کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) - جلد 6

سید محمد باقر موسوی؛ مصحح: محمدحسین رحیمیان

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و إن كانت السماء قد امتدحت فتوّة عليّ عليه السلام، و أعلنت عن رضاها عليه، إذ قال المنادي:







لا سيف إلّا ذوالفقار

و لا فتى إلّا عليّ

[ ذكر ذلك الطبري في تأريخه: 3/ 17، و ابن هشام في سيرته، و ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، و الخوارزمي في المناقب.

.




فإنّها عنت بذلك أنّ فتوّة عليّ عليه السلام وحدها هي الرجولة الكاملة الّتي لا يرتفع إلى مداها إنسان، و لاترقى إلى اُفقها بطولة الأبطال و إخلاص المخلصين.

و من مهزلة الأقدار أنّ هذه الفتوّة الّتي قدّسها الهاتف الإلهي كانت عيباً في رأي مشايخ السقيفة، و نقصاً في عليّ عليه السلام، يؤاخذ عليه، و ينزل به عن الصدّيق الّذي لم يكن يمتاز عليه إلّا بسنين قضاها كافراً مشركاً.

و أنا لا أدري كيف صار الإزدواج بين الجاهليّة والإسلام في حياة شخص واحد مجداً يمتاز به عمّن خلصت حياته كلّها للَّه؟

و لئن ظهرت للناس في البحوث الجديدة القوّة الطبيعية الّتي تجعل الأجسام الدائرة حول المحور تسير على خط معيّن، فلقد ظهرت في عليّ عليه السلام قبل مئات السنين قوّة مثلها، ولكنّها ليست من حقائق الفيزياء، بل من قوى السماء.

و هي الّتي جعلت من عليّ عليه السلام مناعة طبيعيّة للإسلام حفظت له مقامه الأعلى ما دام الإمام حيّاً، و محوراً تدور عليه الحياة الإسلاميّة، لتستمدّ منه روحانيتها وثقافتها وروحها وجوهرها سواء أكان على رأس الحكم أم لا؟

و قد عملت هذه القوّة عملها السحري في عمر نفسه فجذبته إلى خطوطها المستقيمة مراراً حتّى قال: لولا عليّ عليه السلام لهلك عمر.

و ظهر تأثيرها الجبّار في التفات المسلمين حوله في اليوم الّذي أسندت فيه مقدرات الخلافة إلى عامّة المسلمين ذلك الإلتفاف الفذ الّذي يقل مثيله في تأريخ الشعوب.

و نعرف من هذا أنّ عليّاً عليه السلام بما جهزته السماء به من تلك القوّة كان ضرورة من ضرورات الإسلام

[ و على ضوء ما بيّناه نفهم قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «لاينبغي أن أذهب إلّا و أنت خليفتي». و قوله له عند ما تهيّأ إلى غزوة تبوك: «لابدّ من أن أقيم، أو تقيم»، راجع خصائص النسائي: 7، و مسند الإمام أحمد: 1/ 331، و مناقب الخوارزمي: 75، و ذخائر العقبى: 87.]

]

الّتي لابدّ منها، و شمساً يدور عليها الفلك الإسلامي بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بحسب طبيعته الّتي لايمكن أن تقاوم حتّى التجأ الفاروق إلى مسايرتها، كما عرفت.

و يتجلّى لدينا أيضاً أنّ الإنقلاب الفجائي في السياسة الحاكمة لم يكن ممكناً يومئذ، لأنّه- مع كونه طفرة- يناقض تلك القوّة الطبيعيّة المركزة في شخصيّة الإمام، فكان من الطبيعي أن تسير السياسة الحاكمة في خطّ منحني حتّى تبلغ النقطة الّتي وصل إليها الحكم الأموي تفادياً من تأثير تلك القوّة الساهرة على الإعتدال والإنتظام.

كما ينحني السائق بسيارته عندما ينحرف بها إلى نقطة معاكسة تحذّراً من القوّة الطبيعيّة الّتي تفرض الإعتدال في السير.

و هذا الفصل الرائع من عظمة الإمام يستحقّ دراسة وافية مستقلّة قد نقوم بها في بعض الفرص، لنكشف بها عن شخصيّة عليّ عليه السلام المعارض للحكم و الساهر على قضيّة الإسلام، والموفق بين حماية القوّة الحاكمة من الإنحراف و بين معارضتها في نفس الوقت.

و إن كانت مواقف الإمام كلّها رائعة، فموقفه في الخلافة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من أكثرها روعة.

و إن كانت العقيدة الإلهيّة تريد في كلّ زمان بطلاً يفتديها بنفسه، فهي تريد أيضاً بطلاً يتقبل القربان ويعزز به المبدأ.

و هذا هو الّذي بعث بعليّ عليه السلام إلى فراش الموت و بالنبي صلى الله عليه و آله إلى مدينة

النجاة يوم الهجرة الأغر- كما أشرنا إليه قريباً- و لم يكن ليتهيّأ للإمام في محنته بعد وفاة أخيه أن يقدّم لها كلام البطلين، لأنّه لو ضحّى بنفسه في سبيل توجيه الخلافة إلى مجراها الشرعي في رأيه لما بقي بعده من يمسك الخيط من طرفيه و ولدا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله طفلان لا يتهيّأ لهما من الأمر ما يريد.

وقف عليّ عليه السلام عند مفترق طريقين كلّ منهما حرج و كلّ منهما شديد على نفسه:

أحدهما: أن يعلن الثورة المسلحة على خلافة أبي بكر.

والآخر: أن يسكت و في العين قذى، و في الحلق شجا، ولكن ماذا كان يترقب للثورة من نتائج.

هذا ما نريد أن نتبيّنه على ضوء الظروف التأريخيّة لتلك الساعة العصيبة.

أنّ الحاكمين لم يكونوا ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة، و هم من عرفناهم حماسة و شدّة في أمر الخلافة.

و معنى هذا أنّهم سيقابلون و يدافعون عن سلطانهم الجديد، و من المعقول جدّاً حينئذ أن يغتنم سعد بن عبادة الفرصة ليعلنها حرباً اُخرى في سبيل أهوائه السياسيّة.

لأنّنا نعلم أنّه هدّد الحزب المنتصر بالثورة عندما طلب منه البيعة، و قال: لا،واللَّه؛ حتّى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، و أضرب بسيفي، و أقاتلكم بأهل بيتي و من أطاعني، و لو اجتمع معكم الإنس و الجنّ ما بايعتكم.

و أكبر الظنّ، أنّه تهيب الإقدام على الثورة و لم يجرأ على أن يكون أوّل شاهر للسيف ضدّ الخلافة القائمة، و إنّما اكتفى بالتهديد بالشديد الّذي كان بمثابة إعلان الحرب، و أخذ يترقّب تضعضع الأوضاع ليشهر سيفه بين السيوف فكان حريّاً به أن تثور حماسته، و يزول تهيبه، و يضعف الحزب القائم في نظره إذا رآى صوتاً قويّاً يجهر بالثورة، فيعيدها جذعة و يحاول أجلاء المهاجرين من المدينة

بالسيف، كما أعلن ذلك المتكلّم عن لسانه في مجلس السقيفة.

و لا ننسى بعد ذلك الاُمويّين و تكتلهم السياسي في سبيل الجاه والسلطان و ما كان لهم من نفوذ في مكّة في سنواتها الجاهليّة الأخيرة، فقد كان أبوسفيان زعيمها في مقاومة الإسلام والحكومة النبويّة، و كان عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن اُميّة أميرها المطاع في تلك الساعة.

و إذا تأمّلنا ما جاء في تأريخ تلك الأيّام

[ راجع تأريخ الكامل: 2/ 123.]

من أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا توفّي و وصل خبره إلى مكّة و عامله عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن اُميّة استخفى عتاب وارتجت المدينة، و كاد أهلها يرتدّون.

فقد لا نقتنع بما يعلل به رجوعهم عن الإرتداد من العقيدة و الإيمان، كما أنّي لا أؤمن بأن مرد ذلك التراجع إلى أنّهم رأوا في فوز أبي بكر فوزهم، وانتصارهم على أهل المدينة.

كما ذهب إليه بعض الباحثين، لأنّ خلافة أبي بكر كانت في اليوم الّذي توفّي فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

و أكبر الظنّ؛ أنّ خبر الخلافة جاءهم مع خبر الوفاة.

بل تعليل القضيّة في رأيي أنّ الأمير الاُموي عتاب بن أسيد شاء أن يعرف اللون السياسي الّذي اتّخذته أسرته في تلك الساعة، فاستخفى و أشاع بذلك الإضطراب حتّى إذا عرف أنّ أباسفيان قد رضي بعد سخط، و انتهى مع الحاكمين إلى نتائج في صالح البيت الاُموي ظهر مرّة اُخرى للناس و أعاد الاُمور إلى مجاريها.

و عليه فالصلة السياسية بين رجالات الاُمويين كانت قائمة في ذلك الحين.

و هذا التقدير يفسّر لنا القوّة الّتي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان

ساخطاً على أبي بكر و أصحابه، إذ قال: إنّي لأرى عجاجة لا يطفيها إلّا الدم.

و قال عن عليّ عليه السلام والعبّاس: أما والّذي نفسي بيده؛ لأرفعنّ لهما من أعضادهما.

فالاُمويّون قد كانوا متأهّبين للثورة والإنقلاب، و قد عرف عليّ عليه السلام منهم ذلك بوضوح حينما عرضوا عليه أن يتزعم المعارضة، ولكنّه عرف أنّهم ليسوا من الناس الّذين يعتمد على تأييدهم، و إنّما يريدون الوصول إلى أغراضهم عن طريقه، فرفض طلبهم و كان من المنتظر حينئذ أن يشقّوا عصا الطاعة إذا رأوا الأحزاب المسلحة تتناحر و لم يطمئنوا إلى قدرة الحاكمين على ضمان مصالحهم، و معنى انشقاقهم حينئذ إظهارهم للخروج عن الدين، و فصل مكّة عن المدينة.

و إذن فقد كانت الثورة العلويّة في تلك الظروف إعلاناً لمعارضة دمويّة تتبعها معارضات دمويّة ذات أهواء شتّى، و كان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون، ثمّ المنافقون.

و لم تكن ظروف المحنة تسمح لعليّ عليه السلام بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم، بل لتناحرت ثورات شتّى، و تقاتلت مذاهب متعدّدة الأهداف والأغراض، و يضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة الّتي يجب أن يلتف فيها المسلمون حول قيادة موحدة، و يركزوا قواهم لصدّ ما كان يترقّب أن تتمخض عنه الظروف الدقيقة من فتن و ثورات.

إنّ عليّاً عليه السلام الّذي كان على أتمّ استعداد لتقديم نفسه قرباناً للمبدأ في جميع أدوار حياته منذ أن ولد في البيت الإلهي، و إلى أن قتل فيه، قد ضحى بمقامه الطبيعي و منصبه الإلهي في سبيل المصالح العليا الّتي جعله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصيّاً عليها و حارساً لها.

و فقدت بذلك الرسالة المحمّدية الكبرى بعض معناها، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

لمّا أمره ربّه بتبليغ دعوته والإنذار برسالته جمع بني عبدالمطّلب، و أعلن عن نبوّته بقوله:

«إنّي واللَّه؛ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به».

و عن إمامة أخيه بقوله: «إنّ هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا».

[ أخرجه الطبري في تأريخه، و ابن الأثير في الكامل، و ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.]


و معنى ذلك أنّ إمامة عليّ عليه السلام تكملة طبيعيّة لنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله، و أنّ الرسالة السماوية قد أعلنت عن نبوّة محمّد الكبير صلى الله عليه و آله و إمامة محمّد الصغير عليه السلام في وقت واحد.

أنّ عليّاً عليه السلام الّذي ربّاه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و ربّى الإسلام معه، فكانا ولديه العزيزين كان يشعر بإخوته لهذا الإسلام، و قد دفعه هذا الشعور إلى اقتداء أخيه بكلّ شي ء، حتّى أنّه اشترك في حروب الردة الّتي أعلنها المسلمون يومذاك،

[ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/ 165.]

و لم يمنعه تزعم غيره لها عن القيام بالواجب المقدس.

لأنّ أبابكر إن كان قد ابتزّه حقّه، و نهب تراثه فالإسلام قد رفعه إلى القمة، و عرف له إخوته الصادقة، و سجلها بأحرف من نور على صفحات الكتاب الكريم:

و صمد الإمام على ترك الثورة، و لكن ماذا يفعل؟ و أيّ أسلوب يتّخذه لموقفه؟

هل يحتجّ على الفئة الحاكمة بنصوص النبيّ صلى الله عليه و آله و كلماته الّتي أعلنت أنّ عليّاً عليه السلام هو القطب المعد، لأن يدور عليه الفلك الإسلامي، و الزعيم الّذي قدّمته السماء إلى أهل الأرض؟

تردّد هذا السؤال في نفسه كثيراً، ثمّ وضع له الجواب الّذي تعينه ظروف محنته و تلزمه به طبيعة الأوضاع القائمة، فسكت عن النصّ إلى حين.

و نحن نتبيّن من الصورة المشوشة الّتي عرفناها عن تلك الظروف و الأوضاع أنّ الإعتراض بتلك النصوص المقدّسة، و الإحتجاج بها في ساعة ارتفع فيها المقياس الزئبقي للأفكار المحمومة، و الأهواء الملتهبة الّتي سيطرت على الحزب الحاكم إلى الدرجة العالية، كان من التقدير المعقول افتراض النتائج السيئة له، لأنّ أكثر النصوص الّتي صدرت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها إلّا مواطنوه في المدينة من مهاجرين و أنصار.

فكانت تلك النصوص إذن الأمانة الغالية عند هذه الطائفة الّتي لابدّ أن تصل عن طريقهم إلى سائر الناس في دنيا الإسلام يومئذ، و إلى الأجيال المتعاقبة والعصور المتتالية.

و لو احتجّ الإمام على جماعة أهل المدينة بالكلمات الّتي سمعوها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شأنه، و أقام منها دليلاً على إمامته و خلافته، لكان الصدى الطبيعي، لذلك أن يكذب الحزب الحاكم صدّيق الاُمّة!! في دعواه، و ينكر تلك النصوص الّتي تمحو من خلافة الشورى لونها الشرعي، و تعطل منها معنى الدين.

و قد لا يجد الحقّ صوتاً قويّاً يرتفع به في قبال ذلك الإنكار، لأنّ كثيراً من قريش- و في مقدّمتهم الاُمويّون- كانوا طامحين إلى مجد السلطان، و نعيم الملك، و هم يرون في تقديم الخليفة على أساس من النصّ النبوي تسجيلاً لمذهب الإمامة الإلهيّة.

و متى تقررت هذه النظريّة في عرف الحكم الإسلامي كان معناها حصر الخلافة في بني هاشم آل محمّد عليهم السلام الأكرمين، و خروج غيرهم من المعركة خاسراً.

و قد نلمح هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عبّاس معلّلاً إقصاء عليّ عليه السلام عن الأمر: إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة.

[ راجع تأريخ الكامل: 3/ 24.]

فقد يدلّنا هذا على أنّ إسناد الأمر إلى عليّ عليه السلام في بداية الأمر كان معناه في الذهنية العامّة حصر الخلافة في الهاشميين، و ليس لذلك تفسير أولى من أنّ المفهوم لجمهرة من الناس يومئذ من الخلافة العلويّة تقرير شكل ثابت للخلافة يستمد شرعيّته من نصوص السماء، لا من انتخاب المنتخبين.

فعليّ عليه السلام إن وجد نصيراً من علية قريش يشجعه على مقاومة الحاكمين، فإنّه لايجد منهم عضداً في مسألة النصّ، إذا تقدّم إلى الناس يحدّثهم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد سجّل الخلافة لأهل بيته حين، قال:

«إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، و عترتي أهل بيتي...

و أمّا الأنصار؛ فقد سبقوا جميع المسلمين إلى الإستخفاف بتلك النصوص، و الإستهانة بها، إذ حدت بهم الشراهة إلى الحكم إلى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة، ليصفقوا على يد واحد منهم، فلن يجد عليّ عليه السلام فيهم إذا استدلّ بالنصوص النبويّة جنوداً للقضيّة العادلة، و شهوداً عليها، لأنّهم إذا شهدوا على ذلك يسجّلون على أنفسهم تناقضاً فاضحاً في يوم واحد، هذا ما يأبونه على أنفسهم بطبيعة الحال.

و ليس في مبايعة الأوس لأبي بكر، أو قول من قال: لا نبايع إلّا عليّاً عليه السلام مناقضة كتلك المناقضة، لأنّ المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة أنّ مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص، فليس إلى التراجع عن هذا الرأي في يوم إعلانه من سبيل.

و أما اعتراف المهاجرين بالأمر، فلا حرج فيه، لأنّ الأنصار لم يجتمعوا

على رأي واحد في السقيفة، و إنّما كانوا يتذاكرون و يتشاورون.

و لذا نرى الحباب بن المنذر يحاول بث الحماسة في نفوسهم، و الإستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك الإجتماع من كلام، و هو يوضح أنّهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها إلّا بعضهم.

و إذن فقد كان الإمام عليه السلام يقدر أنّه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص و الإستبسال في هذا الإنكار إذا جاهر بها، ولا يقف إلى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه، لأنّ الناس بين من قادهم الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنصّ يسدّ عليهم مجال التراجع بعد ساعات، وبين من يرى أنّ فكرة النصّ تجعل من الخلافة وقفاً على بني هاشم، لا ينازعهم فيها منازع.

و إذا سجّلت الجماعة الحاكمة و أنصارها إنكاراً للنصّ، و اكتفى الباقون بالسكوت في الأقلّ، فمعنى هذا أنّ النصّ يفقد قيمته الواقعيّة، و تضيع بذلك مستمسكات الإمامة العلويّة كلّها، و يؤمن العالم الإسلامي الّذي كان بعيداً عن مدينة النبيّ صلى الله عليه و آله على إنكار المنكرين، لأنّه منطق القوّة الغالب في ذلك الزمان.

و لنلاحظ ناحية اُخرى؛ فإنّ عليّاً عليه السلام لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه، وتشهد له بالنصوص النبويّة المقدّسة، و تعارض إنكار الفئة الحاكمة كان معنى ذلك أن ترفض هذه الجماعة خلافة أبي بكر، و تتعرّض لهجوم شديد من الحاكمين ينتهي بها إلى الإشتراك في حرب مع الحزب الحاكم المتحمس لكيانه السياسي إلى حدّ بعيد.

فإنّه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة، فمجاهرة عليّ عليه السلام بالنصّ كانت تجرّه إلى المقابلة العمليّة.

و قد عرفنا سابقاً أنّه لم يكن مستعدّاً لإعلان الثورة على الوضع القائم، والإشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال.

و لم يكن للإحتجاج بالنصّ أثر واضح من أن تتّخذ السياسة الحاكمة

احتياطاتها و أساليبها الدقيقة لمحو تلك الأحاديث النبويّة من الذهنية الإسلاميّة، لأنّها تعرف حينئذ أنّ فيها قوّة خطر على الخلافة القائمة، و مادّة خصبة لثورة المعارضين في كلّ حين.

و إنّي اعتقد أنّ عمر لو التفت إلى ما تنبّه إليه الاُمويّون بعد أن احتجّ الإمام بالنصوص في أيّام خلافته، و اشتهرت بين شيعته من خطرها لاستطاع أن يقطعها من اُصولها و يقوم بما لم يقدر الاُمويّون عليه من إطفاء نورها.

و كان اعتراض الإمام بالنصّ في تلك الساعة ينبّهه إلى ما يجب أن ينتهجه من اُسلوب، فأشفق على النصوص المقدّسة أن تلعب بها السياسة، و سكت عنها على مضض، و استغفل بذلك خصومه حتّى أنّ عمر نفسه صرّح بأنّ عليّاً عليه السلام هو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بنصّ النبيّ صلى الله عليه و آله.

[ راجع ذخائر العقبى: 67.

و الحديث يدلّنا على أنّ الفاروق كان يميل أحياناً إلى تغيير الطريقة الّتي سار عليها الحزب في بداية الأمر مع الهاشميين غير أنّ الطابع السياسي الأوّل غلب عليه أخيراً.]


ثمّ ألم يكن من المعقول أن يخشى الإمام عليّ كرامة حبيبه و أخيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن تنتقض و هي أغلى عنده من كلّ نفيس إذا جاهر بنصوص النبيّ صلى الله عليه و آله، و هو لم ينس موقف الفاروق من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين طلب دواة ليكتب كتاباً لا يضلّ الناس بعده أبداً، فقال عمر: إنّ النبيّ ليهجر، أو قد غلب عليه الوجع!!!

و قد اعترف فيما بعد لابن عبّاس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يريد أن يعيّن عليّاً للخلافة، و قد صدّه عن ذلك خوفاً من الفتنة.

[ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/ 114.]


و سواء أكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يريد أن يحرّر حقّ عليّ عليه السلام في الخلافة أولا، فإنّ المهم أن نتأمّل موقف عمر من طلبه، فهو إذا كان مستعدّاً لاتّهام النبيّ صلى الله عليه و آله وجهاً لوجه بما ينزهه عنه نصّ القرآن، و ضرورة الإسلام خوفاً من الفتنة، فما

/ 44