الفصل الثاني في مرتبة كتاب البرهان
إن الفنون التي سلفت سلف أكثرها على نهجطبيعي من الترتيب فكان من حق الفن الذي فيالبسائط أن يقدم على المركبات و من حق الفنالذي في التركيب الأول الجازم أن يقدم علىالذي في القياس و كان من حق الفن الذي فيالقياس المطلق أن يقدم على القياساتالخاصة.
و أما هذه الفنون التي انتقلنا إليها فمنالجائز أن يقدم بعضها على بعض و ليس إلىشيء من التراتيب و الأوضاع حاجة ضرورية.لكن الأشبه أن يكون المعلم الأول رتب هذاالفن الذي في البرهان قبل سائر الفنون: لأنالغرض الأفضل في جميع ما سلف و في القياسنفسه هو التوصل إلى كسب الحق و اليقين. وهذا الغرض يفيده هذا الفن دون سائر الفنون.و الأولى في كل شيء أن يقدم الأهم و أنيصرف الشغل إلى الفرض قبل النفل. فأما مايفيده سائر الفنون فكأنه من الأمور التيينتفع ببعضها في الأمور المدنية المشتركةدون استفادة الكمالات الخاصية إلا مايتعلم منه على سبيل ما يتعلم الشر ليحذر. والكمال الخاص قبل الكمال المشترك.
و ذلك لأن بعضها يتعلم ليتحرز منه و بعضهاليرتاض به أو ليكبح به معاند الحق. و بعضهاليقدر به على مخاطبة الجمهور في حملهم علىالمصالح بما يظنون منه ظنا أو يتخيلونتخيلا.
و جميع ذلك مما لا غنية عن تلخيصه لتكملةالأقسام.
لكن من الناس من رأى أن الأصوب هو أن يتقدمالفن المعلم للجدل على هذا الفن فاستنكرما يقوله كل الاستنكار و رد عليه كل الرد وليس يستحق الرجل كل ذلك النكير و كل ذلكالرد:
فإن من وسع وقته للتأخر و أملي له في الأجلفسلك ذلك السبيل كان ذلك أحسن من وجه