ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غيرَ سبيل المؤمنين، وولّاه اللَّه ما تولّى ويُصليه جهنّم وساءت مصيراً.
وإنّ طلحة والزبير بايعاني، ثمّ نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردّهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحقّ وظهر أمر اللَّه وهم كارهون.
فادخل فيما دخل فيه المسلمون؛ فإنّ أحبّ الاُمور إليَّ فيك العافية، إلّا أن تتعرّض للبلاء، فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت اللَّه عليك.
وقد أكثرتَ في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثمّ حاكم القوم إليَّ أحملك وإيّاهم على كتاب اللَّه. فأمّا تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان.
واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك: جرير بن عبداللَّه وهو من أهل الإيمان والهجرة، فبايع ولا قوّة إلّا باللَّه.
[ وقعة صفّين: 29؛ تاريخ دمشق: 128:59 كلاهما عن عامر الشعبي، العقد الفريد: 329:3، الأخبار الطوال: 157 نحوه إلى 'عن اللبن'، شرح نهج البلاغة: 75:3، الفتوح: 506:2 وفيه من 'وإنّما الشورى...' نحوه، الإمامة والسياسة: 113:1.]
راجع: نهج البلاغة: الكتاب 37 و6.
معاوية يبدّد الوقت استعداداً للحرب
2376- وقعة صفّين عن الجرجاني: كان معاوية أتى جريراً في منزله فقال: يا جرير! إنّي قد رأيت رأياً.
قال: هاته.
قال: أكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي، واُسلّم له هذا الأمر، واكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب بما أردت، وأكتب معك.
فكتب معاوية بذلك إلى عليّ. فكتب عليّ إلى جرير:
أما بعد، فإنّما أراد معاوية ألّا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ، وأراد أن يُريثك حتى يذوق أهل الشام. وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليَّ أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه. ولم يكن اللَّه ليراني أتّخذ المضلّين عضداً، فإن بايعك الرجل، وإلّا فأقبِل.
[ وقعة صفّين: 52؛ تاريخ دمشق: 131:59، الإمامة والسياسة: 115:1 و116 كلاهما نحوه.]
اصحاب الإمام يُشيرون عليه بالاستعداد للحرب
2377- الإمام عليّ عليه السلام- من كلام له وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبداللَّه البجلي إلى معاوية-: إنّ استعدادي لحرب أهل الشام وجريرٌ عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خيرٍ إن أرادوه. ولكن قد وَقّتُّ لجرير وقتاً لا يُقيم بعده إلّا مخدوعاً أو عاصياً. والرأي عندي مع الأناة، فأروِدوا
[ أروِد: أمهل "مجمع البحرين: 753:2".]
ولا أكره لكم الإعداد.
ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلّبت ظهره وبطنه، فلم أرَ لي فيه إلّا القتال أو الكفر بما جاء محمّد صلى الله عليه و آله. إنّه قد كان على الاُمّة والٍ أحدث أحداثاً
وأوجد الناس مقالاً، فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا.
[ نهج البلاغة: الخطبة 43، بحارالأنوار: 364:393:32.]
2378- تاريخ دمشق عن الكلبي: كان عليّ استشار الناس، فأشاروا عليه بالقيام بالكوفة غير الأشتر، وعديّ بن حاتم، وشُرَيح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي، فإنّهم قالوا لعليّ: إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنّما خوّفوك حرب الشام، وليس في حربهم شي ء أخوف من الموت، وإيّاه نريد، فدعا عليّ الأشتر وعدياً وشُريحاً وهانئاً فقال:
إنّ استعدادي لحرب الشام، وجرير بن عبداللَّه عند القوم صرف لهم عن غيّ إن أرادوه، ولكنّي قد أرسلتُ رسولاً، فوقّت لرسولي وقتاً لا يقيم بعده، والرأي مع الأناة فاتَّئدوا ولا أكره لكم الأعذار.
[ تاريخ دمشق: 130:59، الإمامة والسياسة: 114:1 نحوه وراجع الفتوح: 505:2.]
استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل
2379- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: استأذن طلحة والزبير عليّاً في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكّة وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأى عليّ في معاوية وانتقاضه، ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أ يجسر عليه أو ينكل عنه.... فدسّوا إليه زياد بن حنظلة التميمي- وكان منقطعاً إلى عليّ- فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثمّ قال له عليّ: يا زياد تيسّر.
فقال: لأيّ شي ء؟
فقال: تغزو الشام.
فقال زياد: الأناة والرفق أمثل. فقال:
ومن لا يُصانع في أمور كثيرة
يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
فتمثّل عليّ وكأنّه لا يريده:
متى تجمع القلب الذكي وصارماً
وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم
وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم
وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم
فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف ياقوم، فعرفوا ما هو فاعل.
ودعا عليّ محمّد ابن الحنفيّة فدفع إليه اللواء، وولّى عبداللَّه بن عبّاس ميمنته، وعمر بن أبي سلمة- أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد- ولّاه ميسرته، ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجرّاح ابن أخي أبي عبيدة بن الجرّاح فجعله على مقدّمته، واستخلف على المدينة قثم بن عبّاس، ولم يولّ ممّن خرج على عثمان أحداً، وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام، وإلى عثمان بن حنيف والى أبي موسى مثل ذلك، وأقبل على التهيّؤ والتجهّز، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال:
إنّ اللَّه عزوجل بعث رسولاً هادياً مهدياً بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلّا من حفظ اللَّه، وإنّ في سلطان اللَّه عصمة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملويّة ولا مستكره بها، واللَّه لتفعلنّ أو لينقلنّ اللَّه عنكم سلطان الإسلام ثمّ لا ينقله إليكم أبداً حتى يأرز الأمر إليها، انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم، لعلّ اللَّه يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم.
فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر وتمام على خلاف، فقام
فيهم بذلك فقال:
إنّ اللَّه عزوجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل، ألا وإنّ طلحة والزبير واُمّ المؤمنين وقد تمالؤوا على سخط إمارتي، ودعوا الناس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكفّ إن كفّوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم.
ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح، فتعبّى للخروج إليهم وقال:
إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين، وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه، فاشتدّ على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا.
[ تاريخ الطبري: 444:4.]