يتمثّل هذا الضرب من الصيام بكفّ القلبوتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللَّهسبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراماً.يقول أبو حامد الغزالي (ت 505 ق) في نعت هذهالدرجة منالصوم:«وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَنالهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّةوكفّهعمّا سوى اللَّه بالكلّية؛ ويحصل الفطر فيهذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللَّه واليومالآخر، وبالفكر في الدّنيا إلّا دنيا ترادللدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس منالدّنيا حتّى قال أرباب القلوب: مَنتحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير مايفطر عليه، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك منقلّة الوثوق بفضل اللَّه وقلّة اليقينبرزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياءوالصدّيقين والمقرّبين،ولا يطوَّل النظرفي تفصيلها قولاً ولكنفي تحقيقها عملاً،فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللَّهوانصراف عن غير اللَّه وتلبّس بمعنى قولهتعالى: «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِىخَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ» (180) » (181).من جهته يُومِئ الإمام أمير المؤمنينعليّ عليه السلام إلى المراتب الثلاثهذه بقوله:«صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِنصِيامِاللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌمِنصِيامِ البَطنِ» (182).على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتينالأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهداتالصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصومأيضاً من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي فيذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكونالباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أوالطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمرالإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاهولقائه سبحانه. نسأل اللَّه سبحانه أنيوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا منالضيافة الرمضانية الكريمة، وأن يتفضّلعلينا بأعلى درجات الصيام وأسماها.