والآن قريب من ثلاث سنين أعيش في هذهالجزيرة، أبي كان رجلاً من أهل إيران،فعزم الرحيل إلى الهند، ولمّا بلغنا قبّةالبحر انكسرت سفينتنا وغرقت، وغرق ما فيهامن الأحمال والأشخاص، وغرق أبي ووقعت أنافي هذه الجزيرة.
ولمّا علمت بحالها حكيت لها قصّتي وقلتلها: لو خطبك أحد ترغبين فيه؟ فسكتت، فعلمتبرضاها، فحوّلت وجهي حتى نزلت من الشجرة،فعقدت عليها، وكنت أتمتّع بها وأفرح بها،فرزقني الله تعالى منها هذين الغلامينالذين تراهما، فكنت أطيب خاطري تارةبمصاحبتها، وأتسلّى مرّة بوجودهماوالإشتغال بهما وبها، وكذلك المرأة; وكانتعاقلة، وكنّا نعيش في الجزيرة كذلك إلى أنبلغ أحدهما تسع سنين والآخر ثمانية، ولمّاكنّا عراة وعلى أبداننا شعور طوال قبيحةالمنظر، قلت يوماً لها: ليت كانت لنا قطعةلباس نستر بها عوراتنا ونخرج بها عن هذهالفضيحة. فتعجّب الولدان وقالا: هل بغيرهذا الوضع والمكان وضع آخر ومكان وطريقةأخرى؟
فقالت أمّهما: نعم، إنّ لله تعالى بلاداًوأناساً كثيرة من الرجال والنساء،ومأكولات ومشروبات وملبوسات، لا تحصى،ولكنّا نحن عزمنا المسافرة وركبناالسفينة فكسرتها الرياح العاصفة وطرحتنابوسيلة لوح منها في هذه الجزيرة. فقالا: لملا ترجعون إلى أوطانكم المألوفة؟ فقالت:لا يمكن العبور من هذا البحر الزخّار بلاسفينة مستعدّة. فقالا: نحن نصنع السفينة،فلمّا رأتهما عازمين على اصطناع سفينة،أشارت إلى شجرة كبيرة كانت في ساحل البحروقالت: لو قدرتما على نحت وسطها لعلّ اللهبعنايته يرحمنا ويوصلنا إلى مكان نستر بهعوراتنا.
فلمّا سمع الغلامان مقالة أمّهما، عمداإلى جبل كان قريباً منّا وأخذا بعضالأحجار وقطعاً من الحديد التي كانت رؤسهامحدّدة وأخذا في نحت الشجرة، وحرّما علىأنفسهما الطعام والشراب والنوم، ولميفتّرا عن العمل في مدّة ستّة أشهر