بدءُ تدفّق الاعتراض - موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 6

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


يا بُنيَّ، إنّي قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها، وأنبأتك عن الآخرة وما اُعدّ لأهلها فيها، وضربت لك فيهما الأمثال؛ لتعتبر بها وتحذو عليها. إنّما مثل من خبر الدنيا كمثل قومٍ سفرٍ نبا بهم منزلٌ جديبٌ، فأمّوا منزلاً خصيباً وجناباً مريعاً، فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق، وخشونة السفر، وجشوبة المطعم؛ ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشي ءٍ من ذلك ألماً، ولا يرون نفقةً مغرماً، ولا شي ء أحبُّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم، وأدناهم من محلّهم.

ومثلُ من اغترّ بها كمثل قومٍ كانوا بمنزلٍ خصيبٍ فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شي ءٌ أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه.

يا بُنيَّ، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تُحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلم كما لا تُحبّ أن تُظلم، وأحسن كما تُحبّ أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاهُ لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.

واعلم أنّ الإعجاب ضدّ الصواب، وآفةُ الألباب. فاسع في كدحك، ولا تكن خازناً لغيرك. وإذا أنت هُديتَ لقصدك فكن أخشع ما تكون لربّك.

واعلم أنّ أمامك طريقاً ذا مسافةٍ بعيدة ومشقّةٍ شديدة، وأنّه لا غنى لك فيه عن حُسن الارتياد. قدّر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر، فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالاً عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمِّلهُ إيّاه،

وأكثر من تزويده وأنت قادرٌ عليه، فلعلّك تطلبه فلا تجده. واغتنم من استقرضك في حال غناك؛ ليجعل قضاءه لك في يوم عُسرتك.

واعلم أنّ أمامك عقبةً كؤوداً،

[ العَقَبة الكَؤود: أي الشاقة "النهاية: 137:4".]

المُخفّ فيها أحسنُ حالاً من المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المسرع، وأنّ مهبطك بها لا محالة على جنّة أو على نار. فارتد لنفسك قبل نزُلك ووطّي المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مُستعتبٌ، ولا إلى الدنيا منصرفٌ.

واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفَّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يُلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيّرك بالإنابة، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يُشدّد عليك في قبول الإنابة، ولم يُناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة. بل جعل نزوعك عن الذنب حسنةً، وَحَسَبَ سَيّئتك واحدةً، وَحَسَبَ حسنتك عشراً، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على اُمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيُره من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق. ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب

[ شآبيب: جمع شُؤبُوبٍ، وهو الدُّفْعةُ من المطَر وغيره "النهاية: 436:2".]

رحمته. فلا يُقنّطنّك إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النيّة. وربّما اُخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر

السائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألت الشي ء فلا تُؤتاه واُوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرِف عنك لما هو خيرٌ لك. فلربّ أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو اُوتيتَه. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله ويُنفي عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له.

واعلم أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنّك في منزل قلعة

[ قُلعة: أي تَحَوُّل وارتحال "النهاية: 102:4".]

ودار بُلغة

[ بُلْغةٌ: كِفايةٌ "لسان العرب: 419:8".]

وطريق إلى الآخرة، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولابدّ أنّه مدركه، فكن منه على حذرٍ أن يدركك وأنت على حال سيّئةٍ، قد كنت تُحدّث نفسك منها بالتّوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

يا بُنيَّ، أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه، وتُفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتةً فيبهَرك. وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبّأك اللَّه عنها، ونعت لك نفسها، وتكشّفت لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلابٌ عاويةٌ، وسباعٌ ضاريةٌ، يهرّ بعضها بعضاً، ويأكل عزيزُها ذليلَها، ويقهر كبيرُها صغيرَها. نَعَمٌ مُعقّلَةٌ، واُخرى مهملةٌ، قد أضلّت عقولها وركبت مجهولها. سروحُ عاهةٍ بوادٍ وعثٍ،

[ الوَعْث: وهو الرَّمْلُ، والمشيُ فيه يَشْتدّ على صاحبه ويَشُقُّ "النهاية: 206:5".]

ليس لها راعٍ يُقيمها، ولا يُسيمها. سلكت بهم الدنيا طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في نعمتها، واتّخذوها ربّاً، فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ماوراءها.

رويداً يُسفر الظلام، كأن قد وردت الأظعان، يوشك من أسرع أن يلحق! واعلم أنّ من كانت مطيّته الليل والنهار فإنّه يُسار به وإن كان واقفاً، ويقطع المسافة وإن كان مقيماً وادعاً.

واعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، وأنّك في سبيل من كان قبلك. فخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنّه رُبَّ طلبٍ قد جرّ إلى حرب، فليس كلّ طالبٍ بمرزوق، ولاكلّ مُجملٍ بمحروم. وأكرم نفسك عن كلّ دنيّةٍ وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً. ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللَّه حرّاً. وما خير خيرٍ لا يُنال إلّا بشرٍّ، ويسرٍ لا يُنالُ إلّا بعسرٍ.

وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة. وإن استطعت ألّا يكون بينك وبين اللَّه ذُو نعمةٍ فافعل، فإنّك مدركٌ قسمك وآخذٌ سهمك. وإنّ اليسير من اللَّه سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كلٌّ منه.

وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء،

[ الوِكاء: الخيْطُ الذي تُشَدُّ به الصُّرَّة والكيسُ وغيرها "النهاية: 222:5".]

وحفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يد غيرك. ومرارة اليأس خيرٌ من الطلب إلى الناس. والحرفة مع العفّة خيرٌ من الغنى مع الفجور. والمرء أحفظ لسرّه. ورُبّ ساعٍ فيما يضرّه! مَن أكثر أهجر. ومن تفكّر أبصر. قارن أهل الخير تكن منهم. وباين أهل الشرّ تَبِن عنهم. بئس الطعام الحرام! وظلم الضعيف أفحش الظلم! إذا كان الرفق خُرقاً كان الخُرق رفقاً. ربّما كان الدواء داءً. وربّما نصح غير الناصح، وغشّ المستنصح. وإيّاك واتّكالك على

المُنى فإنّها بضائع الموتى، والعقل حفظُ التجارب. وخير ما جرّبت ما وعظك. بادر الفرصة قبل أن تكون غُصّةً. ليس كلّ طالب يُصيب، ولا كلّ غائب يؤوب. ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد. ولكلّ أمرٍ عاقبةٌ. سوف يأتيك ما قُدّر لك. التاجر مخاطرٌ. ورُبَّ يسيرٍ أنمى من كثيرٍ! لا خير في مُعينٍ مَهينٍ ولا في صديقٍ ظنين. ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده. ولا تخاطر بشي ءٍ رجاء أكثر منه. وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. احمل نفسك من أخيك عند صرمه

[ الصَّرمُ: القطع البائن، والهِجْرانُ "لسان العرب: 334:12".]

على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنوّ، وعند شدّته على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنّك له عبدٌ وكأنّه ذو نعمةٍ عليك. وإيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله. لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقاً فتعادي صديقك. وامحض أخاك النصيحة حسنةً كانت أو قبيحةً. وتجرّع الغيظ

[ الغَيْظ: الغَضَبُ، وقيل: هو أشدُّ من الغضب "لسان العرب: 450:7".]

فإنّي لم أر جُرعةً أحلى منها عاقبةً ولا ألذّ مغبّةً! ولمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك. وخذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظفرين. وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّةً ترجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما. ومن ظنّ بك خيراً فصدّق ظنّه. ولا تُضيعنّ حقّ أخيك اتّكالاً على ما بينك وبينه، فإنّه ليس لك بأخٍ من أضعت حقّه. ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك. ولا ترغبنّ فيمن زهد فيك. ولا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته. ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان. ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك فإنّه يسعى في مضرّته ونفعك. وليس جزاء من سرّك أن تسوءه.

واعلم يا بُنيَّ، أنّ الرزق رزقان: رزقٌ تطلبه، ورزقٌ يطلبك فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى! إنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك. وإن جزعت على ما تفلّتَ من يديك فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك. استدلّ على ما لم يكن بما قد كان، فإنّ الاُمور أشباهٌ. ولا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلّا إذا بالغتَ في إيلامه، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب والبهائم لا تتّعظ إلّا بالضرب. اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد جار. والصاحبُ مناسب. والصديقُ من صدق غيبُه. والهوى شريك العناء. ربّ قريبٍ أبعد من بعيدٍ، وربّ بعيدٍ أقربُ من قريبٍ. والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه. ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. وأوثق سببٍ أخذتَ به سببٌ بينك وبين اللَّه! ومن لم يُبالِك فهو عدوّك. قد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً. ليس كلّ عورة تظهر ولا كلّ فرصةٍ تصاب. وربّما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده. أخِّرِ الشرّ فإنّك إذا شئت تَعجّلتَه. وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه. ليس كلّ من رمى أصاب. إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. إيّاك أن تذكر في الكلام ما يكون مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك. وإيّاك ومشاورة النساء فإنّ رأيهنّ إلى أفنٍ

[ الأَفْنُ: النقص. ورجل أفين ومأفون، أي ناقص العقل "النهاية: 57:1".]

وعزمهنّ إلى وهنٍ. واكفُف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهنّ، وليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تُملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإنّ المرأة ريحانةٌ وليست بقهرمانةٍ ولا تَعْدُ بكرامتها نفسها، ولا تُطمعها

في أن تشفع بغيرها. وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة فإنّ ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم والبريئة إلى الريب. واجعل لكلّ إنسانٍ من خدمك عملاً تأخذه به فإنّه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك. وأكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول. استودع اللَّه دينك ودنياك، واساله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة، والسلام.

[ كشف المحجّة: 220 عن عمر بن أبي المقدام، نهج البلاغة: الكتاب 31، تحف العقول: 68 كلاهما نحوه. والنصّ المذكور مع أنّه منقول أيضاً في نهج البلاغة وتحف العقول، لكننا آثرنا نقله من كشف المحجّة باعتباره أجمع وأكمل منهما، مضافاً إلى احتواء الموسوعة على عدد غفير من النصوص المنقولة عن نهج البلاغة؛ فكان من الأفضل أن يتعرّف ويطّلع القارئ على نصوص سائر الكتب الحديثية الاُخرى.]


بدءُ تدفّق الاعتراض


2607- تاريخ الطبري عن جندب الأزدي- في بيان مسير الإمام عليه السلام من صفّين إلى الكوفة-: ثمّ مضى عليّ غير بعيد، فلقيه عبد اللَّه بن وديعة الأنصاري، فدنا منه، وسلّم عليه وسايره.

فقال له: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا؟

قال: منهم المعجب به، ومنهم الكاره له، كما قال عزّ وجلّ: 'وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ'.

[ هود: 118 و 119.]


فقال له: فما قول ذوي الرأي فيه؟

قال: أمّا قولهم فيه فيقولون: إنّ عليّاً كان له جمع عظيم ففرّقه، وكان له حصن

حصين فهدّمه، فحتّى متى يبني ما هدم، وحتى متى يجمع ما فرّق! فلو أنّه كان مضى بمن أطاعه- إذ عصاه من عصاه- فقاتل حتى يظفر أو يهلك إذاً كان ذلك الحزم.

فقال عليّ: أنا هدمت أم هم هدموا! أنا فرّقت أم هم فرّقوا! أمّا قولهم: إنّه لو كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك، إذاً كان ذلك الحزم؛ فواللَّه، ما غبي عن رأيي ذلك، وإن كنت لسخيّاً بنفسي عن الدنيا، طيّب النفس بالموت، ولقد هممت بالإقدام على القوم، فنظرت إلى هذين قد ابتدراني- يعني الحسن والحسين- ونظرت إلى هذين قد استقدماني- يعني عبد اللَّه بن جعفر ومحمّد بن عليّ- فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلى الله عليه و آله من هذه الاُمّة، فكرهت ذلك، وأشفقت على هذين أن يهلكا، وقد علمت أن لولا مكاني لم يستقدما- يعني محمّد بن عليّ وعبد اللَّه بن جعفر- وايم اللَّه، لئن لقيتهم بعد يومي هذا لألقينّهم وليسوا معي في عسكر ولا دار.

[ تاريخ الطبري: 60:5، الكامل في التاريخ: 390:2؛ وقعة صفّين: 529 عن عبد الرحمن بن جندب.]


2608- الإمام عليّ عليه السلام- في جواب الخوارج المعترضين على التحكيم قبل دخول الكوفة-: اللهمّ هذا مقامٌ من فَلَج

[ الفَلْج: الظَّفَر والفَوْز "لسان العرب: 347:2".]

فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة، ومن نَطِفَ

[ نَطِف الرجل: اتُّهم بريبة، والنطف: التلطّخ بالعيب "الصحاح: 1434:4".]

فيه أو غَلَّ فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.

نشدتكم باللَّه! أتعلمون أنّهم حين رفعوا المصاحف، فقلتم: نُجيبهم إلى كتاب اللَّه، قلت لكم: إنّي أعلم بالقوم منكم، إنّهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي

صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً؛ فكانوا شرّ أطفال، وشرّ رجال، امضوا على حقّكم وصدقكم، إنّما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة ووهناً ومكيدة. فرددتم عليَّ رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم. فقلت لكم: اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إيّاي؟

فلمّا أبيتم إلّا الكتاب، اشترطت على الحَكَمَين أن يُحييا ما أحياه القرآن، وأن يُميتا ما أمات القرآن؛ فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حُكم من حَكَم بما في الكتاب، وإن أبيا فنحن من حكمهما بُرَآء.

فقال له بعض الخوارج: فخبّرنا أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟

فقال: إنّا لم نحكّم الرجال، إنّما حكّمنا القرآن، وهذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق، وإنّما يتكلّم به الرجال.

قالوا له: فخبّرنا عن الأجل؛ لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم.

قال: ليتعلّم الجاهل، ويتثبّت العالم، ولعلّ اللَّه أن يُصلح في هذه الهدنة هذه الاُمّة. ادخلوا مصركم رحمكم اللَّه.

ودخلوا من عند آخرهم.

[ الإرشاد: 270:1؛ تاريخ الطبري: 65:5 عن عمارة بن ربيعة، الكامل في التاريخ: 394:2 كلاهما نحوه.]


2609- عنه عليه السلام- لمّا قال له رجل من أصحابه: نهيتنا عن الحكومة، ثمّ أمرتنا بها، فلم ندرِ أيّ الأمرين أرشد؟-: هذا جزاء من ترك العُقْدَة! أما واللَّه لو أنّي حين أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل اللَّه فيه خيراً، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قوّمتكم، وإن أبيتم تداركتكم- لكانت الوثقى.

ولكن بمن، وإلى من؟ اُريد أن اُداوي بكم وأنتم دائي؛ كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أنّ ضَلْعَها

[ ضَلْعها: أي ميلها "النهاية: 96:3".]

معها! اللهمّ قد ملّت أطبّاءُ هذا الداء الدويّ، وكلّت النَّزَعة بأشطان الرَّكِيّ!

أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهِيجوا إلى الجهاد فوَلِهوا وَلَهَ اللِّقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفّاً صفّاً. بعضٌ هلك، وبعضٌ نجا. لا يُبَشَّرون بالأحياء، ولا يُعَزَّون عن الموتى. مُرْهُ العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين.

اُولئك إخواني الذاهبون. فحقّ لنا أن نظمأ إليهم، ونعضّ الأيدي على فراقهم. إنّ الشيطان يُسنِّي لكم طُرُقَه، ويريد أن يَحُلّ دينكم عقدة عقدة، ويُعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونَفَثاته، واقبلوا النصيحة ممّن أهداها إليهم، واعقِلوها على أنفسكم.

[ قال ابن أبي الحديد ما ملخّصه: العُقدة: الرأي الوثيق. الدويّ: الشديد. النزَّعَة: جمع نازع؛ وهو الذي يستقي الماء. الأشطان: جمع شَطَن؛ وهو الحبل. الرَّكيّ: الآبار؛ جمع رَكيّة. الوَلَه: شدَّة الحبّ حتى يذهب العقل. اللِّقاح: الإبل ، والواحدة لقوح؛ وهي الحلوب. أخذو بأطراف الأرض: أي أخذوا على الناس بأطراف الأرض؛ أي حصروهم. لا يبشّرون بالأحياء....: أي إذا ولد لأحدهم مولود لم يبشّر به. مَرهَت عينُ فلان: إذا فسدت لترك الكُحل. يُسنّي: يُسهّل. صدف عن الأمر: انصرف عنه. اعقلوها على أنفسكم: أي اربطوها والزموها "شرح نهج البلاغة: 292:7 تا 296".]

[ نهج البلاغة: الخطبة 121، الاحتجاج: 99:438:1 وفيه إلى 'الرَّكِيّ'، بحارالأنوار: 597:362:33 وراجع الاختصاص: 156.]


/ 40