قالَ أبو حامدٍ الغزّالي في شرح الحديث:إنّما كانَ الصومُ للَّهِ ومشرّفاًبالنسبةِ إليهِ - وإن كانت العبادات كلّهاله كما شرّف البيت بالنسبةِ إليهِ والأرضكلّها له لمعنيين:أحدهما: أنّ الصوم كفّ وترك، وهو في نفسهسرّ ليس فيه عمل يشاهد، فجميع الطاعاتِبمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يعلمهإلّا اللَّه تعالى؛ فإنّه عمل في الباطنبالصبر المجرّد.والثاني: أنّه قهرٌ لعدوّ اللَّه؛ فإنّوسيلة الشيطان - لعنه اللَّه - الشهوات،وإنّما يقوى الشهوات بالأكل والشرب؛ولذلك قال صلّى الله عليه وآله: «إنَّالشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَمَجرَى الدَّمِ؛ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُبِالجوعِ»... فلمّا كان الصوم على الخصوصقمعاً للشيطان وسدّاً لمسالكه وتضييقاًلمجاريه، استحقّ التخصيص بالنسبة إلىاللَّه؛ ففي قمع عدوّ اللَّه نصرة للَّه،ونصرة اللَّه للعبد موقوفة على النصرة له؛قال اللَّه: «إِن تَنصُرُواْ اللَّهَيَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»(37) ؛ فالبداية بالجهدِ مِنَ العَبدِ،والجزاء بالهداية مِنَ اللَّهِ؛ ولذلكَقالَ: «وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَالَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (38)، وقالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَايُغَيِّرُ