نقطة البداية في الانحراف - موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 6

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


وجاء في 'لسان العرب': المُتَعَمِّق: المبالغ في الأمر المتشدّد فيه الذي يطلب أقصى غايته.

[ لسان العرب: 271:10، النهاية: 299:3.]


ونجد هذا المعنى أيضاً في كلام المحدّثين؛ فقد ذهبوا في شرح روايات جمّة إلى أنّ التعمّق هو الإغراق في الخروج عن الاعتدال، والإفراط في مقابل الاعتدال.

[ قال المجلسي في بيان ما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: 'لا تعمّق في الوضوء': أي بإكثار الماء، أو بالمبالغة كثيراً في إيصال الماء زائداً عن الإسباغ المطلوب'. بحارالأنوار: 258:80 وراجع وسائل الشيعة: 434:1 'باب استحباب صفق الوجه بالماء قليلاً عند الوضوء وكراهة المبالغة في الضرب، والتعمّق في الوضوء' وصحيح البخاري: 2661:6 'باب ما يكره من التعمّق والتنازع في العلم والغلوّ في الدين والبِدع'.]


إنّ التنقيب عن مواضع استعمال 'التعمّق' في المعاجم والأحاديث الإسلاميّة المنقولة في مصادر الفريقين لا يُريب الباحث في أنّ المراد من هذه الكلمة في الثقافة الإسلاميّة ليس إلّا الإفراط، والتطرّف، والخروج عن الاعتدال. وعلى أيّ حال لو لم يكن إلّا الحديث الذي أوردناه آنفاً لكفى به برهاناً على ما نقول.

وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يوصي أصحابه دائماً ألّا يتجاوزوا حدّ الاعتدال في اُمور الدين، ولا يُحرجوا أنفسهم، ولا يفقدوا حماسهم ونشاطهم في العبادة، وأن يُراعوا حدود السنّة، ولأنّ المجال هنا يضيق عن ذكر جلّ وصاياه وتعاليمه التربويّة المليئة بالدروس والعبر، الجديرة بالقراءة والتأمّل. فإننا نذكر نزداً يسيراً منها:

'ألا وإنّ لكلّ عبادة شِرّة، ثمّ تصير إلى فترة، فمن صارت شرّة عبادته إلى سنّتي فقد اهتدى، ومن خالف سنّتي فقد ضلّ، وكان عمله في تباب، أما إنّي

اُصلّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأضحك وأبكي؛ فمن رغب عن منهاجي وسنّتي فليس منّي'.

[ الكافي: 1:85:2 وراجع كنز العمّال: 44439:276:16.]


وكان صلى الله عليه و آله ينظر في مرآة الزمان إلى أفراد من اُمّته يناهضون الحقّ لإفراطهم وتطرّفهم، ويصرّون على موقفهم إصراراً سُرعان ما يُبعدهم عن الدين وحقائقه، ولذا قال في حقّهم: 'إنّ أقواماً يتعمّقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرميّة'.

وقال مشيراً إلى علامات هؤلاء: 'إنّ فيكم قوماً يعبدون ويدأبون يعني يُعجبون الناس وتُعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة'.

فالتعمّق هو التطرّف والإفراط، وإذا ما جُعل ميزاناً لأفعال الآخرين فلا يُنتج إلّا الحكم الجائر؛ فيرى الحقّ دوماً في جانبه، وليس للآخرين حظٌّ منه، وهذا النوع من الرؤى هو الذي يسبّب الفرقة، ويستبتع الزيغ ويوجِد الشقاق، وبالتالي فيصبح دغامة للكفر، وحسبنا في المقام كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في بيان هذه الحقيقة، وأنّ التعمّق أحد اُسس الكفر، إذ يقول:

'والكفر على أربع دعائم: على التعمّق، والتنازع، والزيغ، والشقاق؛ فمن تعمّق لم يَنُب إلى الحقّ'.

[ نهج البلاغة: الحكمة 31، الكافي: 1:392:2 عن سليم بن قيس، الخصال: 74:232 عن الأصبغ بن نباتة، تحف العقول: 166 كلّها نحوه، روضة الواعظين: 53 وفيه 'ينسب' بدل 'ينب'.]


ومثل هؤلاء المتعمّقين بتماديهم في ظنونهم وأوهامهم، وإغراقهم في أفكارهم، ومن ثمّ أساليبهم المفرطة، لا يجدون مجالاً للإنابة إلى الحقّ، ومن

هنا لا ينقادون للإسلام، وهل الإسلام إلّا التسليم للحقّ، والإقرار به، والخضوع له بعد فهمه؟

والمؤسف أنّ مشكلة الخوارج الكبرى قد تمثّلت في توجّهاتهم المتطرّفة المفرطة اللامتناهية، لذلك آلَ أمرهم إلى حكمهم بالكفر على كلّ من لا يرى رأيهم ولا يعمل عملهم!

نقطة البداية في الانحراف


إنّ عدداً من المسلمين في عصر صدر الإسلام لم يتلقّ تحذير النبيّ صلى الله عليه و آله من 'التعمّق' بكثيرٍ من الجِدّية؛ لأسباب سنعرضها عند الحديث عن جذور 'التعمّق'؛ فهؤلاء قد تجاوزوا السنّة النبويّة، وأفرطوا في نزعاتهم حتى وقحُوا في بعض المرّات واجترؤوا يؤاخذون النبيّ صلى الله عليه و آله إذ كان صلى الله عليه و آله في أحد الأيّام مشغولاً بتوزيع الغنائم، وقسمتها بمراعاة مصالح معيّنة، فهبّ أحد هؤلاء 'المتقدّسين'، وقد سوّلت له نفسه أنّه أعدل من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في القسمة بزعمه، وطلب منه أن يعدل في التوزيع! وطعن في تقسيمه القائم على التعاليم القرآنيّة، وكان أثر السجود بائناً على جبهته، ورأسه محلوق على طريقة 'المتقدّسين' يومئذٍ ورفع عقيرته بغلظة وفظاظة قائلاً: 'محمّد، واللَّه ما تعدل!' فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله مُغضباً:

ويحك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟!

وَهَمَّ الصحابةُ بقتله لموقفه الوقِح هذا، بَيْد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله منَعهم، وحكى لهم صورةً عن مستقبله، وأنبأهم بأنّه ورفقاءه بعيدون عن الحقّ من منطلق 'التعمّق' وقال:

'سيكون له شيعة يتعمّقون في الدين حتى يخرجوا منه'.

وقال في خبر آخر: 'إنّه يخرج هذا في أمثاله وفي أشباهه وفى ضُربائه يأتيهم الشيطان مِن قِبَل دينهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، لا يتعلّقون من الإسلام بشي ءٍ'.

والعجب أنّ هؤلاء قد تقمّصوا الزهد، وعليهم سيماء العابدين أو هيئة الزاهدين، بَيْد أنّهم- من منظار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- من الدين خارجون، وعن الحقّ والحقيقة بعيدون، وهم الذين كانوا يسمّون أنفسهم 'القُرّاء' أيضاً، في حين أبان النبيّ صلى الله عليه و آله هذه الصفة وجلّى طبيعتها أيضاً، فقد قال صلى الله عليه و آله: 'يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم!'.

ويحسن بنا أن نتحدّث بإجمال عن مصطلح 'القرّاء'؛ لِما كان له من أرضيّة اجتماعيّة في التاريخ الإسلامي.

تيّار القرّاء وتبلوره


كان في المجتمع الإسلامي أشخاص مشهورون بحُسن القراءة، وحظي هؤلاء بشعبيّة لافتة للنظر، وإقبال حَسَن بين الناس، حتى غدا عنوان 'القارئ' امتيازاً له أثر في تعيين المناصب أحياناً.

[ تاريخ الطبرى: 99:3، الطبقات الكبرى: 352:2 و ج 226:1، جوامع السيرة النبويّة لابن حزم: 203، وراجع تفصيل ذلك في 'تاريخ القرآن' للدكتور راميار: 231 تا 233.]


وقد ازداد عددهم بمرور الأيّام، وكانوا يحلقون رؤوسهم على طريقة خاصّة،

[ قال ابن أبي الحديد: كان شعارهم أنّهم يحلقون وسط رؤوسهم ويبقى الشعر مستديراً حوله كالإكليل "شرح نهج البلاغة: 123:8 وراجع بحارالأنوار: 289:68".]

ويضعون عليها برانس خاصّة لتمييزهم عن غيرهم، فعُرفوا ب'أصحاب البرانس'.

وكان القرّاء متفرّقين في مكّة، والمدينة، والشام، والكوفة، لكنّ معظمهم كان في الكوفة.

[ حياة الشعر في الكوفة: 244.]

ولم يشتركوا في الشؤون السياسيّة غالباً، بَيْد أنّهم طفقوا ينتقدون عثمان في أيّام خلافته، ولم يُطِق انتقادهم وتعنيفهم فنفاهم، ولهم في الثورة عليه وقتله دَورٌ أيضاً.

دور القرّاء في جيش الإمام عليّ


كان القرّاء- بسابقتهم الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة هذه- يشكّلون قسماً لافتاً للنظر من جيش الإمام عليه السلام، وعُرفوا بالشجاعة والإقدام والقتال، وكان لهم موقع في جيشه عليه السلام، بحيث إنّهم لمّا اُبيدوا في النهروان تركوا فراغاً مشهوداً في الجيش. ويدلّ على موقعهم أيضاً أنّ معاوية عندما شنّ غاراته، وحثَّ الإمامُ عليه السلام جُنده على الدفاع عن الثغور، فلم يسمع جواباً منهم، قال أحد أصحابه:

'ما أحوج أميرالمؤمنين عليه السلام ومن معه إلى أصحاب النهروان!'.

[ الأمالي للطوسي: 293:174، الغارات: 481:2؛ شرح نهج البلاغة: 90:2.]


القرّاء وفرض التحكيم على الإمام


ممّا يؤسف له أنّ هؤلاء القرّاء بماضيهم المعروف قد خدعتهم- وهم في جيش الإمام عليه السلام- المكائد الخفيّة لمعاوية وعمرو بن العاص وعملائهما، بسبب تطرّفهم، وإفراطهم أو تعمّقهم على حدّ تعبير النبيّ صلى الله عليه و آله، ففرضوا التحكيم على الإمام عليه السلام.

لقد احتال ابن العاص وسوّل للجيش مكيدته في وقتٍ أوشك أن يُطوى فيه

ملفّ الشام إلى الأبد، وتستريح الاُمّة من هذه الفتنة العمياء السوداء، وأمر برفع المصاحف على الرماح دلالةً على الكفّ عن القتال، وأمارةً على تحكيم كتاب اللَّه فيه، فاتّخذ اُولئك القرّاء موقفهم المُشين المشهور، وهم المعروفون بسطحيّتهم ونظرهم إلى ظاهر الاُمور لا باطنها، ولم يروا وجه الحيلة، فأجبروا الإمام عليه السلام على قبول التحكيم، والإمساك عن القتال تعظيماً لحرمة القرآن بزعمهم، وأكرهوه على ذلك بالرغم من معارضته عليه السلام ومعه الخاصّة من أصحابه، وهدّدوه بالقتل عند الرفض، ولم يكن له عليه السلام سبيل إلّا الاستجابة لذلك المنطق المتعسّف الخاوي الجهول؛ لما كان لهم من تغلغل ونفوذ في جيشه، وقَبِل الإمام عليه السلام اقتراحهم، فاستدعى 'مالكاً' الذي كان قد تقدّم في المعركة واقترب من فسطاط معاوية. وهكذا انطلت الخديعة، وواجهت حكومة الإمام عليه السلام مشكلة جدّية.

انفصال القرّاء عن الإمام


ما لبث أن اُميط اللثام، وافتضحت خديعة معاوية، وأدرك القرّاء السطحيّون خطأهم وانخداعهم بمكيدة رفع المصاحف، ولكنّهم بدل أن يستفيقوا فيعيدوا الحقّ إلى نصابه، والماء إلى مسابه نراهم كابروا بمضاعفة تطرّفهم، وجهلهم، وإفراطهم، ونظرتهم الضيّقة المنغلقة، واجترحوا سيّئةً أكبر من سابقتها، فقالوا للإمام عليه السلام: لقد كفرنا بفعلنا هذا، وإنّا تائبون منه، وأنت كفرت أيضاً؛ فعليك أن تتوب مثلنا، وتنكث ما عاهدت عليه معاوية، وتعود إلى مقاتلته!

ولا ريب في أنّ نكث الإمام عهدَهُ- مضافاً إلى ما فيه من مخالفةٍ لسيرته واُسلوبه وتعاليم دينه- يُفضي إلى تضيق هؤلاء 'المتقدّسين' المتعنّتين الخناق على الإمام عليه السلام، وتحديد نطاق حكومته إلى درجة ينفلت معها زمام الاُمور،

ويفقد عليه السلام القدرة على صنع قراره في الحرب والسلم، والسياسة والإدارة؛ وتخرج الاُمور المهمّة من يده. فلذا واجه عليه السلام هذا الطلب الجهول بكلّ قوّة، لكنّ اُولئك القرّاء بدل أن يتأمّلوا في هشاشة موقفهم الأحمق هذا، افترقوا- عند الرجوع من صفّين- عن أميرالمؤمنين وإمام المتديّنين؛ انطلاقاً من 'التعمّق' في الدين والإفراط في السلوك المشين، وعسكروا في 'حروراء' قريباً من الكوفة.

انقلاب 'القرّاء' إلى 'المارقين'


أجَل، تحقّقت نبوءة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؛ وإذا الذين كانوا بالأمس وجوه المسلمين البارزة، وممّن جمعوا في حياتهم بين الجهاد والقتال، والزهد والعبادة، يقفون اليوم أمام الدين وإمام المسلمين بسبب إصابتهم بداء التعمّق والتطرّف؛ متذرّعين بذريعة الدفاع عن ساحة القرآن وحريم الدين. وهكذا أخرجهم داء الإفراط والتطرّف من الدين حتى لم يبق في نفوسهم للدين من أثر.

وهكذا استحقّوا عنوان 'المارقين' الذي كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد وصفهم به من قبل. وممّا كان صلى الله عليه و آله قد قاله للإمام عليه السلام:

'يا عليّ! لولا أنت لما قوتل أهل النهر، قال: فقلتُ: يا رسول اللَّه! ومَن أهل النهر؟ قال: قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة'.

الامام ومباهاته باجتثاث فتنة 'التعمّق'


اتّضح ممّا ذكرناه إلى الآن حول تيّار 'التعمّق' والوجوه المنتمية إليه أنّ الاصطدام به كان عملاً صعباً، وحقيقة الأمر أنّ استئصال جذور هذه الفتنة- التي كانت في ظاهرها تيّاراً وطيداً في التديّن- عملٌ في غاية الإعضال، وكان الإمام عليه السلام يرى أنّ إبادة هذا التيّار واقتلاع جذور الفتنة من مفاخر عصر خلافته،

فقد قال عليه السلام:

'إنّي فقأتُ عين الفتنة، ولم يكن لِيَجْترئ عليها أحدٌ غيري'.

إنّ قتالَ أدعياء الحقّ؛ القرّاء الذين كانت ترنيمات القرآن قد ملأت حياتهم، وجرى على السنتهم نداء 'لا حُكْم إلّا للَّه' وهم بِسيَرٍ ربّانيّة الظاهر، عملٌ جدُّ عسير؛ فهؤلاء كانوا يُحيون الليل بالعبادة، ويخرّون للأذقان سُجّداً سجدات طويلة، وجباههم ثفنات من كثرة السجود. وكانوا لا يعرفون حدّاً لانتقاد غيرهم، واشتُهروا بوصفهم رجالاً اُولي شأنٍ وقوّةٍ في الدين. لكن واأسفاه! إذ كانوا مرضى القلوب، ضيّقي الأفكار، صغار العقول.

من هنا كان الاصطدام بتيّار 'التعمّق'- بناءً على ما ذُكر- ممّا لم يقدر عليه يومئذ إلّا الإمام عليه السلام وكان قمعه يتطلّب بصيرة وحزماً خاصّاً متميّزاً لم يقدر عليه سوى عليّ عليه السلام. وهذه الكلمة كلمته المشهورة التي نطق بها بعد قتال الخوارج لم يَقُلها- لذلك- في حربه مع 'الناكثين' و'القاسطين' فإنّه ما قال في قتال هاتين الطائفتين: 'لم يكن ليجترئ عليها أحدٌ غيري' أو 'لولا أنا ما قوتل...'، بيد أنّه قال ذلك في قتال الخوارج.

جذور التعمّق


لننظر الآن من أين ظَهَر هذا التيّار، وكيف؟ ولماذا ظهر إنّ دراسة جذور هذا التيّار، والوقوف على بواعث انحراف أصحابه يعتبران من أهمّ موضوعاته وتتجلّى أهميّة هذه الدراسة بملاحظة إخبار النبىّ صلى الله عليه و آله والإمام عليّ عليه السلام باستمرار هذا التيّار عبر التاريخ الإسلامي، وأنّ مقارعة التطرّف والإفراط، واليقظة والحذر منهما حاجة لازمة للاُمّة الإسلاميّة.

قال النبيّ صلى الله عليه و آله في استمرار هذا التيّار الفكري:

'كلّما قُطع منهم قَرن نشأ قَرن ثمّ يخرج في بقيّتهم الدجّال'.

وعندما اُبيد الخوارج في النهروان وقيل للإمام عليه السلام: هلك القوم بأجمعهم، قال عليه السلام:

'كلّا واللَّه، إنّهم نُطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء؛ كلّما نَجَم منهم قَرن قُطع، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلّابين'.

من هنا، ينبغي التوفّر قبل كلّ شي ء على دراسة نفسيّات المارقين، والتنقيب

عن جذور 'التعمّق'، واستقصاء ممهّدات هذا التطرّف، لعلّ في ذلك عبرة لمعتبر في عصرنا هذا وجميع الأعصار.

الجهل


لا مناصَ من عدّ الجهل أوّل عامل في دراسة جذور 'التعمّق' وقد نصّت الأحاديث والروايات على هذه النقطة؛ فإنّنا نلحظ عليّاً عليه السلام ينظر إلى الجهل مصدراً للإفراط والتفريط، والتطرّف والتلكّؤ، قال عليه السلام:

'لا ترى الجاهل إلّا مُفرِطاً أو مُفرِّطاً'.

[ نهج البلاغة: الحكمة 70، بحارالأنوار: 35:159:1.]


وهكذا نجده في كلام الإمام الباقر عليه السلام إذ عدّه أساس تطرّف الخوارج وموقفهم المفرِط، فقد قال إسماعيل الجُعفي: سألتُ أباجعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسعُ العبادَ جهلُه؟ فقال:

'الدين واسع، ولكن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم من جهلهم'.

[ الكافي: 6:405:2، تهذيب الأحكام: 1529:368:2، من لايحضره الفقيه: 791:257:1.]


وهذه هي النقطة التي أكّدها أميرالمؤمنين عليه السلام من قبل عند تحليله النفسي والفكري للخوارج وسبب تطرّفهم ونزعاتهم المفرطة، فقال:

'... ولكن منيتُ بمعشرٍ أخِفّاء الهام، سُفهاء الأحلام'.

وقال في كلام آخر يخاطبهم به:

'وأنتم- واللَّه- معاشرُ أخِفّاءُ الهامِ سفهاءُ الأحلام'.

[ تاريخ الطبري: 85:5.]


/ 40