مسؤوليّة التخطيط للتبليغ - تبليغ في القرآن و السنة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
قابل للمعالجة والشفاء . وهذه الحالة توجب على المبلّغ ـ انطلاقاً من المسؤوليّة الملقاة على عاتقه من قبل الله تعالى ـ أن يكون كالطبيب الحاذق الذي يتجوّل بحثاً عن مرضاه ؛ ليقتلع من قلوبهم وأذهانهم موانع المعرفة من خلال خطّة متقَنة يستخدم فيها اُسلوب اللِّين تارة واُسلوب الشدّة تارة اُخرى ؛ لينقلهم بذلك من مخاطبي المجموعة الثانية إلى حيّز مخاطبي المجموعة الاُولى . وقد وصف الإمام علي عليه السّلام الرسول صلّى الله عليه و آله بأنّه كان يتقن هذا النمط من فنّ التبليغ بقوله : «طَبيبٌ يُداوِي النّاسَ بِطِبِّهِ ، قَد أحكَمَ مَراهِمَهُ ، وأحمى مَواسِمَهُ ، يَضَعُ ذلِكَ حَيثُ الحاجَةُ إلَيهِ مِن قُلوبٍ عُميٍ ، وآذانٍ صُمٍّ ، وألسِنَةٍ بُكمٍ ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوائِهِ مَواضِعَ الغَفلَةِ ومَواطِنَ الحَيرَةِ» .[24]
وللشهيد مرتضى مطهّري ـ رضوان الله عليه ـ توضيح شائق حول هذا الكلام ، في ما يلي نصّه : «كانت لدى الرسول صلّى الله عليه و آله أدوات ووسائل ؛ فكان في بعض المواضع يستخدم القوّة والميسم ، ويستخدم المرهم في موضع آخر ، وكان في بعض المواقف يتّبع اُسلوب الشدّة والعنف ، وفي مواضع اُخرى اُسلوب اللِّين والمرونة ، إلا أنّه كان يجيد معرفة كلّ موضع ، فكان يستخدم هذه الأساليب في كلّ موطن لغرض توعية الناس وإيقاظهم ؛ فكان يضرب بالسيف في تلك المواطن التي يوقظ فيها الناس ، وليس في ما يفضي إلى سباتهم ، وكان يستخدم اُسلوب المداراة الأخلاقيّة في ما يكون سبباً لتوعية الناس ، وكان يستخدم السيف حينما يؤدّي إلى تبصير القلوب العمياء ، ويكون سبباً ينتهي بالآذان الصمّ إلى السماع ، وإلى شفاء الأعين العمي ، وإلى إنطاق الألسن البكم . أي إنّ جميع الأساليب التي كان يستخدمها الرسول صلّى الله عليه و آله كانت من أجل إيقاظ الناس» .[25]
المجموعة الثالثة : هم الذين وصل بهم التلوّث المكتسب إلى مرحلة خطيرة وغير قابلة للعلاج . والفرد في هذه المجموعة يُعتبر في مدرسة الأنبياء «ميّت الأحياء» ، ويوصف بالميّت روحيّاً وفكريّاً ؛ وذلك لأنّ صدأ الرذائل قد رانَ على أذهانهم ونفوسهم بحيث لا يستطيعون قبول الحقائق المفيدة والبنّاء ة ، ومن هنا فإنّ التبليغ لا يكاد يجدي فيهم نفعاً . وهذا ما جعل القرآن يعكس هذا المعنى بقوله : إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ .[26]
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ .
وَ مَآ أَنتَ بِهَـدِى الْعُمْىِ عَن ضَلَــلَتِهِمْ .[27]
وهكذا ، فإنّ المصابين بموت الروح بسبب كثرة الذنوب لا يمكنهم الاستفادة من عنصر التبليغ .
المسألة الجديرة بالتأمّل في هذا المجال ؛ هي أنّ الإنسان المصاب بموت الروح والفكر على أثر اقتراف الرذائل ، يدرك الحقيقة إلا أنّه لا يتقبّلها . ومثل هذا الشخص يصفه القرآن فيقول : أَفَرَءَ يْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ و هَوَلـهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ ى وَ قَلْبِهِ ى وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ ى غِشَـوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن م بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ .[28]
فحينما تستحوذ النزوات على الإنسان وتصبح على شكل صنم يعبده نتيجة لتراكم الآثام على قلبه ، عند ذلك لا يكون ثمّة أمل في هدايته ؛ لا بسبب عدم معرفته للحقّ ، ولكن بسبب عدم قدرته على الامتثال للحقّ ، ومن هنا يمكن وصفه بأنّه ضالّ يعرف الطريق .
المسألة الاُخرى هي أنّ عدم جدوى التبليغ في شأن أمثال هؤلاء الناس لا يسقط المسؤوليّة التبليغيّة للمبلّغ ، والقرآن يرى أنّ المبلّغ مكلّف بإعداد خطّة تبليغيّة لمثل هذه المجموعة من الناس ، لا لأنّ هناك أملاً في هدايتهم ، بل لأجل إتمام الحجّة عليهم ؛ لكي لا يحتجّوا على الله عندما يذوقون وبال استغلالهم الحرّيّة الممنوحة لهم ، ويقولوا : ربّنا لولا أرسلتَ إلينا هادياً .[29]
مسؤوليّة التخطيط للتبليغ
يتّضح ، من خلال التأمّل في ميزان تأثّر المخاطبين واختلافهم في درجات الاستيعاب الذاتي والاكتسابي ، مدى أهمّية وضع خطّة تبليغيّة صحيحة وصعوبتها . وهذا ، في الحقيقة ، يُلقي مسؤوليّة