العقل مقياس الأعمال - موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 6

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




وفي كلام رفيع له عليه السلام كان يهدف منه إيقاظهم، أوصاهم في سياق توضيح بعض الحقائق أن يرعووا عن لجاجهم وعملهم الذي يسوّله لهم جهلهم، وأن يتبيّنوا طريق الاعتدال، وأشار فيه إلى خلقهم وجبلّتهم فقال عليه السلام:


'ثمّ أنتم شرار الناس، ومن رمى به الشيطان مراميه، وضرب به تيهه. وسيهلك فيّ صنفان: مُحبّ مُفرِط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ؛ ومبغض مُفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ. وخير الناس فيَّ حالاً النَّمَط الأوسط؛ فالزموه'.


[ نهج البلاغة: الخطبة 127، بحارالأنوار: 604:373:33.]




العقل مقياس الأعمال



إنّ التعقّل، والانطلاق من العقل في العمل، وقياس السلوك بالفكر والتفكّر كلّ اُولئك في غاية الأهميّة من منظار الدين. وللدين تأكيد عجيب في هذا المجال، فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:


'ما قسم اللَّه للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل'.


[ الكافي: 11:12:1، المحاسن: 609:308:1.]




من هنا، لا يقام وزن للأعمال التي لا تُمارَس من وحي العقل، ولا للجهود المنطلقة من الجهل والحمق. وهكذا كان الخوارج في خفّة عقولهم وجهلهم؛ فإنّهم لم يلجؤوا إلى ركن وثيق في الدين مع جميع ما كانوا عليه من العبادة وقيام الليل. والغريب أنّهم لم يظفروا بمعتقدات راسخة قطّ مع ما عرفوا به من استبسالهم في ساحات الوغى، وعباداتهم الطويلة، وتحمّلهم مشقّات في


العبادة. وهذا كلّه لم يؤدّ دوراً تكامليّاً في عقائدهم. وحين سمع أميرالمؤمنين عليه السلام رجلاً من الحروريّة يتهجّد ويقرأ، قال: 'نوم على يقين خيرٌ من صلاة على شكّ'.


[ نهج البلاغة: الحكمة 97، غرر الحكم: 9958، عيون الحكم والمواعظ: 9163:497.]




عمق جهل الخوارج



إنّ جهل الخوارج مُدهش إلى درجة أنّهم كانوا في مِرْيةٍ وشكّ من أمرهم حتى اللحظات الأخيرة من الحرب التي أوقدوها وزهقت فيها أرواحهم، بَيدْ أنّهم لم يرعووا عن مكابرتهم. وهذه من النقاط المهمّة في تحليل شخصيّتهم، أي أنّهم على الرغم من تطرّفهم الشديد في العمل لم يلجؤوا إلى ركن وثيق في العقيدة. وعلى سبيل المثال لمّا هلك أحدهم في النهروان قال: 'حبّذا الروحة إلى الجنّة'، فقال قائدهم عبد اللَّه بن وهب: ما أدري إلى الجنّة أم إلى النار؟ فقال رجل من بني أسد كان يرى هذا المشهد:


'إنّما حضرتُ اغتراراً بهذا، وأراه قد شكّ!! وانخزل بجماعة من أصحابه ومال إلى ناحية أبي أيّوب الأنصاريّ'.


ونُذكّر بأنّ جواب صادق آل محمّد صلى الله عليه و آله بشأن الخوارج جدير بالمطالعة والتأمّل. فقد سمّاهم 'الشُّكّاك'، ونبّه أيضاً على مواقفهم من الوجهة النفسيّة، فعن جميل بن درّاج: قال رجل لأبي عبد اللَّه |الإمام الصادق| عليه السلام:


الخوارج شُكّاك؟


فقال: نعم. قال: كيف وهم يدعون إلى البراز؟


قال: ذلك ممّا يجدون في أنفسهم.


[ تهذيب الأحكام: 251:145:6.]




والنقطة اللافتة للانتباه في هذا الحوار هي أنّ السائل يجد صعوبة في أن يقرّ بأنّ رجالاً يشهرون سيوفهم ويقاتلون دفاعاً عن عقيدةٍ مشوبة بالشّك والارتياب. وجواب الإمام عليه السلام هو أنّهم لا ينطلقون في تحرّكهم من وحي عقيدةٍ راسخة معيّنة، بل من وحي عواطف باطنيّة دعتهم إلى اتّخاذ مثل ذلك الموقف، وهذه النقطة شديدة الإثارة للتأمّل والدعوة إلى الاعتبار، فقد يحدث- بل كثيراً ما يحدث- أن يقع الإنسان دونما تفكير أسيراً لعواطفه دفعةً واحدة، في المواطن المثيرة والمواضع التي تحكمها اللحظة الحاضرة إلى درجة يتعطّل معها عقله بغتةً، وهو يعيش إعصار العاطفة، فإذا ما سكن هذا الإعصار وهدأت فورته يفهم الراكب موجته ماذا كان فعل، وكيف فَقَدَ كنزه! وكلام الإمام عليه السلام يدلّ على أنّ تحرّك المارقين لم يعتمد على عقيدة راسخة. وفيما ذكرناه- وفي غيره من الحقائق التي تصدق على حياة بعضهم- إنارة وبيان لهذه الحقيقة.


حبّ الدنيا



يمكن أن نعدّ حبّ الدنيا وتأثير مغرياتها العامل الثاني لانحراف الخوارج، مهما تعدّدت أشكال هذا الحبّ ومؤشّراته. وهذا الموضوع في الحقيقة أهمّ عامل في زيغ التيّارات الثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد تعرّض الإمام عليه السلام إلى هذه الحقيقة في كلام عميق له قال فيه:


'فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة، ومرَقَت اُخرى، وقَسَط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللَّه حيث يقول: 'تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى


الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَ الْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ'.


[ القصص: 83.]


بلى واللَّه، لقد سمعوها ووَعَوْها، ولكنّهم حَلِيَت الدنيا في أعينهم، وراقهم زِبرِجُها.


[ نهج البلاغة: الخطبة 3، الإرشاد: 289:1، الاحتجاج: 105:457:1، الطرائف: 418.]




ولعلّ ما جاء في التاريخ حول الخوارج يجعل التصديق بهذا الموضوع عسيراً بعض العُسر، ذلك أنّ قوماً اتّخذوا الزهد شعاراً لهم، وظهروا بمظهر العازفين عن الدنيا، وأتعبوا أنفسهم في العبادة، وجاوزوا حدّ الاعتدال فيها، ورغبوا عن مادّيات هذه الحياة، وكانوا يُبلون بلاءً حسناً في ميادين القتال، كيف يكون لحبّ الدنيا من معنىً بالنّسبة إليهم؟! وهنا ينبغي أن نقول: 'هاهنا ألف مسألة هي أدقّ من الشعرة'.


[ ترجمة لمثل فارسي.]


فللإقبال على الدنيا معالم ووجوه، ذلك أنّ منهم مَن يتشدّد فيها على نفسه حيناً، ويعنُف بها؛ لكي يكون مشهوراً محبوباً بين الناس، ويذيع صيته، ويتحدّث المتحدّثون باسمه! أجل:




  • كلّ من في الوجود يطلب صيداً
    إنّما الإختلاف في الشبكاتِ



  • إنّما الإختلاف في الشبكاتِ
    إنّما الإختلاف في الشبكاتِ




وليس للمرء أن يُخلِصَ دخيلته فيها ما لم يَخلَصْ من حبالة النفس وفخّ الشيطان، ومن الواضح أنّ الإقبال على الدنيا- إذا كان في قالب التديّن ولباس أهل الآخرة- أخطر بكثيرٍ ممّا إذا كان في قالب حبّ الدنيا واللهث وراءها، وفي زيّ الإتراف. ذلك أنّ من العسير إدراك هذه الحقيقة من وراء ذلك الظاهر.


ولنا أن نلمس هذه الحقيقة بوضوح في تصوير شامل للإمام أميرالمؤمنين عليه السلام يتحدّث فيه عن أصناف الناس في عصره، قال عليه السلام:


'ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامَنَ من شخصه، وقارَبَ من خَطوه، وشمّر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة، واتّخذ ستر اللَّه ذريعة إلى المعصية'.


[ نهج البلاغة: الخطبة 32، بحارالأنوار: 54:5:78.]




ومن الصعب تمييز النماذج الماثلة لطلّاب الدنيا بخاصّة طلّابها الذين عليهم مسحة التوجه إلى الآخرة، فهذا اللون من التوجّه لا يظهر إلّا عند محطّات الاختبار وفى منعطفات الحياة الوعرة، وهناك تنجلي جوهرة الباطن، ونِعمَ ما قاله الإمام عليه السلام في هذا المجال:


'في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال'.


[ نهج البلاغة: الحكمة 217.]




إن إدراك الحقيقة المستخفية وراء حجاب الرياء والتدليس أمر لا يهتدي إليه كلّ أحد؛ فهو يتطلّب بصيرة عميقة ثاقبة كبصيرة مالك الأشتر، حتى يتسنّى أن يُرى حبّ الدنيا كامناً وراء السجدات الطويلة والنزعات الخادعة ببريق قداستها المفتعلة. لقد كان مالك على مشارف النصر في صفّين، وتقدّم حتى اقترب من خيمة طلّاب السلطة، لكنّه اُكره على التقهقر تحت ضغط 'القرّاء'. وحين عاد خاطبهم بحرقة وألم، فقال لهم:


'يا أصحاب الجباه السُّود! كنّا نظنّ صلاتكم زهادةً في الدنيا، وشوقاً إلى لقاء اللَّه عزّوجلّ، فلا أرى فراركم إلّا إلى الدنيا من الموت، ألا قبحاً يا أشباه النِّيْب الجلّالة'.


[ تاريخ الطبري: 50:5، الكامل في التاريخ: 387:2؛ وقعة صفّين: 491.]




وهذا اللون من طلب الدنيا وضروب حبّها والركون إليها ورد أيضاً في كلام تربويّ للإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام يبعث على التذكير والتنبيه، فلنقرأه معاً:


'إذا رأيتم الرجل قد حَسُن سمته وهديه، وتماوَتَ في منطقه، وتخاضَع في حركاته، فرويداً لا يغرّنّكم؛ فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها لضعف نيّته، ومهانته، وجُبن قلبه؛ فنَصَبَ الدين فخّاً لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره؛ فإن تمكّن من حرامٍ اقتحمه. وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنّكم؛ فإنّ شهوات الخلق مختلفة؛ فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّماً، فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك فرويداً لا يغرّكم حتى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر مَنْ ترك ذلك أجمع، ثمّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متيناً، فرويداً لا يغرّكم حتى تنظروا: أمَع هواه يكون على عقله، أو يكون مع عقله على هواه ؟ وكيف محبّته للرئاسات الباطلة وزهده فيها؟ فإنّ في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا، ويرى أنّ لذّة الرئاسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال والنِّعم المباحة المحلّلة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة الباطلة، حتى إذا قيل له: اتّقِ اللَّه، أخذته العزّة بالإثم، فحسبه جهنّم، ولبئس المهاد؛ فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمدّه ربّه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يُحلّ ما حرّم اللَّه، ويُحرّم ما أحلّ اللَّه، لا يُبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها، فاُولئك الذين غضب اللَّه عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً مُهيناً.


ولكن الرجل كلّ الرجل نِعْمَ الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر اللَّه، وقواه


مبذولة في رضى اللَّه، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل، ويعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دارٍ لا تبيد ولا تنفد، وأنّ كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتّبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال، فذلكم الرجل نِعْم الرجل، فبه فتمسّكوا، وبسنّته فاقتدوا، وإلى ربّكم به فتوسّلوا؛ فإنّه لا تردّ له دعوة، ولا تخيب له طلبة'.


[ الاحتجاج: 192:159:2، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 27:53 كلاهما عن الإمام الرضا عليه السلام، بحارالأنوار: 10:84:2.]




آثار التعمّق



من المناسب أن نتحدّث عن آثار 'التعمّق' بعد أن تعرّفنا على طبيعته وجذوره؛ فإنّا نلحظ أنّ الأحاديث التي أحصت أخطار الجاهل 'المتنسّك' هي في الحقيقة قد صوّرت آثار 'التعمّق' الضارّة. ونقرأ في هذه الأحاديث: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخبر بهلاك اُمّته على يد العلماء الفجّار، والعبّاد الجهّال. وقد تجسّد هذا الخبر في أيّام حكومة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام واتّخذ شكله يومئذٍ، قال عليه السلام: 'قصم ظهري عالم متهتّك، وجاهل متنسّك'.


[ منية المريد: 181، غرر الحكم: 9665.]




وقال: 'قطع ظهري اثنان: عالم فاسق... وجاهل ناسك'


[ تنبيه الخواطر: 82:1.]




وقال في خطبة له عليه السلام:


'قطع ظهري رجلان من الدنيا: رجل عليم اللسان فاسق، ورجل جاهل القلب ناسك؛ هذا يصدّ بلسانه عن فسقه، وهذا بنُسكه عن جهله؛ فاتّقوا الفاسق


من العلماء، والجاهل من المتعبّدين، اُولئك فتنة كلّ مفتون'.


[ الخصال: 103:69، مشكاة الأنوار: 687:238، روضة الواعظين: 10، بحارالأنوار: 3:106:2.]




نلحظ هنا أنّ الإمام عليه السلام بكلماته هذه يذكّر بمشكلة حكومته في الحقيقة، وأنّه يلفتنا إلى أنّ حكومته قد تلقّت ضربتين قاصمتين من شريحتن، وأنّ عمودها الفقري قد اُصيب وتضعضع بذلك، وهاتان الشريحتان هما:


1- العلماء المتهتّكون؛ وهم الوجوه البارزة الذين أوقدوا فتنة الجمل وصفّين "الناكثون والقاسطون" ومهّدوا سبل الفساد، وقسطوا ونكثوا عامِدين.


2- الجهّال العابدون الذين واجهوا الإمام عليه السلام في النهروان بسيماء الزاهدين وباسم الدين منطلقين من جهلهم وحمقهم.


وهكذا، فلا قيمة لعبادات الجاهل المتنسّك، ولا وزن لتهجّداته، ولا خلاقَ له منها. وليس هذا فحسب، بل إنّهم يشكّلون خطراً عظيماً على الإسلام والحكومة الإسلاميّة، وبعبارة اُخرى: مَثَلُ العالم المتهتّك في خطره على النظام الإسلامي كمثل الجاهل المتنسّك في خطره على الاُمّة الإسلاميّة والنظام الإسلامي أيضاً.


ولا غرْو أن تُختم حياة الإمام عليه السلام على يد هذه الشريحة الثانية، فدلّ واقع التاريخ على أنّ خطر العبّاد الجاهلين أشدّ وأنكى.


فاستبان- إذن- أنّ أمرّ ثمرةٍ وأضرّها لشجرة 'التعمّق' الخبيثة- الضاربة جذورها في الجهل وحبّ الدنيا والمرتدية لباس الدين- هو تقويض أركان النظام الإسلامي. والآن نعرّج على أغصان هذه الشجرة بشي ء من التوضيح:


العجب



العُجُب، والزهو، والتعظّم، كلّ ذلك يمثّل أوّل غصن للتعمّق، والتطرّف، والتنسّك الجاهل. وقد مُني القرّاء بهذه الأدواء الوبيلة؛ لإفراطهم في تعبّدهم وتنسّكهم، ونظرهم إلى هذا المرض على أنّه قيمة مهمّة. وزعموا- بفعل هذا المرض- أنْ ليس في الناس من هو أفضل منهم. ومن هنا سأل رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله أحدهم بغية كشف باطنه الخفيّ له ووضعه أمامه، فقال:


'أقلت في نفسك حين وقفت على المجلس: ليس في القوم خيرٌ منّي؟ قال: نعم!'.


فأراد صلى الله عليه و آله أن ينبّهه على إصابته بداء الزهو والعُجب. وقال فيه وفي نظائره:


'إنّ فيكم قوماً يدأبون ويعملون حتى يُعجبوا الناس وتُعجبهم أنفسهم'.


[ فتح الباري: 289:12 عن أنس.]




خطر العُجب



العُجب أخطر الأمراض الأخلاقيّة، فإذا استفحل عند أحد غدا عُضالاً، وأودى بصاحبه. وكلام صادق آل محمّد عليه السلام آية بيّنة على هذه الحقيقة، قال عليه السلام:


'مَن اُعجب بنفسه هلك، ومَن اُعجب برأيه هلك، وإنّ عيسى بن مريم عليه السلام قال: داويتُ المرضى فشفيتهم بإذن اللَّه، وأبرأتُ الأكمه والأبرص بإذن اللَّه، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن اللَّه، وعالجت الأحمق؛ فلم أقدر على إصلاحه! فقيل: يا روح اللَّه، وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كلّه له لا عليه، ويوجب الحقّ كلّه لنفسه، ولا يوجب عليها حقّاً، فذاك الأحمق


/ 40