القطب اليافي والذكر الصوفي - ادباء مکرمون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ادباء مکرمون - نسخه متنی

عمر موسی باشا، علی عقلة عرسان، جمانة طه، أسعد علی، محمد حسین جمعة، تور ولید مشوح، علی ابوزید، راتب سکر، سامی غانم، مروان المصری، محمد عبدالغنی حسن، عبدالکریم الزهری الیافی، عدنان عبدالبدیع الیافی، حسین حموی، حسان الکاتب، احمد جاسم الحسین، فیصل جرف، مصطفی عکرمة، عبدالعزیز الأهوانی، شوقی ضیف، محمد المبارک، عبدالکریم خلیفة، محمد أبو الفضل إبراهیم، مصطفی جواد، احمد الجندی، عبدالغنی حسن، رکس سمیث، مصطفی الرافعی، جورج عبدالمسیح، احمد مطلوب، محمد عنبر، روحی فیصل، محمد عبدالغنی حسن، نعیم الیافی، محمود المقداد، ولید مشوح

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القطب اليافي والذكر الصوفي

الدكتور .عبد الكريم الزهري اليافي

لقد عاش الصوفية القدماء متفرقين يأتلفون ويختلفون يجمعهم تحفز دائم نحو العلو وسعي دائب نحو تنقية النفس وصفاء القلب ومكاشفات روحانية، ولكن لم يلبثوا مع التطور أن انضموا في حلقات وزوايا وتكايا وخوانق وطرق تنظم أمورهم وترشد مريديهم، وغدا لهم تراث زاخر من الحكم والأقوال والأفكار والرسائل والكتب والأشعار، كما امتلأت لهم خزائن من المصطلحات والرموز والتلويحات والمجازات والإشارات إشارات إلى النقطة مثلاً التي هي أساس الحرف وإلى الحروف التي هي أساس المعرفة بل أساس الكون، وما إلى ذلك من تعليمات وانتباهات ونشوات يرددها المرشدون في أقوالهم والشعراء في أشعارهم والمنشدون في ألحانهم فينشأ من ذلك عالم خاص غايته بعث الخصائص الإنسانية العليا في الإنسان وإيصاله إلى حالة "الإنسان الكامل" بالمجاهدة والصبر والأناة والتهذيب على حسب الاستعداد والأحوال والمقامات.

وكان الذكر المشترك من أبرز ما تفتح عنه النشاط الصوفي الجمعي. إنه فن من المناجاة يطمح الذاكر فيه نحو المطلق خلوصاً من الأوشاب وقطعاً للعلائق والأسباب ووصولاً إلى صفاء باطني وتحصيلاً لنور روحي ربّاني، وتكون المناجاة مبدئياً تهيؤاً نفسياً ووجدانياً بقرب الشيخ المرشد وإشرافه تقوى وتشتد إذا رافقتها ألفاظ ذات إيقاع كالموشحات والأدوار، وحركات إيقاعية متناسبة معها. تحفز دواعي المحبة وظمأ المعرفة الذاكرين المنتظمين صفوفاً أو حلقات، وتحثهم الرغبة في الخروج من ميدان الغفلة إلى فضاء الصفاء والمشاهدة والمكاشفة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل إلا حفّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده ".

في الذكر الصوفي ترتفع الحجب بين القلوب والضمائر وتتوحد المشاعر وتنجم روح مشتركة جمعية بالحركات والألفاظ الإيقاعية والإيحاءات التي تتضمنها، فتتولد هزات إيقاعية تنساب في الذاكر روحاً وجسداً وتبلغ أقصى أعماقه، فيصحو القلب ويرق الطبع ويصفو الورد ويسطع النور في قلب من هو أهل لـه ويتملك الوجدُ الذاكر على حسب أحواله ومقاماته ومراتب مجاهداته وأطواره. وقد يحتاج الوجد في حصوله إلى التواجد كما تنبثق الشرارة الكهربائية بالتقريب بين قطبين مشحونين. وقالوا في الوجد: هو ما يصادف القلب ويردُ عليه بلا تكلف. وقالوا: هو بروق تلمع ثم تخمد سريعاً.

وقد يصاحب الذاكر الصوفي رتل من المولوية يأتون بثيابٍ بيض خالصة وعلى رؤوسهم قلانس من اللباد تبسط قاماتهم. فيصطف المريدون واحداً تلو الآخر ويتقدمون بجلال وهيبة بعضهم وراء بعض أمامهم الشيخ الواقف بجانب الحلقة يستأذنونه. وكل من مرّ منهم أمامه وأذن لـه دخل الحلبة وبدأ بالدوران حتى إذا اكتمل العدد وغالباً ما يكون بعدد الكواكب السبعة أو التسعة المعروفة أو أكثر يدورون دوراناً متسقاً حول أنفسهم تجاه القطب الذي يمثل الشمس. وينظم الدوران آلات موسيقية ولاسيما الدف الذي يؤلف الإيقاع والناي الذي بتموجه وألحانه يأخذ بالقلوب والألباب. ولقد يستخف الإنشاد والألحان والدوران المشاهد حتى ليحسب المكان والزمان والدنيا تدور به. يُوقد أحياناً قليل من البخور فيسطع دخان يمثل الحقيقة الأولى للخليقة، وهي التي يطلق عليها في التراث العربي "العماء" أي السحاب الرقيق الأبيض المرتفع، كأن المرء منهم حينئذ يرجع إلى فطرته الإنسانية السليمة الأولى.

قالوا في الذكر: "هو بساط العارفين ونصاب المحبين وشراب العاشقين".

تلك الأذكار من بعض الوجوه الفنية أشبه شيء بالمسرح. وقد أبان ذلك بوضوح الدكتور علي عقلة عرسان في كتابه "الظواهر المسرحية عند العرب"، ووصفها بأنها "شكل من أشكال الظاهرة المسرحية المتطورة وذات الشخصية المنفردة والأصيلة ". لقد قال أرسطو منذ القديم: "إن وظيفة المسرح هي تصفية النفوس من الأهواء" وهنا أظهر ما تكون التصفية. إنها تصفيةٌ صرف بعيدة من اصطراع الأهواء وتنابذ المطامع وتناقض الأهداف. إنها مناجاة علوية كما قلنا آنفاً ونوع من أنواع العبادة صَنَعَهُ صوفية متعبدون على هامش العبادات الشرعية، يريد الصوفي فيه أن يتجاوز ذاته ويقترب من نموذج الإنسان الكامل. فالذكر بهذا الاعتبار الجمعي إنشاء لجمال روحي في أوقات معيّنة ورسوم منظمة يحمل بعد انقضائه آثاراً وجدانية تدوم برهة في السلوك والعاطفة والمكاشفة.

لقد انتظمت الطرق الصوفية في العهد العثماني أيّ انتظام. وكان قطب العصر الشيخ عمر اليافي الحسيني أبرز من نظم الأذكار على الطريقة البكرية الخلوتية في دمشق.

ولد في مدينة يافا سنة 1173هـ 1759 ونشأ بها وطاف في فلسطين ولاسيما القدس وأخذ عن شيوخها، ثم رحل إلى مصر، ثم انتجع غزة وأخذ الطريقة الخلوتية على شيخ الشيوخ فيها كمال الدين بن العلامة الولي العارف مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي. ثم قدم الشام وأخذ عن شيوخها وساح في البلاد الشامية والحجازية ورجع إلى دمشق، فاتخذ في جامع بني أمية مشهداً يقيم به الأذكار. وكان إلى جانب تصوّفه وعرفانه شاعراً وموسيقياً نظم كثيراً من الأدوار والمقطعات لينشدها المنشدون في حلقات الذكر.

في كل مذهب ونحلة صفوة تمثل أفضل ما في النحلة والمذهب وآخرون منتحلون ليسوا أحياناً في المستوى اللائق. ولقد شابت الأذكار في العهد العثماني ولاسيما حين تصدّعت الدولة المترامية الأطراف شوائب في بعض الطرق كأكل النار والزجاج وطعن المريد بالحربة وأمثال ذلك. فأراد الشيخ اليافي القضاء على هذه المظاهر المادية التي تخالف جوهر الدين واستبدال النفحات الروحية بها على طريق الشعر والموشحات والقدود والألحان والأذكار والحركات الإيقاعية المؤثرة.

وقد ترسم في اتجاهه العرفاني مذهب ابن عربي. مَثَلُه في ذلك مَثَلُ شيخه البكري في غزة ومَثَلُ الشيخ العلامة عبد الغني النابلسي متقدمه في دمشق، واعتمد في أشعاره وقدوده إشارات ورموزاً ومصطلحات وردت في التراث الإسلامي عامة والصوفي خاصة بعضها يحتاج إلى شروح وبعضها واضح ولاسيما التنويه بالحب والمعرفة الإلهيين، وبتلك الراح الروحية التي تهب النشوة العلوية تدار في مشهد الذكر كما تدار الراح المادية في الحانات إذا سمعها الذاكر ووعاها الحاضر تفتحت لـه معانيها تفتحاً جديداً وشعر كأنه يعرج في معارج علوية ويشهد أنواراً سنية.

لقد شهدت حين أتيت دمشق في الأربعينيات في دار الشيخ عمر اليافي التي كانت في جنوب الجامع الأموي حفلات الذكر والمولوية تقام خاصة في 27 رمضان من كل سنة. ثم أصاب الحفلات الأفول وحتمل الآهل وتبدّل المأهول ودرست المآثر والطلول.

يقول الشيخ اليافي في السماع والحب :




  • اجْلُ كاس السماع يا ذا المغنّي
    وأدر كأسه المروّق صرفاً
    عاطنيه وغِِبْ بشربك سكراً
    إن أهل الغرام زمرة عشقي
    كل من في الهوى ارتوى من شجوني
    لا تعرج يا ذا الجوى عن سبيلي
    وتجرد عمّا سوى حب سلمى
    لا تُعِرْ للعذول في الحب يوماً
    منك سمعاً وقل لمن لام: دعني



  • وأعِدْ لي حديث ذات التثنّي
    قد تصفّى من صفو منهل دنّي
    ثم خذه يا ذا الصبابة عني
    كلهم قد رووا أحاديث فنّي
    وفنوني فمورد الكل منّي
    واتّبعني واشْطَح معي واغتنمني
    ثم صرّح في حبها لا تكنّي
    منك سمعاً وقل لمن لام: دعني
    منك سمعاً وقل لمن لام: دعني



ومن قدوده المتغناة حتى العصر الحاضر :




  • بك أهوى الغادة والغيدا
    إن همتُ بهند أو أسما
    وبنور صفاتك والأسما
    فعليك بخمرتنا البِكر
    وبطيب ورودك في الذكر
    وصلاة الله مدى الدهر
    والآل مع الصحب الغرّ
    ما أبدى الطائر تغريدا



  • وأحب الجادة والجيدا
    فمرادي مشهدك الأسمى
    يزداد فؤادي توحيدا
    من حانة سيدنا البكري
    كن عند حضورك مفقودا
    لنبيّ تُوّج بالفخر
    ما أبدى الطائر تغريدا
    ما أبدى الطائر تغريدا



وكان صاحب مدرسة في الشعر والذكر والسماع وقد خلفه في مشهده ابنه الأكبر الشيخ محمد الزهري. أما مدرسته الشعرية والموسيقية فأبرع ممثليها الشاعر الحمصي الرقيق الشيخ أمين الجندي (1257هـ/1841م) لـه أناشيد تغنى فيها بمحاسن الأصداف الناسوتية وهو يضمر المعاني اللاهوتية. وهي جميعاً تفيض عذوبة وتزخر بالصور الحسية.

وهذه قطعة من أنشودة ساحرة :




  • إن أنعمت ليلايا
    شمس إلى الأقمار
    يا نسمة الأسحار
    سلّت على العشاق
    لا تنكروا أشواقي
    ضاءت عقود النحر
    يا حسنه من خصر
    دارت به يمنايا



  • بالقرب يا بشرايا
    تهدي سنا الأنوار
    بثي لها شكوايا
    سيفاً من الأحداق
    فيها ولا بلوايا
    على لجين الصدر
    دارت به يمنايا
    دارت به يمنايا



توفي القطب الشيخ اليافي في عام 1233هـم1818م ودفن في الدحداح.

/ 136