقديس والتبجيل، والإعجاب والتقدير، ولكن ماذا أراني دفعت إلى التوسّع في أمر لم أكن اُريد أن أطيل فيه؟ وليس لي أن أفرط في جنب الموضوع الّذي اُحاوله بالتوسّع في أمر آخر.

ولكنّها الحماسة لذلك العصر هي الّتي دفعتني إلى ذلك، فهو بلا ريب زين العصور في الروحانية والإستقامة، أنا أفهم هذا جيّداً، و اُوافق عليه متحمساً.

ولكنّي لا أفهم أن يمنع عن التعمّق في الدرس العلمي، أو التمحيص التأريخي لموضوع كموضوعات الساعة الّتي نتكلّم عنها من مراحل ذلك الزمن، أو يحضر علينا أن نبدأ البحث في مسألة فدك على أساس أنّ أحد الخصمين كان مخطئاً في موقفه بحسب موازين الشريعة ومقاييسها.

أو أن نلاحظ أنّ قصّة الخلافة وفكرة السقيفة لم تكن مرتجلة ولا وليدة يومها إذا دلّنا على ذلك سير الحوادث حينذاك، وطبيعة الظروف المحيطة بها.

و أكبر الظنّ أنّ كثيراً منّا ذهب في تعليل مناقب ذلك العصر ومآثره مذهباً جعله يعتقد أنّ رجالات الزمن الخالي.

و بتعبير أوضح تحديداً: أنّ أبابكر وعمر وأضرابهما الّذين هم من موجهي الحياة العامّة يومئذ لا يمكن أن يتعرّضوا لنقد أو محاكمة، لأنّهم بناة ذلك العصر و الواضعون لحياته خطوطها الذهبية، فتأريخهم تأريخ ذلك العصر، و تجريدهم عن شي ء من مناقبهم تجريد لذلك العصر عن مثاليته الّتي يعتقدها فيه كلّ مسلم.

و اُريد أن أترك لي كلمة مختصرة في هذا الموضوع فيها مادّة لبحث طويل، و لمحة من دراسة مهمّة قد أعرض لها في فرصة اُخرى من فرص التأليف، واكتفي الآن أن أتساءل عن نصيب هذا الرأي من الواقع.

صحيح أنّ الإسلام في أيّام الخليفتين كان مهيمناً، والفتوحات متّصلة، والحياة متدفقة بمعاني الخير، و جميع نواحيها مزدهرة بالإنبعاث الروحي الشامل، واللون القرآني المشع، ولكن هل يمكن أن نقبل أنّ التفسير الوحيد لهذا وجود الصدّيق!! أو الفاروق!! على كرسي الحكم؟

والجواب المفصّل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع، ولكنّا نعلم أنّ المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في أوج تحمسهم لدينهم،

والإستبسال في سبيل عقيدتهم.

حتّى أنّ التأريخ سجّل لنا أنّ شخصاً أجاب عمر حينما صعد يوماً على المنبر وسأل الناس: لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ إذاً كنّا نستتيبك فإن تبت قبلناك.

فقال عمر: و إن لم؟

قال: نضرب عنقك الّذي فيه عيناك.

فقال عمر: الحمد للَّه الّذي جعل في هذه الاُمّة من إذا أعوججنا أقام أودنا.

و نعلم أيضاً أنّ رجالات الحزب المعارض- و أعني به أصحاب عليّ عليه السلام- كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة، و كان أيّ زلل و انحراف مشوه للون الحكم حينذاك كفيلاً بأن يقلبوا الدنيا رأساً على عقب، كما قلّبوها على عثمان يوم اشترى قصراً، و يوم ولّى أقاربه، و يوم عدل عن السيرة النبويّة المثلى.

مع أنّ الناس في أيّام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة في الدين واللين والدعة منهم في أيّام صاحبيه.

و نفهم من هذا أنّ الحاكمين كانوا في ظرف دقيق لا يتّسع للتغيير والتبديل في أسس السياسة ونقاطها الحساسة لو أرادوا إلى ذلك سبيلاً، لأنّهم تحت مراقبة النظر الإسلامي العام الّذي كان مخلصاً كلّ الإخلاص لمبادئه، وجاعلاً لنفسه حقّ الإشراف على الحكم والحاكمين.

ولأنّهم يتعرّضون لو فعلوا شيئاً من ذلك لمعارضة خطرة من الحزب الّذي لم يكن يزال يؤمن بأنّ الحكم الإسلامي لابدّ أن يكون مطبوعاً بطابع محمّدي خالص، و أنّ الشخص الوحيد الّذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدّس هو عليّ عليه السلام وارث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و وصيّه و وليّ المؤمنين من بعده.

و أمّا الفتوحات الإسلامية؛ فكان لها الصدارة في حوادث تلك الأيّام، ولكننا جميعاً نعلم أيضاً أنّ ذلك لا يسجل للحكومة القائمة في أيّام الخليفتين

بلونها المعروف مجداً في حساب التأريخ ما دام كلّ شأن من شؤون الحرب ومعداته وأساليبه يتهيّأ بعمل أشبه ما يكون بالعمل الإجماعي من الاُمّة الّذي تعبر به عن شخصيّتها الكاملة تعبيراً عمليّاً خالداً، و لايعبّر عن شخصيّة الحاكم الّذي لم يصل إليه من لهيب الحرب شرر، و لم يستقل فيه برأي، و لم يتهيّأ له إلّا بأمر ليس فيه أدنى نصيب. فإنّ خليفة الوقت سواء أكان وقت فتح الشام أو العراق و مصر لم يعلن بكلمة الحرب عن قوّة حكومته و مقدرة شخصه على أن يأخذ لهذه الكلمة أهبتها، بل أعلن عن قوّة الكلمة النبويّة الّتي كانت وعداً قاطعاً بفتح بلاد كسرى وقيصر اهتزّت له قلوب المسلمين حماسة وأملاً، بل إيماناً ويقيناً.

و يحدّثنا التأريخ أنّ كثيراً ممّن اعتزل الحياة العلميّة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يخرج عن عزلته إلى مجالات العمل إلّا حين ذكر هذا الحديث النبوي، فقد كان هو والإيمان المتركز في القلوب القوّة الّتي هيأت للحرب كلّ ظروفه و كلّ رجاله و إمكانياته.

و أمر آخر هيّأ للمسلمين أسباب الفوز، و أنالهم النصر في معارك الجهاد لا يتّصل بحكومة الشورى عن قرب أو بعد.

و هو الصيت الحسن الّذي نشره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله للإسلام في آفاق الدنيا، و أطراف المعمورة، فلم يكن يتوجّه المسلمون إلى فتح بلد من البلاد إلّا كان أمامهم جيش آخر من الدعايات والترويجات لدعوتهم ومبادئهم.

و في أمر الفتوحات شي ء آخر هو الوحيد الّذي كان من وظيفة الحاكمين وحدهم القيام به دون سائر المسلمين الّذين هيئوا بقيّة الاُمور، و هو ما يتلو الفتح من بث الروح الإسلاميّة، و تركيز مثاليات القرآن في البلاد المفتوحة، و تعميق الشعور الوجداني والديني في الناس الّذي هو معنى وراء الشهادتين.

و لا أدري هل يمكننا أن نسجّل للخليفتين شيئاً من البراعة في هذه الناحية

أو نشكّ في ذلك- كلّ الشكّ- كما صار إليه بعض الباحثين، و كما يدلّ عليه تأريخ البلاد المفتوحة في الحياة الإسلاميّة كانت الظروف كلّها تشارك الخليفتين في تكوين الحياة العسكرية المنتجة الّتي قامت على عهدها، و في بناء الحياة السياسية الخاصّة التّي اتّخذاها؟

و لا أدري ماذا كان موقفهما لو قدر لهما و لعليّ عليه السلام أن يتبادلوا ظروفهم، فيقف الصدّيق!! والفاروق!! موقف الإمام ويسود في تلك الظروف الّتي كانت كلّها تشجع على بناء سياسة، و منهج لحكم جديد، و إنشاء حياة لها من ألوان الترف، و ضروب النعيم حظّ عظيم.

فهل كانا يعاكسان تلك الظروف كما عاكسها أميرالمؤمنين عليه السلام؟... فضرب بنفسه مثلاً في الإخلاص للمبدأ والنزاهة في الحكم.

و أنا لا أقصد بهذا أن أقول: إنّ الخليفتين كانا مضطرّين اضطراراً إلى سيرة رشيدة في الحكم، و اعتدال في السياسة والحياة، و مرغمين على ذلك، و إنّما أعني أنّ الظروف المحيطة بهما كانت تفرض عليهما ذلك سواء أكانا راغبين فيه أو مكرهين عليه.

كما أنّي لا اُريد أن اُجرّدهما عن كلّ أثر في التأريخ، و كيف يسعني شي ء من ذلك؟ و هما اللذان كتبا يوم السقيفة سطور التأريخ الإسلامي كلّه، و إنّما عنيت أنّهما كانا ضعيفي الأثر في بناء تأريخ أيّامهما خاصّة، و ما ازدهرت به من حياة مكافحة و حياة فاضلة.

أكتب هذا كلّه و بين يدي كتاب «فاطمة عليهاالسلام والفاطميّون» للاُستاذ عبّاس محمود العقاد، و قد جئته بشوق بالغ لأرى ما يكتب في موضوع الخصومة بين الخليفة والزهراء عليهاالسلام.

و أنا على يقين من أنّ أيّام التعبّد بأعمال السالفين وتصويبها- على كلّ تقدير- قد انتهت، و أنّ الزمان الّذي يتحاشى فيه عن التعمق في شي ء من مسائل

الفكر الإنساني ديناً كانت أو مذهباً أو تأريخاً أو أيّ شي ء آخر قد مضى مع ما مضى من تأريخ الإسلام بعد أن طال قروناً.

و لعلّ الخليفة الأوّل كان هو أوّل من أعلن ذلك المذهب عندما صرخ في وجه من سأله عن مسألة الحريّة الإنسانيّة والقدر وهدده وتوعده.

ولكن أليس قد أراحنا اللَّه تعالى من هذا المذهب الّذي يسي ء إلى روح الإسلام؟ و إذن فكان لي أن أتوقّع بحثاً لذيذاً يتحفنا به الاُستاذ في موضوع الخصومة من شتّى نواحيها.

ولكن الواقع كان على عكس ذلك، فإذا بكلمة الكتاب حول الموضوع قصيرة و قصيرة جدّاً وإلى حدّ استبيح لنفسي أن أنقلها و أعرضها عليك دون أن اُطيل عليك، فقد قال:

«والحديث في مسألة فدك هو كذلك من الأحاديث الّتي لا تنتهي إلى مقطع للقول متّفق عليه غير أنّ الصدق فيه لا مراء أنّ الزهراء عليهاالسلام أجلّ من أن تطلب ما ليس لها بحقّ، و أنّ الصدّيق!! أجلّ من أن يسلبها حقّها الّذي تقوم به البيّنة عليه.

و من أسخف ما قيل: إنّه إنّما منعها فدك مخافة أن ينفق عليّ عليه السلام من غلّتها على الدعوة إليه، فقد ولي الخلافة أبوبكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السلام و لم يسمع أنّ أحداً بايعهم لمال أخذه منهم، و لم يرد ذكر شي ء من هذا في إشاعة ولا في خبر يقين، و ما نعلم تزكية لذمّة الحكم من عهد الخليفة الأوّل أوضح بيّنة من حكمه في مسألة فدك.

فقد كان يكسب برضى فاطمة عليهاالسلام و يرضى الصحابة برضاها، و ما أخذ من فدك شيئاً لنفسه فيما ادّعاه عليه مدّع، و إنّما هو الحرج في ذمّة الحكم بلغ أقصاه بهذه القضيّة بين هؤلاء الخصوم الصادقين المصدقين رضوان اللَّه عليهم أجمعين، انتهى».

و نلاحظ قبل كلّ شي ء أنّ الاُستاذ شاء أن يعتبر البحث في مسألة فدك لوناً

من ألوان النزاع الّتي ليس لها قرار، و لايصل الحديث فيه إلى نتيجة فاصلة ليقدّم بذلك عذره عن التوفر على دراستها.

و أعتقد أنّ في محاكمات هذا الكتاب الّتي سترد عليك جواباً عن هذا.

و نلاحظ أيضاً أنّه بعد أن جعل مسألة فدك من الأحاديث الّتي لاتنتهي إلى مقطع للقول متّفق عليه رآى أنّ فيها حقيقتين لا مراء فيهما و لا جدال:

إحداهما: أنّ الصدّيقة أرفع من أن تنالها تهمة بكذب.

والاُخرى: أنّ الصدّيق!! أجلّ من أن يسلبها حقّها الّذي تثبته البيّنة.

فإذا لم يكن في صحّة موقف الخليفة واتّفاقه مع القانون جدال، ففيم الجدال الّذي لا قرار له؟ ولم لاتنتهي مسألة فدك إلى مقطع للقول متّفق عليه؟

و أنا أفهم أنّ للكاتب الحرّية في أن يسجل رأيه في الموضوع- أيّ موضوع كما يشاء- و كما يشاء له تفكيره بعد أن يرسم للقارى ء مدارك ذلك الرأي، و بعد أن يدخل تقديرات المسألة كلّها في الحساب ليخرج منها بتقدير معين.

ولكنّي لا أفهم أن يقول: إنّ المسألة موضوع لبحث الباحثين، ثمّ لا يأتي إلّا برأي مجرّد عن المدارك يحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح، و إلى كثير من البحث والنظر.

فإذا كانت الزهراء عليهاالسلام أرفع من كلّ تهمة فما حاجتها إلى البيّنة؟ و هل تمنع التشريعات القضائية في الإسلام عن أن يحكم العالم استناداً إلى علمه؟

و إذا كانت تمنع عن ذلك فهل معنى هذا أن يجوز في عرف الدين سلب الشي ء من المالك؟

هذه أسألة و معها أسألة اُخرى أيضاً في المسألة تتطلب جواباً علميّاً، و بحثاً على ضوء أساليب الإستنباط في الإسلام.

و اُريد أن أكون حرّاً و إذن فإنّي استميح الاُستاذ أن اُلاحظ أنّ تزكية موقف الخليفة والصدّيقة معاً أمر غير ممكن، لأنّ الأمر في منازعتهما لو كان مقتصراً على مطالبة الزهراء عليهاالسلام بفدك و امتناع الخليفة عن تسليمها له، لعدم وجود مستمسك شرعي بواسطته لها بما تدّعيه و انتهاء المطالبة إلى هذا الحدّ لوسعنا أن نقول: إنّ الزهراء عليهاالسلام طلبت حقّها في نفس الأمر و الواقع.

و أنّ الخليفة لمّا امتنع عن تسليمه لها لعدم تهيؤ المدرك الشرعي الّذي تثبت به الدعوى تركت مطالبتها، لأنّها عرفت أنّها لاتستحق فدكاً بحسب النظام القضائي و سنن الشرع.

و لكنّنا نعلم أنّ الخصومة بينهما أخذت أشكالاً مختلفة حتّى بلغت مبلغ الإتّهام الصريح من الزهراء عليهاالسلام و أقسمت على المقاطعة.

و إذن فنحن بين اثنتين: إحداهما: أن نعترف بأنّ الزهراء عليهاالسلام قد ادّعت بإصرار ما ليس لها بحقّ في عرف القضاء الإسلامي والنظام الشرعي، و إن كان ملكها في واقع الأمر.

والاُخرى: أن نلقي التبعة على الخليفة، و نقول: إنّه قد منعها حقّها الّذي كان يجب عليه أن يعطيها إيّاه، أو يحكم لها بذلك على فرق علمي بين التعبيرين يتّضح في بعض الفصول الآتية.

فتنزيه الزهراء عليهاالسلام عن أن تطلب طلباً لا ترضى به حدود الشرع والإرتفاع بالخليفة عن أن يمنعها حقّها الّذي تسخو به عليها تلك الحدود لايجتمعان إلّا إذا توافق النقيضان.

و لنترك هذا إلى مناقشة اُخرى، فقد اعتبر الاُستاذ حكم الخليفة في مسألة فدك أوضح بيّنة و دليل على تزكيته و ثباته على الحقّ و عدم تعدّيه عن حدود الشريعة،لأنّه لو أعطى فدكاً لفاطمة عليهاالسلام لأرضاها بذلك، و أرضى الصحابة برضاها.

و لنفترض معه أنّ حدود القانون الإسلاميّ هي الّتي كانت تفرض عليه أن يحكم بأنّ فدكاً صدقة، ولكن ماذا كان يمنعه عن أن ينزل للزهراء عليهاالسلام عن نصيبه ونصيب سائر الصحابة الّذين صرّح الاُستاذ بأنّهم يرضون بذلك؟...

كان هذا محرماً في عرف الدّين أيضاً؟ أو أنّ أمراً ما أوحى إليه بأن لايفعل ذلك؟

بل ماذا كان يمنعه عن تسليم فدك للزهراء عليهاالسلام بعد أن أعطته وعداً قاطعاً بأن تصرف حاصلاتها في وجوه الخير والمصالح العامّة؟

و أمّا ما استسخفه الكاتب من تعليل لحكم الخليفة فسوف نعرف في هذا الفصل ما إذا كان سخيفاً حقّاً.

إذا عرفنا أنّ مرتكزات الناس ليست وحياً من السماء لاتقبل شكّاً و لاجدالاً، و أنّ درس مسائل السالفين ليس كفراً و لا زندقة و لاتشكيكاً في إعلام النبوّة، كما كانوا يقولون، فلنا أن نتساءل عمّا بعث الصدّيقة عليهاالسلام إلى البدء بمنازعتها حول فدك على الوجه العنيف الّذي لم يعرف، أو لم يشأ أن يعرف هيبة للسلطة المهيمنة، أو جلالاً للقوّة المتصرّفة يعصم الحاكمين من لهيبها المتصاعد، و شررها المتطاير، و بقي الحكم من إشاعة نور متألقة تلقي ضوءاً عليه.

فتظهر للتأريخ حقيقته مجرّدة عن كلّ ستار، بل كانت بداية المنازعة و مراحلها نذير ثورة مكتسحة، أو ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير، و يومها الأخير، تحمل كلّ ما لهذا المفهوم من مقدّمات و نتائج، و لاتتعرّض لضعف أو تردّد.

و ما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة، أو بالأحرى هدف الخليفة نفسه في أن يقف مع الحوراء عليهاالسلام على طرفي الخطّ أو لم يكن يخطر بباله أنّ خطته هذه تفتح له باباً في التأريخ في تعداد أوليائه، ثمّ يذكر بينها خصومة أهل البيت عليهم السلام.

فهل كان راضياً بأوليته هذه مخلصاً لها حتّى يستبسل في امتناعه وموقفه السلبي، بل الإيجابي المعاكس، أو أنّه كان منقاداً للقانون، و ملتزماً بحرفيته في موقفه؟

هذا كما يقولون، فلم يشأ أن يتعدّ حدود اللَّه تبارك و تعالى في كثير أو قليل، و أنّ لموقفه الغريب تجاه الزهراء عليهاالسلام صلة بموقفه في السقيفة، وأعني بهذه الصلة الإتّحاد في الغرض أو اجتماع الغرضين على نقطة واحدة.

و بالأحرى أن تقوم على دائرة واحدة متّسعة اتّساع دولة النبيّ صلى الله عليه و آله فيها آمال بواسم، و موجات من الأحلام ضحك لها الخليفة كثيراً، و سعى في سبيلها كثيراً أيضاً.

إنّنا ندرك بوضوح، و نحن نلاحظ الظرف التأريخي الّذي حف بالحركة الفاطميّة أنّ البيت الهاشمي المفجوع بعميده الأكبر قد توفرت له كلّ بواعث الثورة على الأوضاع القائمة، والإنبعاث نحو تغييرها وإنشائها إنشاءاً جديداً.

و أنّ الزهراء عليهاالسلام قد اجتمعت لها كلّ إمكانيّات الثورة ومؤهلات المعارضة الّتي قرّر المعارضون أن تكون منازعة سلمية مهما كلف الأمر.

و إنّنا نحس أيضاً إذا درسنا الواقع التأريخي لمشكلة فدك و منازعاتها بأنّها مطبوعة بطابع تلك الثورة، و نتبين بجلاء أنّ هذه المنازعات كانت في واقعها ودوافعها ثورة على السياسة العليا، وألوانها الّتي بدت للزهراء عليهاالسلام بعيدة عمّا تألفه من ضروب الحكم، و لم تكن حقّاً منازعة في شي ء من شؤون السياسة المالية، والمناهج الإقتصادية الّتي سارت عليها خلافة الشورى، و إن بدت على هذا الشكل في بعض الأحايين.

و إذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطميّة من اُصولها، أو ما يصحّ أن يعتبر من اُصولها، فعليها أن ننظر نظرة شاملة عميقة لنتبيّن حادثتين متقاربتين في تأريخ الإسلام كان أحدها صدى للآخر، وانعكاساً طبيعيّاً له.

/ 44