ويبكي حتى يبلّله بدموعه ويقول (عليهالسلام): آكل وقد قتل ابن رسول اللهجائعاً، وإذا أخذ الإناء ليشرب الماء، جعلينظر إلى الماء ويبكي حتى يملأها دمعاًويقول: ءأشرب وقد قتل ابن رسول اللهعطشاناً. وقال مولى له: جعلت فداك يابنرسول الله! إنّي أخاف أن تكون من الهالكين،قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلممن الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرعبني فاطمة إلاّ وخنقتني العبرة.
في اللهوف: إنّ زين العابدين بكى على أبيهأربعين سنة; صائماً نهاره وقائماً ليله،فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابهفيضعه بين يديه فيقول: كل يا مولاي، فيقول:قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسولالله عطشاناً، فلا يزال يكرّر ذلك ويبكيحتى يبتلّ طعامه من دموعه، ثمّ يمزج شرابهبدموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق باللهعزّوجلّ.
وحدّث مولى لزين العابدين قال: برز الإماميوماً إلى الصحراء، فتبعته، فوجدته قد سجدعلى حجارة خشنة، فوقفت وأنا أسمع شهيقهوبكاءه، وأحصيت عليه ألف مرّة يقول: لا إلهإلاّ الله حقاً حقاً لا إله إلاّ اللهتعبّداً ورقّا لا إله إلاّ الله إيماناًوتصديقاً وصدقاً، ثمّ رفع رأسه من سجودهوإنّ لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموععينيه، فقلت: يا سيدي! أما آن لحزنك أنينقضي، ولبكائك أن يقل؟! فقال لي: ويحك! إنّيعقوب بن إسحاق كان نبياً وابن نبي، لهإثنا عشر ابناً، فغيّب الله واحداً منهمفشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغموذهب بصره من البكاء وابنه حيّ في دارالدنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر منأهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزنيويقلّ بكائي؟!