الحكمة من عدم اغتنام الفرصة بعد توبة الخوارج - موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 6

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


أو لم يريدوا أن يدركوا بأنّ رفع المصاحف على الرماح لم يكن إلّا مكيدة أراد بها الشاميّون إيقاف القتال؟ ولماذا لم يُصغوا لكلام إمامهم، وأرغموه على قبول التحكيم؟

ينبغي الإجابة عن هذا السؤال بالقول: إنّه وإن كان ثمّة أفراد في جيش الإمام كانوا طوع أمره، وأرادوا أن تستمرّ المعركة حتّى انتصار جيش الكوفة، إلّا أنّ الوثائق التاريخيّة تُثبت أنّ الأكثريّة العظمى من جيش الإمام كانت قد سئمت الحرب أوّلاً، وكانوا يعلمون أنّهم حتى لو انتصروا فلن يحصلوا على أيّة غنائم- مثلما حدث في معركة الجمل- ثانياً؛ ومن هنا فهم كانوا يفتقدون الدوافع المحفزة على مواصلة القتال. وعندما عرض عديّ بن حاتم على الإمام عليه السلام مواصلة الحرب قائلاً: يا أميرالمؤمنين، ألا نقوم حتى نموت؟

قال عليّ عليه السلام: 'ادنُهْ'، فدنا حتّى وضع اُذنه عند أنفه، فقال: 'ويحك! إنّ عامّة من معي يعصيني، ومعاوية فيمن يُطيعه ولا يعصيه'.

نعم، فقد كان قرّاء الكوفة- الذين كان لهم دور أساسي في جيش الإمام- من جملة هذه الشِّرْذِمة، ونظراً لمكانتهم بين أهل الكوفة، فقد أصبح لهم الدور الأكبر في صياغة هذا المشهد الأليم، وكان جهلهم وغرورهم بمثابة الغشاء الذي حال بينهم وبين إدراك الخدعة التي لجأ إليها الشاميّون برفع المصاحف على الرماح لغرض إيقاف الحرب والحيلولة دون هزيمتهم المتوقّعة، وقد أدّى التطرّف الديني-

[ راجع: وقعة النهروان: دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم.]

المقرون بالجهل والحماقة- بهؤلاء العبّاد الجهلة إلى إرغام إمامهم على قبول التحكيم.

وممّا دعم الموقف الأحمق للقرّاء في تلك الأثناء وساهم في نجاح مكيدة معاوية لإيقاف الحرب وبثّ الفرقة في جيش الإمام- كما سبقت الإشارة إليه- هو موقف اُولئك الذين كانوا يتعاملون مع الإمام تعاملاً منافقاً، ومن كانوا يمنّون أنفسهم بوعود معاوية، وعلى رأسهم الأشعث بن قيس.

فالأشعث بن قيس من قبيلة كندة التي كانت تقطن جنوب الجزيرة العربيّة، وقد وفد على الرسول صلى الله عليه و آله مع جماعة من قومه في السنة العاشرة للهجرة، وأسلم، ثمّ ارتدّ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله، فبعث أبوبكر جيشاً لقتاله، واُسر واقتيد مكبّلاً بالأغلال إلى المدينة، فعفا عنه أبوبكر وزوّجه اُخته!!

وبعد مقتل عثمان بايع عليّاً عليه السلام، بيد أنّه لم يكن يتعامل معه بإخلاص؛ فمواقفه إزاء الإمام وخاصّة فيما يتعلّق بالتحكيم، وبثّ الفرقة بين صفوف جيش الإمام، تشير إلى أنّه تحوّل إلى واحد من العناصر المندسّة في جيش الإمام لصالح معاوية. إلّا أنّ الإمام عليّ عليه السلام لم يكن قادراً على البتّ في أمره؛ بسبب مكانته الاجتماعيّة وضخامة قبيلته التي كان لها دور مؤثّر في جيش الكوفة.

الحكمة من عدم اغتنام الفرصة بعد توبة الخوارج


وتوقّفت المعركة على أثر المكيدة التي ابتكرها عمرو بن العاص. ولكن ما لبث قرّاء الكوفة أن انتبهوا إلى أنّهم قد انطلت عليهم الخدعة، وأنّهم قد أخطؤوا في حمل الإمام على قبول التحكيم. فجاؤوا إليه وأعربوا عن خطأ موقفهم، وتوبتهم ممّا كان منهم، وأنّه هو الآخر قد أخطأ في قبول رأيهم، ويجب أن يتوب أيضاً! واعتبروا الوثيقة التي صيغت على أساس المكيدة فاقدة لأيّة قيمة، ولابدّ من نقضها واستئناف الحرب. إلّا أنّ الإمام رفض قبول هذه الاقتراحات، وانتهى ذلك الرفض إلى انشقاق القُرّاء عن الإمام ووقوع معركة النهروان.

والسؤال الأساسي الأخير فيما يخصّ أمر التحكيم هو: لماذا رفض الإمام اقتراح القرّاء بنقض الوثيقة ومعاودة القتال؟ ألم يكن يعلم بما سيؤول إليه رفض تلك المقترحات؟ وما هي الحكمة الكامنة وراء عدم اغتنام الإمام لتلك الفرصة الذهبيّة لإنهاء فتنة القاسطين، وتوقّي وقوع فتنة المارقين؟

وجواب هذا السؤال: هو أنّ استجابة الإمام لتلك المقترحات تنطوي على ثلاثة أخطاء سياسيّة ودينيّة كبرى لم يكن الإمام على استعداد لاقترافها، وهي:

الاعتراف بخطأ القيادة


كان الطلب الأوّل للخوارج أن يعترف بأنّه قد أخطأ فيما يخصّ القبول بأمر التحكيم، غير أنّ الإمام لم يكن على استعداد للإعلان عن ارتكابه لأيّ خطأ؛ وذلك لأنّ القبول بالتحكيم لحلّ الاختلافات لا يُعدّ تصرّفاً خاطئاً، بل هو أمر محبّذ يؤيّده القرآن. والمؤاخذة الوحيدة في هذا السياق هي أنّ التحكيم في هذه الواقعة جاء خلافاً للحكمة والسياسة التي أعلنها الإمام صراحة، لكنّهم هم الذين استنكروا منه ذلك الموقف وأملوا عليه وعلى جيش الكوفة الرضوخ للتحكيم.

وفضلاً عن ذلك، فإنّ الإمام كان يميل إلى الاستقالة على نحو يُرضي الخوارج، غير أنّ الأشعث لم يقبل وأصرّ على أن يعترف الإمام بالخطأ على نحو يسي ء إلى مكانته بوصفه قائداً.

نقض العهد


ولو افترضنا أنّ الإمام قد اعترف بخطأ؛ فإنّ الخوارج كان لديهم طلب آخر؛ وهو نقض الوثيقة بين جيش الشام والكوفة. بينما كان الإمام يرى أنّ التمسّك

بالمواثيق يعدّ واحداً من المبادئ الدوليّة في الإسلام، ولا ينبغي أن ينقض المواثيق تحت أيّة ذريعة كانت. ومن هنا فقد كتب في عهده إلى مالك الأشتر:

'وإن عقدتَ بينك وبين عدوّك عُقدة أو ألبستَه منك ذمّة، فحُطْ عهدك بالوفاء، وارْعَ ذمّتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت؛ فإنّه ليس من فرائض اللَّه شي ءٌ الناسُ أشدُّ عليه اجتماعاً، مع تفرّق أهوائهم وتشتّت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود. وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استَوبَلوا من عواقب الغدر؛ فلا تغدرنَّ بذمّتك، ولا تَخِيسَنّ بعهدك، ولا تَخْتِلنّ عدوّك؛ فإنّه لا يجترئ على اللَّه إلّا جاهل شقيّ. وقد جعل اللَّه عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى مَنَعته، ويستفيضون إلى جواره؛ فلا إدغالَ ولا مدالسة ولا خداع فيه'.

[ نهج البلاغة: الكتاب 53.]


فإذا كان الإمام عليّ عليه السلام ينقض هذا المبدأ الإسلامي الأساسي، فما عسانا أن نتوقّع من غيره!

خطورة تسلّط الجهلة المتنسّكين


إنّ خطر تسلّط الجهلة المتنسّكين- في منظار الامام عليه السلام- لا يقلّ عن خطر العلماء الفاسقين؛ فالاعتراف بخطأ، ونقض العهد في أمر التحكيم، كان يعني انصياع عليّ عليه السلام لتسلّط الجهلة المتنسّكين- المصابين بمرض العجب وحبّ الدنيا والتطرّف الديني لدى من اشتُهروا باسم 'القرّاء'- على نفسه وعلى الاُمّة الإسلاميّة، وأنّه قد فوّض إليهم القرارات الأساسيّة في الحرب والسلام، ومن بعدهما في جميع الاُمور المهمّة والحسّاسة. وهذا ليس بالأمر الذي يمكن أن

يتقبّله أو يستسيغه قائد الاُمّة الإسلاميّة. وهذا ما جعل الإمام يقاوم طلباتهم بكلّ قوّة، ويقول:

'أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحدٌ غيري'.

الحرب الثالثة وقعة النهروان فتنة المارقين


المدخل


دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم


إنّ ظهور حركة الخوارج وبالتالي قيام معركة النهروان يُعَدّ من الحوادث المليئة بالعبر في التاريخ الإسلامي وعصر حكومة الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ ذلك أنّ طبيعة سلوكهم، وسابقتهم الدينيّة، وتمسّكهم القشري بالإسلام، ثمّ مواجهتهم للإمام عليه السلام، كلّ ذلك يعتبر من الاُمور المهمّة الحسّاسة في السيرة العلويّة. ويمكننا أن نقف على المخاطر والمحاذير إزاء مواجهة تيّارهم ومحاربتهم، من خلال كلامٍ رفيعٍ للإمام عليه السلام قال فيه: '... إنّي فقأتُ عين الفتنة؛ ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري'.

[ سيوافيك تفصيل النصوص التي أفاد منها هذا التحليل خلال البحوث القادمة، ما عدا بعض الموارد الخاصّة حيث لم يرد لها ذكر هناك؛ فعمدنا إلى تخريجها من مصادرها وذكرها هنا في الهامش.]


أجلْ، كيف يتسنّى أن تُسلّ السيوف على وجوهٍ قرآنيّة الظاهر، وجباهٍ ثَفِنَةٍ من كثرة السجود، ومن ثَمّ قهرها وإبادتها؟!

نحن في هذا الموضوع سوف نتوفر- وقبل كلّ شي ء- على دراسة الوضع

النفسي والاجتماعي للخوارج اعتماداً عل الوثائق التاريخيّة والحديثيّة، ونستعرض كيفيّة تبلور أفكارهم، وما كان لهم من موقف متشدّد مَشُوب باللجاجة والجهل في قبال الإمام عليه السلام.

الدين والاعتدال


الإسلام دينٌ وَسَط،

[ قال تبارك وتعالى: 'وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا' "البقرة: 143".]

وتعاليمه زاخرة بالتأكيد على الاعتدال، وبالنظرة الشموليّة المستوعبة، وبضرورة الابتعاد عن الإفراط، والنظرة الضيّقة الاُحاديّة الجانب إلى الاُمور.

ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله- الذي كان يعرض الإسلام بوصفه منهاجاً للتكامل المادّي والمعنوي ويؤكّد شموليّته وكماله في استيعابه المصالح الفرديّة والاجتماعيّة- كان يرى الإفراط والنظرة الاُحاديّة الجانب أكبر خطر على اُمّته ودينه. ولم يزل ينبّه على هذه الحقيقة طيلة عمره المبارك، فقد كان صلى الله عليه و آله يقول:

'لا يقوم بدين اللَّه إلّا من حاطه من جميع جوانبه'.

[ كنز العمّال: 5612:84:3 نقلاً عن أبي نعيم؛ شرح الأخبار: 389:2.]


وكان صلى الله عليه و آله يرى أنّ الذين يحملون النظرة الشموليّة المستوعبة للدين، ويُحيطون بجميع التعاليم الدينيّة في مجال الفكر، والقول، والتكامل الفردي والاجتماعي هم وحدهم الذين تُثمر جهودهم في نصرة الدين، وكان يحرص على تعليم ذلك لاُمّته. ومن هنا كان صلى الله عليه و آله يقول:

'إنّ دين اللَّه عزّوجلّ لن ينصره إلّا من حاطَهُ من جميع جوانبه'.

[ الفردوس: 897:234:1 عن ابن عبّاس، كنز العمّال: 28886:171:10.]


ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله- إلى جوار ما كانت تعيشه الاُمّة من تعاليم سيرته الوضّاءة التي يُتحفها بها من أجل هدايتها واستقامتها على الطريقة، وجعلها الاُمّة الوسط- كان يدلّ على القدوة في هذا المجال، ويؤكّد تمسّك المسلمين بسيرة العترة التي كان يعرّفها للاُمّة بوصفها المثال البارز للاعتدال والوسطيّة.

[ راجع: كتاب 'أهل البيت في الكتاب والسنّة'.]

وقد أشار الأئمّة عليهم السلام إلى منزلة أهل البيت ومكانتهم، من ذلك دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في الصلوات الشعبانيّة، حيث جاء فيها:

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الفُلك الجارية في اللُّجج الغامرة؛ يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.

[ مصباح المتهجّد: 485:361 عن الإمام الصادق عليه السلام و ص 888:828، الإقبال: 300:3 كلاهما عن مجاهد، المزار الكبير: 1:401 عن العبّاس بن مجاهد، بحارالأنوار: 20:90.]


وهكذا نبّه أئمّة الدين الناسَ على لزوم الاعتدال في الفكر والحياة، وأكّدوا ذلك. ويمكننا أن نُدرك من هذا كلّه أنّ الخروج عن جادّة الاعتدال، والسقوط في حضيض الإفراط والتطرّف لا يستتبع إلّا الشذوذ، وربّما الانجراف مع تيّار الفساد.

ومثّل الخوارج- في نطاق الثقافة الإسلاميّة- تيّاراً متطرّفاً ذا مواقف حادّة متشنّجة بعيدة عن الاعتدال، ونُعتوا في الأحاديث النبويّة بصفة 'التعمّق':

'إنّ أقواماً يتعمّقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرمِيّة'.

ونتناول هذا الاصطلاح فيما يأتي بإيجاز قبل أن نتحدّث عن جذور تيّار الخوارج:

التطرّف الديني في اصطلاح الحديث


ذكرنا أنّ الإسلام دينٌ وسطٌ يرفض الإفراط، والتطرّف، والخروج عن الاعتدال، ولنا أن نلمس هذه الحقيقة في التعاليم الدينيّة بعناوين متنوّعة. منها: إنّنا نلحظ أنّ الإفراط والتطرّف وردا في لسان الأحاديث والروايات تحت عنوان 'التعمّق'، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

'إيّاكم والتعمّق في الدين! فإنّ اللَّه تعالى قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون؛ فإنّ اللَّه يحبّ مادام من عمل صالح وإن كان يسيراً'.

[ كنز العمّال: 5348:35:3 نقلاً عن أبي القاسم بن بشران في أماليه عن عمر، الجامع الصغير: 2933:452:1.]


ونُلقي فيما يأتي نظرة عابرة على هذه المفردة مستهدين بما ذكره أرباب المعاجم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: المُتَعَمِّق: المبالغ في الأمر المنشود فيه الذي يُطلب أقصى غايته.

[ كتاب العين: 579.]


/ 40