دفاع عن سياسة عزل معاوية
استناداً إلى ما يتبنّاه الإمام في سياسة وإدارة النظام الاسلامي التي سبق شرحها
[ راجع: القسم الخامس/السياسة في المدرستين/دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّة.]
يمكن الردّ على هذه التساؤلات بكلّ سهولة. بَيدَ أنّ هذه السياسة توجد بشأنها اُمور مهمّة لابدّ من الإشارة إليها هاهنا:
دافع ابن أبي الحديد عن هذه السياسة بالتفصيل، ونحن نورد النقاط المهمّة فيها:
استدلّ ابن أبي الحديد ابتداءً من خلال المصادر والوثائق التاريخيّة على أنّ معاوية ما كان يبايع الإمام في أيّة ظُروف كانت. ثمّ أشار إلى المبادئ الدينيّة التي كان يسير عليها الإمام في تعيين وعزل الولاة والعمال. ثمّ أورد في ختام المطاف تحليلاً رصيناً لعالم يدعى ابن سنان بيّن فيه عدم امكانيّة إبقاء معاوية في الظروف التي بايع فيها الناس عليّاً من بعد قتل عثمان؛ لأنّها ستجعل الإمام يواجه في أوّل حكومته أوضاعاً كالتي انتهى إليها عثمان في اُواخر حكمه.
ابقاء معاوية في منصبه لا يدعوه إلى البيعة
نقل ابن أبي الحديد فيما يخصّ انتقاد سياسة الإمام بعزل معاوية: 'منها قولهم: لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقرّ معاوية على الشام إلى أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويبايعه معاوية وأهل الشام ثمّ يعزله بعد ذلك، لكان قد كُفي ما جرى بينهما من الحرب.
والجواب: إنّ قرائن الأحوال حينئذٍ قد كان علم أميرالمؤمنين عليه السلام منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه على ولاية الشام، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية وآكد في الامتناع من البيعة؛ لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول: كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معاً، أو يتقدّم منه عليه السلام المطالبة بالبيعة، أو يتقدّم منه اقراره على الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثانٍ.
فإن كان الأوّل فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكّد حاله عندهم، ويقرّر في أنفسهم: لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده عليّ عليه السلام معه، ثمّ يماطله بالبيعة ويحاجزه عنها.
وإن كان الثاني فهو الذي فعله أميرالمؤمنين عليه السلام.
وإن كان الثالث فهو كالقسم الأوّل، بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف والعصيان.
وكيف يتوهّم من يعرف السير أنّ معاوية كان يبايع له لو أقرّه على الشام وبينه وبينه ما لا تبرك الابل عليه من التِّرات القديمة والأحقاد، وهو الذي قتل حنظلة أخاه، والوليد خاله، وعتبة جدّه، في مقام واحد!! ثمّ ما جرى بينهما في أيّام
عثمان حتى أغلظ كلّ واحد منهما لصاحبه، وحتى تهدّده معاوية وقال له: إنّي شاخص إلى الشام وتارك عندك هذا الشيخ- يعني عثمان- واللَّه لئن انحصّت منه شعرة واحدة لأضربنّك بمائة ألف سيف!!...
و أمّا قول ابن عبّاس- له عليه السلام: ولِّه شهراً واعزله دهراً-، وما أشار به المغيرة بن شعبة فإنّهما ما توهّماه وما غلب على ظنونها وخطر بقلوبهما.
و عليّ عليه السلام كان أعلم بحاله مع معاوية، وأنّها لا تقبل العلاج والتدبير، وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان في نفسه من عليّ عليه السلام من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان أنّه يقبل إقرار عليّ عليه السلام له على الشام، وينخدع بذلك، ويبايع ويعطي صفقة يمينه! إنّ معاوية لأدهى من أن يُكاد بذلك، وإنّ عليّاً عليه السلام لأعرف بمعاوية ممّن ظنّ أنّه لو استماله بإقراره لبايع له. ولم يكن عند عليّ عليه السلام دواء لهذا المرض إلّا السيف؛ لأنّ الحال إليه كانت تؤول لا محالة، فجعل الآخر أوّلاً.
[ شرح نهج البلاغة: 233:10. قال ابن أبي الحديد في سياق كلامه: وأنا أذكر في هذا الموضع خبراً رواه الزبير بن بكّار في الموفّقيّات؛ ليعلم من يقف عليه أنّ معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة عليّ عليه السلام أبداً، ولا يعطيه البيعة، وأنّ مضادّته له ومباينته إيّاه كمضادّة السواد للبياض لا يجتمعان أبداً، وكمباينة السلب للإيجاب؛ فإنّها مباينة لا يمكن زوالها أصلاً.]
ابقاء معاوية كان يزعزع الحكومة المركزيّة
لم يكن إبقاء معاوية على ولاية الشام يقوّي ركائز حكومة الإمام، بل إنّه كان يؤدي الى زعزعتها منذ البداية. وقد جاء تحليل ابن سنان في هذا المضمار على النحو التالي:
إنّا قد علمنا أنّ أحد الأحداث التي نقمت على عثمان وأفضت بالمسلمين إلى
حصاره وقتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه، ومخالفة أحكام الدين في سلطانه، وقد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر بأنّ عمر ولّاه قبله، فلم يقبل المسلمون عذره، ولا قنعوا منه إلّا بعزله، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى.
وكان عليّ عليه السلام من أكثر المسلمين لذلك كراهية، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين، فلو أنّه عليه السلام افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه، أ ليس كان يبتدئ في أوّل أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره، فأفضى إلى خلعه وقتله؟! ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغاً والوزر فيه مأموناً لكان غلطاً قبيحاً في السياسة، وسبباً قويّاً للعصيان والمخالفة، ولم يكن يمكنه عليه السلام أن يقول للمسلمين: إنّ حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي، وإنّ قصدي بإقراره على الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الذين قِبله، ثمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل، وأعمل فيه بموجب العدل؛ لأنّ إظهاره عليه السلام لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية، فيفسد التدبير الذي شرع فيه، وينتقض الرأي الذي عوّل عليه.
[ شرح نهج البلاغة: 247:10.]
ابقاء معاوية يتعارض مع المباني السياسيّة للإمام
قدّم ابن سنان ردّاً آخر على الطعن بسياسته في عزل معاوية، وفيه إشارة إلى مبانيه السياسيّة في الحكم،
[ جاء شرح المبانى السياسيّة للإمام عليه السلام بالتفصيل في مدخل القسم الخامس.]
ويسمّيه جواباً حقيقيّاً ويقول فيه: واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة، سواء أكانت تلك السياسة دينيّة أو دنيويّة؛ أمّا الدنيويّة فنحو أن يتوهّم الإمام في إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقيناً؛ فإنّ عليّاً عليه السلام لم يكن يستحلّ
قتله ولا حبسه، ولا يعمل بالتوهّم وبالقول غير المحقّق. وأمّا الدينيّة فنحو ضرب المتّهم بالسرقة؛ فإنّه أيضاً لم يكن يعمل به، بل يقول: إن يثبت عليه بإقرار أو بيّنة أقمتُ عليه الحدّ، وإلّا لم أعترضه.
وغير عليّ عليه السلام قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي، ومذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة، وأنّه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الاُمّة لإصلاح الثلثين، ومذهب أكثر الناس أنّه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظنّ، وإذا كان مذهبه عليه السلام ما قُلناه، وكان معاوية عنده فاسقاً، وقد سبق عنده مقدّمة اُخرى يقينيّة، هي أنّ استعمال الفاسق لا يجوز، ولم يكن ممّن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة. فقد تعيّن مجاهرته بالعزل، وإن أفضى ذلك إلى الحرب.
[ شرح نهج البلاغة: 246:10.]
رفض سياسة المداهنة
2367- مروج الذهب عن ابن عبّاس: قدمت من مكّة بعد مقتل عثمان بخمس ليالٍ، فجئت عليّاً أدخل عليه، فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة، فجلست بالباب ساعة، فخرج المغيرة، فسلّم عليَّ، وقال: متى قدمت؟ قلت: الساعة، ودخلت على عليّ وسلّمت عليه...
قلت: أخبرني عن شأن المغيرة، ولِمَ خلا بك؟
قال: جاءني بعد مقتل عثمان بيومين، فقال: أخلني، ففعلت، فقال: إنّ النصح رخيص، وأنت بقيّة الناس، وأنا لك ناصح، وأنا اُشير عليك أن لا تردّ عمّال
عثمان عامك هذا، فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم، فإذا بايعوا لك، واطمأنّ أمرك، عزلتَ من أحببت، وأقررتَ من أحببت.
فقلت له: واللَّه، لا اُداهن في ديني، ولا اُعطي الرياء في أمري.
قال: فإن كنت قد أبيت فانزع من شئت، واترك معاوية؛ فإنّ له جرأة وهو في أهل الشام مسموع منه، ولك حجّة في إثباته، فقد كان عمر ولّاه الشام كلّها. فقلت له: لا واللَّه، لا أستعمل معاوية يومين أبداً.
فخرج من عندي على ما أشار به، ثمّ عاد، فقال: إنّي أشرت عليك بما أشرت به وأبيت عليَّ، فنظرت في الأمر وإذا أنت مصيب لا ينبغي أن تأخذ أمرك بخدعة، ولا يكون فيه دلسة.
قال ابن عبّاس: فقلت له: أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك، وأمّا الآخر فقد غشّك.
[ مروج الذهب: 364:2، تاريخ الطبري: 440:4 وفيه 'بردّ عمّال' بدل 'أن لا تردّ عمّال' و'الدنيّ' بدل 'الرياء'، الكامل في التاريخ: 306:2 نحوه وراجع الأخبار الطوال: 142 والإمامة والسياسة: 67:1 والبداية والنهاية: 229:7.]
2368- مروج الذهب عن ابن عبّاس- لعليّ عليه السلام-: أنا اُشير عليك أن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعليَّ أن أقلعه من منزله. قال: لا واللَّه لا اُعطيه إلّا السيف، ثمّ تمثّل:
فما مِيتةٌ إن مِتّها غيرَ عاجزٍ
بعارٍ إذا ما غالَتِ النفسُ غولها
بعارٍ إذا ما غالَتِ النفسُ غولها
بعارٍ إذا ما غالَتِ النفسُ غولها
فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت رجل شجاع، أ ما سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: الحرب خدعة؟! فقال عليّ: بلى. قلت: أما واللَّه، لئن أطعتني لأصدرنّ بهم بعد
ورود، ولأتركنّهم ينظرون في أدبار الاُمور، ولا يدرون ما كان وجهها، من غير نقص لك، ولا إثم عليك.
فقال لي: يابن عبّاس، لست من هنياتك ولا هنيات معاوية في شي ء تشير به عليَّ برأي، فإذا عصيتك فأطعني.
فقلت: أنا أفعل، فإنّ أيسر ما لك عندي الطاعة، واللَّه وليّ التوفيق.
[ مروج الذهب: 364:2، تاريخ الطبري: 441:4، الكامل في التاريخ: 307:2 نحوه وراجع البداية والنهاية: 229:7.]
راجع: القسم الخامس/الإصلاحات العلويّة/عزل عمّال عثمان.
الامام يدعو معاوية إلى البيعة
2369-الإمام عليّ عليه السلام- من كتاب له إلى معاوية لمّا بويع عليه السلام بالخلافة-: من عبداللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان: أمّا بعد، فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان ما لابدّ منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلك، وأقبل إليَّ في وفد من أصحابك. والسلام.
[ نهج البلاغة: الكتاب 75، بحارالأنوار: 993.340:365:32" شرح نهج البلاغة: 230:1.]
2370- شرح نهج البلاغة: لمّا بويع عليّ عليه السلام كتب إلى معاوية: أمّا بعد، فإنّ الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة منّي، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع لي، وأوفد إليَّ أشراف أهل الشام قبلك.
[ شرح نهج البلاغة: 230:1.]
سياسة معاوية في جواب الإمام
2371- تاريخ الطبري- في ذكر كتاب الإمام إلى معاوية وأبي موسى-: وكان رسول أميرالمؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشي ء، ولم يجِبه، وردّ رسوله، وجعل كلّما تنجّز جوابه لم يزِد على قوله:
أدِم إدامةَ حصن أوخذا بيدي
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله
أعيَى المَسُودُ بها والسيّدونَ فلم
يوجد لها غيرنا مولىً ولا حَكَما
حرباً ضروساً تشبّ الجزل والضرما
شَنعاء شَيّبتِ الاصداغَ واللَّمَما
يوجد لها غيرنا مولىً ولا حَكَما
يوجد لها غيرنا مولىً ولا حَكَما
وجعل الجهني كلّما تنجّز الكتاب لم يزِده على هذه الأبيات، حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثمّ أحد بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طوماراً مختوماً عنوانه: من معاوية إلى عليّ، فقال: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار، ثمّ أوصاه بما يقول وسرّح رسول عليّ.
وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأوّل لغرّته، فلمّا دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره، وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرّقوا إلى منازلهم وقد علموا أنّ معاوية معترض، ومضى يدخل على عليّ، فدفع إليه الطومار ففضّ خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة، فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم إنّ الرسل أمنة لا تقتل. قال: ورائي إنّي تركت قوماً لا يرضون إلّا بالقود. قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق. فقال: منّي يطلبون دم عثمان!
أ لست موتوراً كتِرة عثمان؟! اللهمّ إنّي أبرأ إليك من دم عثمان.
[ تاريخ الطبري: 443:4، الكامل في التاريخ: 310:2.]
تعيين الوالي للشام وإرجاعه
2372- تاريخ الطبري: قال |عليّ عليه السلام| لابن عبّاس: سِر إلى الشام فقد ولّيتُكَها. فقال ابن عبّاس: ما هذا برأي؛ معاويةُ رجلٌ من بني اُميّة، وهو ابنُ عمّ عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عُنُقي لعثمان، أو أدْنى ما هو صانعٌ أن يحبسني فيتحكّم عليّ. فقال له عليّ: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإنّ كلّ ما حمِل عليك حمِل عليّ، ولكن اكتب إلى معاوية فمنِّه وعِدهُ. فأبى عليّ وقال: واللَّه لا كان هذا أبداً.
[ تاريخ الطبري: 440:4، الكامل في التاريخ: 307:2، الإمامة والسياسة: 67:1 نحوه.]
2373- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: بعث عليّ عمّاله على الأمصار فبعث... سهل بن حُنَيف على الشام، فأمَّا سهل فإنّه خرج حتى إذا كان بتَبوك
[ تبوك، منطقة في وسط الطريق الرابط بين المدينة ودمشق، شمال غربيّ المدينة، وجنوب دمشق.]
لقيته خيلٌ، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير. قالوا: على أيّ شي ء؟ قال: على الشام، قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيهلاً بك، وإن كان بعثك غيرُه فارجع! قال: أوَما سمعتم بالذي كان؟ قالوا: بلَى؛ فرجع إلى عليّ.
[ تاريخ الطبري: 442:4، الكامل في التاريخ: 309:2، البداية والنهاية: 229:7.]
اشخاص جرير بن عبداللَّه إلى معاوية
2374- تاريخ الطبري: وجّه عليّ عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه
من الجمل جرير بن عبداللَّه البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، وكان جرير حين خرج عليّ إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملاً عليها كان عثمان استعمله عليها، وكان الأشعث بن قيس على آذربيجان عاملاً عليها كان عثمان استعمله عليها، فلمّا قدم عليّ الكوفة منصرفاً إليها من البصرة كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على مَن قبلهما من الناس والانصراف إليه. ففعلا ذلك، وانصرفا إليه. فلمّا أراد عليّ توجيه الرسول إلى معاوية، قال جرير بن عبداللَّه:... ابعثني إليه فإنّه لي ودّ حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول في طاعتك، فقال الأشتر لعليّ: لا تبعثه، فواللَّه إنّي لأظنّ هواه معه.
فقال عليّ: دعه حتى ننظر ما الذي يرجع به إلينا.
فبعثه إليه وكتب معه كتاباً يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير وما كان من حربه إيّاهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته، فشخَص إليه جرير، فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره، ودعا عمراً فاستشاره فيما كتب به إليه، فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام، ويلزم عليّاً دم عثمان، ويقاتله بهم، ففعل ذلك معاوية.
[ تاريخ الطبري: 561:4، مروج الذهب: 381:2، الكامل في التاريخ: 359:2، البداية والنهاية: 254:7؛ وقعة صفّين: 27 كلّها نحوه وراجع الإمامة والسياسة: 113:1 والأخبار الطوال: 156.]
2375- الإمام عليّ عليه السلام- من كتاب له عليه السلام إلى معاوية-: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. أمّا بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسمّوه إماماً، كان ذلك للَّه رضاً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة