من مُلك بني اُميّة.
ومنه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه، فدافع بأمره، واعتلّ بطعامه، فقال النبيّ: 'لا أشبع اللَّه بطنه'. فبقي لا يشبع ويقول: واللَّه ما أترك الطعام شبعاً ولكن إعياءً!
ومنه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: 'يطلع من هذا الفجّ رجل من اُمّتي يُحشَر على غير ملّتي'. فطلع معاوية.
ومنه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
ومنه الحديث المرفوع المشهور أنّه قال: إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل دَرَك منها ينادي: يا حنّان يا منّان، 'ءَآلَْنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ'....
[ يونس: 91.]
ثمّ ممّا أوجب اللَّه له به اللعنة قتلُه مَن قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق، وحجر بن عديّ، فيمن قتل من أمثالهم، في أن تكون له العزّة والملك والغلبة، وللَّه العزّة والملك والقدرة، واللَّه عزّ وجلّ يقول: 'وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ و وَأَعَدَّ لَهُ و عَذَابًا عَظِيمًا'.
[ النساء: 93.]
وممّا استحقّ به اللعنة من اللَّه ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة جرأةً على اللَّه! واللَّه يقول: 'ادْعُوهُمْ لِأَبَآلِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ'
[ الأحزاب: 5.]
ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'ملعون
من ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه'. ويقول: 'الولد للفراش وللعاهر الحَجَر'. فخالف حكم اللَّه عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضرّه عهره، فأدخل بهذه الدعوة من محارم اللَّه ومحارم رسوله في أمّ حبيبة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله وفي غيرها من سُفور وجوهٍ ما قد حرّمه اللَّه، وأثبت بها قربى قد باعدها اللَّه، وأباح بها ما قد حظره اللَّه، ممّا لم يدخل على الإسلام خلل مثله ولم ينَل الدين تبديل شبهُه.
ومنه إيثاره بدين اللَّه، ودعاؤه عباد اللَّه إلى ابنه يزيد المتكبّر الخمّير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفهَه، ويطّلع على خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره.
فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه، ووطّأه له، وعصى اللَّه ورسوله فيه، طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحَرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش ممّا ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عَبَدَ
[ يقال عَبِد يعبَدُ عَبَداً: أي غَضِب غَضَبَ أنَفَة "النهاية: 170:3".]
نفسه وغليله، وظنّ أنّ قد انتقم من أولياء اللَّه، وبلّغ النوى لأعداء اللَّه، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
قد قتلنا القرم من ساداتكم
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً
لست من خندفَ إن لم أنتقم
ولعت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزلْ
جزع الخزرج من وقع الأسلْ
وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ
ثم قالوا يا يزيد لا تُسلْ
من بني أحمد ما كان فعلْ
خبر جاء ولا وحي نزلْ
خبر جاء ولا وحي نزلْ
هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى اللَّه ولا إلى دينه ولا إلى كتابه، ولا إلى رسوله، ولا يؤمن باللَّه، ولا بما جاء من عند اللَّه.
ثمّ من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، مع موقعه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ومكانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة، اجتراءً على اللَّه، وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم، لا يخاف من اللَّه نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر اللَّه عمره، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من اللَّه بمعصيته...
[ تاريخ الطبري: 54:10. قال الطبري بعد نقل هذا الكتاب: إنّ عبيد اللَّه بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، فمضى يوسف بن يعقوب فكلّم المعتضد في ذلك وقال له: يا أميرالمؤمنين! إنّي أخاف أن تضطرب العامّة، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة. فقال: إن تحرّكت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها، فقال: يا أميرالمؤمنين فما تصنع بالطالبيّين الذين هم في كلّ ناحية يخرجون ويميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم وفي هذا الكتاب إطراؤهم؟ أو كما قال، وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنةً، وأثبت حجّةً منهم اليوم. فأمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواباً ولم يأمر من الكتاب بعده بشي ء "تاريخ الطبري: 63:10"، وقال ابن الأثير: كان عبيد اللَّه- الذي سعى في عدم قراءة هذا الكتاب- من المنحرفة عن عليّ عليه السلام "الكامل في التاريخ: 585:4".]
عمرو بن العاص
سياسيّ ماكر، ومحتال ماهر، ووجهٌ متلوّن عجيب، وعُدَّ أحد دهاة العرب
الأربعة.
[ سير أعلام النبلاء: 15:58:3، تهذيب الكمال: 4388:82:22، اُسد الغابة: 3971:234:4، البداية والنهاية: 54:7.]
كان له في الفحشاء عِرقٌ؛ فاُمّه النابغة كانت من البغايا المشهورة.
ولمّا ولد عمرو في سنة 50 قبل الهجرة، نسبته اُمّه إلى خمسة، ثمّ اختارت العاص وألحقته به.
[ ربيع الأبرار: 548:3، العقد الفريد: 347:1، شرح نهج البلاغة: 284:6 و285.]
نشأ عمرو في حجر من كان يهجو النبيّ صلى الله عليه و آله كثيراً، وهو الذي عبّرت عنه سورة الكوثر بالأبتر.
[ البداية والنهاية: 104:3 و ج 307:5، الدرّ المنثور: 647:8.]
وكان الإمام الحسن عليه السلام يقول فيه: ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصِباً.
[ شرح نهج البلاغة: 291:6.]
وكان عمرو بن العاص يؤذي النبيّ صلى الله عليه و آله ويهجوه كثيراً في مكّة. وبعد كلّ ما أبداه من عنادٍ وتهتّك لعنه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال: اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجاني، وأنت تعلم أنّي لستُ بشاعر، فالعنه مكان كلّ بيت هجاني لعنة.
[ الإيضاح: 84، الاحتجاج: 36:2؛ شرح نهج البلاغة: 282:6 و ص 291 كلّها نحوه.]
وعندما هاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، ذهب عمرو بن العاص إلى بلاد النجاشي مبعوثاً من قريش ليُرجعهم، فلم يفلح.
[ مسند ابن حنبل: 1740:431:1، السيرة النبويّة لابن هشام: 357:1، سير أعلام النبلاء: 15:61:3، اُسد الغابة: 3971:232:4، البداية والنهاية: 70:3 تا 72.]
قال ابن أبي الحديد في وصف عمرو بن العاص: وكان عمرو أحد من يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمكّة ويشتمه، ويضع في طريقه الحجارة؛ لأنّه كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج من منزله ليلاً، فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه
ليعثر بها... لشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله أرسله أهل مكّة إلى النجاشي ليزهّده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله.
[ شرح نهج البلاغة: 283:6.]
قاتل المسلمين في حروب متعدّدة إلى جانب المشركين.
[ سير أعلام النبلاء: 15:63: 3، البداية والنهاية: 236:4.]
ولمّا أحسّ بقدرة الإسلام المتعاظمة ، أسلم سنة 8 ه قبل فتح مكّة.
[ اُسد الغابة: 3971:232:4، البداية والنهاية: 236:4.]
كان ملمّاً بفنون القتال. أمّره النبيّ صلى الله عليه و آله في غزوة ذات السلاسل، وفي الجيش أبو بكر، وعمر،
[ سير أعلام النبلاء: 15:67:3، تاريخ الطبري: 32:3، تاريخ دمشق: 146:46، تهذيب الكمال: 4388:81:22، الكامل في التاريخ: 604:1، اُسد الغابة: 3971:233:4.]
وعندما توفّي النبيّ صلى الله عليه و آله كان في مهمّة بعُمان.
[ عُمان: اسم لبلدة عربيّة على ساحل بحر اليمن والهند "معجم البلدان: 150:4" وهي اليوم من دول الجزيرة العربيّة تقع في الجنوب الشرقي منها، عاصمتها مسقط.]
[ تاريخ الطبري: 258:3 و ص 302، سير أعلام النبلاء: 15:69:3، تاريخ دمشق: 152:46، اُسد الغابة: 3971:233:4 وفي بعضها 'بالبحرين'.]
أحبّه عمر بن الخطّاب كثيراً، وكان يكرّمه ويبجّله.
[ النجوم الزاهرة: 63:1 و64.]
وفتح ابن العاص مصر في أيّامه، ثمّ ولّاه عليها.
[ سير أعلام النبلاء: 15:58:3، تاريخ الطبري: 104:4 تا 106 و ص 241، الكامل في التاريخ: 174:2 و ص 227، اُسد الغابة: 3971:234:4، البداية والنهاية: 26:8.]
وظلّ والياً عليها في عهد عثمان مدّة، ثمّ عزله عثمان وولّى أخاه لاُمّه عبداللَّه
ابن سعد بن أبي سرح؛ انطلاقاً من سياسته في تحكيم الاُمويّين.
[ سير أعلام النبلاء: 8:34:3 و ص 15:71، تاريخ الطبري: 253:4، الكامل في التاريخ: 235:2، البداية والنهاية: 151:7.]
فاغتمّ عمرو لذلك وحقد على عثمان، وكان له دور مهمّ في تأليب الناس عليه.
[ أنساب الأشراف: 192:6 و ص 209 و ج 74:3، سير أعلام النبلاء: 15:73:3، مروج الذهب: 363:2، اُسد الغابة: 3971:234:4، الفتوح: 418:2، البداية والنهاية: 170:7.]
وكان ابن العاص داهية، عارفاً بزمانه، ومن جانب آخر كان رَكوناً إلى الدنيا، عابداً لهواه، من هنا كان يعلم جيّداً أنّه لا يمكن أن ينسجم مع أشخاص مثل أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، لذلك ولّى صوب معاوية
[ تاريخ الطبري: 560:4، اُسد الغابة: 3971:234:4، البداية والنهاية: 26:8.]
عندما تقلّد الإمام الخلافة، وهو يعلم أنّ حبّ الدنيا هو الذي حداه على ذلك، وقال لمعاوية مرّة: إن هي إلّا الدنيا نتكالب عليها...
[ سير أعلام النبلاء: 15:72:3، تاريخ دمشق: 167:46، النجوم الزاهرة: 63:1، مروج الذهب: 363:2، الفتوح: 511:2، الإمامة والسياسة: 116:1؛ وقعة صفّين: 35 و ص 39 و43 وفيه شعر عليّ بن أبي طالب عليه السلام في ذلك، تاريخ اليعقوبي: 185:2 والسبعة الأخيرة نحوه.]
وهكذا كان، إذ جعل ولاية مصر شرطاً لمؤازرته معاوية.
[ أنساب الأشراف: 74:3، سير أعلام النبلاء: 15:72:3، تاريخ الطبري: 985، مروج الذهب: 363:2، الكامل في التاريخ: 411:2، الأخبار الطوال: 158، الفتوح: 513:2 و514، الإمامة والسياسة: 117:1؛ وقعة صفّين: 40، تاريخ اليعقوبي: 186:2.]
وكان في حرب صفّين قائداً لجيش الشام، ومستشاراً لمعاوية، وموجّهاً للحرب في ساحة القتال.
[ تاريخ الطبري: 563:4 و ج 12:5، الكامل في التاريخ: 359:2 و ص 371، الفتوح: 537:2، الإمامة والسياسة: 117:1.]
وكان أسود القلب، أعماه حبّ الدنيا عن رؤية الحقّ، وكان يعرف فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام، وطالما صرّح بها.
[ أنساب الأشراف: 73:3، تاريخ الطبري: 561:4، الأخبار الطوال: 158؛وقعة صفّين: 37 و ص 222 و ص 237، الأمالي للطوسي: 217:134، تاريخ اليعقوبي: 186:2.]
وكذلك كان يعرف عمّار بن ياسر وشخصيّته، ويعتقد بكلام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيه إذ قال له: 'تقتلك الفئة الباغية'.
[ الكامل في التاريخ: 381:2، الفتوح: 74:3، البداية والنهاية: 268:7؛ وقعة صفّين: 341 و ص 343.]
ومن جهة اُخرى كان يدرك ضعة معاوية ورذالته وتعسّفه.
كما كان هو نفسه لا نظير في ضعته وحقارته؛ إذ كشف عورته للإمام أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا رأى الموت قد أمسك بخناقه !! فنجا من الموت بهذه المكيدة التي تمثّل وصمة عارٍ عليه.
[ الفتوح: 47:3، البداية والنهاية: 20:4 و ج 264:7.]
وهو صاحب خطّة رفع المصاحف على الرماح عند اشتداد الحرب، وتواتر الهزائم، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتميّ.
[ أنساب الأشراف: 98:3، تاريخ الطبري: 48:5، الكامل في التاريخ: 386:2، الفتوح: 181:3، البداية والنهاية: 273:7.]
ومثّل معاوية في التحكيم، فخدع أبا موسى الأشعري؛ إذ جعل نتيجة التحكيم لمصلحة معاوية،
[ تاريخ الطبري: 51:5 و ص 70، الكامل في التاريخ: 396:2، اُسد الغابة: 3971:234:4، الفتوح: 197:4.]
فمهّد الأرضيّة لفتن اُخرى.
وكان أحد المخطّطين البارعين للسياسة الدعائيّة المناهضة
لأمير المؤمنين عليه السلام.
[ نهج البلاغة: الخطبة 84، الأمالي للطوسي: 208:131، الغارات: 513:2.]
وإنّ قيامه بتعكير الأجواء، وتضليل الناس، وانتقال المواقف ضدّ أميرالمؤمنين عليه السلام معلم على لؤمه وقبحه ومكره، وأشار الإمام إلى شي ء من ذلك إشارة بليغة في الخطبة 84 من نهج البلاغة.
قاتل ابنُ العاص محمّدَ بن أبي بكر في مصر، فغلبه وأحكم قبضته عليها.
[ تاريخ الطبري: 100:5 تا 105، الكامل في التاريخ: 412:2، اُسد الغابة: 3971:234:4، البداية والنهاية: 313:7 تا 317.]
هلك سنة 43 ه.
[ المستدرك على الصحيحين: 5907:513:3 و ح 5910 و ح 5909 وفيه 'سنة 51 و42' و ح 5911، تهذيب الكمال: 4388:83:22 وفيهما 'سنة 42'، تاريخ الطبري: 181:5، الكامل في التاريخ: 458:2، البداية والنهاية: 24:8.]
وخلّف ثروة طائلة، ودراهم ودنانير وافرة. وذُكر أنّ أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهباً.
[ سير أعلام النبلاء: 15:77:3.]
نسبه
2343- ربيع الأبرار: كانت النابغة- اُمّ عمرو بن العاص- أمةَ رجلٍ من عنزة، فسُبيت، فاشتراها عبداللَّه بن جدعان، فكانت بغيّاً، ثمّ عُتقت. ووقع عليها أبو لهب، واُميّة بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، في طُهرٍ واحد، فولدت عمراً!
فادّعاه كلّهم، فحكمت فيه اُمّه فقالت: هو للعاص؛ لأنّ العاص كان ينفق عليها.
وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان، وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب:
أبوك أبو سفيان لاشكّ قد بدتْ
لنا فيك منه بيّناتُ الشمائلِ
لنا فيك منه بيّناتُ الشمائلِ
لنا فيك منه بيّناتُ الشمائلِ
2344- العقد الفريد عن عبداللَّه بن سليمان المدني وأبي بكر الهذلي: إنّ أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب دخلت على معاوية؛ وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بك وأهلاً ياعمّة، فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يابن أخي، لقد كفرتَ يد النعمة، وأسأتَ لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، من غير بلاء كان منك، ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام، بعد أن كفرتم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله....
فقال لها عمرو بن العاص: كفى أيّتها العجوز الضالّة، وأقصري من قولك مع ذهاب عقلك؛ إذ لا تجوز شهادتك وحدك؟ فقالت له: وأنت يابن النابغة!! تتكلّم واُمّك كانت أشهر امرأة تغنّي بمكّة وآخَذَهن للاُجرة، ادّعاك خمسة نفر من قريش، فسُئِلت اُمّك عنهم، فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحِقوه به، فغلب عليك شبَهُ العاص بن وائل، فلُحِقتَ به.
[ العقد الفريد: 346:1.]
2345- بلاغات النساء عن أنس بن مالك: قال عمرو بن العاص |لأروى بنت الحارث|: أيّتها العجوز الضالّة! أقصري من قولك، وغضّي من طرفك.
قالت: ومن أنت لا اُمّ لك؟ قال: عمرو بن العاص.
قالت: يابن اللخناء النابغة! أ تكلّمني؟ ارْبَع على ظَلْعِك،
[ اربَع: أي كفّ وارفق. والظَّلْع: العَرَج، والمعنى: اسكُت على ما فيك من العيب "لسان العرب: 110:8 و ص 244 وانظر مجمع الأمثال: 1553:35:2".]
واعنِ بشأن نفسك، فواللَّه ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستّة من قريش كلّ واحد يزعم: أنّه أبوك.
ولقد رأيت اُمّك- أيّام منى- بمكّة مع كلّ عبد عاهر- أي فاجر- فأْتمّ بهم؛ فإنّك بهم أشبه.
[ بلاغات النساء: 43.]
2346- شرح نهج البلاغة عن أبي عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب الأنساب: إنّ عمراً اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، فقيل: لتحكم اُمّه. فقالت اُمّه: إنّه من العاص بن وائل.
فقال أبوسفيان: أما إنّي لا أشكّ أنّي وضعته في رحم اُمّه، فأبت إلّا العاص.
فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسباً. فقالت: إنّ العاص بن وائل كثير النفقة عليَّ، وأبو سفيان شحيح.
[ شرح نهج البلاغة: 284:6؛ بحارالأنوار: 516:230:33.]
كلام الإمام عليّ في خصائصه
2347- الإمام عليّ عليه السلام- من كتاب له إلى عمرو بن العاص-: فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئ ظاهرٌ غيُّه، مهتوك سترُه، يَشين الكريم بمجلسه، ويُسفِّه الحليمَ بخِلْطَته، فاتّبعتَ أثره، وطلبت فضله، اتّباعَ الكلب للضِّرغام يلوذ