الإنصراف مع الصبيان؟ فقال محمّد بن علي(عليه السلام) مسرعاً: يا أميرالمؤمنين! لميكن الطريق ضيّقاً فأوسّعه عليه بذهابي،ولم يكن لي جريمة فأخشاها وظنّي بك حسن،إنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت.
فأعجبه كلامه ووجهه فقال له: ما اسمك؟ قال:محمّد. قال: ابن من أنت؟ قال: ياأميرالمؤمنين! أنا ابن عليّ الرضا (عليهالسلام)، فترحّم على أبيه وساق جواده إلىوجهته وكان معه بزاة، فلمّا بعد عنالعمارة أخذ بازياً فأرسله على دراجة فغابعن عينه غيبة طويلة ثمّ عاد من الجوّ وفيمنقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة،فعجب الخليفة من ذلك غاية التعجّب، فأخذهافي يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبلمنه، فلمّا وصل إلى ذلك المكان وجدالصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أولمرّة، وأبو جعفر لم ينصرف ووقف كما وقفأولا، فلمّا دنا منه الخليفة قال: يا محمد!قال: لبيك يا أميرالمؤمنين! قال: ما في يديفألهمه الله عزّوجلّ أن قال: ياأميرالمؤمنين! إنّ الله تعالى خلق بمشيّتهفي بحر قدرته سمكاً صغاراً يصيدها بزاةالملوك والخلفاء وهم يأخذونها في أيديهمفيختبرون بها سلالة أهل النبوّة. فلمّاسمع المأمون كلامه عجب منه وجعل يطيل نظرهإليه وقال: أنت ابن الرضا حقاً، وضاعفإحسانه إليه.
قال الشيخ المفيد في الإرشاد: وكانالمأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام)لمّا رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه فيالعلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لميساوه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجهابنته أمّ الفضل وكان متوفراً على إكرامهوتعظيمه وإجلاله وإظهار قدره، ولمّا أرادأن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّدبن علي (عليهما السلام) بلغ ذلك العباسيينفغلظ عليهم واستكبروه واستنكروه وخافواأن ينتهي الأمر معه إلى ماانتهى إليه معالرضا، فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهلبيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله ياأميرالمؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذيقد