الأمر الثالث أنّه لما كانت الماهيّات الحقيقيّة التى تترتب عليها آثارها فى الخارج هى التى تحلّ الأذهان بدون ترتّب من آثارها الخارجيّة. فلو فرض هناك أمر حيثيّة ذاته عين أنّه فى الخارج ونفس ترتّب الآثار، كنفس الوجود العينىّ وصفاته القائمة به، كالقوّة والفعل والوحدة والكثرة ونحوها، كان ممتنع الحصول بنفسها فى الذهن، وكذا لو فرض أمر حيثيّة ذاته المفروضة حيثيّة البطلان وفقدان الآثار، كالعدم المطلق وما يؤول إليه امتنع حلوله الذهن.فحقيقة الوجود وكلّ ما حيثيّة ذاته حيثيّة الوجود، وكذا العدم المطلق وكلّ ما حيثيّة ذاته المفروضة حيثيّة العدم يمتنع أن يحلَّ الذهن حلول الماهيّات الحقيقيّة. وإلى هذا يرجع معنى قولهم: إنّ المحالات الذاتيّة لا صورة صحيحة لها فى الأذهان.وسيأتى ـ إن شاء الله ـ بيان كيفيّة انتزاع مفهوم الوجود وما يتصف به والعدم وما يؤول إليه فى مباحث العقل والعاقل والمعقول.