4. الفتح لغاية مغفرة الذنب
الآية تدل على أنّ الغاية المتوخاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما
تقدّم منه وما تأخّر، غير أنّ في ترتب تلك الغاية على ذيها غموضاً في بادىَ
النظر، والاِنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع
والبلدان، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش، سبباً لمغفرة
ذنوبه، مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو
عادية، بحيث تعدّ إحداهما علّة لتحقّق الاَُخرى أو ملازمة لها، وهذه الرابطة
خفية في المقام جداً، فإنّ تمكين النبي من الاَعداء والسيطرة عليهم يكون سبباً
لانتشار كلمة الحق ورفض الباطل واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة، فلو
قال: إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً، لتتمكن من الاِصحار بالحق، ونشر التوحيد،
ودحض الباطل، كان الترتب أمراً طبيعياً، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الاَصقاع، فالرابطة غير
واضحة.وهذه هي النقطة الحساسة في فهم مفاد الآية، وبالتالي دحض زعم
المخطّئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم، ولو تبيّنت صلة الجملتين لاتّضح عدم
دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.فنقول: كانت الوثنية هي الدين السائد في الجزيرة العربية، وكانت العرب
تقدّس أوثانها وتعبد أصنامها، وتطلب منهم الحوائج، وتتقرب بعبادتها إلى الله
سبحانه هذا من جانب، ومن جانب آخر: جاء النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) داعياً إلى
التوحيد في مجالي الخلق والاَمر، وإلى حصر التقديس والعبادة في الله ، وأنّه لا