هناك ظاهرة مركزية أخرى: إذ استهوت ديناميكية العولمة جميع الدول تقريباً، ويتعلق الأمر، إذا صح القول، بثورة رأسمالية ثانية، إذ تمس العولمة الاقتصادية، أقل ثنايا الكرة الأرضية متجاهلة استغلال الشعوب تماماً أيضاً، مثلما هو الأمر بتنوع الأنظمة السياسية.فقد عرفت الأرض، عصراً جديداً، من الغزو أيضاً، كما حدث في عصر الاستعمار. ففي حين كان الفاعلون الرئيسون في التوسع السابق من الغزاة، وكانت الدول هي الغازية. لكن هذه المرة، أصبحت المشروعات والتكتلات المكونة من المجموعات الصناعية و المالية الخاصة. هي التي تعتزم السيطرة على العالم. فلم يكن أبداً سادة الأرض، قليلي العدد، ولا أقوياء أيضاً بمقدار ما هم عليه اليوم. وتقع هذه المجموعات، في ثالوث مشكّل من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الاتحاد الأوربي وأخيراً اليابان، بصورة رئيسة، ويقع نصف هذه المجموعات في الولايات المتحدة.وقد تسارع هذا التمركز في رأس المال والسلطة، خلال مجرى العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، بشكل رهيب، تحت تأثير الثورات التكنولوجية والمعلوماتية، وستكون هناك قفزة جديدة إلى الأمام ستنفذ ـ انطلاقاً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع التقنيات الجينية الجديدة، المتعلقة بالأحياء، فاتحة الأبواب أمام توقعات جديدة، من التوسع في الرأسمالية. وتستعد الخصخصة الكبرى لتمس كل ما في الحياة والطبيعة، مشجعة على ظهور سلطة مطلقة أكثر، مما هو محتمل، وأكثر من جميع ما أمكننا معرفته في التاريخ.ولا تستهدف العولمة، غزو البلدان، أكثر من غزوها للأسواق، إلى درجة ما، و إن ما يقلق هذه السلطة الحديثة، ليس غزو المناطق في الواقع، كما كان عليه الحال في الفتوحات الكبرى حيث كانت حقبات الاستعمار، بل الاستيلاء على مناطق الثروة.