مطلع الفوائد ومجمع الفرائد - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

عمر موسی باشا، علی عقلة عرسان، جمانة طه، أسعد علی، محمد حسین جمعة، تور ولید مشوح، علی ابوزید، راتب سکر، سامی غانم، مروان المصری، محمد عبدالغنی حسن، عبدالکریم الزهری الیافی، عدنان عبدالبدیع الیافی، حسین حموی، حسان الکاتب، احمد جاسم الحسین، فیصل جرف، مصطفی عکرمة، عبدالعزیز الأهوانی، شوقی ضیف، محمد المبارک، عبدالکریم خلیفة، محمد أبو الفضل إبراهیم، مصطفی جواد، احمد الجندی، عبدالغنی حسن، رکس سمیث، مصطفی الرافعی، جورج عبدالمسیح، احمد مطلوب، محمد عنبر، روحی فیصل، محمد عبدالغنی حسن، نعیم الیافی، محمود المقداد، ولید مشوح

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مطلع الفوائد ومجمع الفرائد

لجمال الدين بن نباتة المصري

تحقيق الدكتور عمر موسى باشا

تعريف ونقد

الأستاذ محمد عبد الغني حسن

إذا ذكر اسم "ابن نباتة" خطر على البال أسماء أربعة من الأدباء والعلماء اشتهروا بهذا الاسم سواء أكانوا من أسرة واحدة أم من أسر مختلفة.

وأول هؤلاء: ابن نباتة الفارقي خطيب حلب والمتوفى بها سنة 374هـ

وثانيهم ابن نباتة السعدي الشاعر الذي اشتهر بصلته بسيف الدولة بن حمدان، واسمه عبد العزيز بن نباتة وقد توفي ببغداد سنة 405هـ

وثالثهم: شمس الدين بن نباتة المحدث والمتوفى بدمشق سنة 750هـ.

ورابعهم: جمال الدين بن نباتة المصري. الذي شرح الرسالة الهزلية لابن زيدون الأندلسي، وقد حققها أخيراً الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم. وهو صاحب كتاب "مطلع الفوائد"، الذي نقوم هنا بالتعليق عليه، وهو ينشر لأول مرة عن نسخ خطية اعتمدها المحقق. ومن العجيب أن يتأخر نشر هذا الكتاب إلى زماننا هذا مع ماله من أهمية أو مع كونه من أجود كتب ابن نباتة إن لم يكن أجودها على الإطلاق.

وصاحبنا جمال الدين بن نباتة هذا هو حفيد ابن نباتة الفارقي الخطيب. وولد شمس الدين المحدث. وبهذا النسب النباتي الزاكي افتخر شاعرنا جمال الدين بقوله:




  • ورثت اللفظ عن سلفي وأكرم
    فلا عجب للفظي حين يحلو
    فهذا القطر من ذاك النبات



  • بآل نباتة الغر السراة
    فهذا القطر من ذاك النبات
    فهذا القطر من ذاك النبات



ولم تصف الحياة لابن نباتة أول الأمر في أرض مولده: مصر، فقد لقي في معاشه نصباً ورهقاً، ورزق كثرة من الأولاد ضاق به رزقهم، وأصبحت مطالب أفواههم وبطونهم تقتضيه السعي بلا جدوى ومن هنا بدأنا نسمع في شعره نغمات الشكوى من مثل قوله:




  • لقد أصبحت ذا عمر عجيب
    من الأولاد خمس حول أم
    فواحرباه من خمس وست



  • أقضّي فيه بالأنكاد وقتي
    فواحرباه من خمس وست
    فواحرباه من خمس وست



ونلاحظ في هذين البيتين أن التورية الحلوة لا تفوت شاعرنا حتى في ساعات يأسه، فقد روى في لفظه "ست" بين ست الدالة على العدد المقابل لخمس، وبين ست، بمعنى: سيدة. وقد شاع استعمالها في الأدب المكتوب أو في لغة الخطاب منذ زمن بعيد.

ولما كان المقام على الضيق والهوان مما لا يليق بالكرام فقد آثر ابن نباتة أن يهجر مصر ويجرب حظه في أرض أخرى فسافر إلى دمشق سنة 716هـ وقد أوفت سنه على الثلاثين فأقام بها بعض الوقت في رعاية والده المحدث شمس الدين الذي كان يتولى تدريس الحديث في دار الحديث النورية بالعاصمة السورية، ثم بدا لـه أن يترك دمشق إلى مدينة حماة حيث كان ملكاً عليها الملك المؤيد أبو الفداء أحد البقية الكريمة من ملوك بني أيوب. وكان في الملك المؤيد ميل إلى الأدباء والشعراء والعلماء ورعاية لهم وعطف عليهم. وقد سبق ابن نباتة إليه الشاعران الأديبان صفي الدين الحلي. والشهاب محمود الحلبي وغيرهما.

وهنا حظي ابن نباتة بتقدير الملك المؤيد وحسن رعايته. حتى كاد ينسى مصر ونيلها، مما يفصح عنه قوله:




  • ألم تر أنا قد سلونا بأرضه
    إذا ابن تقي الدين جاد نباته
    علينا فلا مدت يد النيل إصبعا



  • مراداً لنا في أرض مصر ومربعا
    علينا فلا مدت يد النيل إصبعا
    علينا فلا مدت يد النيل إصبعا



وهنا في "حماة" بدل عسر شاعرنا يسراً وأنجابت عنه الضائقة التي من أجلها هجر وطنه مصراً وأصبح يتقلب في أعطاف النعمة عند ذلك الملك الأديب الكريم.

وإذا كانت اللها تفتح اللها كما يقول المثل العربي فإن أعطيات الملك المؤيد لابن نباتة قد فتحت لهاته بشعر المديح الجيد يقول في هذا الملك المعطاء، حتى لقد بلغت مدائحه فيه قدراً من الشعر والقصائد سميت "المؤيديات" يقول في إحداها:




  • ملك باهر المكارم يروي
    زرت أبوابه فقرب شخصي
    ونحا لي من المكارم نحواً
    صانني عن لقاء زيد وعمرو



  • وجه لقياه عن عطاء وبشر
    ومحا عسرتي، ونوه ذكري
    صانني عن لقاء زيد وعمرو
    صانني عن لقاء زيد وعمرو



ويقول في أخرى:




  • يأيُّها الملك الذي
    وسما بهمته على
    حتى انتقى من زهرها
    سقيا لدهرك إنه
    دهر الأيادي الوافره



  • رد الحقائب شاكره
    غرر النجوم الزاهره
    هذي الخلال الباهره
    دهر الأيادي الوافره
    دهر الأيادي الوافره



ويقول في ثالثة:




  • يا مليكاً أحيا الثنا والعطايا
    أسأل الله أن يزيدك فضلاً
    صنتني عن أذى الزمان وقدحا
    وانبرى غيثك الهتون بجدوى
    علمتني مدائحا لا تبارى



  • فجلبنا لسوقه الأشعارا
    وسمواً على الورى وفخارا
    ول حربي واستكبر استكبارا
    علمتني مدائحا لا تبارى
    علمتني مدائحا لا تبارى



ولما مات الملك المؤيد سنة 732هـ طُوِيَ بساط أخضر كان يمشي عليه ابن نباتة في رحابه، وإن كان قد اتصل بالملك الأفضل ابن المؤيد- بعد أن سار إليه مهنئاً ومعزياً بقصيدته المشهورة التي يقول فيها:




  • هناء محا ذاك العزاء المقدما
    ثغور ابتسام في ثغور مدامع
    شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما



  • فما عبس المحزون حتى تبسما
    شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما
    شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما



وهي من القصائد الجيدة التي جمعت بين مواقف التهنئة والتعزية، وهو موقف قد يزل فيه الفحول، ولا يقوى عليه إلا القادرون...

ولما مات الملك الأفضل سنة 742هـ انتهت بموته حياة الأسرة الأيوبية في حماة. وانقطعت صلة ابن نباتة بمن يفرح كربته، ويصله بالعطاء. وهنا عاد العسر إلى حياة صاحبنا من جديد، وترك حماة إلى دمشق، وانعزل عن الناس. وهنا ابتلاه الله بفقدان الولد. ويروي الصفدي في كتابه أنه دفن قريباً من ستة عشر ولداً (كلهم إذا ترعرع وبلغ خمساً أو ستاً أو سبعاً يتوفاه الله، فيجد لذلك الآلام المبرحة. ويرثيهم بالأشعار الرائقة الرقيقة).

ولم تكفه وظيفة ناظر القيامة بالقدس الشريف التي قررها لـه الصاحب أمين الدين في موسم كل عام من زيارة النصارى لها، ولم تسله وظيفة أخرى في ديوان التوقيع بدمشق. وكان خلال ذلك الوقت دائم الشوق والحنين إلى مصر ومعالمها وآثارها ونيلها وهرمها؛ فأطال في ذلك الباب شعره الذي يقول في بعضه:




  • يا ساري البرق في آفاق مصر لقد
    حدث عن البحر أو دمعي، ولا حرج
    واندب على الهرم الغربي لي عمراً
    فحبذا هزم فارقته وصبا



  • أذكرتني من زمان للنيل ما عذبا
    وانقل عن النار أو قلبي ولا كذبا
    فحبذا هزم فارقته وصبا
    فحبذا هزم فارقته وصبا



ويقول في بعضه الآخر:




  • آها لمصر، وأين مصر؟ وكيف لي
    حيث الشبيبة، والحبيبة، والوفا
    والطرف يركع في مشاهد أوجه
    والدهر سلم كيفما حاولته
    لا مثل دهري في دمشق محاربا



  • بديار مصر مراتعاً وملاعبا؟!
    في الأعربين مشاربا وأصاحبا
    عقدت بها طرر الشعور محاربا
    لا مثل دهري في دمشق محاربا
    لا مثل دهري في دمشق محاربا



وفي سنة 761هـ كان بمصر السلطان الناصر حسن بن قلاوون؛ فبدأ ابن نباتة يرسل إليه المدائح حتى أمر السلطان باستدعائه وجهزه إلى مصر وأجزل لـه العطاء، وجعل لـه راتباً معلوماً يصرف إليه كل شهر؛ وإن كان هذا الراتب لم يصل إليه بصورة منتظمة تبعاً لأهواء المتصرفين:

وظل كذلك إلى أن توفي سنة 768هـ عن عمر يناهز اثنين وثمانين عاماً..

هذا هو ابن نباتة الأديب الشاعر الذي كان يعد أمير الشعر في عصره في القرن الثامن الهجري. وصاحب كتاب "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" الذي أحسن مجمع اللغة العربية في دمشق بنشره بعد أن ظل مطوياً في غبار السنين، بضعة من القرون.

وإذا كانت رسالة ابن زيدون الجدية قد تولى "الصفدي" شرحها والتعليق عليها، وأسماها "تمام المتون" فإن ابن نباتة قد تولى شرح الرسالة الهزلية لابن زيدون المسماة "سرح العيون". وقد كشف هذا الشرح الجميل عن أدب ابن نباتة، وكثرة معارفه، واتساع دائرة أخباره الأدبية، وإحاطته بأشعار العرب وأمثالهم ومحاضراتهم ومسامراتهم، وإشاراتهم التاريخية التي تشتمل عليها تلك الرسالة.

وقد تحملنا الرغبة في توضيح المقاصد على الاستطراد إلى ذكر الباعث لابن زيدون على إنشاء تلك الرسالة الهزلية المملوءة هزواً وسخرية. فقد كان كلفاً بولادة بنت المستكفي -وهي امرأة من بنات الخلفاء الأمويين بالأندلس فيها ظرف وأدب ولها نوادر ونظم رقيق -وسمع الوزير الأندلسي "ابن عبدوس" بولادة، فأرسل إليها امرأة من جهته تستميلها إليه، وتذكر لها محاسنه ومناقبه، وترغبها في التفرد بمواصلته. وبلغ ذلك ابن زيدون وهو من هو غراما بها وتدلها فيها، فثار غضبه، وأنشأ يكتب رسالة جواباً لـه عن لسانها تتضمن غرائب من سب ابن عبدوس، والتهكم به، والسخرية منه، وجعل الرسالة جواباً لـه على لسان ولادة.. وأرسلها إليه، فبلغت منه كل مبلغ، وذاعت في الآفاق، وحفظها الناس، وتندروا بها، مما جعل ابن عبدوس يتضاءل، وتصغر نفسه، ويمسك عن التعرض لولادة.

ولم يدع ابن نباتة في خلال شرحه رسالة ابن زيدون مثلاً إلا ذكر مضربه، ولا خبراً إلا فصل القول فيه، ولا علماً من الأعلام إلا ترجم له، وذكر من أخبار مالا نجده في كتاب آخر. ومن الأعلام الذين ترجم لهم: الأحنف بن قيس، وأبو الأسود الدؤلي، وأكثم بن صيفي، وامرؤ القيس، وبشار بن برد، وأبو تمام، والجاحظ، وحاتم الطائي، والحجاج بن يوسف، ودريد بن الصمة، والزباء، وزيد الخيل، وطويس المغني، وعبد الحميد الكاتب، وعبد الله بن معاوية الهاشمي، وأبو العتاهية، وعمر بن أبي ربيعة، وعمرو بن هند، والفرزدق، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، ومجنون ليلى، والمهلب بن أبي صفرة، والنعمان بن المنذر، والنظام وغيرهم.

وكتاب "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" قسمه مؤلفه ابن نباتة إلى ثلاثة أقسام كبار.

فالقسم الأول يشتمل على ثلاثة فصول: أولها في بعض قضايا من غرائب الحديث النبوي، وثانيها في ذكر غرائب الأساليب العربية، وثالثها في بعض أبيات المعاني المشكلة القديمة والمحدثة.

وقد بلغ مجموع أبيات هذه المعاني في هذا الفصل اثنين وأربعين بيتاً، موزعة بين المدح والوصف والغزل والمراثي والهجاء، والاستعطاف.

والقسم الثاني من الكتاب تناول فيه ابن نباتة مبتدعات الشعراء ومخترعاتهم، بدءاً من الشاعر مسلم بن الوليد، وانتهاء بابن نباتة نفسه، الذي رأى أن لا ينسى نفسه وهو في موقف الاختيار من مبتدعات الشعراء. وقد بلغ عدد الشعراء الذي اختار لهم روائع، وعثر عندهم على بدائع، خمسة عشر شاعراً هم على الترتيب الزمني: مسلم بن الوليد، أبو نواس، أبو تمام، البحتري، ابن الرومي، ابن المعتز، المتنبي، ابن نباتة السعدي. الشريف الرضي، التهامي، أبو العلاء المعري، ابن سنان الخفاجي، ابن قلاقس الإسكندري، ابن سناء الملك، ابن نباتة المصري.

ولم يرجع ابن نباتة باختياره لمخترعات الأشعار إلى ما قبل الشاعر مسلم بن الوليد، ولم يسقط على العصر الجاهلي وصدر الإسلام وبني أمية. وهو يرى أن مسلم بن الوليد هو (الأول الذي أرق معاني الشعر والكبير الذي علم أهل هذه الصناعة السحر...).

وقد حصر المؤلف الأبواب التي أجاد فيها هؤلاء الشعراء الخمسة عشر في المدح، والوصف، والنسيب، والرثاء والأغراض المختلفة. ففي باب المديح يأتي بمخترعات كل شاعر على حسب ترتيبهم الزمني، مبتدئاً بمسلم ابن الوليد، ومنتهياً بنفسه. وكذلك يفعل في بقية فنون الشعر التي اختارها. ومعنى هذا أن الشاعر المختار لـه يتكرر ورود اسمه خمس مرات، في خمسة أبواب من الشعر.

ويذكر لنا ابن نباته في خطبة كتابه ما الذي يعنيه بالاختراع والمعاني المخترعة في الشعر فيقول: (وعنيت بالاختراع من ولد معنى جليلاً وجلاه، وكمله واستوفاه، فصار من سواه أحق به، وأولى بانتمائه ونسبه، ولم أذكر من أين خطفه وقطفه، لأن ذلك مما يقتضي ملل الفكر الطامح، ويوقع فيما عبته من اختلاط السانح بالبارح. وأغنيت به عن تفتيش الكتب المسهبة، والأسفار المنصبة، والدواوين ومناقشة حسابها، والمؤلفات والوقوف على أبوابها).

والقسم الثالث من الكتاب يتناول معاني الكتاب المخترعة. وقد حصر عدد الكتاب المختار لهم في ثمانية أولهم بديع الزمان الهمذاني، وآخرهم ابن نباتة نفسه. وقد رأى المؤلف في هذا القسم المنثور أن لا ينسى نفسه. فاختار لشخصه فيما اختار من مخترعات المنثور، ورأى أن يسلك نفسه في عقد ثمانية من الكتاب اعتقد أن كتاباتهم تمثل نماذج رائعة في فن الكتابة العربية. وهؤلاء الكتاب هم: بديع الزمان الهمذاني، وأبو القاسم الحسين بن علي المعروف بالمغربي، وأبو الحسن بن بسام، والقاضي الفاضل، وهبة الله بن سناء الملك، وضياء الدين بن الأثير الجزري، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، والمؤلف جمال الدين ابن نباتة المصري.

وكان ابن نباتة كثير الإعجاب بالقاضي الفاضل وطريقته في الكتابة فجعله معلماً من معالم الطريق، وذكر بدائع المتقدمين عليه، والمتأخرين عن زمانه.

وإذا كان ابن نباتة في باب مخترعات الشعر يجتزئ بالبيت الواحد أو البيتين أو بضعة الأبيات عن إيراد القصيدة كلها للشاعر المختار لـه فإنه في باب مخترعات الكتاب يجتزئ بالعبارة الواحدة عن إيراد الرسالة كلها، لأنه بصدد الوقوع على معان مفردة مخترعة لا بصدد التسجيل لآثار نثرية كاملة. وقد يكون هذا جائزاً ومقبولاً في الشعر، لأن البيت أو البيتين أو حتى بضعة الأبيات قد تكون وحدة قائمة بذاتها، على أن السطر أو السطرين من الرسالة النثرية قد تبتر أوصالها فلا يعرف القارئ أين هو منها.

ويبدو في الكتاب استقلال المؤلف بشخصه وظهور شخصيته في الآراء. فهو ليس مجرد ناقل، ولكنه ينخل الآراء ويعلق عليها ويبدي رأيه فيها، كأن يقول: (وهذا اقرب الأقوال إلى الحقيقة) أو يقول: (وهذا معنى بعيد. وما أعتقده أراد بالماءين غير عيني الناقة، وأنه أغارهما من الكلال وجهد السير، وهذا القول كثير في أشعارهم)، أو يقول: (وهذا قول ساقط لا يخفى على من عنده أدنى فهم بالمعاني، فإن المراد بالأسود العرب، والحسن لهم، وأقبح ما يكون القبح في البيض، أو يقول: (وهذا نقل غريب لم أجده في أكثر الكتب في اللغة، فإن صح، فيكون هذا الوجه أقرب الوجوه، على أن قول أبي عبيدة أمكنها....).

وإذ كان ابن نباتة في شرحه لرسالة ابن زيدون الهزلية قد وقف عند كثير من الإشارات الأدبية والتاريخية فجلاها، وفصل الكلام فيها، فإنه كان كذلك في كتاب "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" أنه يستطرد وينتقل من غرض إلى غرض، ويجره الحديث عن شيء إلى الحديث عن شيء آخر. فإنه في خلال حديثه عن العرفج -وهو النبت الذي تسرع النار فيه إذا أوقد -استطرد إلى ذكر نيران العرب، فقال: ((وعلى ذكر النار فأنا أجري شيئاً من ذكر نيران العرب لا تخلو معرفتها من فائدة. كانت لهم من النيران: نار الحلف، وهي النار التي كانوا لا يعقدون حلفهم إلا عندها، ويذكرون منافعها ويدعون الله بالحرمان من منافعها على من نقض العهد. وربما دنوا منها حتى تكاد تحرقهم، يهولون بذلك على من يخاف غدره ونار الحرب، كانوا يوقدونها إذا أرادوا حرباً وتوقعوا جيشاً، ليبلغ الخبر أصحابهم فيجتمدون. وربما جدوا في الطلب فأوقدوا نارين. قال الفرزدق:




  • ضربوا الصنائع بالملوك، وأوقدوا
    نارين أشرفتا على النيران



  • نارين أشرفتا على النيران
    نارين أشرفتا على النيران



ونار المسافر، وهي النار التي كانت توقد خلف المسافر الذي لا يحبون رجوعه، يقولون في الدعاء: أبعده الله وأسحقه، ثم يوقدون ناراً أثره. ومنها قول بعضهم:




  • وجمة أقوام حملت، ولم تكن
    لتوقد نارا إثرهم للتندم



  • لتوقد نارا إثرهم للتندم
    لتوقد نارا إثرهم للتندم



ونيران كثيرة أضربت عن ذكرها حذر من الخروج عن المقصود....).

وإذا كان الاختيار من الشعر أو النثر يدل على ذوق خاص عند الشخص المختار، فإن الاختيارات تبعاً لهذا تتغير من شخص إلى آخر، ولا ينتظر أن نلقى عند أبي تمام مثلاً في مختاراته ما نلقاه عند البحتري، أو عند صاحب الحماسة البصرية، أو عند محمود سامي البارودي في مختاراته، أو عند الشاعر جميل صدقي الزهاوي فيما اختاره من عيون الشعر.

إن الأذواق تتفاوت. وقد تكون أبيات تشترك هنا وهناك عند واحد من أصحاب المختارات الشعرية، ولكن الغالب أن يستقل كل صاحب اختيار بذوق خاص، وطعم خاص. ومن هنا نجد فيما اختاره ابن نباتة من مخترعات الشعراء ومبتكراتهم مالا نجده عند غيره من أصحاب الاختيار. وقد وقع في الحق عند من اختار لهم على معان جياد لا نرى أن نزحم المكان هنا بإيراد بعضها، ولكنا يجب أن نشير إلى أنه قد أمدنا بأشعار للشعراء الذين اختار لهم، لا نجدها في دواوينهم التي بين أيدينا. مما يدل على أنه وقعت لـه نسخ خطية من دواوين هؤلاء الشعراء لم تقع لنا. وأكثر ما يظهر هذا بصورة تلفت النظر في الأِشعار التي اختارها لابن الرومي، مما جعل المحقق الفاضل الدكتور عمر موسى باشا يكرر هذه العبارة في مواطن كثيرة: (لم أعثر على هذا البيت، أو هذين البيتين، أو هذه الأبيات في الديوان...).

ومثل هذا ما رواه ابن نباتة من شعر لابن الرومي في المديح يقول فيه:




  • آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم
    منها معالم للهدى، ومصابح
    تجلو الدجى، والأخريات رجوم



  • في الحادثات إذا دجون نجوم
    تجلو الدجى، والأخريات رجوم
    تجلو الدجى، والأخريات رجوم



فقد علق المحقق على هذا الشعر بقوله: (لم أعثر عليه في الديوان) والحق أن هذين البيتين موجودان في "وفيات الأعيان لابن خلكان في خلال الترجمة للشاعر ابن الرومي جـ 1 ص442 وقد رواهما ابن خلكان قائلاً: (وله أيضاً وقال: ما سبقني أحد إلى هذا المعنى). ولم يفت الشاعر محمود سامي البارودي في الجزء الأول من مختارات البارودي ص 401 أن يسجل هذين البيتين من مدائح ابن الرومي.

ويظهر أن ديوان ابن الرومي لم يصل إلينا كاملاً وأن هناك نسخة خطية منه تزيد على ما في أيدينا من النسخ بألف بيت، ويؤكد هذه الحقيقة ما ذكره ابن خلكان وهو يتحدث عن ابن الرومي وعن ديوانه قائلاً: (وجمعه أبو الطيب وراق ابن عبدوس من جميع النسخ، وزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت).

وكذلك الشأن في الأبيات النونية التي رواها ابن نباتة لابن الرومي في مدح إسماعيل بن بلبل المعروف بأبي الصقر، وهي:




  • قالوا: أبو الصقر من شيبان قلت لهم:
    وكم أب قد علا بابن ذرا شرف
    ولم وأقصر بشيبان التي بلغت
    صانوا النفوس عن الفحشاء وابتذلوا
    المنعمون، وما منوا على أحد
    يوماً بنعمى، ولو منوا لما مانوا



  • كلا لعمري ولكن منه شيبان
    كما علت برسول الله عدنان
    بها المبالغ أعراق وأغصان
    منهن في سبل العليا، ما صانوا
    يوماً بنعمى، ولو منوا لما مانوا
    يوماً بنعمى، ولو منوا لما مانوا



فقد علق المحقق الفاضل على هذه الأبيات بأنه لم يعثر عليها في ديوان ابن الرومي. وهذا حق. ولكن الأبيات من القصيدة النونية التي تبلغ عدتها مائتي بيت. وقد أورد الحصري القيرواني في "زهر الآداب" هذه الأبيات الضائعة صفحة 272، كما أوردها البارودي في مختاراته. وليس ابن الرومي هو الشاعر الوحيد الذي لم تدخل بعض أشعاره في ديوانه، فهناك الشاعر المتنبي الذي يصرح ابن نباتة في "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" بأن لـه أشعاراً لم تدخل في ديوانه. وقد استكمل الأستاذ العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي هذه الأشعار الضائعة في كتاب "زيادات ديوان المتنبي" المطبوع في المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1346هـ.

وإذا كان ابن نباتة قد قصد من كتابه "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" أن يتقرب به إلى الملك المؤيد صاحب حماة وأن ينال به الحظوة عنده والقربى لديه حينما وجه قصده إليه بعد هجرته من مصر، فإنه من ناحية أخرى أراد أن يجمع في كتابه هذا طرائف المعاني وأبكارها عند بضعة عشر شاعراً رأى أنهم أحق بالأخذ منهم، والنقل عنهم، وأن يجمع فيه أيضاً طائفة من مبتكرات المعاني في أقوال البلغاء من الكتاب، ليجمع في هذا بين الجيد من قطاف الشعر والنثر. وندعه هنا يعبر بنص عباراته المسجوعة عن هذا القصد بقوله: ((وحيث كانت غاية هذا الفن المشهورة وآيته المأثورة النظر في دقائق المعاني التي هي الأرواح وغيرها الجسوم، والسكان وما سواها الرسوم، والاطلاع على أقوال العلماء في البحث عن فنونها الغامضة، ومبتدعات الشعراء والكتاب التي هي للأفكار جد رائضة، ليكون ذلك عوناً للمبتدئ على تلقيح ذهنه، وللمنتهى على تجديد العهد الصالح بفنه، جعلت هذا الكتاب موضوعاً على ذكر ما تناهت أفكار العلماء في تنقيحه، وأذهان الشعراء والكتاب في ترشيحه وترجيحه، من المعاني الدقيقة أثراً، الجليلة خطراً....).

وإذا كان لنا من -كلمة في طريقة اختيار ابن نباتة في هذا الكتاب، فإنه في الحق على الرغم من ذوقه البالغ وحسه المرهف الاختيار -قد ضيق على نفسه الباب من ناحيتين: الأولى حيث حصر نفسه نطاق خمسة عشر شاعراً، وثمانية كتاب تعداهم إلى غيرهم. وبهذا قيد نفسه بقيد لا يستطيع الفكاك منه ولا الخروج عنه.

الثانية أنه قيد نفسه في أبواب الشعر ومعانيه الخمسة هي المدح والوصف والنسيب والرثاء والأغراض المختلفة، وبهذا ضاق لديه مجال الاختيار، ولم يتسع كما اتسع مثلاً لدى أبي هلال العسكري في كتابه "ديوان المعاني" الذي يعد رائداً في هذا الباب.

وبعد: فلقد وفق مجمع اللغة العربية في دمشق في جعل هذا الكتاب من سلسلة مطبوعاته الثمينة التي يصدرها والتي يثري المكتبة العربية بما تحمله دائماً من حسن الاختيار ودقة التحقيق، وجمال الإخراج، ولاشك أن "مطلع الفوائد، ومجمع الفرائد" كان من الاختيارات الحسنة للكتب المخطوطة التي يرى نشرها. وقد كان حرياً بالنشر من زمن بعيد. ولا ندري ما الذي عوق نشره إلى وقتنا هذا؛ ولولا أن اجتمع لـه عزم المحقق، وإرادة المجمع ما ظفرنا به في هذه الحلة الأنيقة الرقيقة.

والحق أن جهد المحقق الفاضل هنا وفي هذا الكتاب واضح، ويستحق عليه الشكر ويستوجب التهنئة، لولا بعض مسائل نود أن نناقشه فيها ليتجلى وجه الصواب.

ففي صفحة 296 ورد البيت الآتي للشاعر عبد الله بن المعتز في باب النسيب، هكذا:




  • كيف لا يخضر شاربه
    ومياه الحسن تشقيه



  • ومياه الحسن تشقيه
    ومياه الحسن تشقيه



ولا محل للشقاء هنا و لا معنى له، وإنما هو: (تسقيه) بالسين المهملة غير المعجمة، وهذا بالطبع من أخطاء الطبع. وقد كان في النية أن لا اذكره، لولا أن المحقق لم يصححه في فهرس التصويبات والمستدركات بآخر الكتاب، مما يوهم أنه ليس خطأ مطبعياً، وأنه مما ندّ عن المحقق.

وفي صفحة 245، ورد البيت الآتي من شعر ابن المعتز في وصف الديك مضبوطاً بالشكل على هذه الصورة:




  • وقام أعلى الجدار مشترّف
    كمثل طرف علاه أسور



  • كمثل طرف علاه أسور
    كمثل طرف علاه أسور



بفتح الطاء من كلمة "طرف"، وهو خطأ صوابه: طرف بكسر الطاء، والطرف هو الجواد أو الفرس، والأسور هو الفارس الذي يركب الحصان.

وفي صفحة 223، جاء البيتان الآتيان من شعر ابن نباتة في المديح هكذا:




  • الله جارك ما أبر أناملا
    لو أثر التقبيل في يد ماجد
    لمحا براجم كفك التقبيل



  • تملى بدائع وصفها فتقول
    لمحا براجم كفك التقبيل
    لمحا براجم كفك التقبيل



كأن كلمة "براجم" مكونة من حرف الجر: الباء، ومن اسم الفاعل: راجم، بدليل كسر الميم من لفظة براجم، كأنه مجرور بالباء. وليس هذا بالذي يريده الشاعر. وإنما يقصد الشاعر بالبراجم أنها جمع "برجمة" وهي مفصل الأصبع من اليد. ومعنى البيت كله على هذا أنه لو كان التقبيل يؤثر في يد ماجد لبلغ من كثرة مقبلي يدك أن التقبيل الكثير يمحو براجم الأصابع. والمراد هنا براجم الأصابع لا الراجم...

وفي صفحة 185، ورد البيت الآتي من شعر ابن الرومي في المديح مضبوطاً بالشكل هكذا:




  • أزمانه بنداه الغمر أشتية
    وإن غدت بجناه الحلو أصيافا



  • وإن غدت بجناه الحلو أصيافا
    وإن غدت بجناه الحلو أصيافا



بضم الراء من لفظه "الغمر" والواو من لفظة "الحلو" ولا وجه لرفع الكلمتين، وإنما هما مجرورتان لأن كلاً منهما نعت لما قبلها، فالغمر نعت لنداه وهي مجرورة بالباء والحلو نعت لجناه وهي مجرورة بالباء أيضاً. وصواب البيت أن يضبط هكذا:




  • أزمانه بنداه الغمر أشتية
    وإن غدت بجناه الحلو أصيافا



  • وإن غدت بجناه الحلو أصيافا
    وإن غدت بجناه الحلو أصيافا



وفي صفحة 227، ورد البيت الآتي من شعر ابن نباتة في المديح هكذا:




  • ولا معنى لإضافة دخان إلى طرس،
    في الطرس من أمداحهم أرج



  • في الطرس من أمداحهم أرج
    في الطرس من أمداحهم أرج



فليس هناك (طرس دخان) حتى يضاف أحدهما إلى صاحبه. والصواب أن يضبط البيت بالشكل هكذا:




  • يفوح في الطرس من أمداحهم أرج
    كأنما النقس في طرس دخان كبا



  • كأنما النقس في طرس دخان كبا
    كأنما النقس في طرس دخان كبا



أي كأن النقس -أو المداد- في الطرس هو دخان عود الكباء. وقد قصر الشاعر لفظة كباء بدلاً من مدها. وعلى هذا تكون لفظة: دخان، مرفوعة لأنها خبر كأنما، وليست مضافة إلى طرس.

وفي صفحة 286 أورد البيت الآتي من شعر أبي نواس هكذا:




  • كل اللباس عليها منظر حسن
    وكلما تتغنى فهو مقترح



  • وكلما تتغنى فهو مقترح
    وكلما تتغنى فهو مقترح



بوصل "ما" في "كل" في الشطر الثاني، والصواب وكل ما تتغنى فهو مقترح.

أي كل الذي تتغنى به فهو مقترح. فما هنا اسم موصول بمعنى الذي.

وفي صفحة 330، ورد البيت الآتي لأبي تمام في الرثاء على هذه الصورة:




  • ألم تريا الأيام كيف فجعننا
    به، ثم قد شاركتنا في المآتم



  • به، ثم قد شاركتنا في المآتم
    به، ثم قد شاركتنا في المآتم



بإلحاق تاء التأنيث بالفعل: شاركتنا، والصواب أنها نون النسوة العائدة على الأيام، كنون النسوة في الفعل الذي قبله: فجعننا.

وفي صفحة 290، ضبطت كلمة "يمنع" في البيت الآتي بالضم هكذا:




  • ألمت بنا بعد الهدوء فسامحت
    بوصل متى تطلبه في الجد يمنع



  • بوصل متى تطلبه في الجد يمنع
    بوصل متى تطلبه في الجد يمنع



والصواب ضبطها بالكسر، لأن القافية كلها مكسورة، بدليل البيت الذي بعده وهو:




  • وولت كأن الليل يخلج شخصها
    أوان تولت من حشاي وأضلعي



  • أوان تولت من حشاي وأضلعي
    أوان تولت من حشاي وأضلعي



وفي صفحة 414، وردت هذه العبارة من نثر القاضي الفاضل هكذا:

(فدعونا من بعلبك الأعسر، وشتائه العذاب الأكبر). وهنا مأخذان: الأول لفظة فدعونا كأنها فعل ماض، والصواب أنها فدعونا، هي فعل أمر، أي اتركونا واتركوا ذكر بعلبك، والمأخذ الثاني هو ضبط كلمة العذاب بالفتح، والصواب كسرها لأنها صفة لكلمة شتاء وهي مجرورة بمن.

وبعد:

فهذا هو كتاب "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" للشاعر المصري جمال الدين ابن نباتة، عرضناه وعرضنا طرفاً من سيرة مؤلفه، كما عرضنا جهد المحقق الفاضل فيه، وهو جهد نرجو أن يبلغ التمام في المقبل من الكتب.

وبالله التوفيق

/ 136