الفصل الثالث في أن كل تعليم و تعلم ذهنيفبعلم قد سبق
لتعليم و التعلم منه صناعي مثل تعلمالنجارة و الصباغة و إنما يحصل بالمواظبةعلى استعمال أفعال تلك الصناعة. و منهتلقيني مثل تلقين شعر ما أو لغة ما و إنمايحصل بالمواظبة على التلفظ بتلك الأصوات والألفاظ ليحصل ملكة. و منه تأديبي و إنمايحصل بالمشورة على متعلمه. و منه تقليدي وهو أن يألف الإنسان اعتقاد رأي ما و إنمايحصل له من جهة الثقة بالمعلم. و منهتنبيهي كحال من يعلم أن المغناطيس يجذبالحديد لكنه غافل عنه في وقته و لا يفطن لهعند إحساسه جاذبا للحديد فيعجب منه فيقالله: هذا هو المغناطيس الذي عرفت حاله.فحينئذ يتنبه و يزول عنه التعجب. أو كمنيخاطب بالأوائل فلا يفطن لها لنقص فيالعبارة أو في ذهنه فيحتال في تقريرها له.و منه أصناف أخر و ليس شيء منها بذهني أوفكري. و الذهني و الفكري هو الذي يكتسببقول مسموع أو معقول من شأنه أن يوقعاعتقادا أو رأيا لم يكن أو يوقع تصورا مالم يكن. و هذا التعليم و التعلم الذهني قديكون بين إنسانين و قد يكون بين إنسان واحدمع نفسه من جهتين. فيكون من جهة ما يحدسالحد الأوسط في القياس مثلا معلما و من جهةما يستفيد النتيجة من القياس متعلما. والتعليم و التعلم بالذات واحد و بالاعتباراثنان. فإن شيئا واحدا و هو انسياق ما إلىاكتساب مجهول بمعلوم يسمى بالقياس إلىالذي يحصل فيه تعلما و بالقياس إلى الذييحصل عنه و هو العلة الفاعلة تعليما. مثلالتحريك و التحرك. و كل تعليم و تعلم ذهني و فكري فإنما يحصلبعلم قد سبق. و ذلك لأن التصديق و التصورالكائنين بهما إنما يكونان بعد قول قدتقدم مسموع أو معقول. و يجب أن يكون ذلكالقول معلوما أولا و يجب أن يكون معلوما لاكيف اتفق بل من جهة ما شأنه أن يكون علما مابالمطلوب: إن لم يكن بالفعل فبالقوة.